قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني

أغلقت وتين هاتفها نهائيًا وهي تجيب بثبات مهتز: - رقم غريب ياحبيبي
وتركت هاتفها لتنهض، ولجت للمرحاض وتركته هو بمفرده، حيث أمسك بجهاز التحكم وبدأ يرفع من مستوى مُكيف الهواء بعد ارتفاع الحرارة بالخارج وتأثيرها على الغرفة.

من الأمس وهي في حالة عصبية ولم تهدأ، ف ابنتها الكبرى قد عادت منزل أبيها للمرة العاشرة منذ زيجتها التي لم تتجاوز مدتها العشرة أشهر..
أعدت شريفة مائدة الإفطار بغير شهية، ثم دلفت لزوجها الذي استيقظ مبكرًا على غير عادته و: - هتعمل إيه يافضل مع جوز بنتك؟
كان فضل يتصفح عبر هاتفه الحديث، وأجاب بدون أن يرفع بصره نحوها: - لما يكلمني ولا يجيلي هشوف معاه حل، إحنا معندناش بنات تضرب.

ف تقدمت منه وجلست بجواره وهي تحثه على التصرف بشدة وصرامة: - لازم توريه الوش الناشف يافضل، خليه يحرم يمد إيده على بنتك، هو فاكرها إيه؟! سايبة ولا ملهاش أهل!

تأفف فضل بقنوط و: - قولتلك حاضر، من امبارح بتسمعيني الكلمتين دول ياشريفة لحد ما حفظتهم
ثم نهض عن جلسته: - أنا هشوف نداء واكلم معاها
ثم خرج متجهًا لغرفة ابنته، معتقدًا إنها مازالت غافية، ولكنها لم تتذوق طعم النوم من الأساس، رأى ذلك في عيناها المحمرتين وأسفلهما المنتفخ، بجانب بشرتها الشاحبة..
رأته نداء ولكن لم تصدر رد فعل سوى التجاهل، ف خطى نحوها وهو يردد: - أنتي صحيتي بدري ولا إيه يانداء؟

- أنا منمتش أصلًا
ثم نظرت لوالدها بنظرات مستنكرة و: - إيه رأيك في الوضع اللي انا فيه يابابا!، عاجبك؟
جلس فضل على طرف الأريكة وسألها: - لأ طبعًا، في أب يحب لبنته الأهانة!
ف ابتسمت بسخرية و: - لما انت مش راضي الأهانة ليا، بترجعني كل مرة بيت جوزي ليه وانت عارف إنه بيهيني ويشتمني؟!

وتابعت عتابها القاسي له وصوتها متحشرج: - ليه وافقت الجوازة تتم رغم إنك عارف إنه راجل بخيل وطبعه زي الزفت وفوق كل دا إبن مامته وبيسمع كلامها في كل حاجه، ليه رمتني الرمية دي؟! ليه!، أنا مش بنتك!

تنهد فضل بضيق و: - نداء، أنا ضمنتلك انتي وولادك اللي هتخلفيهم مستقبل كويس مع راجل محترم وحالته المادية كويسة، في ظل إننا حالتنا المادية زي الزفت.

ف عادت تضحك بسخرية و: - ومين حطنا في الحالة المادية دي!، ده حتى الفلوس اللي خدتها من وتين بعد وفاة أونكل سامي ضاعت!

نهضت عن جلستها و: - أنا مش هرجع المرة دي لهشام مهما حصل، حتى لو هتطردني من بيتك وأقعد في الشارع مش هرجعله.

أخفض فضل نظراته و: - عايزة إيه يانداء وانا أعملهولك؟
- أطلق
قالتها بدون ذرة تفكير واحدة، قالتها بجسارة بعد معاناة حقيقية عايشتها مع المُدعى زوجها، فقد فرض شخصيته عليها مؤمنًا أن تلك رجولته، ولم يكفيه ذلك، بل أزاد الأمر بأهانتها في أولى شهور الزواج وكانت تلك بداية الأمر، الألفاظ البذيئة النابية التي لا يلقي بها رجلًا أمرأته..

لم يكن تدخل أهلها كافي لردعه، فكان دومًا يكتفي بالإعتذار وتقديم الحجج الفارغة ثم يصطحبها لمنزلهم من جديد..
هل كفى؟!، لا..

بل إن والدته لم تتقي الله فيها، عاملتها أسوأ ما يكون، وتدخلت في شؤونهما الخاصة بكل تبجح، وكان هو راضي عن ذلك بحجة أن والدته أكثر الناس إعمالًا على مصلحته، ذاقت مُر الذُل في عشرة أشهر ما لم تراه في حياتها قط، ولم يكن أبيها بالحائط المنيع الذي يسد عنها الأذى والذُل والمهانة، فكان خائرًا ضعيفًا، وكيف لا يكون ضعيفًا وهو قد تداين لزوج ابنته أيضًا، مما جعل عيونها دائمًا منكسرة غير قادرة على مواجهة زوجها بقوة وبئس.

فماذا سيكون أسوأ من ذلك إن عاشت بوصمة المُطلقة كما يعتبرها المجتمع، ف ستكون هذه الوصمة هي تاج على رأسها، كفاها أن تحصل على حريتها من جديد.

في أحد المقاهي الراقية..
كان بدر حاليًا يحتسي قهوتهِ منتظراً حضورها، فقد تأخرت عن الموعد المتفق عليه بوقت يُقدر ب عشرون دقيقة تقريبًا، عيناه مسلطة على الباب، في انتظار دخولها بأي لحظة.
حتى ظهرت أخيرًا، أفتر ثغره ببسمة عذبة وهو ينهض عن جلسته لإستقبالها و: - أتأخرتي عليا
- آسفه يابدر
ثم جلست قبالته و: - الطريق كان زحمة جدًا.

نزعت نظارتها الشمسية وتركتها على رأسها، ثم ضبطت حجابها الرقيق وهو يتطلع إليها بإشتياق جعلها تستحي: - بلاش البصة دي عشان الناس حوالينا
فلم يكترث بمسمى الناس و: - ملناش دعوة بحد
ثم أشار للنادل ليحضر و: - أتنين ميلك شيك شيكولاتة
ثم أستند على الطاولة وهو يطيل النظر لعيناها: - وحشتيني ياكاميليا
ف ابتسمت ابتسامة واسعة و: - ماانت لسه شايفني امبارح في الفرح يابدر!

فكانت عيناه أصدق ما يكون وهو يعترف لها: - انتي بتوحشيني حتى وانتي جمبي، عايز أخليكي قدامي على طول من غير ما تغيبي لحظة
وضع النادل كؤوس المشروب البارد ثم انصرف، ف بادرت كاميليا بتغيير الموضوع كي لا يصيبها الحرج أكثر: - كلمت نائل؟
ف ابتسم و: - لأ طبعًا، قولت هخلي عندي دم واسيبه يتهنى بشهر العسل
ثم عاد يردد تلك الكلمات الرومانسية الناعمة: - الميزة الوحيدة اللي خدتها من علاقته هو ووتين إني اتعرفت عليكي.

فتناولت كأس المشروب وهي تؤكد حديثه: - فعلًا، لولا إني صاحبة وتين مكنتش قابلتني
تسللت أصابعه تمسك بكفها وهو يردد: - مش يمكن كنتي جيتي قدامي صدفة من غير سابق مواعيد
نظرت حولها بخجل وهي تحاول التخلص من أصابعه: - الناس بتبص علينا يابدر
ألتفت برأسه يمينًا ليجد ذاك الشابين ينظران نحوهما، ف ابتسم بسماجة وهو يردد: - حببتي وخطيبتي وزوجة المستقبل وحجات كتير فوق بعض.

ف تحاشى الشابين النظر نحوهما بحرج أصابهم، بينما أخفضت هي نظراتها باستحياء و: - بدر! مش كدا
- حاضر يا عيون بدر
بدر زيدان، تربطه ب نائل صلة قرابة بعيدة، فهو إبن خالة والدة نائل، السيدة الأرستقراطية ثريا أبو المهدي، سنوات طويلة قضياها سويًا، كتفيهما في أكتاف بعضهما، أن مال أحدهما يسانده الآخر وهكذا، حتى عرف الجميع أن ظهور نائل يليه حضور بدر والعكس صحيح.

فكان تعارفه بأقرب صديقة ل وتين أمر طبيعي، بل وأن تسهيل الأمر كان مهمة وتين التي قصرت المسافة بينهما فأصبحا ثنائيًا رائعًا خلال شهور أقلة.

أسفل الأضواء الخافتة والملونة، بأحد الملاهي الليلية، وعلى أنغام الموسيقى الهادئة عقب الصخب الذي زلزل المكان..

وقف العروسين يرقصان على الساحة وسط الكثير من الثنائيات، ولكنهم كانوا الأكثر لفتًا للأنظار، تعانقهُ بعاطفيتها الحالمة وهي تتمايل بين أحضانه متماشية مع الموسيقى، بينما ذراعيه تطوقانها بإشتياق لا ينتهي، توقفت الموسيقى وعادت تدوى أغاني أجنبية صاخبة، ف مال على أذنيها يردد: - تعالي ناكل حاجه أنا جوعت.

ف سارت معه نحو طاولتهم المرتفعة عن مستوى ساحة الرقص، وجلسا ينتظران الطعام، لاحظ نظراتها العاشقة التي تنظر إليه، ف أفتر ثغره بإبتسامة متوددة و: - أنا بقول نرجع الأوتيل ونكمل السهرة هناك أحسن
ف غطت وجهها بإستحياء و: - لأ خلينا هنا أحسن
شعر بإهتزاز هاتفه في جيب بنطاله، ف أخرجه ونظر لهاتفه ثم قال بصوت مرتفع كي تسمعه: - أنا هرد على بدر برا عشان مش هسمع هنا من الدوشة.

ثم خرج وعيناها المتلهفة عليه، يومًا بعد يوم يزيد حُبها له، لم تكن تدري أن الحظ سيفتح أبوابه لها على أواسعها ليكون هو النصيب المقدر لها، حتمًا إنها محظوظة كونها تمتلك رجلًا مثله، مالًا ووسامة وسطوة، فهو صاحب أحد الماركات العالمية للملابس النسائية، وكان تعارفهما عملي بشكل مميز، فقد حازت تصميماتها على هوسهِ، مما جعله يُصر على إمتلاك أفكارها واحتكارها لماركته العالمية، والأكثر من ذلك حُبه لها الذي ظهر بدون مقدمات..

تنهدت وهي تطرق رأسها بسعادة لم تشعر مثلها يومًا، ثم أطبقت جفونها ب إستمتاع وهي تسمع الأغنية المفضلة لها، وذهبت عيناها تلقائيًا نحو عامل ال (الدي چي) - السماعات - لتجده واقفًا بجواره وقد طلب لها أغنيتها المفضلة خصيصًا لها، ف اتسعت شفتاها وهي تردد: - مجنون.

— بعد مرور يومان —
كان بدر في قسم الشئون القانونية يقوم بمراجعة آخر المستجدات، حينما أصدر هاتفه رنينًا مرتفعًا، فنظر لشاشة الهاتف وهو يبتسم بتحمس، ثم أجاب وهو يخرج من غرفة المكاتب: - ألو، أزيك ياوتين إيه أخبارك، تمام الحمد لله، ونائل أ...
صمت قليلًا يستمع لها، فتغيرت معالم وجهه وهو يسألها: - أزاي ده، نائل مكلمنيش من ساعة ما سافرتوا، طبعًا متأكد.

ثم ارتفع حاجبيه بإستغراب و: - يعني إيه بقاله يومين مختفي متعرفيش عنه حاجه؟!، طب وتليفونه!، خلاص أقفلي وانا هشوف إيه الموضوع.

أغلق الهاتف وعيناه على الفراغ، ثم تحدث لنفسه: - يعني إيه الكلام ده، معقول جراله حاجه!؟

كادت وتين تفقد عقلها من كثرة التفكير، لقد كانوا على خير ما يرام منذ يومان، غفت على صدره بالمساء ف استيقظت لتكتشف غيابه، انتظرت ربما يكون في مكان ما وسيأتي، ولكنه لم يحدث، قررت أن لا تفصح عن الأمر لأي أحد حتى تصل لمكانه، ولكن الأمر طال عن الحد المسموح به، يومان ولا تعرف شيئًا عنه، هاتفه مغلق ولا أثر لوجوده، حينها لم تجد سوى بدر كي تحدثه، لعله يستطيع الوصول إليه.

بقيت وتين خارج الفندق لوقت طويل، تسير في الطرقات گالتائهة، لا تعرف ماذا حدث خلال يومان الماضيين، هل هو بخير أم أصابه مكروه، كلما تفكر بشأن السوء الذي قد يكون أصابه، تشعر بغصة موجعة في صدرها، لقد عاشت يومان سيئان للغاية بهذا الخوف الذي منع عنها حتى نومها، أين قد يكون!
متعلقاته وثيابه وأشيائه، كل شئ في الغرفة، عدا محفظة نقوده وهاتفه.

وقفت عن السير ونظرت حولها بنظرات زائغة، ثم قررت العودة للفندق، عسى أن يكون قد عاد.

هبّ هشام واقفًا عن جلسته وقد اشتط وتمكن الغضب منه: - يعني إيه ياعمي، أنا بقالي يومين باجي هنا ومش عارف حتى اشوفها، دي مراتي وحقي إني أخدها معايا بيتي زي ماانا عايز.

تأفف فضل بإنزعاج وهو يجيب على اعتراضه: - مش راضية تشوفك، أعملها إيه ياهشام أجيبها بالعافية
حدجته شريفة بنظرات محتقرة و: - عايز تشوفها بعد إيه، بعد ما بهدلتها ومديت إيدك عليها!، مش كفاية مستحملة قرف مامتك.

ضمّ هشام قبضته بإنفعال و: - قولت مكنش قصدي ياطنط، هي اللي استفزتني وأضطرتني أعمل كدا، بنتك مش ملاك
فصاحت فيه شريفة بجسارة لم يراها من أبيها: - إن شاالله تكون قتلت قتيل، مش من حقك تمد إيدك عليها مهما حصل، إحنا عشان اتعاملنا معاك زي أبننا سوقت فيها، لكن خلاص بنتي مش عيزاك.

ثم نهضت وتحركت لتغادر الغرفة وهي مازالت تتحدث: - طلقها أحسن ليك وليها، أنا نفسي مبقتش عايزاك تكون جوز بنتي، بلا هم
تسلطت نظرات هشام المشتعلة على فضل الذي لم يتحدث ثانيةً، ثم ردد بفظاظة: - أسمع ياعمي، أنا همشي دلوقتي وانت عقل بنتك، خليها تشيل موضوع الطلاق دا من راسها، عشان انا مش هطلق لو على رقبتي.

واتجه نحو الباب للخروج وهو في ذروة غضبه، حينما كان فضل يهز ساقيه بعصبية وهو يفكر بصوت مرتفع: - هعمل إيه مع الواد ده بقى!؟، المرة دي غير كل مرة، نداء راكبة دماغها وحالفة ما ترجعله، وده ماسك فيها ومش هيسيبها، أعمل إيه دلوقتي!

عبرت وتين بوابة الفندق، ومضت للداخل، حيث استوقفها عامل الإستقبال و: - مدام وتين
توقفت وسارت بإتجاه الإستقبال مسرعة، ثم سألته بتلهف: - أيوة، هو نائل رجع الفندق؟
- لأ يافندم، بس كنت عايز أسأل حضرتك هتجددي الأقامة ولا لأ؟
عقدت ما بين حاجبيها بعدم فهم، وسألت ب استغراب: - يعني إيه؟

فنظر عامل الإستقبال نحو شاشة الحاسوب وهو يردد: - يعني ال 5 أيام اللي حجزهم مستر نائل ودافع حسابهم مقدمًا هيخلصوا بكرة، تحبي تجددي الحجز؟

اتسعت عيناها وهي تسمع تلك الكلمات منه، ماذا يعني ذلك؟ لقد عجز عقلها عن ترجمة ما قيل رغم سهولته، وانقبض قلبها بتخوف أكبر، فبقيت بداخل صمتها وخوفها وهي محدقة فيه و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة