قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الثالث

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الثالث

رواية شهد الأفاعي (سنابل الحب ج3) للكاتبة منال سالم الفصل الثالث

توالت هجمات جيش السلطان أسيد على أطراف مملكة شيروان النائية من نواحي متفرقة. وتم تدمير عشرات القرى، وتشريد سكانها، وأسر الكثير من النساء والأطفال، وقتل المئات من الرجال.

كذلك تم نهب منازلها، وسرقة أثمن ما بها، وتحولت الأراضي الخصبة فيها إلى بقايا أراض محترقة.

إنتشرت أخبار ما فعله الأمير عقاب بتلك القرى، فدب الرعب في قلوب الجميع، حتى الملك شيروان بات منزعجا للغاية بسبب ما يحدث في مملكته من قتل وأسر وتدمير.

حدق هو في قادة كتائب جيشه بنظرات حادة، ثم هتف قائلا بصرامة: -لابد أن نوقف طوفان الدماء، ونقضي على ابن أسيد قبل أن يقضي على المملكة بأسرها!

رد أحد القادة عليه قائلا بجدية: -نحن نبذل قصارى جهدنا مولاي الملك، ولكنه باغتنا بالهجوم على أطراف المملكة
إنفعل الملك شيروان بغضب ب: -وأين جيش مقاتلينا مما يحدث؟
أجابه جاد نيجرفان بهدوء نسبي وهو يلوح بيده: -لا نستطيع أن نقسم الجيش الآن، فنحن مازلنا في معاركنا الخارجية
زفر الملك شيروان بضيق واضح، ثم أضاف بصوت شبه متشنج: -إن لم أستطع حماية مواطني المملكة، فما الداعي إذن من وجودي؟

هتف قائد أخر بجدية: -مولاي، أرواحنا فداك، ولكن آآآ...
قاطعه الملك شيروان بحدة وهو يرمقه بنظرات محذرة: -لا أريد شعارات، دافعوا عن أهل مملكتي مهما تكلف الأمر!
مط القائد فمه، ورد عليه بهدوء: -أوامرك مولاي
إستدار الملك شيروان برأسه ناحية قائد جيشه، وأشار بإصبعه وهو مسلط أنظاره عليه قائلا بصرامة:
-جاد نيجرفان، أنت المسئول أمامي عن صد تلك الإعتداءات والرد عليها بشراسة.

هز رأسه موافقا وهو يجيبه بهدوء حذر: -اطمئن مولاي
إتجه الملك شيروان نحو كرسي عرشه، وألقى بثقل جسده عليه، ثم أضاف بنبرة قلقة:
-أخشى أن يسوء الوضع، فعقاب ليس كإخوته!
اقترب منه جاد نيجرفان، ورد عليه قائلا بنبرة شبه ساخطة: -هو ليس بإله مولاي الملك!
ثم كور قبضة يده، وضغط على أصابعه ليتابع بتوعد صريح: -وهو سيقتل على يدي.

حدق به الملك شيروان، وأردف قائلا بنبرة شبه مذعورة: -إن تطور الوضع للأسوأ، أريد حماية ابنتي الوحيدة
ضرب جاد بساعده على صدره بقوة، وصاح بثقة: -سأفديها بدمي
أومأ الملك شيروان برأسه وهو يتمتم بهدوء: -أعلم هذا جاد، ولكني أريد أن أضمن سلامتها
إنتصب جاد نيجرفان في وقفته، وأردف بثقة وهو يشير بعينيه: -لا تقلق، سأضع خطة لحمايتها، ولن أسمح بأن يصيبها أي مكروه.

إبتسم له الملك شيروان بإرتياح، ونهض عن عرشه، ثم وضع يده على كتفه، وربت عليه بقوة، ثم شرع قائلا بجدية:
-وعهدي لك كما هو، أنت زوج ابنتي حينما ننتهي من هذه الحروب
تقوس فمه بإبتسامة مشرقة، وهتف بحماس وهو ينظر له بإمتنان: -شكرا مولاي على تجديد العهد، وسأحميها بروحي
رد عليه الملك شيروان بهدوء: -أثق فيك جاد نيجرفان!

على الجانب الأخر، تعالت ضحكات السلطان أسيد المتفاخرة وهو يستمع إلى أخر أخبار الحرب مع مملكة شيروان وما تكبدته من خسائر في الأرواح والأموال، وكل شيء.

شعر بأن نيرانه المتأججة في صدره قد بدأت تهدأ نوعا ما بعد مآثر ابنه التي تدعو للفخر والإعجاب...

فقد كان يختلف عن ابنيه الراحلين في الطباع والصفات والقوة. فهو الأشد شراسة، وعنفا، والأكثر دهاءا وذكاءا...

نظر السلطان أسيد إلى ابنه بتفاخر، وصاح قائلا بحماس: -اسمعني المزيد يا ابن أسيد!
رمق عقاب والده بنظرات قاتمة وهو يكمل بصوت متوعد يحمل القوة والإصرار: -مهلا مولاي السلطان، أنا لن أسمعك كلمات منقولة، فعما قريب سنجلس سويا على عرش شيروان!

تنهد السلطان أسيد بعمق مضيفا: -أنتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر
هز رأسه بثقة ليجيبه بثبات: -ستأتي يا أبي، ستأتي.

إشتدت المعارك وتفاقمت بوحشية بشعة، وخسر الملك شيروان الكثير من القرى التابعة له.

فتملكه القلق الكبير حينما بات الخطر يهدد الأجزاء الداخلية لمملكته.
إجتمع بقائد جيشه جاد نيجرفان، وأردف قائلا بتوتر بادي عليه: -لست مطمئنا بالمرة، الوضع غير مبشر على الإطلاق!
وقف جاد نيجرفان قبالته، وتابع بصوت حاسم: -أعلم أنهم يهجمون بشراسة، ولكن مقاتلينا قادرين على ردعهم، أنا أثق بهم!
زفر الملك شيروان بحيرة، وتسائل بإنزعاج وهو عاقد كفيه خلف ظهره: -إلى متى؟

ثم صمت للحظة ليتطلع أمامه. وأضاف بخوف ظهر نوعا ما في نبرته: -أخشى ما أخشاه أن أجدهم فوق رؤوسنا
هتف جاد نيجرفان بحدة: -على جثتي إن حدث هذا
إستدار الملك شيروان نحوه، وسلط أنظاره المضطربة عليه ليهتف بصرامة: -لابد أن أؤمن ابنتي!

في نفس التوقيت، تنصت أحد جواسيس السلطان أسيد - والذي كان متخفيا في هيئة أفراد الحراسة – على تلك المحادثة الدائرة بينهما.

وبدى منتبها للغاية وهو يصغي إلى كل كلمة تقال.

تابع جاد نيجرفان حديثه قائلا بثقة: -لا تقلق مولاي الملك، أنا هنا لأجلها
هز الملك شيروان رأسه معترضا، وبدت نبرته قلقة وهو يرد عليه: -لا، وجودها في المملكة الآن ربما يشكل تهديدا على حياتها
قطب جاد نيجرفان جبينه، وتسائل بإهتمام: -ماذا تقترح إذن مولاي الملك؟
فرك الملك شيروان ذقنه بكفه، ثم نظر إلى قائده بغموض، وغمغم قائلا بصوت رخيم:
-أفكر في إرسالها بعيدا دون أن يعلم أي أحد بتلك المسألة.

إزداد إنعقاد ما بين حاجبي جاد نيجرفان، وتسائل مستفهما دون أن تطرف عينيه القويتين:
-إلى أين؟
رد عليه الملك شيروان قائلا بإحتراس: -عند أقارب والدتها الملكة الراحلة صوفيا
تفاجيء جاد بتفكير الملك، وتسرب إليه شعورا قويا بالضيق. فمسألة إبتعاد حبيبته التي يعشقها عنه تصيبه بالجنون، ولكن حياتها الغالية وسلامتها أهم الآن من أي شعور يخترق صدره ويثيرها.

أخذ نفسا مطولا وحبسه في صدره ليسيطر على إضطراب مشاعره، ثم تسائل بجدية: -وهل هم مستعدين لحمايتها؟
رد عليه الملك بهدوء وهو يلوح بيده: -أعتقد هذا!
ثم أخذ نفسا عميقا ليتنهد قائلا بحذر: -والأهم ألا يعلم أحد بتلك المسألة
أومأ جاد نيجرفان برأسه ليجيبه بحماسة وإصرار: -حسنا، سأرافقها إلى أخر الأرض فقط لأضمن سلامتها
ربت الملك شيروان على كتف جاد، وإبتسم له بثقة وهو يقول: -اتفقنا، وسأرتب الأمر سريعا.

-كما تريد مولاي!

أصغى أحد رجال الحراسة بإنتباه وحذر على الحوار الدائر بينهما، وإرتسم على وجهه علامات شيطانية، فخبر كهذا سيجعل السلطان أسيد يغدق عليه بالأموال الكثيرة. لذا بحذر شديد ترك نوبة حراسته، وتعذر برغبته في قضاء حاجته، ثم أسرع راكضا نحو رسوله السري.

وقام بالغمز له بعينه ليتمكن هو الأخر من التسلل خلسة ومقابلته أعلى برج المراقبة.

وهناك أخبره بسره الغالي. فتشدق الرسول قائلا: -سأرسل حمامي الزاجل بالأنباء السعيدة على الفور
هتف الحارس قائلا بتوتر وهو يتلفت حوله بريبة: -أسرع قبل أن يكتشف أي أحد غيابنا!
هز الرسول رأسه قائلا بجدية: -سأفعل هذا في لحظات
ابتلع الحارس ريقه وأضاف: -حسنا، وأنا سأعود لمناوبتي.

وبالفعل صعد الرسول السري إلى أعلى برج في قلعة الملك شيروان، ودون في قطعة جلدية صغيرة تلك الأنباء الهامة، ومن ثم طواها، وقام بتثبيتها في قدم حمامته الزاجلة، ثم قربها من فمه، وهمس لها:
-إنطلقي في طريقك! صحبتك السلامة!
ثم رفع يديه عاليا في الهواء ليدفعها، فرفرفت الحمامة بجناحيها، وحلقت في السماء.

إلتوى فمه بإبتسامة خبيثة وهو يتابعها بعينيه الثاقبتين، وحدث نفسه قائلا: -والآن ننتظر رد السلطان!

كانت آنيا تمشط شعرها أمام المرآة حينما أتت إليها فاليري وعلى وجهها لمحة حزينة، ثم أطرقت رأسها للأسفل، وأجفلت عينيها وهي تقول بنبرة شجن:
-أميرتي آنيا، لقد. لقد أمر الملك شيروان برحيلك عن المملكة
شهقت آنيا مصدومة، وإلتفتت برأسها في ذهول قائلة بحدة: -ماذا؟
تابعت فاليري حديثها بتوتر قائلة: -هذه أوامر الملك، وستنفذ اليوم!

صرخت آنيا بإعتراض وهي تشير بيدها: -هذا جنون، لا يمكن أن يفعل أبي بي هذا، كيف يأمر برحيلي عن هنا!
ثم تلفتت حولها وأكملت بضيق: -وأنا. وأنا تربيت هنا!
حدقت آنيا أمامها، وعبست بوجهها ثم صاحت بقوة وعناد: -أنا لن أترك المملكة، و سأتحدث معه
ثم سارت بخطوات أقرب إلى الركض خارج جناحها الملكي. فحاولت مربيتها المخلصة فاليري اللحاق بها وهي تهتف:
-أميرتي. انتظري
ردت عليها آنيا بصوت متشنج وهي تتجه إلى الدرج: -لا.!

حك الملك شيروان ذقنه بكفه، ثم تابع قائلا بجمود وهو ينظر في الخريطة الموضوعة أمامه:
-ضع هنا صفا من المقاتلين، وأمر بحفر خندق في تلك البقعة
رد جاد نيجرفان عليه بهدوء: -حسنا يا مولاي
مط الملك شيروان فمه للأمام ليتسائل بجدية: -كم يستغرق آآآ...
قاطعه صوت آنيا الغاضب قائلة: -أبي!
إلتفت الملك شيروان – وبقية رجاله – نحوها، وقطب جبينه ليردد بإستغراب: -آنيا.

احنى جاد نيجرفان رأسه للأسفل، وهمس قائلا: -مولاتي الأميرة
وقفت آنيا في مواجهة أبيها الملك، وأولت ظهرها لقائد جيوشه، ثم تسائلت بصوت حانق والغضب يشتعل من عينيها الخضراوتين:
-كيف تفعل هذا أبي؟
زفر الملك شيروان بإنزعاج وهو يجيبها بصرامة: -لا أريد النقاش، فقد حسمت أمري!
صاحت بإعتراض وهي تلوح بيدها في الهواء: -أنا لا أوافق على الرحيل! سأبقى هنا حتى لو آآ...

قاطعها والدها الملك بصوت هادر: -آنيا، اصمتي، أنا أعلم الصالح لك!
ورغم الصلابة البادية في نبرته إلا أن قلبه كان يتمزق لأجلها. فقد تعمد أن يكون قاسيا من أجل حمايتها. فهي وحيدته وغاليته، ولن يتحمل خسارتها.

هزت آنيا رأسها معترضة وهي تجيبه بعناد: -لن أبتعد عن هنا
أخذ الملك شيروان نفسا عميقا وحبسه في صدره. ثم أجفل عينيه ليتجنب نظرات ابنته المعاتبة.

رأت آنيا تردد والدها، فحاولت أن تستعطفه قائلة: -أبي، أريد أن أكون إلى جوارك، كيف أبتعد عن هنا؟ أنا آآآ...
صاح الملك شيروان بصوت آمر وهو يحدجها بنظرات قاسية مقاطعا إياها: -آنيا، عودتي إلى جناحك ولا تخرجي منه إلا بأوامر مني!
تفاجئت آنيا من شراسته الغير معهودة معها، فهتفت بعدم تصديق: -أبي!
صاح بقوة أخافتها وجعلت قلبها يرتجف ب: -اسمي الملك شيروان، إرحلي من هنا فورا!

تسمرت آنيا في مكانها مصدومة مما يقوله، ونظرت له بذهول، ثم ترقرقت العبرات في عينيها ولمعتا بشدة، فحاول الملك شيروان أن يتغلب على شعوره بتأنيب الضمير. فنظراتها تقتله، ودموعها تذبحه. لذا دون إضاعة للوقت قام بدفعها من كتفها للخلف وهو يصرخ بها:
-ليس لدي وقت لتفاهاتك!
فقدت آنيا توازنها على إثر الدفعة، وإرتطمت دون قصد بصدر قائده جاد نيجرفان الذي أسرع بمد ذراعيه لإسنادها وهو يهتف بقلق:
-إنتبهي!

نظرت له آنيا بحرج، وأخفضت رأسها للأسفل هامسة بصوت مختنق: -آآ. اعتذر منك!
ثم وضعت يدها على فمها، وركضت مسرعة للخارج وهي تحاول كبح عبراتها من الإنهمار.

انقبض قلب جاد وهو يراها على تلك الحالة الحزينة. ولكن ما بيده أي حيلة. فلو كان الأمر بيده لأخذها عنوة في أحضانها وضمها إلى صدره حتى تتلاشى داخل ضلوعه.

ولكن المسألة متعلقة بحمايتها وحياتها الغالية.
صاح الملك بصوت غاضب وهو يشير بإصبعه: -انصرفوا جميعا!
أضاف جاد نيجرفان قائلا بصوت متصلب: -الملك مرهق الآن، سنتحدث لاحقا
تحرك بقية القادة خارج القاعة، فإنتظر جاد إلى أن انصرف أخر فرد، فإستدار ناحية الملك وسأله بصوت معاتب:
-لماذا تلك القسوة معها؟

تنهد الملك شيروان بآسى وهو يجيبه: -أنا أخشى عليها كثيرا يا جاد، ولا أريد فقدانها، إن وقعت تحت سيوف جيش أسيد فسيمزقونها بلا رحمة!

خفق قلب جاد بقوة وهو يتخيل المنظر في عقله، وصاح بإحتجاج: -لن يحدث مولاي، لن يحدث!

ركض أحد رجال السلطان أسيد نحو قاعة الإجتماعات الداخلية، ولكن منعته الحراسة المرابطة أمام باب القاعة الحديدي الضخم. فهتف قائلا بنبرة رسمية:
-أريد مقابلة السلطان
رد عليه الحارس ببرود: -ليس الآن
هتف الرجل بإصرار: -أخبره أن الأمر عاجل، يخص مملكة شيروان
قطب الحارس جبينه، ثم فكر مليا للحظة، ورد عليه بهدوء: -إنتظر، سأبلغه!

دلف الحارس إلى الداخل، وغاب للحظات، ثم عاد إليه، وأردف قائلا بجمود: -تفضل، السلطان سيقابلك
ولج الرجل إلى داخل القاعة وهو مطرق الرأس، وانحنى إحتراما للسلطان حينما رأه أمامه، وهتف بتلعثم:
-مولاي السلطان أسيد!
رمقه أسيد بنظرات متفحصة، وصاح بقوة: -تكلم، ماذا تريد؟
ابتلع الرجل ريقه، وتابع قائلا بتوتر: -لقد. لقد وصلتنا أنباء عن مملكة شيروان
سأله السلطان أسيد بإهتمام بادي في تعابير وجهه ونظراته: -وما هي؟

أجابه الرجل دون تردد ب: -إنها تخص الأميرة آنيا
هتف السلطان أسيد قائلا: -ابنة شيروان
أومأ الرجل برأسه وهو يضيف بخبث: -نعم مولاي السلطان، لقد تم التخطيط لتهريبها من القلعة باكر
إرتسمت إبتسامة ماكرة على وجه أسيد، ثم أشار بإصبعه للأمام قائلا بشراسة: -أرسلوا تلك الأنباء على وجه السرعة إلى الأمير عقاب
تراجع الرجل للخلف وهو يقول بخفوت: -سمعا وطاعة.

ثم أشار له السلطان أسيد بإصبعه وهو يحدجه بنظراته القوية، فاحنى الرجل رأسه إذعانا له، وإنصرف من القاعة. بينما تلوى فمه بإبتسامة شيطانية، وتابع قائلا بحماس مريب وهو محدق أمامه في الفراغ:
-لقد حانت لحظتك يا شيروان، وسنبدأ بأميرتك الغالية،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة