قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن والعشرون

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن والعشرون

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن والعشرون

المكان: غير موجود على خرائط البشر
نزل على الأرض محدثا عاصفة رملية كبيرة وسط تلك الصحراء القاحلة اللامتناهية الأطراف. قبل ان يقف بقامته الشامخة متأملا قصر والده الذي احتل مساحة واسعة. ابتسم بألم وهو يتأمل الأبراج العالية والبوابات الحديدية حيث تفرق مجموعة من الحراس ظلوا ينظرون اليه وقد توسعت عيونهم رعبا.

هنا في هذه القلعة منذ أربع سنوات تمت محاكمته وهنا حكم عليه بالسجن في أسوء مكان على وجه الأرض بئر برهوت.
زفر بحرارة يتذكر شعوره وهو يسحب خاضعا ليودع في سجن مظلم بعيدا عن من يحب. كيف كان والده بهذه القسوة في معاقبته كيف تمكن من السماح لهم بنفيه بعيدا كيف استغل حبه لمنار ضده ليعلن استسلامه.
اليوم هو عائد رغم انف الجميع. ليخبرهم انه ما عاد سيرضى بالعيش بعيدا عنها وأنه لن يستسلم ولو كان في ذلك هلاكه.

أفسح الحراس له الطريق. فهم أدرى بالعواقب اذا ما قرروا مواجهته. نظر اليهم باستخفاف ليعبر البوابة متجها نحو قاعة العرش.
دخل اخيرا الى القاعة حيث كان والده جالسا يحيط به كبار مستشاريه. الكل متحلق ينتظر المواجهة الوشيكة التي ستحدث بين ملكهم وابنه العاق الذي ضرب بعرض الحائط كل قوانين الجان متحديا كل شيء في سبيل انسيه.

لم يهتم للعيون المتأججة غضبا من تصرفه الأرعن فهو لم يكتف بكسر العهود بزواجه من انسية بل اقترف جرما لا يغتفر بتدخله في عالم الانس وقتل واحد منهم.
الا انه الان وهو عائد ليتطاول على المجلس الذي حكم عليه بالنفي بخطواته الثابتة وابتسامته المتعالية وكأنه يسخر منهم ومن قوانينهم كان قد تفوق على نفسه في الغرور والتمرد.

لم يهتم كثيرا للعيون الحاقدة ولا الهمهات المستهجنة وهو يوزع الابتسامات الساخرة على اعضاء المجلس وكأنه يتحداهم في التعبير عن رايهم بصوت عال. ظلت وجهوهم جامدة بينما نطقت عيونهم بحقد هائل على هذا المارد المتمرد على كل قوانين الجان. واللذين يعلمون جيدا ما هو قادر على القيام به في نوبة غضب.

اخيرا وصل الى حيث ظل والده جالسا عيناه مثبتتان على ابنه المتمرد. انحنى جلجامش احتراما لوالده قبل ان يرفع راسه يحدق اليه بعينين امتلأتا ادانة.
ابي قال جلجامش محدثا اباه بصوت اجش
ما الذي عاد بك الى هنا سأل الملك بصوت قوي بعث الرعب في قلب مستشاريه.
لماذا عدت الى هنا. أليس قرارا غبيا ان تعود الينا بعد ان هربت من السجن حيث أودعناك.

نهض جلجامش ليقف امام والده بقامته الفارعة ابتسامة ساخرة علت محياه وهو يقول: لقد عدت من سجني الاختياري لأنك لم تحم زوجتي كما وعدتني. حارسك الوفي بدل ان يحميها قام بتعذيبها. ومن ثم حاول الاستيلاء عليها لنفسه. هل حقا وفيت بما وعدتني قبل ان تودعني ذلك السجن الرهيب ابي. هل اعتنيت فعلا بالمراة الوحيدة التي احببت.

أنت كسرت قوانينا وعارضت مذهبنا حين قررت الزواج بتلك الإنسية ثم ارتكبت جرما حين قتلت انسيا كاسرا بذلك عهودنا معهم، عليك ان تكون ممتنا للغاية أني لم اقم بما هو اسوء...
اية عهود هذه التي تتكلم عنها أبي صرخ جلجامش بقوة. اية عهود تسمح لهم بالعبث في عالمنا دون ان نستطيع الرد بالمقابل هذه العهود هي عار على جنسنا.

هؤلاء البشر الذين تدافع عنهم الان. هم نفسهم اللذين نسوا ربهم. وسعوا الينا طلبا للمال و القوة. لا يملئ قلوبهم الفارغة سوى الجشع الذي لا يشبعه شيء.
انها الطبيعة البشرية
وطبيعتنا نحن التحلي بالشرف واحترام العهود وانت لم تحترم ايا منهما اكمل بهدوء جاعلا جلجامش يغلي غضبا.

تبا ابي. صرخ جلجامش بجنون. عن أي شرف تتحدث. لقد خضت الحروب من اجلك. نزفت الدماء دفاعا عن هذه المملكة لسنوات. جعلت ملوك من الجان ترتعد لذكر اسمك. وماذا كان جزائي؟ النفي من اجل انسي لعين كان افضل شيء قام به في حياته تحديه لي لأرسله الى الجحيم مريحا العالم من شره.

يكفي قال الملك موقفا جلجامش: انت لم تقم بتخليص البشر انت خلصت فقط الانسية التي سلبت عقلك. بني لقد كنت محاربا عظيما في الماضي. كيف حولتك لحيوانها المدلل.
علت الهمهات في القاعة. نظر الى اعضاء المجلس الذين كانوا يتبادلون النظرات في تشفي وسخرية واضحين.
ليقول: حسنا ابي انا لم ات من اجل لومك على ما حصل لها في غيابي. جئت فقط لأخبرك اني عدت وانا عازم على البقاء وسأحضر زوجتي لتعيش معي.

صرخات استهجان عمت القاعة. ادار راسه ينظر اليهم بتحد سافر.
يكفي جاء صوت والده القاسي ليوقف الهمهمات ويحل محلها صمت رهيب.
نظر اخيرا الى جلجامش الواقف بتحد ليقول: لا يمكن ان تكون بهذا الجنون بني. سأعفو عنك. سأسمح لك بالعودة الى المملكة كوريث لعرشي من جديد لكن اترك الانسية ودعها تواجه مصيرها.
اظن انني بهذا الجنون ابي. لاني لن اعود الى هذه المملكة من دونها افضل الموت على ان ابقى بعيدا عنها.

للمرة الأخيرة اسألك بني عد الى رشدك قبل فوات الأوان
اسف ابي لكني لن اعيش من دونها.
طأطأ الملك راسه للحظات. ليقول بعدها بصوت غلب عليه الألم. اذا لقد اخترت مصيرك بالفعل والموت هو عقوبتك.

في اللحظة التي نطق بها الكلمات. ظهر فيلق من الجن يحملون سيوف كبيرة ليحيطوا بجلجامش من كل اتجاه. ابتسم جلجامش وهو ينظر الى والده. أهذا قرارك النهائي. أم قرار المجلس اللعين سأله بهدوء عيناه مسلطتين عليه. اشاح الملك بعينيه غير قادر على النظر لما سيحدث لابنه الوحيد.

انقض اول جني على جلجامش محاولا طعنه. كان الأسرع وهو يسحب السيف من بين يديه. ليقفز طاعنا هذا الأخير. تكالب الجن عليه محاولين قتله. لكنه ظل منيعا على سيوفهم كانوا يتساقطون امام قدميه الواحد تلو الاخر. ظل والده ينظر اليه وهو يرى فيلقا من اقوى جيوشه يباد على يد ابنه الذي يعلم جيدا مدا بأسه.

اخيرا على راس اخر جني قطعه جلجامش وقف ينهج من المجهود الهائل الذي بدله. اثار الطعنات تملأ جسده. بينما تدفقت الدماء غزيرة من صدره.
انحنى باحترام امام والده ليقول: هذا لن يجدي نفعا ابي انا. لن اترك زوجتي مهما فعلتم انا احبها هي الحياة بالنسبة لي ولن اعيش بعيدا عنها بعد الان.
بهذه الكلمات اختفى جلجامش من قاعة العرش تاركا وراءه بركة من الدماء واعينا تنظر الى الأشلاء الممزقة امامها برهبة وخوف.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة