قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل العشرون

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل العشرون

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل العشرون

أحيانا تجبرنا الظروف على المضي قدم داخل طريق نري بأخره نهايتنا المحتمة ولكن في بعض الأحيان لم يكن لدينا رفاهية الإختيار كي ننأي بأنفسنا من الهلاك المنتظر!
خاطرة لقاسم النعماني
بقلمي روز امين.

تسائل قدري مستفسرا بنبرة مرتعبة بعدما إستمع لصياح تلك الصارخة: خبر إية يا فايقة، إيه اللي حصل لعويلك دي؟
إنطجي يا مرة هتاچيني چلطة من وراك.
اجابتة منتحبة بدموع التماسيح: المرة السو اللي إسميها كوثر، إتصلت بيا دالوك وشندلتني بسبب موضوع فسخ خطوبة قاسم لبتها، وهددتني وجالت لي إن لو إنت وقاسم ما روحتولهاش بكرة، وطمنتوها إن الفرح هيتم يوم الخميس الچاي حسب الإتفاج الجديم،.

وأكملت بنبرة مرتجفة كي ثبث الرعب داخل روحه: هتاچي بعد بكرة لسوهاچ وتجول لأبوك على كل حاچة وعتفضحك وتكشف سرك جدامه وجدام العيلة كلياتها
تحدث إليها بنبرة حادة غاضبة: بت المركوب، الله في سماه لأتصل بيها واشندلها شنديل، هي فاكرة إني عخاف وعتهت من حديتها اللي ملوش عازة وأتمم لها جوازة الندامة دي، دي وجعت مع اللي معيرحمهاش وعيسود لياليها
وأكمل أمرا: إديني نمرتها بت المحروج دي لچل ما أعرفها مجامها صح.

إرتبكت فايقة من حديثه الغير متوقع لديها وباتت تحاول إقناعه للرضوخ لها وإتمام الزيجة كي يتقي شر والده إذا علم بمخطتة السابق لكنه رفض وبشدة، اعتطه رقم هاتف كوثر التي تبادلته معها كي يتحدا معا لإتمام مخطتهم الشيطاني
أغلقت فايقة معه وقامت سريع بمهاتفة كوثر وأبلغتها ما يجب عليها قوله وفعله، أغلقت كوثر معها سريع كي تجيب على ذلك المستشاط الذي هاتف رقمها أكثر من ثلاث مرات أثناء ما كانت تهاتف فايقة.

بدأ قدري حديثه بلهجة شديدة التهديد قائلا: إسمعي يا واكله ناسك إنت، شكلك إكدة معتعرفيش إنت بتلعبي ويا مين لجل ما تتصلي بمرتي وتهدديها بحديتك الخيبان دي، الله في سماه متفكري تاچي البلد كيف مبتجولي لكون جاتلك ومتويكي والچن اللزرج معيعرفش لجتتك طريج جرة.

إرتبكت كوثر من لهجة ذلك الغاضب لكنها تمالكت من حالها وأستدعت ثباتها من جديد وتحدثت بنبرة أشد غضب من لهجتة: إسمعني إنت كويس يا عمدة وسيبك من الشويتين بتوعك دول، إسمعني وحط كلامي ده في عين الإعتبار لأني ما بهددش، أنا بحذر مرة وبعدها بنفذ على طول، ولو كنت فاكر إني ست ضعيفة وهخاف وأكش من تهديدك ده تبقا غلطان، ولو إبنك أصر على رأية ولقيت بنتي هتنفضح قدام الناس فأنا مش هسكت وساعتها ههد المعبد على دماغ الكل.

وأكملت أمرة بنبرة قوية هزت داخل قدري وجعلته يتأكد من جبروت تلك المرأة التي لا تخشي شئ: إبنك يتصل ببنتي إنهاردة ويتأسف لها على كل كلمة سخيفة قالها لها، والفرح هيتم يوم الخميس الجاي على حسب إتفاقك القديم معانا،
واسترسلت حديثها بتهديد صريح: يا إما كدة يا إما متلومش غير نفسك من اللي هيحصل لك على إيد العبده لله.

قالت كلماتها التهديدة وأغلقت الهاتف دون أن تعطية حق الرد، أغلق معها وبات يصرخ بغضب ويسبها بألعن السباب وأقذره
أسرعت علية ماجدة التي كانت تختبئ خلف الحائط وتستمع لكل ما يقال بأذان صاغية، سألته عما جري فقص لها الحكاية التي لم يكن لديها علم بها، فنصحتة بأن يرضخ لأوامر تلك المرأة الحديدية التي وقفت بجرأة وجبروت أمام قدري ولم تخشي تهديدة، وذلك كي ينأي بحاله من غضب والده التي ستخبره كوثر بالتأكيد.

إتصل بقاسم الذي كان بالكاد قد وصل إلى مسكنة ودلف من بابه بقلب مهموم وروح متعبة، إستمع إلى رنين هاتفه أخرجه من جيب الجاكيت وتحرك إلى الأريكة وأرتمي فوقها بجسده بإهمال وأجاب والده بصوت ضعيف مهموم قائلا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أجابه ذلك الغاضب قائلا بنبرة هجومية: سلام؟ وهياچيني منين السلام ده طول ما أنت مراسيش على بر و واجع جلبي وياك يا حضرة المحامي اللكبير.

إعتدل قاسم بجلسته وتحدث مستفسرا بإرتياب: إية اللي حصل يا أبوي لجل ما تقجطمني بحديتك إكدة؟
أجابه قدري بفحيح: اللي حصل إن المرة السو اللي چنابك بلتني بيها، كلمتني في التلفون وهددتني إنها هتاچي لچدك وتحكي له على كل حاچة لو ما تممتش چوازك من الملعونة بتها يوم الخميس الچاي.

زفر قاسم وشعر بعالمة ينهار من تحت قدماه وتحدث بنبرة حزينة منكسرة: متجلكش يا أبوي، أني هاچي بنفسي لچدي وأجول له على كل حاچة واجطع عليها الطريج، وهو أكيد هيعذرني ومعيجولش لصفا ولا لعمي زيدان.

صاح قدري عاليا بنبرة غاضبة: حرج أبو صفا على اللي چابوها، أني كل اللي عيهمني إن چدك ميعرفش إني چيت وياك للمرة الحرباية دي، چدك ممكن يسامحك ويغطي عليك وميجولش لزيدان لما يعرف إنك كت عتحب بت المركوب دي، وأكمل مفسرا بنبرة تأكيدية: لكن أني لا يا حزين، معنديش عذر للي عملته، چدك معيرحمنيش يا قاسم، ده مستني لي على غلطة وجالهالي بالفم المليان يا ولدي، جال لي إن فاضل لي غلطة كمان وياه وعيحاسبني على الچديد والجديم بالچملة.

إتسعت أعين قاسم من شدة صدمته في والدة الذي يحاول النجاة بحالة وفقط ولم يشعر بقلب ولده المتألم وضميره الصارخ الذي يجلده طيلة الوقت بدون رحمة، تحامل على حاله بصعوبة وسأله مستفهم بفطانة: وإية المطلوب مني يا أبوي؟
زفر قدري بضيق وتحدث بنبرة أمرة: اللحكاية دي أني مكانش ليا دخل بيها من اللول ودخلت فيها لچل خاطرك وراحتك، يعني تروح للولية بكرة وتتفاهم وياها، وزي ما ربط العقدة بنفسك تفكها وتخرچني منيها.

وأكمل بنبرة ضعيفة كي يستدعي تعاطفة: أني مش جد غضب چدك يا ولدي
أجابة بنبرة حادة صارمة لا تحتمل الجدال: معيحصلش يا أبوي، أني جولت كلمتي ومعرجعش فيها حتى لو كان فيها موتي، وكفياك عاد لحد إكدة، كفياك چبر وأوامر يا أبوي
وصاح بصراخ هيستيري: معخونش ثجت عمي أني ومعكسرش مرتي يا أبوي، معكسرهاش ولو فيها موتي، سامعني يا أبوي، معسكرهاش ولو على رجبتي.
صاح قدري صارخ به: مرتك ولا أبوك يا قاسم؟

وأكمل بنبرة منكسرة زليلة مستنزف مشاعر قاسم نحوه: ترضاها على أبوك يا قاسم، ترضي لي الذل والمهانة والطرد من بيت أبوي بعد العمر ده كلياته، چدك معيرحمنيش يا ولدي، الله الوكيل معيرحمني
هتف بنبرة حادة غاضبة: بكفياك عاد يا أبوي، إنت ليه مصر إنك تخليني خاين للنهاية، لية يا أبوي؟
وأنهي المكالمة بعد جدال حاد إنتهي بالرفض التام من قاسم وغضب قدري الشديد علية وسبه بألعن السباب.

قبل قليل بمنزل رفعت عبدالدايم
إنتهت كوثر من حربها الشرسة مع قدري وما أن أغلقت الهاتف حتى وجدت زوجها يدلف من باب المنزل ينظر إليها بملامح وجة غاضبة بعدما إستمع إلى حديثها مع قدري من خلف الباب وأنتظر حتى إنتهت كي يستمع للنهاية
نظر إليها وتسائل بنبرة غاضبة: الكلام اللي أنا سمعته منك ده صحيح يا كوثر، خطيب بنتك سابها بجد؟

إرتبكت بشدة وتغير لون وجهها وتحول لجميع ألوان الطيف وذلك لتحذير زوجها الدائم وتوقعاته لهذا الحدث طيلة السنين السبع المنصرمة، لكنها دائما ما كانت تتهكم عليه وتغالطه وتؤكد له ثقتها اللامتناهية في قاسم وإتمامه للزواج
صاح بأعلي صوته متسائلا من جديد وهو ينظر لإبنته المتكورة على حالها فوق الأريكة ودموعها تنساب بشدة وتغطي وجهها بالكامل: ردي عليا يا كوثر.

تحدث عدنان مهدء من ثورة والده: إهدي يا بابا من فضلك، ماما بتحاول تشوف حل للمصيبة دي، وأكيد قاسم هيتراجع قدام تهديدها ليه هو وأبوة
جلس رفعت وطلب من الجميع إخباره بكل التفاصيل وبعد مدة تحدث إلى كوثر بنبرة مستسلمة ضعيفة: ما أنا ياما حذرتك ونبهتك وقلت لك بلاش تغامري ببنتك يا كوثر، بس إنت مسمعتيش كلامي ولا قدرتي خوفي وقلقي على بنتي، وأدي النتيجة.

وأكمل بنبرة إنهزامية تدل على مدي قهره: أقول إيه لأهلي اللي رحت عزمتهم وجايين يوم الخميس علشان يحضروا فرح بنتي اللي ليها سبع سنين مخطوبة، يا فضيحتك يا رفعت، يا كسرة ظهرك قدام إخواتك وقرايبك ومعارفك، ألطف بيا يا رب
بكت إيناس بصوت مرتفع لم تستطع السيطرة عليه، حين تحدثت كوثر بنبرة حادة في محاولة منها لتهدئته: إهدي يا رفعت وسيبني أنا هتصرف، أنا هكلم أبوه تاني وههدده وأكيد...

إبتلعت باقي جملتها عندما إستمعت صياح ذلك الغاضب حيث قال: هو أنا لسه هسمع كلامك تاني يا كوثر، مش كفاية سمعت كلامك لحد ما غرقتينا وفضحتينا وسط الناس،
وأكمل بنبرة جادة مشيرا للجميع: إنت تخرسي خالص، مش عاوز اسمع لأي حد فيكم صوت، وأنا هروح لقاسم بكرة وهتصرف معاه.
رمقوة ثلاثتهم بنظرة سلبية وكانوا متأكدين من أنه لم ولن يستطيع تغيير أي شئ،.

صباح اليوم التالي داخل مكتب قاسم، لم تأتي إيناس إلى المكتب وجاء عدنان فقط ولكن بقي داخل مكتبه يتابع عمله دون الإحتكاك بقاسم نهائيا
دلفت السكرتيرة إلى قاسم بعد إستإذانها وتحدثت إلية: أستاذ رفعت والد استاذة إيناس برة يا أفندم وطالب يقابل حضرتك.

كان منكب على أوراقة يتابع عمله بجدية لينتهي منه سريع بعدما أنتوي السفر إلى سوهاج ليلا، وذلك لإتخاذه قرار بأنه سيذهب إلى جدة ويعترف له بكل خطاياه وذنوبه العديدة التي إقترف جميعها عن جهل وعناد وعدم إستيعاب لخطورة ما يفعله،.

ويطلب منه السماح والغفران وأن لا يبلغ أيا من صفا أو عمه زيدان كي لا يراه شخص خائن للعهد، وأنتوي داخل نفسه بأن يعترف لصفا بكل ما فعل ولكن ليس قبل أن يجعلها تثق به ويمحوا عن قلبها حزنها الذي أصابها جراء أفعاله المشينة وحديثه المميت لشخصها ولإنوثتها ليلة الحنة
أخذ نفس عميق وزفره وتحدث بملامح وجه مستسلمة حزينة: خلية يتفضل.

دلف رفعت ووقف قاسم وتحرك إلية لإستقبالة وتحدث باسط يده بإحترام: أهلا وسهلا أستاذ رفعت.
وأكمل مشيرا إلى الأريكة: إتفضل إستريح، تحب حضرتك تشرب إية؟
نظر له رفعت بعيون منكسرة محملة باللوم وأردف بحديث ذات مغزي: شارب ومستكفي يا أبني
حزن قلب قاسم لأجل ذاك الأب ثم نظر للسكرتيرة وتحدث قائلا: سبينا لوحدنا يا نيرة ومش عاوز أي إزعاج.

أومأت له بطاعة وتحركت للخارج، ساد الصمت لمدة ثواني مرت على كلاهما كدهر، ثم تشجع قاسم وتحدث كي يكفي ذاك المسكين حرج اللحظة: أنا عارف سبب زيارة حضرتك، وحقيقي أنا في منتهي الإحراج من الموقف اللي أنا وإنت إتحطينا فيه،
قاطعه رفعت قائلا بنبرة مستسلمة: وفر كلامك يا أبني علشان ملوش لزوم، أنا عندي كلمتين وجاي أقولهم لك، بس عاوزك تسمعني بقلبك مش بعقلك.

قطب قاسم جبينه وتحدث بهدوء: قول كل اللي حضرتك حابب تقوله وأنا سامعك.
تحدث ذلك المنكسر: من أول لما جيت عندي البيت وطلبت تخطب بنتي وشرطت إن الجواز هيتم بعد سبع سنين وأنا مش مطمن وكنت رافض الموضوع كله، بس للأسف لا مراتي ولا ولادي سمعوا كلامي وطاوعوني، وأدي اللي حسبته لقيته، ثم نظر إلى قاسم وتحدث بنبرة لائمة: زهقت خلاص يا أبن الأكابر ومش عاوز تكمل.

هز قاسم رأسه يمينا ويسارا وتحدث نافيا: الحكاية مش كده خالص يا أستاذ رفعت، أنا لحد إسبوعين فاتوا بالظبط ما كنتش ناوي أسيب إيناس ولا بفكر حتي،
وأكمل بعيون متأثرة: بس كلمة عمي وهو بيسلمني بنته وبيوصيني عليها بترن جوة وداني لحد إنهاردة، أنا مش خاين ولا غدار يا أستاذ رفعت، إيناس لسه الدنيا قدامها وإن شاء الله هيتقدم لها اللي يستاهلها بجد ويقدر يصونها ويحافظ عليها.

أردف رفعت قائلا: إسمعني يا أبني، أنا عارف إنك قررت وإن مستحيل تتراجع عن قرارك ده، بس لازم تسمعني وبعدها تحكم،
اخذ نفس عميق وزفره بألم ثم أسترسل حديثه ساردا: طول عمري وأنا شخص مسالم ومبحبش المشاكل، جيت زمان من الشرقية علشان أتعلم في جامعة القاهرة، خلصت كليتي وتعييني بردوا جه هنا في القاهرة، أجرت شقة على أدي وعيشت فيها وإتعرفت على كوثر من خلال الشغل، كانت زميلتي في المكتب وإتجوزتها وخلفنا ولادنا،.

وأكمل مهموم: كوثر كانت شديدة ومتسلطة وأنا زي ما قلت لك مسالم ومبحبش المشاكل، فمنعا لخناق كل يوم ولثقتي في عقلها الكبير سبت لها إدارة البيت والأولاد وأكتفيت بدور المشرف، إخواتي ياما إعترضوا كتير على إسلوبي معاها ووصفوة بالضعف وكانوا دايما ينتقدوا تصرفاتي،.

لكن أنا إتحملت كلامهم وأتغاضيت عن تلميحاتهم الجارحة وقولت فدي راحة دماغي وإستقرار بيتي، إعترضوا على خطوبة إيناس بعد ما عرفوا إنها هتستمر سبع سنين وخصوصا إن إبن أخويا كان عاوز يخطبها،.

وأكمل بيأس: بس إيناس وأمها رفضوا إبن أخويا وهانوة وقارنوا بين ظروفك وظروفة، إخواتي زعلوا وقالولي جوز بنتك لإبن أخوك هو أولي بيها بدل الصعيدي اللي هيركنها جنبة سنين وممكن يزهق وميكملش، بس أنا عارضتهم وقولت لهم بنتي إختارت وأكيد إختيارها صح، إخواتي زعلوا مني بس أنا راضيتهم بعد كده.

وأكمل بنبرة حزينة إنهزامية: أنا كنت عند إخواتي إمبارح بعزمهم على فرح إيناس وأنا في قمة فرحتي علشان أثبت لهم إن أنا وبنتي تفكيرنا صح وإن خوفهم وتوجسهم مكانش في محلة، بس بعد اللي إنت عملته ده أنا مش بس مش هعرف أرفع عيني في وش إخواتي تاني، ده أنا مش هعرف أبص في وش أي حد أعرفه.

ثم مال بجزعة وأقترب عليه وأمسك كف يده ونظر داخل عيناه وأردف متوسلا زليلا بعيون منكسرة داخلها لمعة لدموع تريد الصراخ ومن يسمح لها بالخروج: أرجوك يا أبني بلاش تكسرني أنا وبنتي قدام الناس، إرحم ضعفي وشيبتي.

وأكمل بترجي: إنت وهي إشتركتوا في الغلط ومش من العدل ولا من الرجولة أنك تسيبها تتحمل النتيجة لوحدها، كل اللي بطلبة منك إنك تتمم الجوازة علشان الفضيحة وكلام الناس اللي مش هيرحمها وهينهش في عرضها، أنا بناشد الراجل الصعيدي اللي جواك في إنك ترحمني وترحم بنتي
إنخلع قلب قاسم من هول ما رأي، وها هي دنياة تضعه في مأزق جديد وطريق مسدود، هاهي تضعه من جديد في خانة الإجبار، إختيار إجباري.

لم يفكر الأن بشئ سوي بهذا الأب الملكوم وكيف سيخرجه من هذا المأزق الكبير الذي لا ذنب له به سوي أنه سلبي ضعيف الشخصية مسلم بأمور زمامه إلى زوجته المتسلطة
بصعوبة أخرج صوته وتحدث وهو يربت على كف رفعت قائلا: أنا هتمم الجواز بس ده علشان خاطر حضرتك، بس أنا اللي هكتب عقد الجواز بنفسي وحضرتك إختار بنفسك الشهود اللي تمضي علية،.

وأكمل مفسرا: أنا مش هقدر أكتب رسمي عند مأذون، لأن ساعتها لازم يروح إخطار بجوازي لمراتي وده اللي أنا مش هقدر أتحملة ولا هسمح بإنه يحصل على الأقل في الوقت الحالي
تحدث رفعت من جديد بنفس النبرة الزليلة التي تقشعر لها الأبدان: مش هينفع يا أبني، أنا راجل فلاح وإخواتي لازم ييجوا ويحضروا كتب كتاب بنتي بنفسهم ويشهدوا عليه، هقولهم إية وقتها؟

وأكمل مقترح بنبرة عاقلة: ولو على الإخطار اللي هيوصل لمراتك فدي محلولة وامرها سهل، إنت محامي كبير وليك وضعك ومعارفك في كل المحاكم، شوف الدايرة اللي هيطلع منها الإخطار وأدي فلوس للمحضرين وهما هيوصلولك الإخطار على مكتبك، وبكدة تبقا حليت موضوع مراتك.
نظر له بتوجس وقلق، لكن حديثه عاقل، كيف لتلك الفكرة أن لا تمر على عقله القانوني،
تحدث إلى رفعت موضحا: كدة يبقا متفقين، بس فاضل أهم نقطة لازم نتكلم فيها.

نظر له رفعت مترقب لحديثه فأكمل قاسم: الجواز هيكون لمدة معينه وبعدها هطلق إيناس وأديها جميع حقوقها الشرعية، نقول مثلا ست شهور؟
لم يجد رفعت خيار أمامه سوي الموافقة بشرط قاسم لكنه تحدث طالب بتوسل: خليك كريم ومد الفترة لسنة يا ابني، وبعدها طلقها براحتك ولو مش حابب تديها أي حقوق أنا راضي، المهم بنتي تتستر قدام الناس ومتتفضحش وسمعتها تتإذي.

وافقه قاسم الحديث وأردف قائلا: فيه نقطة تانية حابب أتكلم معاك فيها.
أردف رفعت بقبول: إتفضل يا أبني، أنا تحت أمرك في كل اللي تطلبة.
حزن قاسم لهذا الأب الذليل المنكسر، فحقا قهر الرجال ما أصعبه، تحدث قاسم بنبرة تعقلية: طبعا مراتي مش هتعرف اي حاجه عن جوازي من إيناس، لأن لو عرفت هتحصل مشاكل كتير جدا أنا في غني عنها،.

وأكمل بحديث ذات معني: فياريت تبلغ مدام كوثر وإيناس إن لو مراتي عرفت عن طريقهم هيكون نهاية فسخ عقدي وإتفاقي ده مع حضرتك
هز رفعت رأسه وتحدث بتفهم: مفهوم مفهوم، ما تقلقش أنا هتكلم معاهم وهنبه عليهم
هب واقف وتحدث وهو يمد يده بوجه منير ونبرة شاكرة: أنا مش عارف أشكرك إزاي يا أبني، ربنا ما يوقعك في ضيقه أبدا ولا يكشف سترك قدام عبادة.

وتحرك للخارج وأرتمي قاسم بجسده فوق الأريكة واضع كف يده فوق وجهه ومسح عليه بطريقة عنيفة، ثم قام بسحب شعر رأسه للخلف في حركة تعصبية تدل على مدي وصوله لدرجة عالية من الغضب والسخط واليأس، ولكن ساخط غاضب من من؟
فكل شئ للأسف من صنع يده ومن تخطيته السابق، والأن حان جني وحصاد أخطاء الماضي.

أبلغ رفعت كوثر وأولادها بما جري بينه وبين قاسم وابلغت كوثر سريع فايقة التي شعرت بروحها ردت إليها وان زمانها قد تبسم لها وسينصفها، وأستعدت بالأخذ بثأرها البارد من زيدان، ثأرها التي باتت تعد له طيلة سنوات وسنوات كي يخرج بشكل يليق بجرح كبريائها وكرامتها التي ذبحت على يد متيمها الوحيد، بل وأسر قلبها وسالبها العقل والمنطق.

أما كوثر التي حاولت تهدأت إبنتها التي جن جنونها منذ أن علمت بشروط قاسم فيما يخص بطرح مدة للزواج وأيضا وضع شرط إذا ما علمت زوحتة بأية وقت سيكون الإتفاق والزواج لاغي في التو واللحظة
تحدثت إيناس بنبرة غاضبة وهيئة جنونية بعدما دلفت لغرفتها وأوصدت بابها عليها هي وكوثر: الكلام اللي قاله لبابا ده ملوش عندي غير معني واحد يا ماما،.

ونظرت لها وجنون ونار الغيرة الشاعلة تخرج من عيناها: إنه حب الملعونة بنت عمه، شكلها سحبته وأنا خسرته للأبد خلاص يا ماما.

رمقت كوثر إبنتها بنظرة ساخرة مقلله من شأنها وتحدثت بتهكم: كنت فكراكي أذكي من كدة يا حضرة المحامية النابغة، كل ما في الموضوع إن حضرة الأفوكاتو العظيم قعد مع نفسه وحسبها صح، قال لنفسه إن لو عمه عرف بجوازة منك ممكن يغضب ويثور لكرامة بنته ويطلقها منه، وبكدة هو هيخسر الكنز اللي إتفتح له بمنتهي السهولة وهيغرف منه من غير حساب.

وأكملت: واللي يأكد لك كلامي ده إنه حط شرط إن لو حاولنا نعرف مراته بأي وسيلة إنه إتجوز عليها هيطلقك في لحظتها،
وأكملت بنبرة إستحسانية: وبصراحة هو في النقطة دي طلع ذكي وعجبني، البنت وأبوها لازم يفضلو نايمين على ودانهم على الأقل لحد ما باب الكنز يتفتح لقاسم ويبتدي يغرف منه،.

وأكملت بنبرة طامعة جشعة: وأكيد هيغرف ويديكي منه، علشان كدة لازم أتصل بأمة الغبية وأنبة عليها وأفهمها خطورة الموضوع، لإنها ست جاهلة غبية وكل اللي يهمها هو الإنتقام من سلفتها وبس،
وأكملت بتفسير: تقريبا كدة وعلى ما فهمت من كلامها إنها غيرة سلايف وحقد مدفون بقاله سنين، ولولا كدة مكنتش اللي إسمها فايقة دي عبرتنا ولا حاولت تساعدنا.

وأثناء حديثهما إستمعت إيناس إلى صوت يعلن عن وصول رسالة صوتية بهاتفها، فتحتها وكان صوت قاسم وهو يتحدث قائلا بنبرة صارمة: أظن والدك وصل وبلغك بالإتفاق اللي حصل بينا، وأنا للمرة التانية بنبه عليكي يا إيناس،.

وأكمل رسالته بنبرة حادة تهديدية: صفا لو عرفت عن موضوع جوازنا إعتبري إتفاقنا لاغي، حاجة كمان لازم تعرفيها وتبقي عاملة حسابك عليها من الوقت علشان ما تتفاجأيش، وهي إن جوازنا هيكون صوري، يعني أنا مش هلمسك ولا هعاملك معاملة الازواج، وأظن ده هيكون كويس علشانك، على الأقل متكونيش خسرتي كل حاجه، ولما تتجوزي بعد ما أسيبك أكيد الموضوع ده هيكون نقطة تحسب لك.

صاحت إيناس وتحدثت إلى أمها بنبرة جنونية: شفتي قلة ذوقه يا ماما، البية بيملي عليا شروط الملك المنتصر، وصلت بيه الوقاحة إنه يقول لي إنه مش هيلمسني، ده بيهيني وبيهين إنوثتي يا ماما
ضحكت كوثر وتحدثت إليها بنبرة خبيثة: هو الكلام بفلوس، خلية يتكلم زي ما هو عاوز، و لما يتقفل عليكم باب واحد ساعتها قواعد اللعبة كلها هتختلف وإنت اللي هتلعبيه على الشناكل،.

وأكملت بنبرة مقللة: ده راجل قفل وخام ولا لف ولا دار مع بنات قبل كدة، وأكيد بنت عمه قفل وغبية زيه، وأديكي سمعتي كلام عدنان بنفسك لما قال إنها شبه الرجاله، يعني أخرة تلبسي له لانجري من اللي انا شرياهم لك على شوية دلع منك وساعتها هيريل عليك ويجي لك راكع وزاحف على بوزة
ثم ضحكت بخلاعة وأكملت بكبرياء: وساعتها هينسي الإتفاق وممكن ينسي نفسة أساسا.

ونظرت لإيناس بقوة وتحدثت: الكلام ده لازم يحصل بسرعة يا إيناس علشان تلحقي تدبسية وتجيبي له حتة عيل نقش بيه ونغرف من عز النعماني،
وأكملت رافعة قامتها بكبرياء: ولما تبقي أم إبنهم ساعتها بس هنروح ونحط صوابعنا في قلب عين التخين فيهم، والناس دي مش هما اللي بيرموا لحمهم ويتخلوا عنه.

تنهدت إيناس براحة وأبتسمت وجلست فوق تختها بعدما شعرت بالهدوء والسكينة يتسللان لروحها وعقلها بعدما استمعت لحديث والدتها الذي أثلج صدرها.

ليلا داخل مسكن صفا
كانت تجلس فوق فراشها ممسكة بهاتفها بكف يدها وترفعه إلى وجهها بين الثانية والأخري وتنظر بشاشته بترقب شديد، تنتظر عاشق عيناها ومتيمها الذي تغير كليا بمعاملته معها وبات ينثرها بإهتمامه الزائد إينما ذهب، إنتظرت وانتظرت ولكن دون جدوي، غفت بجلستها وهي تنتظر ذاك القاسي ليحن.

أما هو فكان يجلس في بهو مسكنه وتوجد أمامه الكثير والكثير من أقداح مشروب القهوة الفارغة التي صنعها كي تهدئ من روعه وتقلل من شعورة المميت بالذنب والخيبة والخيانة والتخلي،.

أمسك هاتفه ونظر بشاشته مرات ومرات وكلما ضعف وكاد أن يضغط على رقم معشوقته تراجع على الفور ورفع أصبعه عن زر الإتصال، كيف له ان يحدثها وماذا سيقول لها، أيقول لها أنه أصبح خائن بالفعل وتأمر للتو على كسر قلبها وتحطيم كبريائها وكرامتها من جديد!

لما دائما يضعه القدر بمواقف لا يحسد عليها، في الماضي كان كل ما يفعله من صنع يداه، ولكن الان الوضع مختلف كليا عن ذي قبل، فالأن هو مجبرا على المضي قدم بزواجه بالإكراه من تلك الشيطانة التي رسمت وخطتط لكل شئ منذ البداية، وها هي الأن ستظفر بنتائج خطتها، أما هو فسيخسر إنسانيتة ورجولته وسيتحول خائن بالفعل بعيون حاله.

مرت أيام الإسبوع وكانت ثقال على الجميع، حتى جاء يوم الأربعاء وهو اليوم الذي يسبق حفل زفاف قاسم وإيناس، ويعد هذا اليوم هام جدا لصفا فهو يوم إفتتاح المشفي، الحلم الذي إنتظرته وحلمت به طيلة السنوات السبع المنصرمة لكن كعادتها دائما ما تأتيها فرحتها ناقصة، دائما تأتيها السعادة غير مكتملة، فمنذ يوم سفر قاسم وإتصاله بها وإغراقها داخل الأحلام الوردية، بعدها إنقطع إتصاله ولم يكررها مرة اخري، وقد تسبب هذا بإيلام قلبها وإصابتها بالحزن والخزلان والخيبات المتكررة.

كان الجميع يتواجدون داخل حديقة المشفي، ينتظرون ضيف شرف الإفتتاح سيادة المحافظ على قدم وساق، وذلك بعدما وجه له الحاج عتمان كبير المركز دعوة للحضور كي يقوم بقص شريط الإفتتاح للمشفي الذي سيقدم الخدمات الطبية المجانية لأهل النجع بل وللمركز بأكملة.

حضر الإحتفال الحاج عتمان وزيدان و ورد التي أصرت أن تحضر تلك المناسبة الخاصة والمميزة لدي صغيرتها، قدري ومنتصر فارس ويزن وحسن وجميع عائلة النعماني والنجع بأكملة، أما مريم التي إنتوت الحضور بإعتبارها فرد من كيان هذا المشفي، لكن لسوء حظها إرتفعت حرارة إبنتها في اخر لحظة، فتغلبت أمومتها على طموحها وضلت بصحبة صغيرتها التي تم الكشف عليها من جهة صفا وأعطتها جرعة العلاج المطلوبة وطلبت من مريم ان تداوم على عمل الكمدات الباردة حتى تنخفض الحرارة.

أما عن الدكتورة أمل التي أتت من القاهرة منذ الأمس لتشرف بنفسها وتتأكد من جاهزية القسم الخاص بها، تحركت لتقف بجانب صفا المتوترة وتحدثت لتطمإنها قائلة بنبرة جادة: القلق ده مش كويس علشانك، أنا مقدرة إنك لسه مدخلتيش الحياة العملية وإندمجتي فيها وأخدتي خبرة، بس كمان الكلية بتاعتنا إحنا بنشتغل فيها وبنمارس عملنا من يوم ما بندخلها، يعني لازم يكون عندك ثقة في نفسك أكتر من كده.

نظرت لها صفا التي تحمل بقلبها هما أكبر مما تفكر به تلك الأمل وهو عدم مراعاة زوجها وتلاشية الوقوف بجانبها في أكثر يوم هي تحتاجة به وتحدثت بنبرة هادئة: متشكرة جدا يا دكتورة على كلامك المحفز ده، لكن الحجيجة أنا واثقه في ربنا وفي نفسي وفيكم ومتأكدة إننا هنجدر على النچاح، وإن شاء الله المستشفي تثبت وچودها ويكون لها إسم وسمعة في أجرب وجت بينا كلياتنا.

إقترب يزن عليهما وتحدث إلى أمل بنبرة متهكمة فهو لم يتقبلها ودائما يراها مغرورة متكبرة: منورة النچع كلياته يا دكتورة.
رمقته بنظرات حادة وتحدثت بإقتضاب ونبرة صارمة ووجه كاشر: متشكرة.
مال على اذن صفا وتحدث ساخرا: يا أبوووووي، الله الوكيل وشها يجطع الخميرة من البيت، أني معارفش ياسر وجع عليها فين البلوة دي وبلانا بيها.

إبتسمت رغم عنها من حديث إبن عمها الساخر وتحدثت إلية بعيون محذرة: وبعدهالك عاد يا يزن، خلي ليلتك تفوت على خير أومال
أما أمل التي رمقتة بنبرة غاضبة لتيقنها الشديد أنه يتلامز عليها
إقتربت ورد من صغيرتها وأحتضنتها بشدة وتحدثت: خلاص يا جلب أمك، بجيتي دكتورة جد الدنيي وهتداوي جراح الغلابه وعتشرفي أبوكي جدام النچع كلياته.

إبتسمت لها صفا وتحدثت بنبرة فخورة وهي تنظر لوجه أبيها الواقف بجانب عتمان: أبوي هو اللي مشرفني جدام الدنيي كلياتها يا أما.
ربتت ورد على ظهر غاليتها وتسائلت مستفسرة: هو قاسم مهيجيش ولا إية؟

تنهدت بأسي وكادت أن ترد لكنها وبلحظة تيبس جسد تلك العاشقة واتسعت عيناها وبات قلبها يدق بوتيرة عالية عندما رأته يدلف أمام عيناها بسيارته من مدخل حديقة المشفي، وكأن روحها كانت تفارقها وردت إليها من جديد، تنفست عاليا وأبتسمت تلقائيا وانير وجهها المنطفئ،.

نزل من سيارته بهيئة مهلكة، كفارس هارب من إحدي أساطير الحكايات، أغلق زر حلته الأنيقة ومال بجزعه فوق مقعد السيارة، إلتقط باقة من أروع الزهور وأندرها وأغلق باب السيارة.

بات يدور بعيناه باحث عنها متلهف، بمجرد رؤياها بات قلبه ينتفض معلنا عن دق طبول الحرب والعصيان، كاد قلبة أن يقفز من مكانه ليذهب إليها مهرولا ويحتضنها ضارب عرض الحائط بكل العادات والتقاليد، تحرك بطريقه بجاذبية و وسامة ووجه منير تأثرا برؤياها
إقترب من عتمان بعدما ألقي السلام على الحضور، ومال بجذعه على كف يده وقبله بإحترام قائلا: كيفك وكيف صحتك يا چدي.

تهللت أسارير عتمان ككل مرة يري فيها عزيزه وحفيده المقرب إلى قلبه وتحدث بنبرة حنون: أني بخير طول ما أني شايفك بخير يا سبعي
وقف أمام والده ونظر له نظرة لوم وحزن وتحدث بجمود: كيفك يا أبوي.
إحتضنه قدري وربت بشدة على ظهره عندما رأي داخل عيناه الحزن ثم همس بداخل اذنه قائلا: إنسي يا ولدي وإجمد أومال، اللي حصل حصل وخلاص، إنسي وبص لجدام.

لم يعر لحديثه إهتمام و تحرك إلى زيدان ومنتصر وورد والجميع حتى جاء إلى التي أصبحت تمثل له المعني الحقيقي للحياة، أصبح عاشق لبسمتها الرقيقة، نظرة عيناها الساحرة، نظر لها ومد كف يده للمصافحة وتشابكت الأيادي وتلامست بنعومة،.

بات يضغط عي كف يدها يدغدغه بإثارة شارح من خلاله كم إشتاقها بجنون، نظر لعيناها وبدأ قلبه يدق بوتيرة سريعة وصدره يعلو ويهبط من شدة إشتياقه إليها، نظر لشفتاها الكنزة بلونها الذي يشبة حبات الفراولة الناضجة، وتحدث بنبرة حنون: كيفك يا صفا.
ما كان حالها ببعيد عنه، فقد أذاب الإشتياق ما تبقي من صبرها وتحملها الواهي، تحدثت إلية بنبرة تذوب عشق: الحمدلله، حمدالله على سلامتك.

مد يده إليها بباقة الزهور وتحدث: الله يسلمك.
تحدثت إليه شاكرة وهي تحتضن باقة زهورها المميزة: متشكرة على الورد وعلى حضورك الغير متوقع يا حضرة الأفوكاتو
إبتسم بخفة وتحدث بنبرة حنون: كان عندك شك إني مهاجيش إياك!
أجابته بدلال ونظرات ملامة: أصلك مكلمتنيش من لما مشيت غير أول يوم وبعدها كنك نسيتني، عشان إكدة جولت أكيد نسيت ميعاد الإفتتاح، بس چدي جال لي إنهاردة إنه كلمك وجال لك تاچي.

كان يستمع إليها بقلب يسبح في فضاء السعادة لرؤيته غيرتها المرة وعشقها الهائل وإفتقادها له داخل عيناها
أردف قائلا بنبرة رجولية أهلكتها: مش صفا زيدان اللي چوزها ينساها ولا تغيب عن باله ولو دجايج.
إنتفض قلبها وصار متمردا على كبريائها، ود لو ينتفض ويخرج من بين ضلوعها ليصرخ معلنا للجميع عن عشقه الهائل بل ذوبانه في عشق ذاك القاسم،.

حين تسائل قاسم مداعب إياها: وبعدين لما چوزك واحشك جوي إكدة متصلتيش لية عليه وريحتي جلبك وجلبه؟
إبتلعت لعابها من شدة توترها من نظراته وكلماته وحركاته المذيبة لقلبها العاشق، تمالكت من حالها وتحدثت حفاظ على كرامتها التي دائما تضعها بينهما: ومين بجا اللي ضحك عليك وفهمك إنك وحشتني؟
أشار على يسار صدره وتحدث بعيون تصرخ من عشقها غير مبالي بمن حوله: جلبي هو اللي جال لي، وجلبي طول عمرة دليلي يا نبض جلبي.

إتسعت عيناها وكادت تصرخ من شدة لذتها والإستمتاع بما تستمعه اذناها من حبيبها الأبدي
قطع وصلة غرامهم فارس الذي حاوط كتف شقيقه بعناية وتحدث إليهما بدعابة: أحب أنوة على حضراتكم وأحيطكم علم إن كل اللي عيحصل بيناتكم دي مذاع ومباشر على الهوا، كل الخلج عيطلعوا عليكم ولا كنهم عيتفرچوا على مشهد رومانسي من فيلم جديم.

ضحك قاسم وتحدث بنبرة جديده عليه وهو ينظر لداخل عيناها: واحد ومرته عيتحدتوا في حكاية عشجهم، عدخلوا حالكم ما بينهم لية!
سحبت بصرها عنه خجلا من كلماته الجريئة أمام فارس التي أخجلتها
هنا إستمعت لصوت الجد الذي تحدث إلى صفا بنبرة جادة مفخم إياها بين الحضور: چناب المحافظ وصل يا دكتورة، تعالي چاري لجل ما تستجبلية
إبتسم زيدان وربت على ظهر إبنته وطمأنها، وتحرك قاسم بجانبها ممسك بكف يدها برعاية وحنان ومؤازرة.

همس قدري المستشاط غضب داخل اذن منتصر المجاور له قائلا بتهكم: على أخر الزمن عنجفوا ونشيعوا للمحافظ لجل ما ياچي يفتتح مستشفي بالشئ الفلاني لحتة عيلة مفعوصة لا راحت ولا جت،
وأكمل بنبرة ساخطة: كان لازمتها إية المصاريف دي كلياتها، مش كان عمل بيهم مشروع لفارس ويزن بدل المسخرة اللي عتحصل دي، بجا بت زيدان الدلوعة عتشغل مستشفي وتنچيحها؟ الله الوكيل أبوك دي عيجلطني بعمايلة.

رمقة منتصر بنظرة ساخطة وتحدث بحديث ذات مغزي: والله دي فلوسه وهو حر فيها، يعمل بيها ما بدالة، وبعدين المستشفي اللي معچباكش دي هتعالچ أهل البلد الغلابه ببلاش
وقفت صفا بجوار زوجها وجدها ووالدها وقابلت المحافظ الذي قابل الخطوة بإستحسان كبير وتمني لها النجاح وقص الشريط وألتقطت الكاميرات الخاصة بالمحافظة بعض الصور التذكارية ورحل المحافظ بعدما قدم له واجب الضيافة.

أما قاسم الذي كان يرمق ياسر بنظرات نارية بين الحين والاخر،
في تلك الأثناء تحرك كمال أبو الحسن كبير نجع الديابية وعضو مجلس الشعب إلى جوار الحاج عتمان وقاسم وتحدث بنبرة معاتبة: ألف مبروك يا حاچ، أني چيت أجضي الواچب وأبارك لحفيدتك ولو أني عاتب عليك.
أجابه عثمان بمراوغة: ليه بس إكدة يا حاچ كمال، ربنا ما يچيب بيناتنا زعل.

تحدث كمال بنبرة خبيثة: وصلتني أخبار إن چنابك ناوي ترشح ولدك زيدان لإنتخابات مجلس الشعب،
وأكمل بحديث ذات مغزي: بس أني جولت لحالي دي أكيد إشاعة مغرضة واللي طلعها عاوز يوجع بيني وبين الحاچ عثمان، مهو مش معجول يا حاچ تبجا بتساعدني في الإنتخابات كل دورة وتخلي بلدك كلياتها تنتخبني، وتاچي الدورة دي ترشح ولدك جصادي!
العيبة دي متطلعش منيك يا حاچ.

تطوع قاسم بالرد عليه وتحدث بنبرة حادة: الحاچ عثمان عمر العيية ما تطلع منية يا حاچ كمال، وطول عمره خيرة على الكل، وعمي زيدان ما أتجدمش للإنتخابات غير لما وصلتنا أخبار إن سيادتك خارچ ترشيح الحزب السنة دي
إنتفض كمال وتحدث بنبرة حادة: كدب، إشاعات مغرضة الغرض منيها تسويئ سمعتي مش أكتر يا حضرة الأفوكاتو
تحدث قاسم مؤكدا بنبرة معارضة: الأخبار صحيحة يا حاچ، وچاية لي من چوة مطبخ الحزب بذات نفسية.

هتف كمال موجة حديثه إلى عثمان: عاچبك الحديت اللي عيجولة حفيدك ده يا حاچ؟
هتف قدري بخبث: إهدي يا حاچ كمال، أكيد الحاچ عثمان ميعرفش إن...

لم يكمل جملتة عندما رمقة والده بنظرة ساخطة فصمت وتحدث عتمان قائلا بنبرة تعقلية: إسمعني زين يا حاچ كمال، أني طول عمري وأني واجف في ظهرك وبدعمك في الإنتخابات وبخلي بلدي كلياتها تديك أصواتها، بس لما وصلتني أخبار إن الحزب معيرشحكش السنة دي جولت زيدان ولدي أولي من الغريب، وإنت أكيد عتحب لولدي الخير وعتساعدني زي ما أني ساعدتك كتير جبل سابج.

إنتفض كمال وتحدث بنبرة غاضبة: بس إنت إكدة بتشتري عداوتي يا حاچ، وأني اللي بيعاديني بشيل يدي عن حمايتة
جحظت أعين عثمان وأستشاط داخله غضب وهتف بنبرة صارمة لوجه غاضب: حماية مين يا واكل ناسك إنت؟
إوعاك تكون صدجت حالك إنك نايب بجد وعتحمينا يا حزين!
تحدث كمال بوقاحة: عنشوف يا حاچ إذا كنت بحميك إنت ومالك ولا لا
صاح به قاسم بنبرة صارمة: إتكلم على جدك يا كمال ومتنساش إنك واجف جدام الحاچ عثمان النعماني.

رمقه كمال بنبرة غاضبة وهتف مهين لشخصه: مبجاش إلا اللصغار كمان اللي عتتحدت
هتف زيدان وتحدث بنبرة صارمة مفتخرا بعائلتة: عيلة النعماني مفيهاش صغار يا كمال، عندينا ولادنا بيتولدوا رچال
تحرك كمال برجاله غاضب متوعدا بالرد القاسي على عتمان وعائلتة.

إنفض الإحتفال وعاد الجميع وجلسوا ببهو المنزل، كان ينظر لحبيبتة بنظرات متشوقة متلهفة، كان ينوي المبيت داخل أحضانها الدافئة حيث قرر الإعتراف أمام عيناها بعشقه الهائل لها، وبعدها سيسافر في الصباح الباكر لحضور مرافعته لقضية مهمة لديه بالمكتب، وأيضا لينهي مسألة زواجه المضطر أسف لإتمامة ويعود إليها من جديد
وقف منتصب الظهر ونظر إلى صفا وتحدث بنبرة جادة: أني هطلع أريح فوج عشان مسافر الفچر.

نظرت له رسمية وتحدثت بنبرة حنون: وإية يا ولدي اللي عيخليك تسافر الفجرية، متجعد ويا مرتك وتبجا تمشي يوم السبت
هتفت فايقة بنبرة قوية مراوغة: معينفعش يا عمه، أصل أني وأبوة عنسافر وياه لجل ما أكشف على راسي اللي عتوچعني اليومين دول
تحدثت نجاة إليها بنبرة قوية مذكرة إياها: طب متنسيش تچيبي التحاليل بتاعت بتك من المعمل عشان نسافروا بيها تاني للدكتور ونشوف أصل اللحكاية إية.

تنفست عاليا وكظمت غيظها من تلك النجاة التي باتت تؤرقها بشدة وتسبب لها المتاعب مؤخرا
حزن داخل قاسم من ما يفعله بحبيبتة وبحاله وعمه، فقد قرر قدري وفايقة حضور زفاف قاسم لأجل أن لا يتركاه لحاله في يوم كهذا، ولتشهد فايقة على أولي خطوات إنتصاراتها وذبح روح إبنة معذبها وذابحها
تحدث قاسم بنبرة قوية إلى صفا: يلا بينا نطلع على شجتنا يا صفا.

إنتفض قلبها وبات يدق بوتيرة سريعة من شدة سعادتها، وقفت وتحركت بجانبه، نظر لداخل عينيها بعيون هائمة وأمسك كف يدها وصعدا أولي درجات المصعد سويا،
أوقفهما صوت الغفير الذي تحدث بهلع: إلحجنا يا حاچ، إبن مدكور النعماني خبط واحد بالعربية والحكومة جبضت علية، وسي مدكور مشيع لك ولدة الكبير واجف برة، وعاوزين سي الأستاذ قاسم حالا لجل ما يجف وياه في التحجيحات في المركز.

أغمض عيناه بيأس وتألمت روحة ونظر لها وتحدث بنبرة ضعيفة محبطة: إطلعي إنت يا صفا وأني هخلص الموضوع دي وأحصلك على فوج.
أومأت له بضعف وحالة من اليأس تملكت منها وظهرت له داخل عينيها الصارخة والمطالبة إياه بألا يرحل، تحامل على حاله وترك كف يدها المتمسك به بصعوبة بالغة وقلب يصرخ ويلوم على حظه السئ، تحركت للأعلي بخيبة جديدة تضاف إلى قائمة خيباتها معه،.

ذهب هو إلى قسم الشرطة التابع للمركز وضلت التحقيقات مستمرة للساعات الأولي من اليوم الجديد ولذلك لم يستطع الصعود إلى حبيبتة ولا حتى توديعها، بالكاد وصل إلى الطائرة في اللحظات الاخيرة قبل إقلاعها بصحبة والدية تحت حزن شقيقه على حاله المؤلم.
#?MP#MP#MP#MP#MP#MP#MP#MP#MP#MP#
وماذا بعد يا زماني
ألم يحن لي نيل الأماني
ما عاد لي حلم سوي ضمتها
لأشعر حينها بكينونتي وكياني
لكن حتى الأمنيات عليا حرمت.

وأصبحت حلم بعيد المدي
صعب المنال
في تمام الثامنه صباح من يوم الخميس
فاقت من نومها على صوت المنبه المزعج، أوقفته بضغطة من يدها ثم سحبت جسدها لأعلي بتكاسل وأرجعت ظهرها للوراء مستندة على خلفية التخت، تنفست بهدوء ثم مسحت على وجهها بكفيها بإرهاق وذلك لعدم أخذها القسط الكافي من النوم، تنهدت بأسي حين تذكرت لحظة رحيل حبيبها حتى قبل أن يدلف معها إلى مسكنهما ولو لدقائق،.

كانت تتأمل المبيت في حضرته، حتى وإن لم تحظو بالغفو بداخل أحضانة فكان سيكفيها أنها بجواره تستنشق رائحة جسده العطرة التي باتت تحفظها عن ظهر قلب، يا له من شعور مميت مخزي أن يتركها وحيدة ويرحل بعدما أخبرتها عيناه ومنتها بالكثير والكثير من الوعود التي جعلت من روحها سارحة في فضاء العاشقين، كم كانت لحظة مؤلمة عندما ترك يدها ورحل دون وداع، كم شعرت بتألم روحه وصرخة عيناها حينما كان مرغم على الرحيل.

نفضت رأسها من تلك الأفكار المؤرقة لعقلها، ثم تحاملت على حالها وتحركت إلى المرحاض، توضأت وخرجت لتأدية صلاة الضحي، إنتهت وجلست على سجادة الصلاة وباتت تناجي ربها وتحدثه بدموع قائلة بنبرة توسلية: إلهي، لقد هرم قلبي وشاب جراء الإبتعاد، لقد استنزفت طاقتي ولم تعد لدي قدرة الإحتمال، أناچيك إلهي أن ترحم ضعفي وقلة حيلتي، فقد خارت قوتي وأشعر أنني أتجة نحو الهلاك.

تحاملت ولملمت حالها وأتجهت إلى المرحاض من جديد، غسلت وجهها بالماء الفاطر، وهاتفت مريم كي تتجهز لتذهب معها إلى المشفي لإستلام وظيفتها، ثم إتجهت لخزانة ملابسها وأرتدت ثيابها العملية وتحركت متجهه إلى الأسفل، وجدت الجميع يلتفون حول طاولة الطعام يتناولون فطورهم بشهية
تحدثت إلى الجميع بوجه بشوش متحاملة على حالها لإظهارة: صباح الخير.
رد الجميع الصباح وتحدثت الجدة: تعالي افطري يا دكتورة.

أجابتها بنبرة هادئة لصوت مجهد: مجادراش يا چدة، مليش نفس.
تحدثت نجاة بنبرة حنون: كيف ملكيش نفس يا بتي، إنت لازمن تاكلي لجل ما تصلبي طولك وإنت عم تشتغلي.
وتحدث يزن وهو يشير إليها بإهتمام: إجدي كلي لك لجمتين وإشربي كباية حليب يا صفا، متطلعيش من البيت إكدة.

إستشاط داخل ليلي من إهتمام يزن الزائد بعدوتها اللدود، وعلى الفور رمقتها بنظرات حاقدة وتحدثت إليها بنبرة جامدة: وإنت بجا جايلة لچوزك إنك خارچة، ولا ماشية على كيفك وچوزك أخر من يعلم؟
نظر الجد إلى صفا يترقب ردة فعلها، حين رمقتها هي بنظرة واثقة وتحدثت بقوة: مش بت زيدان النعماني اللي تتخطي الأصول وتخرچ من غير علم چوزها.

وأكملت لتضع لها حدودا كي لا تتخطاها فيما بعد: وتاني مرة لما تاچي تتكلمي وياي يا ريت تبجي تنجي ألفاظك وتنتقيها، عشان أني ما بمشيش على كيفي يا ليلي، أني دكتورة ومن الطبيعي إن كل يوم هخرچ وهروح على شغلي، وأكملت بنبرة صارمة: يعني مش كل يوم هلاجيكي واجفه لي وتسمعيني كلامك الماسخ اللي ملوش عازة ده.

نظر لها الجد بإستحسان في حين قهقه حسن وفارس عاليا وتحدث فارس إلى شقيقتة بنبرة ساخرة: عتجيبي الحديت لحالك ليه يا بت أبوي، فاكرة لي حالك جوية ونافشي ريشك على الكل، ونظر إلى صفا وتحدث بضحكة ساخرة: أهي چت لك اللي عتطلع الجديم والچديد على جتتك، وأكمل بنبرة ساخرة مشيرا بيداه بطريقة أضحكت الجميع: من أول مواچهة جصفت جبهتك بمدفعية هاون چابتها لك الأرض.

إستشاط داخل ليلي وأكثر ما أشعلها ضحكات الجميع الساخرة منها ونظرات يزن الساخطة والحزينة على حالها بذات الوقت
بسط الجد يده ماددا إياها في إتجاة صفا ممسك بكوب من الحليب وتحدث بإهتمام: إشربي دي من يدي يا دكتورة.
نظرت إلى جدها بحب وأقتربت علية ومالت على يدة الممسكة كوب الحليب ووضعت عليها قبلة إحترام ثم تناولتها منه وأردفت قائلة بنبرة شاكرة: تسلم يدك يا حبيبي.
وبدأت بإرتشافها.

تدلت مريم الدرج وكانت غاية في الرقة والشياكة مما لفت إنتباه فارس الذي نظر لها مطولا بعيون متفحصة، فهي في الفترات الأخيرة غابت متعمدة عن مرمي عيناه كي تتجنب رؤياة التي باتت تشعرها بدونيتها وعدم أهمية وجودها بالحياة، فقد أوصلتها تصرفاته وتلاشية لوجودها إلى فقدانها للثقة بحالها.

تحدثت بنبرة مرتبكة إلى صفا: أني چاهزة يا صفا.
نظرت لها صفا وتحدثت بإستحسان ودعابة: إية الجمال ده كلياته يا أستاذة مريم، على فكرة إنت رايحة تتوظفي في مستشفي، مريحاش مسابجة ملكة چمال إنت
ضحكت لها في حين تحدث الجد بنبرة حنون كي يبث الثقة داخل روح حفيدته الرقيقة: مبارك عليكي التعيين يا مريم.
أجابتة بسعادة بالغة وذلك بفضل إهتمامة بها: يبارك في عمرك يا جدي.

وتحدث منتصر وهو يتبادل النظر بينها وصفا: خلي بالك من نفسك يا بتي ولو عوزتي أيتوها حاجة أختك وياكي هناك.
إبتسمت له صفا وسعدت بوصف عمها لها بشقيقة إبنته وتحدثت لطمأنته بنبرة حنون: متجلجش يا عمي، مريم في عنيا.

تحدث يزن إلى صفا بنبرة جادة: أني رايح على المحچر عندي شغل مهم ولازمن يخلص إنهاردة، وأني جايل لدكتور ياسر ومفهمة طبيعة الشغل المطلوب من مريم زين، ما عليك إلا إنك هتعرفيها علية وهو عيسلمها شغلها ويفهمها المطلوب منيها حاليا
ثم نظر إلى شقيقته وتحدث بنبرة مطمإنه: وأني عخلص ولما أچي عفهمك باجي شغلك يا مريم، متجلجيش يا حبيبتي، أني معسيبكيش لحد متفهمي كل حاچه زين.

شعرت بإرتياح بعد كلمات شقيقها وأردفت قائلة بنبرة شاكرة: ربنا يخليك ليا يا يزن.
ثم تحركت إلى نجاة واحتضنت طفلتها التي تجلس فوق ساقاي جدتها وتحدثت إلى نجاة: خلي بالك على چميلة يا أما
اجابتها نجاة وهي تربت على كتف إبنتها بحنو: متعتليش هم چميلة يا بتي وخليكي إنت في شغلك.

نظر لها فارس وانتظر أن تلتفت إلية أو تعنية بأي حديث، لكنه إستغرب تجاهلها التام إلية حين نظرت إلى الأمام وتحركت بجوار صفا متجهتان مباشرة إلى الخارج
خرجتا للحديقة ثم تحدثت مريم إلى صفا بنبرة إرتيابية: أني خايفة جوي يا صفا، حاسة حالي رايحة إمتحان وممزكراش فية أيتوها حاچة كمان.

أمسكت صفا كف يدها للمؤازرة ثم أجابتها بإنكار للذات كي تبث داخل روحها الثقة: يعني هو أني اللي كنت إشتغلت جبل إكدة يا مريم، ما الحال من بعضة يا بت عمي، وادينا هنساندوا بعضينا لحد ما نتعلم
هدأت مريم واطمأنت وتحركا للجراچ الخاص بالسرايا
إستقلت سيارتها وبجانبها مريم، أشعلت مشغل الموسيقي الخاص بسيارتها وأستمعتا إلى صوت فيروز وهي تتغني، صباح ومسا، شى ما بينتسي تركت الحب وأخدت الأسي.

شو بدي دور لشو عم دور على غيرة
في ناس كتير لكن بيصير ما فيه غيرة
صباح ومسا شي ما بينتسي، تركت الحب وأخدت الأسي حبيبي كان هني وسهيان مافي غيرة
حملني سنين مانن هاينين كتر خيرة
كانتا ترددان الغنوة معا بعيون سعيدة وهما تنظران لبعضيهما وتتبادلان الإبتسامات المشجعة كلتاهما للأخري
وصلتا إلى المشفي ودلفتا من الباب تتحركان داخل رواق المشفي الطويل.

كان يخرج من باب غرفة الكشف التابعة له، نظر أمامه بتلقائية وبلحظة تخشب جسده وأنتفض قلبه واتسعت عيناه وهو يري أنه وأخيرا قد عثر على حوريته الهاربة منه
وقف متسمرا بمكانة حين رأها تقترب من وقفته بجوار صفا التي وقفت وتحدثت إلية بنبرة تشع أمل وحماس: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

رد عليها وما زال بصره معلق بحوريتة التي خطفت أنفاسه من طلتها الأولي، فتحدثت إلية صفا وهي تشير إلى مريم قائلة: دي بجا الأستاذة مريم النعماني، الموظفة الچديدة يا دكتور.
ثم حولت بصرها إلى مريم وأشارت إلى ياسر المذهول وتحدثت: وده دكتور ياسر اللي هيسلمك مكتبك ويعرفك طبيعة شغلك والمطلوب منك يا مريم.
حدث حاله وهو ينظر لمقلتيها الصافية، أيعقل أن تأتي إلى بكل تلك البساطة بعدما فقدت الأمل في لقياك غاليتي.

يا لي من محظوظ
نظر لها وأردف غير مستوعب: معقولة حضرتك تبقي أخت الباشمهندس يزن؟
نظرت إلية مستغربة نظراته العجيبة إليها، فأكمل هو حين وجد دهشتها داخل عيناها: هو إنت مش فاكراني؟!
ضيقت بين حاجبيها تحاول تذكر ذلك الوجة تحت إستغراب صفا لحالة ياسر العجيبة، فتحدث هو مجددا مذكرا إياها: أنا اللي قابلتك في الجنينة يوم فرح الدكتورة صفا، لما الفون وقع منك.

كان يتحدث بنبرة حماسية وعيون متشوقة مما أدعي لإستغراب الفتاتان وتحدثت مريم بنبرة باردة بعدما تذكرت: إفتكرت حضرتك، أهلا وسهلا يا دكتور.
تنهد بإرتياح وتسائلت صفا مستفسرة: شكلكم تعرفوا بعض جبل إكده، على العموم وفرتوا عليا كتير، أسيبك مع دكتور ياسر يوريكي مكتبك وأروح اني أشوف شغلي يا مريم.

أومأت لها مريم وأنصرفت صفا، نظرت مريم لذلك الواقف متيبس الجسد ومسلط العينان داخل مقلتيها وتحدثت بإستغراب لحالتة: هو حضرتك عتفضل واجف إكدة إكتير، أني عاوزة أعرف طبيعة شغلي.
وعي على حاله ثم إبتسم لها وتحدث بدعابة: هو إنت دايما عصبية كده ولا طبعك ده معايا أنا بس؟

ضيقت عيناها مستغربة حالة ذلك الأبلة وتحدثت بنبرة صارمة كي تضع له حدود وقواعد للتعامل معها: وأني أعرف حضرتك منين علشان تجولي إكدة، مكانتش مرة إتجابلنا فيها صدقة
وأكملت بنبرة جادة: وريني مكتبي من فضلك علشان مضيعش وجتك ووجت المستشفي.

تحمحم خجلا من حالة وعذر طبيعة نشأتها وحدودها التي تضعها بينهما في التعامل، فأشار لها إلى مكتبها ودلفا كلاهما وبدأ بشرح طبيعة ما يجب عليها فعلة، وتفهمت مريم طبيعة العمل سريع واندمجت، وخرج ياسر من مكتبها مجبرا، وشكر ربه على أنه وأخيرا وجد ضالتة الضائعة، وقد قرر التقرب منها بهدوء وجعلها تعتاد عليه أولا ومن ثم سيفاجأها بعشقها الذي أصاب قلبه وتملك منه من أول طلة رأتها فيها عيناه.

بعد مدة دلف عامل البوفية حاملا كأس من عصير الليمون الطازچ وتحدث إليها: صباح الخير يا أستاذة، الدكتور ياسر باعت لحضرتك الليمون ده وبيجول لك نورتي المستشفي.
تحدثت للعامل بإحترام: متشكرة، تسلم يدك.
خرج العامل ونظرت هي لكأس العصير وتحدثت بإرتياب: إية حكايتة الراچل الملزج دي كمان، فاكر حالة في نادي العشاج إياك!
ده كنة هيبجا مرار وطافح يا مريم.

مساء نفس اليوم
داخل مسكن قاسم المملوك والمعروف لجده وللجميع، كانت تجلس فوق مقعدا داخل الشرفة تضع ساق فوق الاخري وتنظر أمامها بكبرياء وتبتسم إبتسامة ملك منتصر، متجهزة بثيابها الأنيقة المحتشمة وتتأهب لحضور حفل زفاف نجلها الذي سيحقق لها النصر التي طالما حلمت به سنوات وسنوات وهاهي اليوم ستظفر بالإنتصار وإنكسار قامة زيدان الذي صفعها صفعة مهينة، وهاهي تتأهب لردها وبقوة أكثر، بل وبدمار روح إبنته.

أما قدري فكان يرتدي ثيابه بداخل الغرفة الخاصة له ولفايقة
رن هاتفها معلنا عن وصول مكالمة من وريثة عرش حقدها المعظم، أجابتها على الفور قائلة بنبرة جامدة خالية من لهفة ومشاعر الإمومة: كيفك يا ليلي، إية الأخبار عندك؟

أجابتها بنبرة حاقدة: الأخبار مطمنش يا أما، چدي بعت للي ما تتسمي اللي إسميها ورد وجال إية، رايد ياكل من يدها محاشي مشكله وكشك، وچت ووجفت في المطبخ ولا اللي يكون دوار أبوها، وهي وعمي چعدوا وإتغدوا ويانا وهاتك يا ضحك وهزار كيف ما يكونوا بيحتفلوا بعدم وچودكم في السرايا.

وأكملت بنبرة تهكمية: ولا الهانم مرت ولدك اللي دايرة على مزاچها كيف اللي ملهاش راچل يلمها، ركبت عربيتها اللي عتتمنظر علينا بيها من الصبح وراحت على المخروبة اللي چدي عملهالها اللي إسميها المستشفي ولساتها راچعة من إشوي هي والست مريم.
إستشاط داخل فايقة وتحدثت بنبرة حاقدة: خليهم يضحكوا ويفرحوا لهم يومين من نفسهم، أما نشوف مين اللي عيضحك في الأخر.

تنبهت ليلي على نبرة والدتها التي توحي بتدبيرها بكارثة تنتظر الجميع وتنهدت براحة، ثم تسائلت بإهتمام: چيبتي لي التحاليل بتاعتي من عند الدكتور يا أما؟
أجابتها فايقة: عنروح نجيبها بكرة أني وأبوكي.

أجابتها ليلي بنبرة حزينة: أني خايفة جوي من اللي عتعمله مرت عمي منتصر لو طلع فيا عيب يمنعني من الخلفة، خايفة ليكون كلام الدكتور اللي روحنا له اخر مرة في المركز صحيح، ده حتى أبونا القسيس اللي روحنا له جال لي روحي لحكيم يداويكي من اللي شربتية
قاطعتها فايقة بنبرة حادة قوية: معايزاش أسمع منيكي كلمة خايفة دي طول ما أني چارك، إنت بنت فايقة النعماني، يعني الخوف هو اللي يخاف منيكي، فهماني يا بت؟

إستمعت إلى صوت قدري وهو يتحدث إليها: عتتحدتي ويا مين يا فايقة؟
تحدثت إلى إبنتها تحثها على إنهاء المكالمة: إجفلي دالوك يا ليلي، واني عكلمك الصبح وأجول لك أني عملت إية عند الدكتور.
أغلقت معها ونظر لها وتساءل: هو ولدك لساته چوة؟
زفرت بضيق وأردفت قائلة: من وجت ما رچع من المحكمة وهو جافل على حالة ومطايجش يشوف خلجة حد.

صاح قدري باخر صوته منادي على ولده، فتح الباب وخرج بوجه عابس وذقن نابت غير مهندب، مرتدي حلة سوداء أنيقة كي يحافظ على هيأته أمام الحضور، وتحرك إليهما فنظر له قدري بوجة عابس لأجل ما يحدث مع ولدة، نعم هو رجل طامع حاقد على الاخرين، جشع يعشق إقتناء المال ولا يهتم بوسيلة جمعة، وحقا يفتقد قدرة التعبير عن مشاعرة لأبنائه، لكنه بالنهاية أب ولدية مشاعر أبوة ويخشي على صغارة من الزمن،.

إقترب قدري على إبنه وربت على كتفه بمؤازرة وتحدث: يلا بينا يا ولدي لجل ما نجضوا المشوار دي ونخلصوا منية.
نظرت تلك المرأة منزوعة الرحمة وتحدثت إلى ولدها التي لم تشعر به يوم: جالب خلجتك لية إكدة يا ولدي، إفرد وشك أومال.
كان ينظر لها بجمود مستغرب حالة اللامبالاة وعدم الشعور بقلب صغيرها الذي يصرخ مستنجدا، يريد التشبث بأي طوق ينجية من الهلاك المحتم المقبل علية لا محال.

أخذ نفس عاليا ثم زفره وتحدث بلهجة محذرة: مش عاوز أعيد كلامي على حضرتك وأجول لك إن الموضوع ده لو إتعرف في النچع هيكون فيه نهايتي وهلاكي
نظر له قدري وتحدث بنبرة صادقة: متجلجش يا ولدي، أكيد أمك مهياش بالغباء دي لجل ما تودرك بيدها، هي عارفة ومتوكدة زين إن يوم چدك وعمك زيدان ما يعرفوا بچوازة الشوم دي هتغفلج على الكل وأكتر واحد هيتإذي فيها هو أنت.

ثم رمق فايقة بنظرة تحذيرية أرعبتها فتحدثت بنبرة صادقة حيث أنها حقا تريد ان يعلم الجميع اليوم قبل الغد بزواج قاسم على إبنة زيدان حتى تسحق قلبه سحق على غاليتة، لكنها وبالتأكيد تخشي على قاسم من بطش عتمان وطردة من جنة نعيمه، فصبرت حالها بأن عتمان لم يتبقي لدية الكثير من الاعوام كي يحياها، وبعد وفاته سيحق لها الإعلان عن الإنشطار النووي لقنبلة الموسم.

وتحدثت بنبرة صادقة: محدش عيخاف عليك ولا عيحبك ويتمني لك الخير جدي يا قاسم، طمن بالك يا ولدي.

تحرك ثلاثتهم إلى القاعة المقرر بها إقامة حفل الزفاف، كان رفعت وأهله متواجدون بالفعل، إستغرب أهل رفعت واشقائة ان العريس لم يأتي سوي بوالدية وفقط، إستقبل قدري المأذون ودلفت إيناس إلى القاعة بصحبة والدها الذي قادها للداخل وذهب بها إلى مقر الجلسة المعدة من قبل إدارة الأوتيل لعقد القران، مع إستغراب الحضور لعدم إستقبالها من جانب قاسم الجالس بجانب المأذون الشرعي غير مبالي بدخول عروسه إلى القاعة.

جلست إيناس وهي تنظر إلى ذلك الناظر أمامة بجمود ويبدوا للجميع إرغامه على تلك الزيجة من خلال ملامح وجهه العابس
بدأت مراسم عقد القران وقام المأذون بخطبته الشهيرة وبعد مدة إنتهي رفعت من قول ما أملاه علية المأذون وجاء الدور على قاسم
فتحدث المأذون إلى قاسم قائلا: قول ورايا يا عريس، قبلت الزواج من موكلتك.

نظر له قاسم وكاد أن يصرخ معلنا للجميع عن تخليه عن تلك الزيجة التي ستذبح روحه قبل متيمته، ود لو أن له رفاهية الوقوف والخروج من ذلك المكان الذي يضغط على أنفاسة بقوة حتى أنه بات يشعر بالإختناق، ود الخروج مسرع ضارب بكل شئ عرض الحائط، ود الذهاب إلى حبيبته والإرتماء داخل أحضانها الحنون.

إنتبه على صوت المأذون وهو يكرر على مسامعة كلماتة السابقة مستغرب حالة التيهه والتشتت اللتان تظهران على هيأة العريس وتحدث: إنت سامعني يا أبني؟
إستشاط داخل كوثر التي تقف بجوار جلوس إبنتها واشتعلت النار بداخل قلبها من ذلك الذي جعل جميع الحضور يتهامزون فيما بينهم، أمسك قدري يد إبنه ونظر إلية ليحثه على إستكمال الإجراءات لإنتهاء تلك المراسم وذلك الزفاف الذي أجبر عليه هو وولده.

حينها نظر رفعت إلى قاسم وأستمال له بعيون متوسلة أرهقت قلب قاسم وجعلتة يتحامل على حاله كي ينهي مأساة ورعب ذاك المرتعب ضعيف الكيان المسمي برفعت.

تنفس قاسم عاليا وبدأ بقول ما يملية علية المأذون وكأنه ألة إلكترونية يكرر ما يؤمر به دون روح أو قلب أو أية مشاعر، إنتهت المراسم وقمن النساء الحاضرات بإطلاق الزغاريد معلنين عن فرحتهم بإتمام الزيجة ومن بينهم فايقة التي كانت تزغرد بقلب سعيد شامت وكأنها حققت أعظم إنتصاراتها للتو
تنفس رفعت ونطق الشهادة بينه وبين حالة وحمدالله كثيرا على إسدال ستره العظيم على إبنته وعلية أمام الحضور والعلن.

وقف قاسم وتحامل على حالة وذهب لجلوس إيناس التي تشعر بلذة الإنتصار وبأنها وأخيرا ظفرت بلقب حرم قاسم النعماني وهذا ما حلمت به منذ أن رأته بأول يوم لها داخل كلية الحقوق حين قدمه لها عدنان لتتعرف علية بإعتباره صديقة المقرب إلى قلبة طيلة الثلاث سنوات دراسة.

أمسك يدها ليوقفها متضررا وكأنه يحتضن شوك يؤلمه بشدة ويسحب منه روحه، تحرك بها حتى وصل إلى المكان المخصص لجلوسهما وهنا تركها سريع وجلس هو قبلها مما جعلها تكاد تزهق روحها من شدة الخجل التي شعرت به أمام الحضور الذين يسلطون ابصارهم على العريس ووجهه الكاشر ويتهامزون بوجوة مستغربة
جلست وهي تنظر للجميع بكبرياء لحفظ ماء الوجه ثم نظرت إلى قاسم وتحدثت بنبرة رقيقة أخرجتها بصعوبة بالغه: مبروك يا حبيبي.

نظر لها وأبتسم بجانب فمة وتحدث ساخرا: حبيبك؟
إنت مصدقة نفسك، تبقا كارثة لتكوني مصدقة المسرحية الهزلية اللي بتحصل دي؟
تحاملت على حالها وتحدثت بنبرة زائفة كي تسترضي رجولته: أنا عارفة إنك زعلان مني بسبب الكلام اللي أنا قولته، بس ده كلام طلع وقت غضبي يعني ما اتحاسبش علية يا قاسم، خلينا نستمتع ونفرح باليوم اللي ياما حلمنا بيه كتير.

وأكملت بنبرة أنثوية في محاولة منها بسحبه إلى عالمها من جديد: فاكر يا حبيبي، فاكر قد إية حلمنا وإتمنينا إن اليوم ده ييجي؟
رمقها بنظرة إندهاش مستغرب حالة الإنكار للواقع التي تتعايش داخلها غير مبالية بافعاله المهينة لشخصها.

هتف العامل المسؤل عن إدارة تشغيل الموسيقي وتنظيم الحفل وأردف قائلا وهو ينظر إليهما: سقفة كبيرة يا جماعة للعريس والعروسة اللي هيتفضلوا معانا على الدانس فلور علشان يفتتحوا الفرح برقصتهم الأولي.
صفق الجميع وإبتسمت إيناس بتفاخر ورفعت قامتها بغرور وهيأت حالها للوقوف، فاجأها قاسم الذي أشار بيدة معتذرا للعامل مما جعل الجميع ينظر للعريس مرة اخري مستغربين حالته.

صدمت إيناس وتخشب جسدها وتصنمت بجلستها، أما كوثر التي تمنت لو أن الأرض شقت وأبتلعتها حتى تتفادي نظرات الحضور التي تنهشها وتشمت بها وبكبريائها الدائم
تسائلت زوجة شقيق زوجها بنبرة تهكمية: هو العريس ماله كدة زي ما يكون مجبور على الجوازة يا كوثر؟!

إبتلعت لعابها من شدة خجلها ثم إستجمعت قوتها وتحدثت بنبرة قوية حادة: مجبور؟ فشر يا حبيبتي، ده حفي زمان على ما بنتي وافقت علية وإختارته من بين كل اللي إتقدموا لها
وأكملت بنبرة زائفة لحفظ ماء الوجه: كل الحكاية إنه صعيدي ومتحفظ شوية وملوش في الرقص والمسخرة دي.

أما زوجة شقيق زوجها الاخري والتي تقدم ولدها لطلب الزواج من إيناس وقبل بالرفض، فقد هتفت بنبرة تهكمية: ويا تري التكشيرة اللي مالية وشه دي كمان بردوا علشان صعيدي؟!
نظرت لهما بعيون حادة كالصقر وتحركت بصمت عندما لم تجد ردا لديها، حين أطلقت السيدتان ضحكات ساخرة على تلك المغرورة الدائمة التكبر والتعالي على أهل زوجها
تحركت كوثر إلى فايقة وجاورتها الجلوس تحدثت بنبرة مشتعلة: عاجبك اللي البية إبنك عاملة ده؟

ده فضحنا في وسط المعازيم، الناس كلت وشي وهرتني تريقة
تنهدت فايقة وأردفت بنبرة حزينة: بتك اللي خايبة ومعارفاش تفرفشه وتشده ليها، على العموم ملحوجة، لما يروحوا شجتهم تبجا تتچلع علية وتخلي الحديد يلين
ونظرت لها متحدثة بإلحاح: فهمي بتك زين وأكدي عليها إن لازمن قاسم يدخل عليها الليلة، وأكملت بغل شديد من بين أسنانها: وإلا هخسر الرهان اللي عشت أستناه عمري كلياته.

نظرت لها كوثر وتحدثت بكبرياء وثقة: متخافيش على إيناس دي تربيتي، وبعدين إبنك بيحبها وهيموت عليها على فكرة، ميغركيش الوش الخشب اللي مركبهولنا من وقت ما دخل القاعة ده، هو بس زعلان منها شوية، وأول ما يتقفل عليهم باب هيجري عليها وياخدها في حضنة ويتمني ترضي علية،
وأكملت بغرور: ما هو بالعقل كدة يا مدام، معقولة فية راجل هيكون مقفول عليه باب واحد مع ست بجمال وسحر إيناس كدة وما يلمسهاش؟

رمقتها فايقة بنظرات ساخرة ولوت فاهها من تهويل تلك الموهومة الشديد في جمال إبنتها التي رأته فايقة أقل من العادي، ولكنها فضلت الصمت وعدم الدخول في مهاترات
تحدثت إيناس إلى قاسم بنبرة حزينة منكسرة: إنت لية مصر تكسرني وتذلني قدام الناس يا قاسم؟
أجابها بنبرة جامدة وهو ينظر أمامه: أنا وإنت نستاهل الذل والكسرة لأنه حصاد طبيعي لزرعة الأنانية والخداع اللي زرعناها من سبع سنين.

تحرك قدري إلى زوجته وجلس بجانب فايقة وتحدث بنبرة ساخطة ناظرا إلى كوثر التي تقابله الجلوس: إوعاك يا حرمة تكوني فاكرة إني تممت الچوازة دي لچل حديتك اللي ميسواش عندي مليمين على بعض، وإحمدي ربنا إن لساتك عايشة بعد ما إتچرأتي وهددتي قدري النعماني بچلالة قدرة،.

ثم حول بصره ناظرا على رفعت الجالس بجانب أشقائة وأكمل ساخرا: وإدعي لخيال المأتة اللي إنت متچوزاة اللي لولا محلسته وكهن الحريم اللي عمله، الله الوكيل قاسم ما كان هيتراچع عن رأية لو السما إنطبجت على الأرض
رفعت قامتها بكبرياء وتحدثت بذكاء: بلاش نقلب في اللي فات يا عمدة وخلينا ولاد إنهاردة، وخلينا متفقين إن كلنا بنعمل أقصي ما عندنا علشان نشوف اولادنا مرتاحين ونضمن لهم مستقبل أحسن.

وهمت واقفه وتحدثت بقوة: هخلي الويتر يجيب لكم عصير فريش علشان يهدي لك أعصابك يا عمدة.
وتحركت هي وهتف قدري بنبرة ساخطة وهو ينظر عليها بإحتقار: جبر يلم العفش
تحدثت فايقة إلى قدري قائلة: إعمل حسابك يا قدري هنروحوا من إهني على شجة قاسم نبات فيها عشان نجوم بدري ونعدوا على المعمل نچيبوا التحاليل بتاعت ليل، وبعدها هنروح لقاسم شجته نطمن علية ونسافروا طوالي.

رمقها قدري بنظرة حارقة وأردف متحدث بنبرة تهكمية: عتروحي لقاسم لجل ما تطمني علية ولا تطمني جلبك وتطفي نارك اللي والعة بجالها سنين يا فايقه؟
إنتفض جسدها وأهتز قلبها وابتلعت لعابها رعب خشية من أن يكون قدري قد إفتضح أمرها، فأكمل هو بنبرة محذرة: إعجلي يا مرة وحطي مصلحة عيالك جدام عنيكي ولو مرة واحدة، سيبك من الغل اللي ماليكي من ناحية ورد وبطلي مكايدة وشوفي المصلحة اللي عتطلع لولدك من ورا چوازتة من بتها.

وإياك يا فايقة عجلك يجل وشيطانك يوزك وتچيبي سيرة الچوازة اللمجندلة دي جدام ورد ولا بتها ولا حتى المچنونة بتك
وأكمل مهددا بنبرة صارمة: الله الوكيل يومها مهعمل لعشجك الملعون اللي معشش جوة جلبي حساب يا فايقة.
رمقتة بنظرة ساخطة وفضلت الصمت والمشاهدة بتلذذ وإستمتاع لهذا المشهد العظيم المثلج لصدرها المشتعل منذ قديم الأزل.

إنتهي حفل الزفاف باكرا بناء على طلب قاسم الذي تحجج بإصابته بنوبة صداع نصفي شديد وانهي الحفل، تحرك العروسان بسيارة قاسم الذي قادها عدنان واوصلهما لمسكنهما الجديد دون إضافة كلمة واحدة من ثلاثتهم،
فتح الباب وتحرك بساقية للداخل تارك إياها بالخارج في مشهد مهين لشخصها، نظرت له بقلب مستشيط مشتعل لكنها كظمت غيظها ودلفت للداخل وأغلقت الباب خلفها، تحرك هو بخطوات سريعة نحو غرفته وهي تتبع خطواته،.

وضع يده على رابطة عنقة وفكها بطريقة عنيفة تدل على مدي وصوله للمنتهي، وقف عند مدخل الباب وألتفت بجسده ناظرا عليها وتحدث بنبرة صارمة مشيرا بكف يده إلى الغرفة المعدة للأطفال: أوضتك اللي هناك، ودي أوضتي أنا.
جحظت عيناها بإتساع وتحدثت بذهول خشية إفشال خطتها للتقرب منه:.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة