قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل الثالث والثلاثون

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل الثالث والثلاثون

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل الثالث والثلاثون

بعد حوالي ثلاثة أسابيع مرت على واقعة إكتشاف صفا لزواج متيم روحها عليها، عاد قاسم إلى السرايا بعد إنقطاع مقصود وذلك لعدم قدرته التطلع بوجه أيا كان، وأيضا كي يعطي إلى صفا وقت كافيا لتهدأ به وتستعيد وعيها وعقلها الذي فقدته خلال إكتشافها لتلك الكارثة،.

دلف بسيارته من باب السرايا مع حلول بداية الظلام، صف سيارته وتحرك بساقان ثقيلتان، صعد الدرج المؤدي لباب منزل زيدان، قرع جرس الباب وكله إشتياق لرؤيا عيناي من حرمت على عيناه النوم في إبتعادها، فتحت له تلك العاملة التي تدعي صابحة
تحدثت بوجه بشوش: حمدالله على السلامة يا قاسم بيه
إنتفض قلبه وكاد أن يخرج من بين أضلعه ويعلن عصيانه حينما إستمع إلى صوتها العذب وهي تتحدث إلى والدتها،.

تحدث إلى صابحة بنبرة هادئة: الله يسلمك يا صابحة، عمي زيدان إهنيه؟
أفسحت له المجال وهي تشير إليه بيدها في دعوه صريحة منها إلى الداخل قائلة بإحترام: إيوه چوه، إتفضل يا سي قاسم
إبتسم لها وكاد أن يخطو بساقه أولي خطواته إلى الداخل ولكنه توقف سريع بل وأتخذ خطوة إلى الرجوع للوراء عندما وجد زيدان وقف أمامه وحجب عنه الدخول واضع ساعده على الباب بقوة كسد منيع.

ثم تحدث إلى العاملة بتهجم: إدخلي چوه شوفي ستك ورد عاوزاك في إيه
أسرعت العاملة للداخل وهي تؤمي له بطاعة وخوف من هيأته الغاضبة التي ظهر عليها، في حين نظر إلى قاسم وسأله بنبرة حادة وملامح وجه مقتضبة: خير يا قاسم، چاي عاوز إيه؟
إبتلع قاسم غصة مرة إقتحمت حلقه من تلك المعاملة المهينة لشخصه التي تلقاها من عمه، وما زاد من حزنه أنها تمت في وجود العاملة، تنفس بهدوء وتحدث بثبات نفسي إصطنعه بصعوبه: كيفك يا عمي.

قلب زيدان عيناه بتملل وتحدث بنبرة حادة وملامح وجه صارمة: چاي ليه يا قاسم؟
أجابه بنبرة متحفظة: چاي أشوف مرتي وأطمن عليها يا عمي،
وأكمل بإحترام كي يستدعي رضا عمه عليه: ده طبعا بعد إذنك
أجابه زيدان بإقتضاب وصرامة: الدكتورة نايمة
تمالك قاسم من حالة الغضب التي تملكته من معاملة عمه له فتحدث بثبات: نايمة كيف وأني لساني سامع حسها چوة
جولت لك نايمة، عتكدبني إياك؟ كانت تلك إجابة زيدان الصارمة على قاسم.

تنفس قاسم عاليا وحاول جاهدا كظم غيظة الذي أصابه من حديث زيدان المستفز وموقفه شديد الصرامة: العفو يا عمي أني مجصدش أجول إكده، أني بس بجول إن ممكن حضرتك تكون معارفش إن لساتها صاحية
وأكمل: فبعد إذنك تخليني أدخل لها، وأوعدك أني مهطولش جوة
زفر بضيق وأردف بنبرة حادة: شكلك جافل ودانك ومسامعنيش عجول إيه من أصله، جولت لك نايمة، ناااايمه.

قال جملته وهو يستعد لغلق الباب بوجهه، بسرعة بديهه وضع قاسم كف يده مانع به غلق الباب وصاح بنبرة عالية: اللي بتعمله ده حرام شرع ولا يچوز يا عمي، مش من حجك تمنعني من إني أشوف مرتي وتمنعها عني، إنت إكده بتخالف شرع ربنا وبتجف في وشه
تحدث زيدان بتهكم: شرع ربنا؟
إنت أخر واحد تتحدت عن شرع ربنا،
واستريل حديثه قائلا بنبرة حادة: شرع ربنا جال لك تخون العهد وتتچوز على بتي وهي لساتها عروسة مكملتش شهر!

وأكمل بتساؤل غاضب: إلا جولي يا حضرة الافكاتو، مش بردك شرع ربنا اللي عتتكلم عنيه دي بيجول لك إن لما تاچي تتچوز على مرتك لازمن تجولها؟
واكمل بهتاف عال لشدة تعصبه: والجانون اللي إنت درسته وبتجف جدام الجاضي وتترافع بيه، مش بردك عيبعت إخطار للزوجة يعلمها فيه بچواز چوزها عليها؟
موصلش لبتي ليه الإخطار ده يا راچل الجانون يا اللي دارس شرع الله وحلاله وشغلك مبني عليه؟

وأكمل بإتهام: ولا هو شرع الله بيأمرك ويجول لك ترشي المحضر لجل ما يمنع الإخطار ومايوصلش ليد بتي؟
كانت تجاور والدتها الجلوس وتتحدث إليها، إستمعت إلى صياح أبيها ومن خلال كلماته الغاضبة إستطاعت أن تكتشف هوية الشخص الذي جعل والدها يفقد هدوئه وأتزانه، شعرت بإنقباضة داخل قلبها وتغير لون وجهها من الوردي إلى أصفر باهت.

أما قاسم التي نزلت كلمات عمه الحادة على قلبه فألمته وحملته أعباء أكثر مما هو عليه، تنهد بتألم وتحدث مفسرا: بكفياك علشان خاطر ربنا يا عمي، أني إعترفت بكل أغلاطي وذنوبي جدام العيلة كلياتها، ومعوتش جادر ولا متحمل أسمع إتهامات وإهانات أكتر من إكده، أني سبت حضرتك تلات أسابيع بحالهم وبعدت لجل ما تهدي، بس يظهر إن حضرتك معتهداش واصل،.

وأكمل بنبرة عاقلة: أني تعبت ومعتش جادر للمناهدة دي، الله يخليك تخليني أجابل مرتي لجل ما نحل الموضوع بيناتنا وترچع معاي لشجتها معززة مكرمة
قوس فمه ساخرا وسأله بحدة: أي عزة وأي كرامة اللي عتتحدت عنيهم يا ولد أخوي،
وأكمل بنبرة يائسة: روح يا قاسم، روح لحالك وفوت بتي لحالها، أني ماصدجت إنها بدأت تروج وترچع لوعيها بعد ما كانت عتفجد عجلها بعد اللي عملته فيها.

علم قاسم أن لا فائدة من ذلك الجدال العقيم عديم المنفعه في ظل غضب زيدان الذي مازال قائما ولم يتزحزح، بل وتزايد أكثر مما كان عليه
أومأ له برأسه وتحدث بنبرة قوية بعدما فاض به الكيل: أني همشي دلوك يا عمي، بس عاوزك تعرف أني لا ضعيف ولا أني جليل الحيلة وجادر أدخل دلوك وأخد مرتي، أني هصبر بس لچل خاطرك وغلاوتك عندي واللي ربنا وحده هو اللي يعلمها زين،.

وأكمل بنبرة قوية ذات مغزي: بس يكون في معلومك يا عمي، أني صبري ليه حدود، وياريت ماتوصلنيش إني أفجد صبري وطولة بالي
قال كلماته وتحرك سريع متجه إلى باب السرايا المقابل لمنزل زيدان، حين أغلق زيدان الباب وتنفس بضيق وغضب شديد أصابه جراء رؤياه لوجه من باع الوعد وكسر العهد وضحي بالغالي والنفيس لأجل وفائه لكلمة الغريب.

دلف قاسم من باب السرايا، وجد الجلسة ينقصها الكثيرون من أهل المنزل، أبويه على سبيل المثال، وذلك إمتثالا لأوامر عثمان الذي أصدرها أثناء واقعة يزن المعروفة، وأيضا عائلة زيدان الذي ما عاد يحضر إلى السرايا، وذلك إمتثالا للحفاظ على كرامة غاليته وحالتها النفسية التي لم تعد كسابقها، ودون عثمان بذاته الذي يجلس حبيس حجرته وحيدا طيلة الوقت، وكأنه يعاقب حاله على ما وصل إليه أبنائه واحفاده من حالة مزرية ألمت قلبه الذي شاب من أفعال غواليه والتي لم تكن تراوده حتى في أبشع كوابيسه.

ألقي السلام بملامح وجه مقتضبة وصعد الدرج متجه إلى الأعلى دون أن يتحدث بحرف واحدا
صعد فارس الدرج سريع خلف شقيقه، تحرك إليه ووقف بجانبه وهو يضع المفتاح داخل فتحة باب مسكنة، وتحدث بترقب: حمدالله على السلامه يا أخوي، ما جولتليش إنك چاي ليه لچل ما أستناك في المطار.
أجاب شقيقه برأس منكس: جولت لحالي مافيش داعي أتعبك وياي يا فارس، وبعدين ما أنت عارف إن عربيتي مركونة في الجراچ اللي چنب المطار.

وضع فارس يده على كتف شقيقه بحنو وهتف بترقب: عاوز أتحدت وياك يا قاسم
رفع كف يده في وجه اخيه وتحدث بنبرة إستعطاف: مجادرش يا فارس، الله يخليك سيبني في حالي يا أخوي
أومئ له فارس وانسحب بهدوء بقلب يتألم لأجل شقيقه.

دلف قاسم إلى مسكنه، إنقبض قلبه من ذلك الظلام الدامس القابض للروح والذي سكن المكان بعد رحيلها، داس على زر الإضاءة وبات ينظر حوله، رأها بجميع الزوايا، تخيلها وهي تخرج عليه من باب غرفة نومهما وتسرع عليه لتستقبله بإبتسامتها الساحرة التي كانت تطيب قلبه وتصيبه بالسكينة والطمأنينة الذي إفتقدهما برحيلها، نظر بإتجاه المطبخ، تخيلها تقف أمام موقد النار تصنع له قهوته التي ما عاد يتمزج بها ويستحسن مذاقها سوي التي تصنعها يداها،.

للحظة تسللت لأنفه رائحة المخبوزات الطازچة التي كانت تصنعها لأجله، إبتسم بمرارة على ما أصبح عليه وما حرم منه
خطي بساقيه إلى باب حجرتهما التي كانت تمتلئ بالحياه والضحكات والاحضان الدافئة، الان أصبحت كقبر يقبض أنفاس من يدلف إليه منهما، تنهد بألم وخطي للداخل، وجد كل شئ ضل بمحله سواهما،.

تحرك إلى خزانتها وأخرج ثوب كان يعشق رؤياها به، إحتضنه وضمه إلى صدرة بقوة، أغمض عيناه وأشتم رائحة جسدها العطرة التي مازالت معلقة به رغم غسله،
وكأنها تضع وشمها بكل شئ يخصها حتى هو، هو الذي وشم قلبه بعشقها الذي يشبه عشق أميرات الاساطير في رقيه، وضع شفتاه فوق ثوبها العفيف، وضع به قبلة إشتياق تنم عن مدي توهة روحه في بعادها، أغمض عيناه ثم أخذ نفس عميق للغاية وأحتفظ به داخل رأتيه،.

فتح عيناه من جديد وبصعوبة أبعد ثوبها عن موضع قلبه، ثم وضعه برفق فوق الفراش بمحل نومتها بعدما قبله ومسح عليه برقة وكأنه تحول إليها، تحرك إلى الشرفة وفتحها وبلهفة نظر إلى شرفة غرفتها، أصابه الإحباط حين وجدها عاتمة مما يدل على عدم صعودها إليها إلى الان.

تحرك إلى المرحاض وأدار مقوده وتنفس ثم فتح الباب، حزن وألم تملكا من قلبه، فكل شئ يذكره بها، تحرك إلى صنبور المياه وخلع عنه ثيابه وأخذ حمام باردا سريع، توضأ وخرج لقضاء صلاة العشاء وجلس بعد الإنتهاء يناجي ربه بخشوع ويطلب منه العفو على ما فعل بحاله وأحبائه، وطلب منه العون فيما هو قادم، وقف منتصب الظهر ورفع معه سجادة الصلاة ووضعها بمحلها.

إستمع إلى قرع جرس الباب، زفر بضيق وتأفف لعدم رغبته بمقابلة احدا مهما كان سوي من ملكت الفؤاد وفقط، فتح الباب وجدها والدته التي تطلعت إليه بحزن حقيقي لما رأته من إنطفاء للمعة عيناى ولدها، وحتى وجهه وجسده الذي إفتقد بعض من الكيلو جرامات مما جعله يظهر بجسد نحيف،.

تنهدت بضيق على ما فعله بحاله ذاك العنيد، سحبته لداخل أحضانها وربتت عليه، الغريب أنه لم يشعر بحنينها أو أي شعور بالإرتياح نتيجة ضمتها، وكيف له أن يشعر بالراحة داخل أحضانها المسمومة وهي سبب رئيسي فيما حدث ويحدث وسيحدث له.

خرج بهدوء من ضمتها وتحرك إلى الأريكة، جلس عليها بوجه مهموم، نظرت إليه بضيق وتنهدت وتحركت لتجلس بجانبه وهتفت بنبرة ملامة: عامل في حالك إكده ليه يا ولدي، لا أنت أول ولا اخر واحد يتچوز على مرته، ولو زعلان عشان صفا سابت لك البيت ماتجلجش، بكره تعجل وترچع لحالها كيف ما مشيت،.

زفر بضيق ورغبه ملحة تطالبه بوضع كفاي يداه فوق أذناه كي لا يستمع لما يقال ويخرج من فمها، تحدثت فايقة بتحريض وكأنها الشيطان بذاته: عاوز نصيحتي، سيبها هي وأبوها يخبطوا راسهم في أجرب حيطة تجابلهم ويرچعوا لحالهم تاني
وأكملت بصدق: أني كل اللي كان مخوفني من اللحكاية إن چدك يغضب عليك ويحرمك من ورثك كيف ما عمل مع عمك زيدان، بس طالما چدك طلع بيحبك وسامحك، يبجا تعيش حياتك وتكملها عادي.

وأكملت بنبرة خبيثة: فيه حاچة كنت عاوزه أتحدت وياك فيها، وهي هچرك لمرتك المصراوية، اللي عتعمله معاها دي حرام يا ولدي ومايرضيش ربنا، إرچع شجتك وعيش وياها، هي كمان ليها حجوج عليك ولازمن تديهالها، وإلا ربنا عيحاسبك على حرمانك ليها،
وأكملت بنبرة لائمة: أومال لو منتاش محامي وعارف العدل والحج
كادت ان تكمل قاطع هو حديثها بنبرة صارمة: لو خلصتي حديتك ياريت تروحي على شجتك لأني تعبان وعاوز أدخل أنام.

زفرت بإستسلام وكادت أن تكمل حديثها لولا صوت قرع جرس الباب الذي صدح، قامت هي على الفور وفتحت الباب، وجدت رسميه التي تحدثت بأنفاس متقطعة موجهة حديثها إلى العاملة التي تحمل صنية كبيرة بها أصناف متعددة من الطعام المتنوع المحبذ لدي حفيدها، و التي أمرت العاملات بتجهيزه على وجه السرعة فور حضورة،
بأنفاس متقطعة تحدثت رسميه: حطي الصنية إهنيه على التربيزة وإنزلي إنت يا بهيه.

وضعت العاملة ما بيدها وتحدثت بطاعة: أوامرك يا ست الحاچة
وقف قاسم وتحرك إلى جدته، أمسك يدها وأسندها وأردف قائلا بنبرة لائمة محبه: تاعبة حالك وطالعة السلالم وإنت تعبانة ليه يا چده؟
أسندها وأجلسها بجانبه فتحدثت هي والتعب يظهر على صوتها وهيأتها: هتعب لأعز منيك يا غالي
تحدثت فايقة بنبرة خبيثة: تسلم يدك يا عمه.

في حين تحدثت رسمية بنبرة صارمة ونظرات كارهة إليها: فوتيني مع حفيدي لحالنا ويلا روحي على مكانك
أجابتها فايقة بنبرة ضعيفة كي تستجدي تعاطف رسمية: خليني جاعدة لجل ما أوكله وياك يا عمه وأعمل له كباية شاي بعد الوكل.
رمقتها بنظرة حارقة وتحدثت بحدة وتهكم: هامك ولدك جوي، جولت لك روحي على مطرحك.

تحركت وهي تسب وتلعن بسرها تلك العجوز الشمطاء التي أصبحت لا تترك أية مجال حتى تهين كرامتها وتنقص من قيمتها أمام الجميع
تحركت رسمية إلى حفيدها وجلست بجانبه، وضعت كف يدها الحنون فوق وجنته وهتفت بنبرة حنون: كيفك يا جلب چدتك، زين يا حبيبي؟
أومأ لها وتحدث: الحمدلله يا چده
تحدثت رسمية بنبرة صوت حنون: مد يدك وكل يا ولدي، أني خليتهم يعملوا لك كل الوكل اللي إنت عتحبه.

هز رأسه وأردف رافض بإصرار: مجادرش يا چده، مليش نفس
تنهدت بحزن لأجل حفيدها الغالي، سحبته لعندها و وضعت رأسه على ساقيها بهدوء، شعر براحة عجيبة غزت روحه بعكس ما حدث مع والدته، تنهد بعمق وراحة، وضعت كف يدها الحنون فوق ظهره وباتت تتحسسه بلمسة حنون إقشعر لها بدنه وأستكانت بها روحه.

أردفت قائلة بحديث ذات مغزي: إصبر وأتحمل يا وليدي، صح الريح عاتية وشديدة، بس ميتا الدنيي فضلت على حال، عتعدي، بكره الريح عتهدي والدنيي تروج والشمش عتطلع وتنور دنيتك العاتمة من تاني،
وأكملت بطمأنه: بت أبوها عشجاك وعاشجة لأنفاسك، متخافش، عتحن، عشجها عيغلب عنادها وعيرچعها لحضنك من چديد، بس إنت إسعي لچل ما تنول الرضا والسماح.

تحدث مستعطف إياها بترجي: كلمي عمي زيدان وخليه يسيبني أدخل لها يا چده، إتوحشتها، نفسي أخدها في حضني، نفسي أشم ريحتها،
وأكمل بنبرة متألمة: ملحجتش أفرح بخبر حبلها، نفسي أحط يدي على بطنها وأطمن إبني ولا بتي وأجولها متخافش، أني معاك وعحبك وعاشج لتراب رچلين أمك،
تحدثت إليه بنصح وإرشاد: طلج المصراوية وأني عخلي عمك زيدان يرچعها لك.

تنهد بصدر محملا بثقل بفضل الهموم: ياريت كان ينفع يا چدة، معجدرش أطلع عديم الرچولة حتى مع الغريب،
وأكمل بنبرة ضعيفة: كفاية عليا العار اللي شايله كدامكم كلياتكم، وجودها سنة بحالها على ذمتي، يعتبر أكبر تكفير عن ذنوبي، لأن إرتباط إسمها على إسمي يعتبر أكبر عجاب ليا
إستغربت رسمية حديثه فسألته بإستغراب: إنت معتحبهاش إياك؟

زفر بضيق وأردف مفسرا: أني معايش وياها يا چده، ملمستهاش، الله الوكيل مالمستها ولا علمسها، أني إنچبرت على چوازها لچل ما أتحمل غلطي معاها زمان لما جعدت خاطبها سبع سنين بحالهم،
ضيقت رسمية بين حاجبيها متعجبة لحديثه، ثم أعادت سؤالها على قاسم مرة اخري للتأكيد: صح ملمستهاش يا قاسم؟
أجابها بتأكيد: الله وكيلي ما لمستها يا چده، ولا حتى شفتها حرمة جدامي.

سعد داخل الجده لإستماعها بتلك الإعترافات التي ستساعد كثيرا في حل المشكلة لو علمت بها صفا، أو هكذا هي تخيلت، طلبت من قاسم تناول الطعام فرفض من جديد، وبعد محايلات من الجده تناول بعض اللقيمات التي تعد على أصابع اليد الواحدة.

- -
كانت تقبع فوق تختها بعدما أصبحت تقضي معظم يومها وهي متقوسة فوقه، متقوقعة على حالها داخل غرفتها بعد أن أصبحت ملاذها الامن للهرب من أعين محبيها التي تحاوطها وتنظر إليها بعين الشفقة، وهذا ما كان يؤلمها ولم تتقبله وترضاه على حالها، ولذا فضلت الهرب من تلك النظرات المؤلمة، ليس ضعف أو إستسلام، فهي إبنة زيدان القوية الأبية التي لم تعرف للإنهزام يوم طريق،.

بل ما كان هروبها وأستكانتها سوي إستراحة محارب لتعود أقوي من جديد
تنفست بضيق حين تذكرت صوته الذي وبرغم هدوه المفتعل إلا أنه كان يحمل ببن نبراته التي تحفظها عن ظهر قلب غضب عارم، تنهدت بألم،
مازالت غاضبة منه، لا، لست غاضبة بل تشتعل ولا تطيق حتى النظر لعيناه الكاذبه، كم كان مخجلا شعورها بالخزي من حالها عندما إكتشفت كم الغباء التي تمتلكه برغم ذكائها الذي طالما شهد لها به الجميع،.

الان وفقط تيقنت أنها تمتلك الكثير والكثير من الغباء والسذاجة التي جعلتها تقع داخل براثن ذئبها البشري الذي إفترس برائتها وأخترق حصنها المنيع،
حدثت حالها بدموع وهي تضع كف يدها على صدرها فوق موضع قلبها وكأنها تحادثه: كيف لك أيها الأبله عديم المنفعه أن تنجرف وراء كلماته الكاذبة وتصدق وعوده البائسة حين قال بأنني أصبحت حبيبته!

شهقت ونزلت دموعها بحرارة وتحدثت: كيف لحدسي أن يصاب بالتيبس ويخدعني بتلك المهانة، لقد تحريت الصدق من عيناه حينما كانت نظراته تشملني وتجعلني أسبح بصحبته في عالم العشق والخيال
بماذا أفسر قشعريرة جسدي التي كانت تنتابني وتزلزل كياني حينما كان ينطق ويناديني بصوته الحنون بحبيبتي؟
ألهذه الدرجة أنت بارع وموهوب في الخيانة قاتلي!

رفعت وجهها لأعلي ورمت رأسها للوراء وباتت تزرف الدمعات بغزارة وكأنها تعاقب حالها بتلك الطريقة
وضعت كف يدها أسفل أحشائها وباتت تتحسسها بحنان وتحدث جنينها بحب: لا تخف على مصيرك صغيري، فقط إطمئن وأستكن داخلي، فلديك أم تتحرق شوقا إلى رؤياك كي تزين أهدابي بالتطلع إلى وجهك البهي.

وشهقت بقوة وحدثته من بين شهقاتها الموجعة: حتى والدك، فبرغم كل ما جري إلا أنه وبالتأكيد سيغمرك بالمحبة والدلال، وكيف له ألا يفعل وأنت ستصبح خليفته و وريث إسمه وإمتداده بالدنيا
إبتسمت ساخرة وأكملت: ولا تخف على حالك من غدره عزيزي، إطمئن وتأكد أنك الوحيد الذي لم ولن يقوي على التخلي عنه والغدر به، وكيف له الغدر بك وأنت منه،
أمالت رأسها وسألت حالها بتعجب: أولست انا أيصا كنت منه!

أنا إبنة عمه، وبرغم هذا طعنني غادرا، وقام متعمدا بهدم حصوني المشيدة فوق عنقي فكسرها، وأصبحت لا أقوي على رفعها لأعلي كسابق عهدي
فاقت على كلماتها الاخيرة وأستنكرت ضعفها الذي تملك منها، رفعت رأسها بشموخ كالجبل وتحدثت: لا عاش من كسرني وأصابني بالإنحناء، فأنا إبنة أبيها الأبية ولم يخلق بعد من يحني قامتي ويجعلني أتواري خلف الأبواب.

وقفت ناصبة ظهرها وكأنها تحولت إلى هرة شرسة ذات حوافر مدببة مسنونة كالسيف الحاد، وعلى الإستعداد التام للدخول القوي إلى ساحة المعركة وللإنتصار
تحركت إلى الخارج قاصدة حجرة أبويها كي تخبرهما أنها نفضت ترابها التي كانت تندثر تحته وانتوت الخروج من قوقعتها التي فرضتها على حالها ومكثت بداخلها لأكثر من ثلاثة أسابيع.

وصلت إلى باب الحجرة ورفعت كفها لتطرق الباب وفجأة توقفت حين إستمعت إلى ورد وهي تسأل زيدان بنبرة مهمومة: يا حومتي، يعني هو كان عشجان لزميلته دي وهو لساته بيدرس في الچامعة؟

زفر زيدان الجالس بجوار ورد وتحدث بنبرة حزينة يائسة: البت كانت أخت زميله عدنان وعشجها من أول مرة شافها، ولما إتخرچ چه لأبوي وطلب منيه يفتح له مكتب هناك لجل ميكون جريب منيها ويشغلها معاه هي واخوها، وبعدها إتفج وياها على الچواز بس كان مستني لما المكتب يكبر وإسمه يعلي،.

وأكمل وهو مهموم: بس أبوي سبجه بخطوة وخطب له صفا، قدري عيجول إنه مكانش موافج من اللول وكان هياچي لچده ويعترف له بكل حاچة، بس قدري وفايقة ضغطوا عليه، راح لأبو زميلته وخطبها منيه، واتفج على إنه عيتچوزها بعد سبع سنين، وإتفج ويا زميلته يجولوا لأبوي إنه موافج على خطوبته من صفا، وبعد ما صفا تخلص چامعتها ياچي ويجول لأبوي إنه مجادرش يتچوز صفا لأنها أعلي منيه في العلام، وإنه رايد يتچوز من زميلته في الشغل.

كانت تقف بالخارج تستمع لكلمات أبيها والتي كانت تنزل على جسدها وتجلده كسواط يمزق كل ما يقابله، شعرت وكأن أحدهم يمسك بسكين حاد ويقوم بغرسه داخل قلبها ويطعنه بحدة، بطعنات متكررة.

لم تعد بحاجة إلى إستماع الباقي من التفاصيل، فقد كانت على دراية بالبقية عندما أتي إليها قاسم وطلب منها تنفيذ الجزء الثاني من خطتة الدنيئة، عادت سريع إلى غرفتها وأوصدت بابها ودموعها تنساب فوق وجنتيها بغزارة من هول ما استمعت، وضعت يدها فوق فمها تكتم بها شهقاتها المتعالية وتلعن غبائها وضعفها الذي يجعل دمعاتها الملعونة مازالت تنساب لأجل طاعنها.

أما بغرفة زيدان فاكمل هو باقي روايته إلى ورد التي سألته بنبرة حزينة: يعني هو رفض چوازه من زميلته لجل صفا؟
أجابها زيدان بنبرة حزينة: عيجول إنه حب صفا ومرضاش يكسر وعده ليا، راح لابوها وفض الخطوبه وعرض عليهم فلوس، واكمل زيدان باقي التفاصيل التي قصها عليهم قاسم.

بات الجميع بقلوب ومشاعر مبعثرة، تائهة، غفت بدموعها المنسابة والتي جفت فوق وجنتيها وجف معها نبع حنينها إليها وبحر عشقها اللامنتهي
أما هو فكان يحتضن ثوبها ولم يتذوق للنوم طعم من شدة تألمه وأشتياقه الجارف لرؤياها ولضمة احضانها الحانية
- -
شق الصباح ظلام الليل وظهرت أشعة الشمس لتعلن للدنيا عن ميلاد يوم جديد بأمال وأحلام وأمنياة جديدة.

ضل يراقب منزل عمه من وراء النافذة متواري كي لا يراه زيدان ويترصد نزوله، تحرك سريع للأسفل بعدما وجد زيدان خرج من البوابة الحديدية بعدما إستقل سيارته،
وقف أمام المنزل ودق بابه، فتحت له ورد التي نظرت بحزن إلى هيأته المبعثرة وشعره المشعث وعيناه المنتفخة والتي تدل على عدم نومه، ناهيك عن هيأته ككل وجسده الذي إفتقد بعض من الكيلوجرامات،.

شعرت بألم غزي قلبها عليه، فبرغم كل ما حدث لإبنتها على يده إلا أنها تعرف بحدسها أنه يعشق صغيرتها بل انه أصبح متيم وهذا ما أستشفته من داخل عيناه الهائمة
وبرغم شعورها هذا إلا أنها إدعت الجمود وتفوهت بقوة: چاي ليه يا قاسم على الصبح إكده
أجابها بنبرة رجل مهزوم: چاي أشوف مرتي يا مرت عمي، عاوز أجعد وياها لحالنا ونتكلموا
زفرت بضيق وتحدثت: مش عمك جالك معينفعش.

كاد أن يتحدث معترض لكنه إبتلع لعابه واهتز بعنف قلبه العاشق حينما رأها تطل عليه كقمر منير، فبرغم خسارتها لبعض من وزنها وشحوب وجهها وذبوله، إلا أنها مازالت قمره الذي أنار عمره العاتم
كانت تخرج عليه مرتدية ثياب عملية كي تستعد إلى العودة لعملها، هتفت قاصدة بحديثها والدتها: خلي المتر يتفضل يا أما لجل ميجول الكلمتين اللي عنديه ونخلصوا من الزن دي.

زفرت ورد وتحدثت إليها بإعتراض: أبوك لو عرف إنك جابلتيه وإتحدتي وياه عيشندلنا شنديل
أجابتها صفا بإطمئنان: متجلجيش يا أم صفا
وأكملت وهي تنظر لذلك الواقف يتطلع عليها بعيون متلهفه تنظر لملامح وجهها بشغف ووله كما الظمأن في الصحراء في وضح النهار، الذي وجد أمامه قنينة مياة مثلجة: المتر معيطولش إهنيه، هما كلمتين عيجولهم ويمشي على طول،.

وأكملت بنبرة جافة وإهانة إبتلعها هو وعذرها عليها: أني أصلا ورايا شغل مهم ومفضياش للحكاوي
دلفت وأشارت إليه للحجرة الجانبية الملصقة بالباب والخاصة بإستقبال الزائرين الأغراب وتحدثت: إتفضل يا متر
خطت بساقيها وتحرك هو خلفها وتحركت ورد إلى الداخل لتترك لهما المجال للحديث، إبتلع لعابه وهتف بنبرة متلهفة وهو ينظر لعيناها بإشتياق جارف: وحشتيني يا نور عيني.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة