قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي عشر

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي عشر

رواية غرامة غدر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي عشر

كان يبحث عن صغيرته فى تلك الحديقة الكبيرة، يدرك كم باتت تعشقها تماماً مثله حين كان صغيرا وحتى الآن لم يزل عشقها يسرى فى دمه وكأنه لم يفارقها يوما، عقد حاجبيه وصور ل(قمر) معه فى هذا المكان تطل أمامه، ينفضها بقوة وهو يرفض ماأراد قلبه ان يقوله له. هي جزء من ماضيه وحاضره ومستقبله كتلك المزرعة تماما. مازال عاشقا لها رغم كل شيء.

لقد ظن أنه تجاوز عشقها ونسي مشاعره تجاهها، ظن أنه داوى جُرحه الغائر وأنه مضى إلى سلام بعد ضربة غدر أصابته بالصميم، ربما قلبه خائن مثلها لم يزل باق على العشق ضد إرادته ولكنه بالتأكيد لن يسامحها فقد بترت خيانتها ذراعيه فلم يعد قادرا على مسامحتها و عناق عشقها مجددا، وقد تربض فى الفؤاد جمرة عشق ساكنة ولكنها بالتأكيد لن تشتعل جِراء وجودها جواره. فسيحرص على أن يلقى عليها مايُخمد جُذوة نيرانها.

وجد فتاته تجلس على كرسي بالحديقة وإلى جوارها جلس ابن غريمه، مجددا تعصى اوامره وتُجبره على تعنيفها. تقدم بإتجاههما بخطوات غاضبة وماإن أصبح خلفهما تخفيه شجرة صغيرة حتى توقف متجمدا وهو يستمع إلى كلمات صغيرته التى تقول بحنق:
-بس انا زعلانة من بابي عشان مش عايزنى ألعب معاك وأنا بحب ألعب معاك وبحب كمان أزرع معاك، انت كمان زعلان منه مش كدة ياتيام؟وبتكرهه عشان بيزعقلك؟
هز(تيام)رأسه نافيا وهو يقول بهدوء:.

-زعلان منه أكيد لإنى مش شايف إنى وحش للدرجة دى عشان يرفض إنك تلعبى معايا لكن عمرى ماكرهته، هو مش وحش. انا ساعات أجى الجنينة عندكم وأقف أراقبكم من بعيد، وبشوف بيعاملك إزاي ياشمس. هو حنين معاكِ بيكلمك وبيضحكك، أنا بابا عمره ماعمل كدة معايا عمره اصلا مااتكلم معايا ولا ضحك فى وشى حتى ولما كنت بغلط كان...
صمت وقد غصت حلقه الكلمات فقالت(شمس):
-كان بيعمل ايه؟

عقد (أكرم)حاجبيه بقوة يرى إرتعاشة يد الصبي ثم قبضته التى ضمها بشدة ليدرك جيدا ماكان يفعله هذا الحقير بطفل صغير، فقد كان زوج والدته يضربه بدوره فى كل وقت يحلو له، ولقد تحمله دوما مُظهرا له صلابة لم يشعر بها حقا حتى توفيت والدته واخذته عمته (فاطمة)ليعيش معها بعد ان رأت العلامات على جسده حين حضرت عزاء زوجة اخيها، لترحمه من هذا النذل الذى لطالما أذاقه الويلات، أما (تيام)فقد رُحم بدوره حين سُلبت روح والده فى حادث. انها رحمة الله بكل تأكيد.

أفاق على صوت (تيام)الذى استشعر فيه نبرة ألم وهو يقول:
-مش مهم كان بيعمل إيه، المهم إن باباكِ مش وحش هو بس محبنيش.
قالت(شمس):
-ومبيحبش طنط قمر كمان، بيزعقلها كتير وأنا بزعل لإنى بحبها.
عقد(تيام)حاجبيه وهو ينهض قائلا فى غضب:
-عشان كدة بتعيط كل يوم قبل ماتنام ولما بسألها عن السبب بتقولى إن تيتة رجاء وحشاها، بس اكيد السبب عمايل باباكِ.

تدخل (اكرم)فى تلك اللحظة يرفض أنين قلبه الذى غص لإدراكه انها تنام باكية كل ليلة بسببه، ظهر أمامهما فنهضت(شمس)تطالعه بترقب بينما طالعها هو بهدوء قائلا:
-يلا ياشمس عشان هنروح لعم فاضل.
لم يصرخ بوجهها غاضبا. حسنا. لانت ملامحها المترقبة، بينما تقول ل(تيام)متحدية:
-هشوفك بكرة ياتيام، سلام.

كاد (أكرم)ان يبتسم لجملتها المتحدية لأوامره لكنه حافظ على ملامحه ثابتة وهي تسير أمامه، ليرمق (تيام)الذى طالعه بغضب بينما لانت عينا(أكرم)وابتعد عنهما كل غضب يهز رأسه بهدوء محييا قبل ان يلحق بطفلته، عقد(تيام)حاجبيه بحيرة وقد توقع ان يسمع كلمات (أكرم)الغاضبة فلم يجد سوى صمت اقترن بتحية بسيطة ونظرة إعتذار إحتار فى أمرها.
زفرت بقوة وهي تتوقف عن تنظيف المدفأة قائلة لطفلها:.

-مفيش فايدة الظاهر المشكلة مش فى تنضيفها، انا هخلى سعاد تكلم كامل جوزها ييجى يشوف فيها إيه.
سعل (تيام)بقوة فنهضت (قمر)على الفور، تمسح يدها فى تلك المنشفة التى تضعها على كتفها ثم تسرع وتحضر البخاخة الخاصة به من على الطاولة، تمنحه إياها فأخذ نفسا عميقا منها فعاد بعض اللون إلى بشرته الشاحبة، فقالت(قمر)بقلق:
-قلتلك دايما خليها فى جيبك ياتيام. المهم. انت مش هينفع تبات هنا الليلة دى، مش هتستحمل البرودة.

رن هاتفها فى تلك اللحظة فأجابته على الفور وهي ترى رقم صديقتها (أمنية)التى قالت:
-مساء الخير على اللى مبتسألش.
قالت(قمر)بأسف:
-معلش والله ياأمنية، بيطلع عينى طول النهار ويادوبك أروح أعشى تيام وأروح فى سابع نومة.
قالت (أمنية)فى شفقة:
-ياقلبى ياقمر. طب إيه رأيك تجينى دلوقتى. صادق مسافر فى شغل يومين، تعالى باتى معانا انتى وتيام أنا عازماكِ على حاجة بتحبيها.

قالت(قمر)التى شعرت بجوعها فقط الآن عند الحديث عن الطعام:
-متقوليش انك عاملة محشى.
قالت(أمنية):
-بجميع أنواعه ومعاه دكر بط محترم كمان.
سال لعاب (قمر)التى قالت:
-كدة كتير على فكرة محشى وبط من ايدك أنا جاية علطول إستنينى.
إبتسمت( أمنية)قائلة بحنان:
-متتأخريش ياعسل.
ثم أغلقت الهاتف، فنظرت (قمر)إلى (تيام)الذى يطالعها بلهفة قائلة:
-ربنا مابينساش حد. فُرجت ياتيمو وهنبات فى الدفا عند طنط أمنية وسارة.

لتعلو ملامح (تيام)إبتسامة سعيدة.
قالت (هند)وهي تطالعه بإعجاب ظهر فى نظراتها:
-بس انت إتغيرت كتير ياأكرم.
قال (أكرم)بإبتسامة هادئة:
-قصدك فى الشكل ولا الطبع؟
أشارت بإصبعيها السبابة والوسطى قائلة:
-الاتنين، السنين زودتك وسامة بصراحة أما الطبع فبقيت هادى كدة وراسى وتقيل زي رشدى أباظة بالظبط.
ضحك (أكرم) وهو يهز رأسه قائلا:
-انتى كمان لسة طاقة زي ماانتى متغيرتيش.
قالت(هند)بإبتسامة مرحة:.

-وأتغير ليه؟الناس بتحبنى كدة.
كاد أن يُعلق ولكن دخول والدها الردهة يمسك يد (شمس) قاطعه، ليقول(فاضل) بملامح بشوشة:
-كنها أكرم الصغير صوح. عتحب الزرع والفلاحين وعتعرف عنهم كاتير، ما اللى أبوها أكرم الصياد لازمن هتبجى باشمهندسة كد الدنيا.
قالت(شمس)ببراءة:
-هبقى فلاحة ياجدى مش مهندسة.

قهقه كل من (أكرم)و(فاضل)بينما إكتفت (هند)بإبتسامة مجاملة تخفى بها حنقها من والدها لمقاطعته حديثها مع( أكرم) بهذا الحديث السخيف عن إبنته، بينما قال (اكرم):
-عم فاضل يقصد مهندسة زراعية ياشموسة مش مهندسة بس.
هزت (شمس)رأسها بإبتسامة قائلة:
-إذا كان كدة ماشى.
بينما قال (فاضل):
-بس برافو عليك ياأكرم. نجحت فى اللى مجدرتش انجح فيه وأعلج بتي بأرضها. خليت بتك تحب الأرض وتعشجها عشج.
قالت(شمس):.

-بس بابي مش اللى حببنى فى الأرض والزرع، تيام هو اللى عمل كدة.
طالع (فاضل)(أكرم)الذى تغيرت ملامحه، ليقول بإبتسامة:
-تيام ولد زين وطالع كيف أمه. طيب وخدوم وعيخطف العجل والروح خطف.
قالت(هند) بملل:
-مش قوى كدة يعنى.
قال(أكرم)محاولا أن يتجنب الحديث فى ذلك الموضوع:
-وانتِ ياهند ناوية على إيه بقى؟
إبتسمت (هند)وكادت أن تقول شيئا ولكن قاطعها والدها قائلا:.

-هتكون ناوية على إيه إياك؟هتتجوز إبن عمها وتستجر إهنه بجى. تبنى عيلة زي خواتها الكبار.
نهضت(هند)قائلة بعصبية:
-أنا مش زي إخواتى ومستحيل هتجوز عبد الله إبن عمى حسين يابابا، انا طموحى أكبر من الجواز والاستقرار وان كان ولابد يبقى هتجوز اللى أختاره.
رمقها (فاضل)بإستنكار بينما قال(أكرم) موجها حديثه لطفلته:
-روحى ياشموسة إلعبى فى الجنينة برة.
إنطلقت (شمس)مغادرة على الفور بينما وجه (اكرم)حديثه ل(هند)قائلا:.

-وهو عبد الله ابن عمك ماله ياهند؟
قال(فاضل):
-أهو جالهالك أهه!فيه إيه عبد الله عشان ترفضيه يابت زينب؟
قالت(هند)بعصبية:
-مفيهوش. عبد الله على عينى وراسى بس مبحبوش ومش ممكن أحبه فى يوم من الأيام.
قال(فاضل):
-وه. حب إيه ومسخرة إيه اللى عتجولي عليها دى؟الحب بياجى بعد الجواز.
قالت بتحدى:
-واشمعنى مكنتش بتقول كدة على أكرم وقمر.
عقد (فاضل)حاجبيه، بينما تجهمت ملامح(أكرم)فأسرعت (هند)تعتذر قائلة:.

-أنا آسفة يااكرم بس كلام بابا عصبنى.
كاد (فاضل)أن يتحدث وقد بدا غاضبا، فقاطعه(أكرم)قائلا:
-من فضلك ياعمى، سيبنى شوية مع هند وأنا هتفاهم معاها.
نقّل(فاضل)بصره بينهما قبل ان يهز رأسه بقلة حيلة ويغادر بخطوات حزينة يتابعه (أكرم)قبل أن يعود بناظريه إلى (هند)التى تطالعه بثبات.
إقترب(فاضل)من الطفلة الصغيرة التى جثت على ركبتيها أرضا تحفر بيدها حفرة عميقة بعض الشيئ، ليقول بدهشة:
-عتعملى إيه يابتى؟

طالعته بإرتباك قبل ان تنهض قائلة بخجل:
-أنا متعودتش اكدب وفى نفس الوقت مينفعش اقولك بعمل إيه عشان متزعلش.
مال يهمس لها بإبتسامة:
-جدعة يابتي اوعى تكدبى على حدا واصل، الكدب شين واللى عيكدب عيروح النار والعياذ بالله، بس جوليلى عتعملى إيه؟ وانى عوعدك معزعلش منيكى واصل.
قالت(شمس)بحزم:
-انت وعدتنى.
اتسعت إبتسامة (فاضل)وهو يهز رأسه، لتقول بهمس:.

-طنط قمر قالتلى لما حد يزعلنى ألم كل زعل قلبى وأحفر حفرة كبيرة وأرميه فيها وبعدين أقفل الحفرة وبكدة قلبى هينضف من تانى ويرجع أبيض فلة زي ماكان، وساعتها هلاقينى مش زعلانة من الحد ده وأكون مبسوطة تانى.
إبتسم(فاضل)قائلا:
-جمر دى زينة البنتة وكلامها حكم، طيبتها ملهاش مثيل بس ربك يصلحلها الحال ويسعد جلبها بسعده.
ليعقد حاجبيه فى حيرة قائلا:
-بس انتى زعلانة من مين ياشموسة؟اوعاكى تكونى زعلانة منى يابتي؟

هزت رأسها نفيا قائلا:
-لأ مش منك. أنا زعلانة من طنط هند، بابا قالى إنها بتحب الأطفال بس الظاهر إنه غلطان، من ساعة ما جيت وهي مش عايزانى أقعد وياها وكل شوية تخرجنى على الجنينة وخلت بابا كمان يعمل كدة.
قال(فاضل):
-متزعليش منيها، هي متجصدش. اكيد بس عاوزة تكلم بوكى فى موضوع مهم ومش عاوزاكِ تتضايجى او تملى.
هزت (شمس)كتفيها قائلا:.

-مش عارفة بس انا حاسة انها مبتحبنيش. عموما أنا كنت لسة هرمى زعلى منها فى الحفرة، تعالى انت كمان وارمى زعلك منها فى الحفرة معايا.
قال(فاضل)بدهشة:
-وعرفتى منين إنى زعلان منيها؟
قالت(شمس):
-من زعيقك ليها، بابا لما بيزعل منى بيعمل زيك بالظبط ويفضل يزعقلى.
قهقه (فاضل)قائلا:
-والله إنك حكاية ياشموسة، تعالى يابتي. تعالى نرمى زعلنا فى الحفرة يمكن نرتاح صوح.
قالت(شمس)بثقة:.

-هترتاح ياجدى، طنط قمر كلامها كله بيبقى صح.
إكتفى(فاضل)بإبتسامة وهو يدرك كم تعلقت الفتاة ب(قمر) وصار أمام قلب(أكرم)حاجز جديد يحول دون إنتقامه السخيف ذاك. إلى جانب حبه بالطبع.
قالت(هند)بعصبية:
-من فضلك ياأكرم ياريت نبطل كلام فى الموضوع ده عشان بيخنقنى، من رابع المستحيلات إنى أتجوز عبد الله. انت عمرك ماشفته، شبه بابا كدة وليه نفس العقلية.
عقد (أكرم)حاجبيه قائلا:.

-وهو ماله الحاج فاضل. أصيل وعقله يوزن بلد.
قالت (هند)بإرتباك:
-بابا راجل أصيل فعلا وأنا بحبه جدا وانت عارف، بس عقله صعيدى قوى والست بالنسبة له مش أكتر من زوجة وأم، تدخل البيت متخرجش منه غير على قبرها وأنا طموحى اكبر من كدة، انا عايزة أسافر أشتغل واتفسح. اكون حرة مش مربوطة ببيت وولاد وبس.
قال(أكرم):
-طب ماتقعدى معاه وتتفاهموا مش يمكن...
قاطعته قائلة:
-لأ طبعا، بقولك شبه بابا فى كل حاجة.

. يعنى التفاهم معاه شيء مستحيل، وبعدين كان ممكن أقعد معاه لو قلبى خالى بس قلبى مشغول بغيره وده سبب اكبر يخلينى أرفض الجوازة دى.
عقد(اكرم)حاجبيه قائلا:
-قلبك مشغول بغيره؟!مين اللى قلبك مشغول بيه ده؟!زميلك فى الدراسة مثلا أو أستاذك فى الجامعة؟
هزت رأسها نفيا، تقترب منه قائلة بثبات:
-لا ده ولا ده، اللى قلبى مشغول بيه وساكن فيه من زمان هو إنت ياأكرم.
لتتسع عيون أكرم فى صدمة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة