قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل الخامس عشر

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل الخامس عشر

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل الخامس عشر

صعدت صفا من جديد لذلك الذي أصابه شعورا بالوحدة وعدم الراحة من مجرد إبتعادها عنه لمدة دقائق معدودة، وما أن رأها حتى إستكانت روحه دائمة التشتت، ألقت علية نظرات خجلة وتسمرت بوقفتها تفرك كفيها ببعضيهما بتوتر، لم تعي ما يجب عليها فعله، بادر هو بالحديث كي يخرجها مما هي علية: أظن چوعتي دالوك؟
نظرت إلية وهزت رأسها بإيماءة خفيفة، فحقا كانت أحشائها تتلوي من شدة شعورها بالجوع لعدم تناولها عشائها بالأمس.

إقترب منها وتحدث وهو يحسها على التحرك بجانبه قائلا: تعالي معايا على المطبخ نشوف الحاچات اللي مرت عمي چيباها لنا، أكيد فيها وكل.
أطاعتة بطريقة أثارت داخله وتحركا معا، وبدأ هو برص الطعام اللذيذ المعد من قبل ورد فوق المنضدة الموضوعة داخل المطبخ و جلسا كلاهما وبدأ بتناول فطورهما بشهية عالية وذلك لشدة جوعهما، فحتي هو حرم على حاله الطعام ليلة أمس وغفي دون أن يتناول عشائة ليشاركها حتى جوعها.

كانت تتناول طعامها وتمضغه بهدوء وهي تنظر داخل صحنها خجلا، أما هو فكان يتناول طعامة مسلط بصره فوق ملامح وجهها بتمعن وانبهار
تحدث كي يكسر حاجز الصمت بينهما: نمتي زين إمبارح؟
رفعت نظرها إلية بهدوء وهزت رأسها بإيماءة صامتة
فأكمل هو كي يزيل عنها خجلها وغضبها ويجعلها تتناسي ما حدث بينهما بالأمس وتندمج معه بالحديث: أني كمان نمت ومحسيتش بحالي من كتر التعب.

وأكمل ليلهيها بالحديث: اليومين اللي فاتوا كانوا متعبين جوي بالنسبة لي، جضيتهم واجف على رچلي لجل ما أرحب بالضيوف، حتى الكام يوم اللي جبلهم جضيتهم بين المرافعات في المحكمة والشغل طول الوجت في المكتب لجل ما أخلص اللي وراي جبل ما أخد أجازة الچواز.
نظرت إلية وتساءلت بإهتمام: هو انت بتترافع جدام هيئة المستشارين زي ما بنشوف في التلفزيون إكدة؟

إبتسم بسعادة وراحة غزت قلبه على أنه إستطاع سحبها إلى عالمه وأجابها بنبرة واثقة تصل لحد الغرور: وأحسن من اللي عتشوفيهم في التلفزيون كمان، ولد عمك محامي واعر جوي ولية هيبتة في جاعات المحاكم
كانت تستمع إلية بعيون لامعة وأبتسامة واسعة إعتلت شفتاها وأردفت قائلة بإطراء: طول عمرك وإنت شاطر و مميز يا قاسم.

إبتسم لها وتحدث مداعب إياها: طالع لبت عمي، وأكمل بنبرة هادئة ناعمة: إنت كمان يا صفا من صغرك وإنت شاطرة وعارفة ومحددة هدفك زين
وأكمل بتأكيد: و وصلتي له
أصابتها خيبة أمل من حديثة وحدثت حالها بتألم، نعم حققت بعض أهدافي، لكن بقي أعظمهم وأسماهم، وهو وصولي لقلعة عشقك وأقتحامها قاسمي.
توقفت عن الطعام وأمسكت محرمه ورقية نظفت بها يدها وشفتاها بعناية، فتحدث وهو يشير إلى صحنها: كملي وكلك يا صفا.

أرجعت ظهرها مستندة به إلى خلف مقعدها وتحدثت بهدوء: شبعت الحمد لله.
أراد أن يستدعي مرحها وأبتسامتها الخلابة وذلك بعدما رأي نظرة إنكسار داخل عيناها لم يدري سببها فتحدث قائلا بدعابة: طب بتعرفي تعملي جهوة زين ولا أني إدبست وإتچوزت ست بيت فاشلة.

إنتعش قلبها من كلمة تزوجت، فكم كانت تشعر بالسعادة من مجرد ربط إسميهما معا حتى بعد كل ما جري لها من عشقه الملعون، وكيف لها أن تتحكم في قلبها، عاشق قاسمها حتى النخاع.
هتفت إلية بنبرة واثقة: هي مين دي اللي فاشلة يا استاذ.

وأكملت بتفاخر مصطنع وهي ترفع قامتها وتشير بيدها على حالها: اللي واجفة جدامك دي و بلا فخر بتعمل جهوة عظمة، بدليل إن أبوي مهيشربش جهوته إلا من يدي، حتى أمي مهتعرفش تظبطها له كيف ما بتظبطها صفا.
إبتسم لها ساخرا وتحدث إليها مستفزا ليستدعي حماسها أكثر: والله الماية تكدب الغطاس، وادي الجهوة وادي البوتچاز.
وأكمل مشيرا لها نحو الموقد: إتفضلي وريني إبداعاتك يا ست صفا وأني اللي هحكم بنفسي.

وقفت بكل كبرياء وبدأت بصنع القهوة وبدأ هو بمساعدتها في لملمة الصحون من فوق المنضدة ووضعها داخل الحوض إستعدادا لجليها
ضيقت عيناها مستغربه تصرفاته البعيدة كل البعد عن طابع الرجل الصعيدي المتعارف علية داخل عائلتهم وتساءلت مستفسرة: إنت بتعمل إية يا قاسم؟
أجابها وهو يضبضب ما تبقي من الأشياء: بلملم الإطباق وهحط لك الصواني والحلل في التلاچة عشان الأكل ميخسرش من حر المطبخ.

نظرت له بإعجاب ثم تحدثت بنبرة مستفزة كي ترد له جزء من مداعباته: يا ويلك يا سواد ليلك لو مرت عمي شافاتك وإنت عم تلم السفرة وماسك بيدك الفوطة وعم تلملم بواجي الوكل إكدة
أجابها مكملا ما يفعله بنبرة إعتزاز: و أمي أيه اللي عيزعلها إني بنضف مكان وكلي والفوضي اللي عملتها بنفسي؟
المفروض إن الحياة مشاركة وكل واحد فينا ليه دور وعلية مسؤليات، وبعدين أني متعود على إكده.

وأكمل وهو ينظر إليها بإبتسامة مذكرا إياها: ناسية إني عايش لحالي وواخد على إكدة إياك؟
أجابته وهي تفرغ ما بداخل القدر الخاص بصنع القهوة إلى تلك الأقداح الصغيرة المخصصة للشراب بها: أيوة ده وإنت جاعد لحالك مش معاي.
وأكملت وهي تحمل الصنية بين ساعديها وتتهيئ للخروج إلى غرفة المعيشة ليتناولا بها القهوة: بلاش تعمل إكدة تاني يا قاسم، أني منجصاش مشاكل ويا مرت عمي الله يرضي عليك.

قالت كلماتها وتحركت إلى الخارج بإتجاة بهو الشقة، وضعت ما بيدها فوق المنضدة وجلست فوق الأريكة بعدما أشعلت شاشة جهاز التلفاز وأمسكت جهاز التحكم به وثبتته على إحدي القنوات الإخبارية
جاورها الجلوس بأريكتها ولكن بعيدا عنها كي لا يزعجها، بسطت يدها إلية ومدتها بقدح قهوته
فتناوله منها وقربه من أنفه وأشتم عبقها وهو مغمض العينان ثم همهم بإرتياح وتحدث متعجب: ده أية المزاچ العالي جوي ده؟

نظرت إلية ولراحته الظاهرة على ملامح وجهه وتساءلت بإبتسامة: عچبتك ريحتها؟
أجابها بملامح هائمة وما زال مغمض العينان ويشتم عبق قهوته بإستمتاع: جوي جوي.
تحدثت بنبرة حماسية: ده بن مخصوص مهتلجيش ليه مثيل في مصر كلياتها، أحمد سليمان المصدر اللي أبوي بيشتغل وياه بيبعت يجيبه مخصوص من البرازيل وبيعمل حساب أبوي معاه.

تحدث إليها بعدما إرتشف أول رشفة من قهوتها التي وبالفعل تأكد من تميزها ويكاد يجزم بأنها أفضل قدح قهوة إرتشفه طيلة حياته: تسلم يدك يا دكتورة، الجهوة عظيمة بجد.
إبتسمت بخفة وتحدثت بهدوء: بألف هنا
وسحبت بصرها لتعاود النظر إلى شاشة التلفاز مرة أخري لتشاهد ما يقال بتمعن وأهتمام.
تطلع إليها بإستغراب حالها وتحدث متعجب: اخر حاچة كنت أتخيلها إنك تكوني بتمهتمي بالأخبار السياسية والإقتصادية!

حولت بصرها إلية سريع وهتفت بنبرة حادة حزينة: وإنت أية اللي تعرفه عني يخليك تجول إكدة؟
وأكملت بنبرة ملامة: مش لما تبجا عارفني اللول يا متر تبجا تعرف إيه هي إهتماماتي؟
لاحظ حزنها وتشنج ملامحها وتساءل متعجب: بتجوليها و إنت زعلانة ليه إكده يا صفا؟
هو أني جولت حاچة زعلتك مني؟

أجابته متهربه بعينيها بعيدا عن مرمي عيناه المهلكة لقلبها العاشق: أني مزعلانش ولا حاچة، بس محبيتش منيك نبرة التجليل اللي حسيتها من وسط كلامك دي.
قطب جبينة وتحدث إليها مدافع عن حالة: وأني عمري مجللت منك ولا أجدر أعمل إكدة من الأساس يا صفا، كل ما في الموضوع إني إستغربت شوي إهتمامك بالأخبار.

وأكمل مفسرا: يمكن لأني واخد فكرة عن البنات إنهم بيتفرجوا على البرامچ الفنية والمسلسلات والافلام، وبكتيرهم جوي يتفرچوا على برامج توعوية وتربوية.

أجابته بقوة: فكرتك غلط يا حضرة المحامي، معظم الستات دالوك عجلها واعي ومتفتح إلى أبعد ما خيال سعادتك يصور لك، الست بتختار توجهاتها الفكرية اللي تناسب تفكيرها الواعي بدون توجية مباشر من أي حد، الست أصبحت في زمنا لا تجل أهمية عن الراچل وتجدر تحقق إنتصارات من خلال مجالها.

وأكملت بنبرة غائرة لم يلاحظها هو: و بما إنك محامي كان من المفروض تكون أدري الناس بعجليات الستات المختلفة، وده طبعا بحكم شغلك وإنك بتجابل ستات ياما أشكال وألوان.

أجابها وهو يبتسم: مفهومك عن المحاماة غلط خالص يا صفا، أني مچرد محامي، منيش محلل نفسي لجل ما أعرف توجهات وعجول الحريم رايحة لوين، أني كل علاجتي بموكلاتي إني أسمع مشكلتها بإختصار وأحاول جاهدا أحلها لها وأخد أتعابي وخلصنا على إكدة، وأكمل بإقتضاب ونبرة متهكمة: فاضي أني إياك ل لت الحريم وعجنهم اللي مهيخلصش
إبتسمت بخفه وأكملا معا مشاهدة البرنامج.

عصرا داخل المسكن الخاص بمريم وفارس
دلف من الباب وجدها تجلس فوق مقعدا محتضنه صغيرتها التي ما أن رأت والدها حتى قامت بالتهليل والتصفيق بكفي يداها مشيرة إلية كي يرفعها لداخل أحضانة مثلما دائما يفعل
طار قلبه فرح حين رأها وأسرع الخطي حتى إقترب منها ورفعها لداخل أحضانه الحانية وبات يزيدها بوابل من القبلات
همهمت إلية صغيرته وهي تداعب وجهه بأناملها الصغيرة قائلة: با با.

إبتسم لها وتحدث بسعادة بالغة: إية يا جلب بابا وعجلة.
ثم وجه بصره لتلك الجالسة بوجه مبهم وملامح وجة جامدة وتحدث مستفهم بنبرة ساخرة وهو يهم بالجلوس: مالك يا مريم، جالبة خلجتك في وشي من إمبارح لية إكدة، زرعتيها مانچة طلعت بطيخ إياك؟
نفخت بضيق وتحدثت بنبرة تهكمية وهي تنظر أمامها متلاشية النظر لعيناه: إطلع من نفوخي يا فارس وبلاش تبتديها معاي إكدة، إني فيا اللي مكفيني ومنجصاش تجطيم من حد ومنك إنت بالذات.

ضيق عيناها مستغرب حدتها وغضبها وتساءل بإستفهام: كل الموشح ده عشان جلت لك مالك، بتتلككي ولا إي إنت؟!
نظرت له بعيون مشتعلة وتحدثت بنبرة شديدة الحدة: أني معتلككش يا فارس بية ولا عحب المشاكل من اساسة، ولو أني بتلكك كنت فتحت لك تحجيج ليلة إمبارح في اللي حصل منيك جدام حريم النجع كلياتهم.
تساءل مستغرب بنبرة تهكمية: وإية بجا اللي حصل ليلة إمبارح يا ست مريم؟!

إبتسمت ساخرة وأردفت قائلة بنبرة بائسة منكسرة: لو محاسيس باللي عملته فيا وتجليلك لجيمتي يبجا جلة الحديت أحسن.
قالت كلماتها وأسرعت غاضبة بإتجاة غرفتها وما أن دلفت حتى أغلقت بابها بحده هزت جدران الشقة بأكملها
كان ينظر إلى طيفها بشرود وملامح وجة مكشعرة غير مستوعب سبب غضبها ذاك.

نفض رأسه من تصرفات تلك المتعصبة ثم نظر لصغيرته وأبتسم بوجهها ثم وضع قبلة وأردف قائلا بنبرة دعابية: أمك كن عجلها طار على الاخر يا چميلة، شوي شوي عتجولي الإهتمام ما بيطلبش يا فارس بية.
وابتسم لطفلته وبات يدغدغها تحت ضحكاتها الطفولية التي تذهب عقله وتلهيه عن همومه التي قام بسجن روحه بداخلها منذ ما جري، غير عابئ بتلك الغاضبة التي تمكث بداخل حجرتها تبكي وتنتحب حظها السئ الذي جعلها مع ذاك الفاقد الحس.

داخل مدينة القاهرة
وبالتحديد داخل مسكن مي صديقة دكتورة أمل، كانت الفتاتان تتجاوران الجلوس فوق الأريكة وتتحدثتان في أمور عملهما كطبيبتان ماهرتان، أتت إليهما إيمان والدة مي والتي تبلغ من العمر خمسة وخمسون عام وتمكث بمفردها مع إبنتها داخل الشقة بعدما توفي زوجها منذ عدة أعوام.
إقتربت من جلستهما ووضعت الصنية التي بيدها فوق المنضدة وتحدثت بملامح وجة بشوشة: عملت لكم شوية سندوتشات مع النسكافية.

نظرت لها أمل وتحدثت إليها بنظرات شكر وأمتنان: مش عارفه أشكر حضرتك إزاي على تعبك معايا يا طنط
وأكملت بنبرة خجلة: مش كفاية إني إقتحمت عليكم الشقة ونزلت عليكم زي البراشوت وغيرت لكم نظام حياتكم.
وجهت لها إيمان نظرات ملامة وتحدثت: عيب يا بنت الكلام اللي بتقولية ده، فيه واحده بردوا تقول كلام زي ده لمامتها وأختها؟

وأكملت مفسرة: وبعدين إنت جيتي مليتي علينا البيت وونستينا بدل قعدتي أنا ومي لوحدنا كدة طول اليوم
أردفت أمل بنبرة شاكرة: ميرسي يا طنط لذوق حضرتك وكرمك معايا، وأكملت بإستحياء: على العموم أنا هروح بكرة أحجز في أوتيل علشان مش عاوزة أتعبكم معايا أكتر من كده
إتسعت أعين مي وتحدثت بنبرة حادة: إية الكلام الأهبل اللي بتقولية ده يا أمل، يعني إية تحجزي في أوتيل وتروحي تقعدي فيه لوحدك؟

تنفست أمل عاليا وأردفت بتفسير خجل: أنا مش حابة أتقل عليكم أكتر من كدة يا مي، وخصوصا إن لسه فاضل تلات أسابيع على إفتتاح المستشفي اللي إتعينت فيها.
وجهت إيمان تسائلا إليها: هو إنت بردوا لسه مصممة على موضوع سفرك للصعيد ده يا بنتي، ما المستشفيات الإستثماري مالية البلد وإنت دكتورة شاطرة وألف مكان يتمناكي، إشتغلي في أي مستشفي وإن كان على السكن أديكي قاعدة معايا أنا ومي.

وأكملت بإعتراض: ولو إني مش مع إنك تقاطعي مامتك بالشكل ده وخصوصا إن ريماس قربت تتجوز من الدكتور اللي إسمة وائل ده كمان، ومامتك بكدة هتكون وحيدة وأكيد هتحتاج لوجودك معاها
إنتفضت بجلستها وتحدثت بملامح وجة غاضبة وكأن أحدهم قد أشعل النيران في جسدها بالكامل: أرجوك يا طنط بلاش تفتحي معايا الموضوع ده تاني.

وأكملت بإبتسامة ساخرة: وإن كان على ماما فمتحمليش همها، أنا أصلا عمري ما كنت من أولويتها، وأكيد عمرها ما هتحتاج لي في وجود بنتها الأقرب لقلبها، ده مش بعيد الدكتور يشتري لهم فيلا علشان يجمع فيها الأم الحنون وبنتها فائقة الجمال.

تنهدت مي بأسي على حال صديقتها وأيضا إيمان التي تحدثت بهدوء كي تمتص غضب تلك المنكسرة: طب إهدي يا بنتي، وحاضر مش هفاتحك في الموضوع ده تاني، بس إعملي حسابك إنت مش هتخرجي من هنا غير على طيارة سوهاج، مفهوم يا أمل؟
أومأت لها بوجه مبهم وأستأذنت منهما وأنسحبت إلى غرفتها المشتركة مع مي.

تحدثت إيمان بنبرة حزينة: لا حول ولاقوة إلا بالله، صعبانة عليا أمل أوي، بس كان نفسي تسامح أمها وترجع تعيش معاها بدل ما هي مسافرة الصعيد وهي مش عارفة إية اللي ممكن يكون مستنيها هناك.
تنهدت مي ثم أجابتها بنبرة حزينة: أمل معزورة بردوا يا ماما، اللي حصل لها على إيد الندل اللي إسمة وائل مش قليل بردوا، وتصرف أمها وأختها كان منتهي الخسة
هزت إيمان رأسها بموافقة وصمتت.

أما أمل التي وما أن دلفت لغرفتها حتى تحركت إلى شرفة الغرفة ونظرت للسماء الصافية وبدون مقدمات نزلت دموعها تجري فوق وجنتيها بحرارة، أسرعت بوضع كفيها وجففتهما سريع ورفعت قامتها بكبرياء رافضة ضعفها.

جاء المساء وتحدثت ورد إلى صغيرتها عبر الهاتف وابلغتها أنه يجب عليها النزول إلى الأسفل بصحبة قاسم لأخذ المباركة من جدتها وجدها ونيل رضاهما عليها، وأملت عليها بأن تقوم بتجهيز صنية كبيرة وتضع عليها صحن كبيرا من الحلوي التي اعدت سابقا للعرس، وبعض قطع الشيكولاته والفاكهه كي تقوم بتقديمهم لأهل المنزل كحلوان لإتمام الزواج كما جرت العادة، و أخبرتها بأنها ستبعث لها صابحة، تلك الفتاة التي تساعدها في القيام باعمال منزلها.

أغلقت صفا معها وأخبرت قاسم بما أملته عليها والدتها وانساق لرغبتها رغم إعتراضة على تلك العادات التي يرفضها جميعا، وذلك في محاولة منه لنيل كسب رضاها، وتحركا معا للأسفل وخلفهما صابحه التي تحمل تلك الصنية بالنيابة عنها.

كان الجميع يجلس في بهو المنزل بإنتظار هبوط العروسين لتقديم التهنئة لهما، رفعت فايقة بصرها تتطلع على تلك التي تتدلي من أعلي الدرج بجانب زوجها والذي انير وجهه وأصبح مشع بالحياة وكأنه تبدل منذ ليلة وضحاها، مما أدي إلى إستغراب فايقة وبث قلقها، لفت إنتباهها أيضا خلو يداي صفا من حلوي العرس كما هو المعتاد، رفعت قامتها لأعلي لتتفقد، وجدت عاملة ورد تتحرك خلفها تحمل عنها عبئ الحامل.

لوت فاهها وتحدثت بصوت مسموع للجميع: الدكتورة كنها عتتكبر على أهل چوزها و مهتعبرهمش من أولها.
إنتبة الجميع إلى حديثها ثم قاموا بتوجيه نظراتهم لتلك الصفا فتحدثت نجاة بهدوء: متكبريش الموضوع يا أم قاسم، محصلش حاچة لكلامك دي
تحدث عتمان بنبرة حادة: ولما فايقة متكبرش المواضيع مين يشعلل البيت ويجومه حريجة يا نچاة!

نظرت إلية بعيون منكسرة وتحدثت بنبرة ضعيفة إصطنعتها خصيصا كي تنال تعاطف الجميع: هو أني عشان بتكلم في الأصول والعادات أبجا بشعلل البيت واولعه يا عمي؟
إقتربت منهم صفا وقاسم فوقف الجميع لإستقبالهم عدا الجد والجده.

تحركت إلى جدها ووقفت أمامه ثم مالت على كف يده وقبلته بإحترام، أما عتمان الذي كان يشعر براحة عجيبة بعدما تم زواجها بقاسم، بجانب شعوره الملح بالحنين لها، أمسك ذقنها و أجبرها على النظر لداخل عيناه التي تتهرب من النظر داخلها، نظرت له وأستشفت من عيناه حنينه إليها وما كان منها إلا أنها إرتمت لداخل أحضانه بخجل فشدد هو عليها وتحسس بيده على ظهرها بحنان.

تنهدت براحه وأستكانة وتحدث هو مبارك بنبرة حنون: مبارك يا بتي، عجبال ما أشوف عوضك
إبتسمت له خجلا وتحركت إلى جدتها لتأخذ مباركتها
وتحرك هو إلى جده ونظر داخل عيناه بجمود فهو إلى الأن ما زال غاضب منه ولم يتخطي إهانته السابقة له أمام صفا
مد يده لمصافحته، إبتسم عتمان بجانب فمه وتحدث بنبرة ساخرة مداعب بها حفيده الأكبر: طالع جلبك أسود كيف أبوك يا أبن قدري.

طالعه بإستغراب فأكمل عتمان: مهتنساش اللي حصل واصل رغم إنك إتوكدت بنفسك إن الخير كلة في اللي أني إختارتهولك بيدي.
ثم حول بصره إلى تلك الجميلة التي رمت حالها داخل أحضان جدتها وتحدث بحديث ذات معني: ولا أية يا قاسم؟
أجابه بنبرة جامدة وأدب لم يتخطاه طيلة حياته معه: معنديش أدني شك في إنك رايد مصلحتي يا چدي، بس طريجة الترهيب والتهديد دي معحبهاش ولا عمري هنسي طريجتك المهينة لرچولتي جدام صفا.

أجابه الجد سريع: وأهي بجت مرتك وسترك وغطاك، وبكرة تاچي وتشكرني وتجول لي معنساش معروفك اللي عملته فيا يا چدي.
إبتسم لجده بخفة
أما صفا التي تحركت إلى فايقة ووقفت قبالتها ومدت يدها لمصاحفتها تحت ملامح وجة فايقة الغاضب التي تحدثت إليها بنبرة ساخطة: ده أنت جاصدة تهنيني بجا يا ست صفا!
نظرت إليها بإستغراب و تساءلت ببراءة: أني بهينك يا مرت عمي؟
حضرتك بتجولي لية إكدة؟

هتفت فايقة عاليا لتسمع الجميع بنبرة حزينة وعيون منكسرة مدعيه البراءة: أومال معناته أيه اللي عملتية غير جلة إستعني منيكي ليا يا بتي؟
وأكملت بنبرة حزينة مصطنعة تستدعي بها تعاطف الجميع: يعني لما تدلي عليا ليلة صباحيتك وتخلي خدامتك تجدمي لي صنية الكحك حلوان الفرح اللي المفروض إنتي اللي تجدمها لي بيدك، أفسرها بإية؟

وأكملت: ولا لما تسلمي على وتتكبري تميلي على يدي لجل ما تاخدي رضاي عليكي زيك زي اي عروسة في النجع، يبجا إسمة إية دي يا بتي؟
تحدثت صفا مدافعة عن حالها بنبرة بريئة: أكيد مجصدتش اللي فهمتية واصل يا مرت عمي، الموضوع ببساطة إن أمي بعتت صابحة لجل ما تشيل عني الصنية لأني ممتعوداش على شيلها وخافت للصنية تجع من يدي
طب وسلامك علي، ده كمان أمك اللي جلت لك علية و وصتك؟

كان هذا سؤال طرحته فايقة على صفا بنية خبيثة لتظهر للجميع فشل ورد بتربية إبنتها على الأصول المتعارف عليها
وقفت متلبكة حائرة لا تدري بما تجيبها، أنقذها فارسها الهمام متحدث برجولة: متكبريش الموضوع يا أما، مجراش حاچة لحديتك ده، صفا إتصرفت بعفوية وبعدين دي عادات فاضية كلياتها وملهاش عازة.
إنتفضت ليلي من جلستها وهتفت معترضة بنبرة حادة وقلب مشتعل: وهي العادات دي هتاجي لحد صفا هانم وتبجا فاضية وملهاش عازة؟

هي أحسن من مين يا قاسم، متعمل كيف ما كلنا عملنا
تحدث عتمان موجه حديثه إلى ليلي بنبرة حادة: متشعليلهاش يا بت قدري
تحدثت ليلي بندية وهي تربع يداها حول صدرها: أني معشعللهاش يا چدي، أنا بتكلم في الأصول اللي إنت بذات نفسيك دايما تعنفنا عليها وتنبهنا ليها!
تلبك عتمان أمام حديث تلك الشيطانة الصغيرة التي إستغلت تعسف عتمان وتمسكه بالعادات والتقاليد لصالح والدتها.

أما يزن الذي يتألم داخليا ويشتعل نارا لأجل الموقف التي وضعت به صفا، ولكنه للاسف لا يستطيع التدخل لعدم إفتعال المشاكل خصوصا في حضرة جده وقاسم إلى أصبح مسؤلا مسؤلية تامه عن حمايتها
لكنه هتف ناهرا ليلي بحدة كي يجعلها تكف أذاها عن إبنة عمه الرقيقة: مدخليش حالك في كلام ميخصكيش يا ليلي.

إرتبكت من نظرة يزن المستشاطة والمحذرة لها وخشية غضبه عليها، حين هتف قاسم هو الأخر إليها بنبرة حادة: خليكي في حالك يا ليلي وإبعدي عن أي حاچة تخص صفا.
فتحدثت الچدة كي تفض الجدل الدائر: صلوا على النبي يا چماعة.

ثم نظرت إلى صفا التي أخذت الحيرة والتشتت من نصيبها وباتت تتلفت على الوجوة بتشتت، تحدثت رسمية كي لا تدع لأحفادها فرصة التمرد على العادات المفروضة داخل عائلتها: ميلي على يد حماتك وخدي رضاها يا صفا.
نظرت لها بجبين مقطب غير مستوعبة الجدل الدائر من حولها ولا حديث جدتها، فأكملت الجدة بتأكيد: دي الإصول يا بتي وإنت بت زيدان النعماني، يعني سيد مين تفهم في الإصول زين.

تشتت داخلها وبلحظة أقبلت على كف يدها وأمسكت به، أوقفها قاسم بهتافه الحاد لها حيث قال لمؤازرتها: متعمليش حاچة منتيش حباها ولا ريداها لجل ما تتبعي تجاليد عامية يا صفا.

حولت بصرها سريع إلية ونظرت إلية بحيرة فأومأ لها بعيناه كي يطمئن روحها، في حين تحدثت الجدة بتشبث كي لا يخترق نظام قبضتها الحديدية وتعطي مجالا لأحفادها للثورة على كل ما هو مقدس بالنسبة لها: مهينفعش يا قاسم، دي عادات وتجاليد بنحترم بيها بعضينا و ورثناها عن چدودنا ولازمن نحافظوا عليها ونحترموها.

أما عن قاسم الذي تحدث بقوة ودفاع مستميت عن زوجته هاتف وبحدة: وأني جولت مرتي مهتميلش على يد حد وتجلل من نفسها حتى لو كانت الحد دي هي أمي بذات نفسيها، وأكمل حديثه بحدة: وكل دي ليه، عشان شوية عادات فارغة ملهاش عازة غير إنها بتوجف النفوس من بعضيها؟

وللحظة شعرت بقوة لا تعلم مداها، مشاعر جديدة عليها إجتاحت عالمها، حماية أمان، معني جديد لمفهوم السند بعيدا عن غاليها زيدان، نظرت لها فايقة بقوة وغضب، أما عن رسمية التي توسلتها بنظراتها أن تفعل ما طلب منها
وبالاخير ضعفت أمام توسلات جدتها وتجنبت لإفتعال وإثارت الجدل من البداية، فأمسكت بكف يد فايقة وكادت أن تميل بقامتها لتضع مرغمة قبلة مفروضة عليها.

إتسعت عيناه ذهولا من ما هي مقبله عليه تحت سعادة ليلي وفايقة التي رفعت قامتها للأعلي بكبرياء وكأنها وبتلك الخطوة قد خطت بساقيها أولي خطوات تنفيذ إنتقامها الأثم من ذاك الزيدان
لم يدري بحاله إلا وهو يتحرك إليها جاذب إياها بعنف قبل أن تميل برأسها لطبع القبلة ولفها لتقابل وجهه وتحدث بنبرة حادة غاضبة: معتسمعيش الكلام وتنفذية ليه؟

وأكمل بإهانة لشخصها: ولا أنت كيفك كيف الباجية، عتعشجي الذل والمهانة كيف عنيكي؟
نظرت إلية بعيون تكاد تصرخ ألما من إهاناته الحادة لها تارة، وتارة اخري من ما يحدث لها في أول يوم تقضية بداخل هذا المنزل.

أما عتمان الذي كان يراقب تغيرات ملامح وجه قاسم الغاضبة بتمعن وينتظر رد فعله وكيف سيحمي صفا من تصرفات والدته البغيضة، ولكنه بالتأكيد ما كان سيسمح إلى إبنة غالية بالذل والمهانة والإنكسار أمام صاحبة القلب الأسود المسماه بفايقة.

إبتسم برضا على تصرف قاسم وتحدث عتمان بنبرة حادة وهو يشير إلى الجميع ويسمح لهم بالجلوس: لحد إهني وخلص الحديت ومعايزش حد يفتح خاشمة تاني، وأكمل وهو يرمق فايقة بنظرات نارية قائلا لها بتهديد: فايقة، اللي حصل اليوم معايزهوش يتكرر واصل وإلا إنت حرة في اللي عيجري لك على يدي
إبتلعت فايقة لعابها رعب وهزت رأسها سريع بموافقة
ثم وجه حديثه إلى رسمية قائلا: نادمي على البنات وجولي لهم يعملونا شاي يا حاچة.

كان قدري ومنتصر يشاهدان كل ما يحدث بصمت تام وذلك بعد ما تلقوا إشارات محذرة من عيناي عتمان يبلغهم من خلالها بعدم التدخل وذلك كي يري رد فعل قاسم لحماية إبنة غالية الذي وضعها أمانة بين يداه
جلست وهي تبتلع غصة مريرة داخل حلقها من كلمات قاسم المهينة لشخصها
نظرت فايقة إلى ولدها بنظرات مشتعله وتحدثت بنبرة غاضبة وهي تقف: تعال معاي يا قاسم، عايزاك في موضوع مهم.

كان مازال مسلط بنظراته إلى تلك التي أشعلت غضبه بعدم إنصياعها إلى كلماته، رمقها بنظرة غاضبة وبالفعل تحرك مع والدته متجه إلى الخارج و وقفا داخل الفيراندا وتحدثت هي بنبرة غاضبة لائمة: أني مهلومكش ولا هعاتبك على اللي حصل چوة وإنك نصفت بت ورد على أمك من أولها ونصرتها علي، بس أني معيزاش اللي حصل ده يحصل تاني.

هتف بها عاليا بنبرة حانقة: أما، أني مطايجش حالي ومناجص عويل، جولي عاوزة أيه جوام خليني أدخل أجعد شوي مع چدي عشان أطلع مطرحي لجل ما أرتاح
إغتاظت من حديث ولدها المقلل من حديثها وكظمت غيظها ثم أخذت نفس عميق وأخرجته بهدوء كي تهدئ من روعها وتحدثت بتنظير: إنت جافل التلفون بتاعك ليه من أولة إمبارح؟
قطب جبينه بإستغراب وتساءل مستفهم: وإنت عرفتي منين إني جافلة؟

تحدثت بنبرة متعالية: كلمت إيناس من النمرة اللي خدتها من عدنان أولة إمبارح لجل ما أطمن عليها، وهي اللي جالت لي وأشتكت لي
وما أن إستمع إلى حديثها وكأنه صعق من إحدي منافذ الكهرباء وتحدث سريع مؤنب إياها بنبرة حادة: وإنت بتكلميها ليه من الأساس، هو انت بتدوري على المشاكل وخلاص، ولا ملجياليش مصيبة تحطيني فيها فبتخلجي لي مصيبة على كيفك؟

أجابته بنبرة هادئة: متهدي عاد يا قاسم، هو كان چري إية يعني لزعابيبك دي؟
وأكملت بأبتسامة شامتة: هي مش هتبجا مرت ولدي هي كمان ولازمن أطمن عليها حسب الإصول ولا إية؟
إشتعل داخله من حديثها المستفز وتحول بياض عيناه باللون الأحمر مما يدل على مدي إشتعاله وكاد أن يرد لولا إستمعا كلاهما لصوت حمحمة زيدان الذي خرج لتوه من منزله وجلس فوق أريكته بداخل الفيراندا الخاصة بمنزله ويبدوا على وجهه علامات الحزن والهم.

وجه إلية قاسم حديثة بإحترام: سلام عليكم، كيفك يا عمي؟
نظر له زيدان وأجابه بهدوء: الحمدلله يا ولدي، كيفك إنت وصفا؟
أجابه بهدوء وأمتنان: صفا بخير يا عمي الحمدلله، هي چوة جاعدة ويا چدي لو حضرتك رايد تشوفها
بعدين يا قاسم، بعدين، جملة قالها زيدان بنبرة حزينة.
تحدثت تلك الشمطاء التي نظرت داخل عيناه وفهمت مغزي حزنه: مبروك يا أبو العروسة، عجبال متشيل عوضها على يدك عن جريب إن شاء الله.

نظر لها وتحدث بنبرة باردة: في حياتك يا أم قاسم
خرجت إلية ورد تحمل صنية فوقها قدحان من مشروب القهوة ووضعتهم فوق المنضدة الموضوعة أمام زيدان الذي إبتسم لها بحنان وتحدث إليها: تسلم يدك يا غالية.
إبتسمت له بسعادة تحت إستشاطت فايقة وغليان صدرها بنار الغيرة التي تنهش داخلها وهي تري سعادة ذاك الثنائي الذي لم تختفي أو حتى تقل درجاتها برغم مرور كل تلك السنوات.

نظرت ورد إلى قاسم وأردفت متسائلة بإبتسامة: صفا كيفها يا ولدي؟
أجابها بنبرة حنون جعلت داخل فايقة يشتعل أكثر: زينة وبخير يا مرت عمي
أجابته بنبرة حنون: خلي بالك منيها يا ولدي.
أجابها بنبرة حنون مطمأن إياها: في عيوني يا مرت عمي، متشيليش همها واصل طول ما هي معاي
وتحرك عائدا إلى الداخل وجلس بصحبة جده ما يقارب من النصف ساعه ثم إصطحب صفا وصعدا إلى الأعلى.

وما أن دلفا إلى مسكنهما حتى تحرك هو سريع إلى الأريكة وأرتمي بجسدة عليها جالس بإهمال وبدأ بهز ساقيه بطريقة حادة تدل على مدي إنزعاجة
نظرت إلية بترقب واقتربت من مجلسة وجلست بمقعد مقابل وأردفت بإستفهام: أني مفهماش إنت جالب وشك عليا وزعلان ليه إكدة؟!
تساءل بنبرة حادة غاضبة: صح معرفاش زعلان ليه يا حضرة الدكتورة المحترمة؟

وأكمل بنظرة حادة: زعلان عشان مكابرتك وعندك ليا وصلوكي فإنك كنتي عتتنازلي عن كرامتك وتطاطي على يد أمي وتحبي عليها لجل بس ماتكسري كلمتي.
جحظت عيناها وهي تنظر إلية مستغربة حديثه ثم أردفت قائلة بنبرة حزينة من إدعائة وإتهامه لها بالباطل: هي دي فكرتك عني وهو ده كل اللي فهمته من الموضوع!
وقف من جديد وأقترب من وقفتها وتحدث متساءلا بنبرة حادة: إديني مبرر واحد يخليكي تعملي اللي عملتية ده غير إنها مكايدة فيا!

تحدثت بدموعها التي لم تستطع التحكم بها فجرت على وجنتيها رغم عنها: مبرري إني معيزاش مشاكل من أولها يا قاسم، بتتحدت ولا كنك شفت اللي حصل بعنيك
وأكملت بنبرة ملامة: وبعدين كت عاوزني أعمل إيه عاد وأني شايفه مرت عمي كل همها تركبني الغلط وتظهر للكل إن أمي جصرت في تربيتي ومعلمتنيش الأصول زين، دي حتى چدتي لما وجفت في صفها ضدي!
أجابها بنبرة حنون متأثرا بدموعها: بس أني كت معاكي وجولت لك لا يا صفا!

أجابته وهي ترفع كتفيها بإستسلام قائلة بنبرة إنهزامية قطعت بها نياط قلبه: خفت يا قاسم، لأول مرة أحس حالي وحيدة وأني بعيدة عن حضن أبوي وأمي
وأجهشت بالبكاء وكأنها طفلة ذات الثلاث أعوام تفتقد لأمان والديها، تحرك إليها سربع ولم يشعر بحاله إلا وهو يجذبها ويسحبها لداخل أحضانة ويلف ساعديه حولها ليشملها برعايته وهو يربت على ظهرها بحنان قائلا بنبرة رجولية حانية: وأني رحت فين يا صفا، أني معاكي ومهسيبكيش واصل.

ومن العجيب أنها إستكانت بداخل أحضانة بل وأطلقت لدموعها العنان وباتت تبكي وبشدة وكأنها كانت تحتاج لهذا العناق كي تخرج ما يؤلم صدرها وتطلق العنان لكل ما يؤرق روحها ويؤذيها.

كان يحتضنها برعاية ويهدهدها كطفلته البريئة ويهدئ من روعها، شعور بالراحة إجتاح كيانه بقوة من مجرد عناقها البرئ، ود لو يتوقف بهما الزمن وتظل هكذا مستكينة هادئة بين أحضانة، كان قلبه يدق بوتيرة عالية وما شعر بحالة إلا وهو يشدد من ضمته الإحتوائية لها بإستمتاع روحي بعيدا كل البعد عن الرغبة الجسدية.

وبعد مدة كانت قد هدأت من نوبة البكاء الحادة التي إنتابتها وسيطرت عليها، وبلحظة وعت على حالها وكأنها كانت مغيبة وأخيرا إستفاقت، إستغربت حالها وهي تتشبث بصدر قاسم ممسكه بتلابيب جلبابه وأستغربت أيضا ضمته القوية لها وهدهدته الحنون وتلامسه الرقيق فوق ظهرها
إبتعدت سريع وتحدثت وهي تنظر أسفل قدميها بنبرة خجلة متلبكة: أني، أني أسفه، أني معرفاش عملت إكدة كيف!

كان ينظر لحيائها وخجلها الزائد عن الحد بإثارة وأندهاش، والحق يقال فقد أثارت داخله بحيائها الذي زاد من شغفه وتعلقه بها
تحدث إليها بهدوء محاولا تهدئتها: إهدي يا صفا، محصلش حاچة لأسفك دي!
وأسترسل حديثه بمداعبة لطيفة: بتتأسفي عشان كتي چوة حضن چوزك؟
وتحرك بإتجاهها مقترب عليها.

أما هي فإرتعبت وأرتجف جسدها من نطقه لتلك الكلمات التي طالما حلمت بتحقيقها، وتحدثت إلية بتلبك وأرتباك واضحان وهي تتراجع للخلف سريع متهربة: أني نعسانة وهدخل أنام
أجابها سريع وهو يمسك كف يدها ويحسها على التوقف: خلينا جاعدين مع بعضينا كمان شوي
نظرت لداخل عيناه وتاهت في سحرهما، إبتلعت سائل لعابها بتوتر ظاهر له ثم أومأت له بموافقة وكأنها مسيرة.

سحبها من يدها وأجلسها بهدوء فوق الأريكة وتحدث بنبرة حماسية: إجعدي إهني وأني هروح أعملك أحلا صنية تسالي هتشوفيها في حياتك، وأرجع لك لجل ما نشوف فيلم سوا.

داخل غرفة قدري وفايقه
كانت تخرج من المرحاض لتستعد لغفوتها دلف إليها قدري وتحدث إليها بنبرة لائمة: وبعدهالك عاد يا فايقة، بادية الحرب إنت وبتك على بت زيدان بدري ليه اكدة؟
تحدثت إلية بنبرة حقودة: أني اللي بدأتها يا قدري ولا مجصوفة الرجبة بت ورد اللي چاية تتكبر وتتأمر على من أولها؟

هدي اللعب شوي يا فايقة، أني معايزش مشاكل ويا زيدان من أولها، زيدان لو بته إشتكت له معيسكتش وعيجوم البيت حريجه، وأكمل بنبرة حقودة: أني خابرة وخابر طبعه العفش زين، هو يبان كيف البسة الهادية، بس لحد بته وهيجلب أسد وهيبلعنا كلياتنا،
ثم تحدث إلية بجبين مقطب: وبعدين إنت مالك ومال البت، إحنا مش نولنا غرضنا وإبنك إتجوز بت زيدان وبجت في يدة هي وكل مال وحال أبوها، عاوزة إية تاني يا ولية؟

دي أمور وشغل حربم مليكش صالح بيها يا قدري، وخليك في حالك بعيد عني، جملة غاضبه هتفت بها فايقه وهي تتحرك إلى فراشها لتستعد للنوم.
تحرك إليها وأمسك يدها متحدث بنبرة حنون: لساتك زعلانه مني؟
نفضت يده بحدة وتحدثت بفحيح: إياك تكون فاكر إني هعدي لك اللي عملته فيا بالساهل إكدة؟
وأكملت بتهديد: تبجا غلطان ومسكين ولساتك متعرفش مين هي فايقة النعماني.

أجابها بنبرة جامدة: ماخلاص يا مرة عاد، هو كان جرا إية لزعلك ده كله، ضايجتيني بالحديت وحرجتي دمي وأدبتك وإنتهي الموضوع
جحظت عيناها وصاحت بنبرة حادة: أدبتني؟
ليه يا واد عتمان، كت شايفني ناجصة رباية ولا ناجصة رباية لجل ما تأدبني؟
أجابها بنبرة غاضبة: وهي الحرمة اللي تمنع حلال ربنا عن چوزها من غير اسباب تبجا إية غير إنها ناجصة رباية يا واكلة ناسك؟

وأكمل بعيون تقطر غل وحقد: والمرة اللي تتحدت عن أخو چوزها بالطريجة اللي إتحددتي بيها عن زيدان تبجا إية يا بت سنية؟
إرتبكت من نظراته ونبرة صوته التي لا توحي بالخير ولا تنذر به، فأرادت أن تمتص غضبته لتقي حالها شرة اللامحدود والتي تعرفت عليه منذ القريب
وأقتربت منه بذكاء وتحسيت صدره بدلال وبنبرة انثوية تحدثت: لساتك عتغير على لحد دلوك يا قدري؟
للدرچة دي عتحبني يا واد عمي؟

وما كان من ذلك الأبلة غير الإنصياع ل ألاعيب تلك الشمطاء وجذبها بشدة علية وتحدث بقوة وخشونة: تعرفي يا فايقة لو عملتي إكدة تاني، وعزة چلال الله لادفنك مطرحك
إبتسمت له بدلال ورمت حالها داخل أحضانة وشدد هو عليها تحت نفورها وإشمئزازها منه وتحت سعادة ذاك الابلة عديم الحس والإحساس.

كانت تجلس بجانبة فوق أريكتهما تتناول حباة الفسدق الذي جلبه لها من داخل المطبخ مع بعض المسليات الأخري ليستكملا سهرتهما، نظر لها وتحدث بنبرة حنون ليطمئن عليها: بجيتي زينة دالوك؟
هزت رأسها إلية خجلا وأجابته بهدوء: الحمدلله، بجيت أحسن
نظر لشفتاها الكنزة وإمتلائها الشهي وتحدث بمراوغة: تعرفي إن البكا زادك چمال
إرتبكت بجلستها وفتحت فاهها بطريقة أثارت جنونه فتحدث هو بنظرات مسحورة: إنت حلوة جوي يا صفا.

وإقترب منها، وضع كف يده متحسس كفها الرقيق برغبة تملكت منه رغم عنه رغم محاربتها
إرتعب جسدها ثم إنتفضت من جلستها واقفة وتحدثت بتلبك وهي تفرك كفيها ببعضيهما: أني نعست وداخلة أنام
وأسرعت إلى الداخل تحت إستشاطة مشاعره وتشتتها، وما كان منه إلا أن تتبعها ذاهب خلفها كالتابع المسحور، دلف عليها وجدها تجهز فراشهما كي تخلد إلى النوم.

لم يكن يشعر بحاجته إلى النوم ولكنه لم يستطع الجلوس بعيدا عن حضرتها التي ما عاد يشعر بإستكانة روحة إلا بجوارها
فتحدث إليها وهو يتمدد فوق الفراش ليستعد لمجاورتها: أني كمان نعست وهنام
إبتلعت لعابها حين وجدته ينزع عنه ثوبه العلوي ويلقيه بإهمال فوق المقعد المجاور وظهر أمامها عاري الصدر تمام بمظهر جعل جسدها ينتفض خجلا.

إنتفض داخلها وتراجعت للخلف سريع بعدما كانت تمسك بطرف الفراش لتتمدد عليه، وصاحت بنبرة مرتبكة حادة: إنت بتعمل إية يا قاسم؟
أجابها بإبتسامة فخر وهو يري تلبكها بعيناها: هكون بعمل إيه عاد، بچهز حالي للنوم.
إكدة؟ كلمة نطقتها بإستهجان وهي تشير إليه بعيون خجلة
فأجابها ببرود: وماله يعني إكدة، عچبة إكدة؟
ثم أني مبعرفش أنعس ومعيجليش نوم وأني لابس هدومي
هتفت قائله بنبرة معترضة: وأني مهينفعش أنام چارك وإنت إكدة.

أجابها بنبرة تهديدية مصطنعة: إتمسي يا صفا وخلينا ننام في ليلتك اللي مفيتاش دي
جذبت وسادتها بحدة بالغة وتحدثت بنبرة غاضبة حادة وهي تتجه إلى باب الغرفة: أجولك، إشبع بسريرك وبالأوضة كلياتها وأني هنعس على الكنبة برة
إنتفض من جلسته وقبل أن تضع يدها على مقود الباب كان قد سبقها هو واضع يده عليه ليمنعها من الخروج وقال متراجع: خلاص متبجيش حمجية إكدة، تعالي وأني هلبس التيشيرت تاني.

كانت واقفة تنتفض بفضل قربه المهلك منها هكذا، فقد كان يحاوطها بجسده العريض محتجزا إياها بين جسده والباب، عاري الصدر، مرتديا بنطال فقط لا غير، أما رائحة عطره الممتزجة برائحة جسدة فحدث ولا حرج، فقد تغلل عطرة المميز إلى أنفها فأصابها بحالة من الإضطراب وعدم التوازن
أردفت قائلة بنبرة مرتبكة ومازالت موالية إليه ظهرها: ممكن تبعد إشوي لجل ما أفوت.

إبتسم برجولة وتحدث وهو يفسح لها المجال مشيرا لها بكف يده قائلا بجاذبية مهلكة للمسكين قلبها: إتفضلي
تحركت للداخل ومال هو على قطعة الملابس الخاصة به وألتقطها من فوق المقعد وشرع بإرتداها من جديد ثم تمدد بجوارها وتحدث إليها وهو يشير إلى حاله بتساؤل مداعب: حلو إكدة يا حضرة الناظرة.

إبتسمت خجلا ثم وضعت وسادة وسط الفراش مما إستدعي غضبه، لكنه فضل الصمت وعذر تصرفها، وتمددت هي واضعة رأسها فوق الوسادة وهي تنظر له خجلا، جاورها هو الأخر وبات يسترقا النظر من بعضهما لوقت طويل ونار الإشتياق تتغلل روحيهما معا مما جعله يستغرب حاله، لكنه فسره على أنه إشتياق ذكر لأنثاة الذي تذوق شهدها فأستطعمه منها وأراد تجرع المزيد
وبالنهاية وقعا كلاهما صريع للنوم بعد تفكير دام لساعات وساعات.

تري ما الذي ينتظر ذاك الثنائي العنيد بالغد القريب؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة