قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع عشر

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع عشر

رواية سفراء الشيطان الجزء الأول للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع عشر

سهلًا أن تقع في عشق أحدهم، نظرة، ف ابتسامة، ف شوق، ولكن الأمر الأشد صعوبة نسيانهم وإن أساءوا، هذاهو واقع الأمر الذي تعيشه، تواجه كفاح ضد قلبها ليقسو ويجف، ل يتمرد على هذا الحُب المزروع بفؤادها، حتى الأحلام ضدها، تعيش خيالاتها في ساعات النوم، ليجثو عليها الهمّ مطبقًا على أنفاسها.

عاشت نداء هذه الأيام الماضية بصعوبة قصوى، كانت تتناول القليل الذي يمكنها من الحياة وبعض من الماء يفي بالغرض، منعزلة عن الجميع ومحتبسة بغرفة زوجها الذي لم تراه منذ أن اختطفها.

تجولت في الغرفة التي حفظت معالمها والقنوط مخيمًا عليها، وعندما أرهقت جلست على طرف الفراش، انفتح الباب ودلفت تيسير وهي تحمل صحنين من الطعام، تركتهم على الطاولة بدون أن تتفوه كلمة واحدة، وقبل أن تلتفت للخروج وجدت ضربة عنيفة على رأسها جعلتها تسقط أرضًا وهي تصرخ من قوتها.
ركضت نداء محاولة تنفيذ مخططها الذي تعد له منذ أيام، ستهرب منه ولن يجدها ثانية، حتى بيت أبيها لن تذهب إليه.

استمعت سهير لصرخات ابنتها من مطبخ الشُقة وهرعت إليها لتلحق بها، عندما كانت نداء تبحث عن مفتاح باب الشُقة حتى وجدته بأحد أدراج خزانة الأحذية، سحبته بسرعة ويداها ترتجف من الخوف، فسقط، عادت تمسكه من جديد وراحت تفتح الباب بعجالة، لتُصدم برؤية هشام أمامها مباشرة، توقفت أنفاسها لحظة، ثم خرج زفيرًا مضطربًا وهي تردد: - عايزة امشي من هنا.

أطبق على رسغها وسحبها للداخل، دفع الباب لينغلق وهو يسألها ب حدة: - خرجتي من الأوضة ازاي؟
حاولت التخلص منه وهي تتلوى بذراعها قائلة: - سيب إيدي ياهشام، انت ازاي تتجرأ وتخطفني!، بابا مش هيسيبك وهيوديك في داهية
فشدد من قوة أصابعه على ذراعها مرددًا ب: - أنا لسه جاي من عند ابوكي وهو نفسه موافق نتصالح، مفيش غيرك انتي اللي دماغك زي جزمة.

خرجت سهير من غرفة ابنها وهي ممسكة ب ابنتها، وما أن رأت نداء حتى أسرعت بالخطى نحوها وهي تسبّها: - بتضربي بنتي يابنت ال ياو
وقبل أن تنقض عليها لتبرحها بضرباتها كان هشام يخبئها خلفه محاولًا صدّ بطش أمه عنها: - أهدي ياماما، معلش امسحيها فيا
ف صاحت فيه وهي ترمقه ب احتقان: - أمسح إيه ولا إيه؟، دي بطحتها على رأسها عشان تخرج بنت ال.

فصرخت فيها نداء وهي ترمقها بنظرات ممتعضة: - انتي بتشتمي ليه ياست انتي، أنا محترمة سنك بس ولحد دلوقتي مش عايزة اغلط فيكي
ف هجمت سهير تجتذب شعرها بشراسة قائلة: - تغلطي في مين يا...
بترت عبارتها عندما حاول هشام نزع كفها منها شعر نداء وهي تصرخ: - منك لله، ده انتي ربنا هينتقم منك
أمسك هشام بيدي والدته وهو يردد: - بس ياماما بقى انا واقف ميصحش كدا.

ف انتشلت سهير ذراعيها وهي توبخه قائلة: - ما تلمها بدل ماانت بتزعق ياجوزها!
أزاحها برفق وهو يجذب زوجته من خلفه نحو غرفته، مغمغمًا: - خلاص بقى خلصنا
وعبر بها متعجلًا نحو الداخل، بينما توجهت سهير نحو ابنتها التي تتأوه متألمة على الأريكة وهي تقول: - معلش ياحببتي، تتقطع إيدها يارب
أغلق هشام باب الغرفة والتفت ينظر إليها بنظرات مقتنصة، كتف ذراعيه خلف ظهره وهو يسأل: - هتعقلي ونرجع بيتنا أمتى بقى؟

فصاحت فيه: - مش هرجع، وانت هتطلقني غصب عنك
أشاح بوجهه عنها وهو يقول بنفاذ صبره: - اللهم طولك ياروح، انا جبت أخري يابنت الناس، مكنتش خناقة دي
كتفت ساعديها وهي تجلس على طرف الفراش قائلة بتعند: - أنا مش عايزة اكمل معاك، إحنا مش نافعين مع بعض
تنقل هشام نحوها وجلس بالقرب منها محاولًا التقرب منها: - يانداء انا بحبك، مش هتلاقي حد يحبك زيي.

ووضع يده على كتفها يتحسسه بطريقة غريزية واضحة: - لو عقلتي ورجعتي عن اللي في دماغك ا...
- مش هرجع
ودفعت ذراعه عنها متابعة: - ومتلمسنيش، طلقني وخلص نفسك، عشان تريح امك واختك
- يوه
وقف منتفضًا من جلسته وهو يجأر قائلًا: - ما هو أنا طلاق مش هطلق، عاجبك على كدا عاجبك، مش عاجبك أخبطي دماغك في الحيط
أزدردت ريقها بتوتر و: - يعني إيه؟

فصرح لها بنواياه قائلًا: - يعني هتفضلي هنا لحد ما ترجعي عن اللي في راسك، الهدوم بتاعتك عندك والحمام اهو، أكلك وشربك انا اللي هدخلوا كل يوم والمفتاح هيبقى معايا انا بس، وخليكي عايشة كدا.

كاد ينصرف لولا إنها لحقت به: - تعالى هنا، انا لازم امشي، خلي عندك ذرة رجولة، بقولك مش عايزة اكمل معاك
فأجابها ببرود شديد: - حاضر هخلي عندي رجولة، والراجل مش بيخلي مراته برا بيته.

وخرج، أوصد عليها من الخارج مرة أخرى، أوقعها في وضع حرج للغاية، من ناحية لا تطيق استمرار هذه الزيجة وناحية أخرى حشرت في المنتصف، لا يوجد حتى من يصد عنها ما تواجه، لم يكفي أبيها إنه ضغط عليها للموافقة على هذه الزيجة، بل استغني عن مساعدتها أيضًا.
هناك طريقة واحدة ستتمكن فيها من الخلاص، استخدام بعض الحيل الخداعية وبحنكة، لعلها تنجو.

وقفت أمام واجهة المحكمة برفقة السائق تنتظر حضوره أسفل آشعة الشمس المسلطة عليها..
مرّ أكثر من أسبوع وهي حبيسة منزلها بعد العملية الجراحية الحرجة التي تعرضت لها، لم تحتك بالناس وتحاشت مقابلة أي أحد، والآن موعد جلستها الأولى في قضية الخلع خاصتها.

الغريب في الأمر هو اختفاء نائل طوال هذه الأيام، لم تصادفه أو تسمع عنه شيئًا، وهذا ما جعلها ترتاب، فقد عزم على عدم تركها بسهولة، إذًا ماذا حدث حتى تكون الأجواء بهذا الهدوء!
تنهدت وتين وقد بدأت تشعر بالأرهاق، رفعت نظارة الشمس عن عينيها وهي تسأل السائق: - هو رحيم مجاش ليه؟
- معنديش علم يافندم
وجدت نبيل الموكل بالنيابة عنها في الجلسة يدنو منها، ف أوفضت إليه وتسائلت بقلق: - هو رحيم فين ياأستاذ نبيل؟

تنغض جبين نبيل قائلًا: - مين قالك ياهانم إن رحيم جاي؟
انقبض قلبها بقلق أكبر و: - يعني إيه؟
- يعني مش جاي طبعًا، مينفعش يتواجد في الجلسة، حضرتك عارفه الوضع حرج ازاي.

تفهمت مقصده وأومأت رأسها، في اللحظة التي رأت فيها نائل يصعد الدرجات الفاصلة بينهم وبرفقته محاميه، مرتدي نظارته السوداء القاتمة وحُلته السوداء تضفي عليه وقارًا، رمقها من أسفل نظارته ومضى تاركًا إياها دون حتى التعقيب، ف نظرت للمحامي وهي تقول: - أنا خايفة أوي
- متقلقيش، القضية مضمونة ليكي.

لم يكن هذا مقصدها، هي لا تخشى نتيجة القضية، بل تخشى رد الفعل المقابل الذي ستواجهه، هي تعلم إن رحيم سيكون خلفها دائمًا، ولكنها مع ذلك تهاب المستقبل، عادت تضع نظارتها مرة أخرى على عينها قائلة: - استرها يارب.

سيارته مصفوفة خلف بناء المحكمة من الجهة الأخرى، لم يستطع الصبر بعيدًا عن مركز الأحداث، قلبه يتآكل وهو غائبًا عن هذا المجلس الذي انتظره طويلًا، بقى القليل، ولكن بالنسبة له يمر الوقت ببطء ثقيلًا على كاهله.
لم يعدّ كم السجائر التي نفثها خلال فترة انتظاره، حرق صدره بما يكفي معتقدًا إنها تهدئ من توتره، ولكنها كانت تشعل نيران صدره أكثر.

أستقر نبيل سيارة رحيم ثم بدأ يتحدث: - الجلسة أتأجلت ل 25 أكتوبر الجاي
زفر رحيم بنفاذ صبر وقذف صبابة سيجارته من النافذة وهو يردد: - يعني شهر كمان!، أنا مش قادر اصبر أكتر من كدا، شوف حل يانبيل
هز نبيل رأسه بالسلب و: - مفيش غير الصبر ياباشا صدقني، بس بطمنك إن كل حاجه تحت السيطرة
أستند برأسه للخلف وخفت صوته: - هي مشيت مع السواق؟
- لسه، أنا خرجت على طول عشان اجي أطمنك.

فصاح فيه وهو يلتفت إليه على حين غرة: - يعني سيبتها لوحدها وهو هناك وجيت؟، انت بتستهبل يانبيل؟
ف برر موقفه ب: - حضرتك مبطلتش اتصال بيا يارحيم باشا، كان لازم اخرج لك
سحب شهيقًا كتمه وهو يطبق جفونه قائلًا: - أنزل يانبيل.

نفذ على الفور عقب أن رأى هذا الغضب متجليًا على ملامحه، بينما بقى هو عاجزًا هكذا لا يمكنه الذهاب إليها ولا يمكنه العودة قبل أن يطمئن، فأخرج هاتفه ليتصل ب سائقه الذي يرافقها دومًا، ليجد هاتفه غير متاح، ف صرخ: - يوه
~ على الجانب الآخر ~.

كانت وتين تخرج من قاعة المحكمة خلفها السائق، متعجلة في خطاها كي لا تتواجه معه، ولكنها وجدته أسرع منها، وقف قبالتها يمنعها من المرور، ورفع نظارته عن بصره، تأمل نظراتها الخانقة وهو يردد بنبرة هادئة عهدتها منه قديمًا: - مش عشان انا سايبك تعملي اللي في مزاجك يبقى هتوصلي للي عيزاه
- سيبني أعدي
ابتسم ابتسامة سمجة أعقبها بقوله: - مش هسيبك، مبقاش ينفع.

أخفض بصره نحو بطنها وهتف متعمدًا الإشارة بمعرفته لحملها: - أنا بقيت جواكي
ثم لمس بشرتها متابعًا: - ومستحيل هتتخلصي مني بسهولة
ابتعدت للخلف برجفة سرت في جسمها خشية من تصديق هذا الذي جال بخاطرها، ف عاد نائل يبتسم من جديد وهو يؤكد: - انتي بنفسك هتتنازلي عن القضية دي قبل الجلسة التانية ومش هتلاقي حل تاني قدامك غير ده، صدقيني.

نظر حوله وتسائل باستخفاف: - الحامي بتاعك فين؟ يعني مشوفتوش النهاردة!
ثم نظر لسائقه وتابع: - ولا هو سابلك السواق بتاعه عشان يحميكي مني!
دفعته متجهة للمخرج ومن خلفها السائق، وتابعها هو بنظراته وتلك الابتسامة على ثغره، حتى صرح له محاميه: - الموضوع مش سهل يانائل بيه، تقريبًا إحنا هنخسر القضية دي
ف اغتر بنفسه وتعالى قائلًا: - أنا مبخسرش يامتر، وبكرة تشوف هيحصل إيه.

كانت أنفاسها غير منتظمة وعاودها الدوار الذي يلازمها من حين لآخر، حاولت السيطرة على هذه الأعراض التي تبزغ بصورة واضحة عليها الأيام الأخيرة نظرًا لبداية شهرها الثالث في الحمل ولكنها فشلت بذلك، الشئ الذي سيطر على عقلها وهي تتحسس بطنها هل عرف شيئًا أم إنه يشير لأمر آخر، إن أدرك هذه الحقيقة ستكون نهاية غير مبشرة، وتوابعها لن تتحملها، هذا الطفل الذي تشبثت به وتمسك هو بالحياة في رحمها سيقحمها في مصائب أخرى، هي تدري ذلك، ولكنها مازالت تصرّ إنه حبل نجاتها ووسيلتها للأنتصار في ظل هذه الخسارة الفادحة.

لم تتحمل ثريا الصبر بعدما علمت بهذا الخبر الكارثي..
ف تحدثت ل ابنها على الفور كي تتقصى حول حقيقة الأمر، كانت الصدمة الكبرى لها إنه على علم أيضًا ولم يخبرها عن شئ، فلم تمنع موجة غضبها عنه: - يعني حامل وانا معرفش!، بتخبي عني
كان نائل يقود سيارته وهو يجيب بفتور: - أنا لسه عارف قريب، وبعدين هيفرق إيه؟
- هيفرق إني مستحيل أقبل ب ده.

مط نائل شفتيه ب قنوط محاولًا الوصول لنقطة وسط معها: - أنا مش هسيب إبني لراجل تاني، متقلقيش، هاخده منها
ف صرخت فيه غير مصدقة قبوله بهذا الطفل: - انت أكيد اتهبلت!، هي اللي هتاخد منك كل حاجه بالعيل ده، وأنا مش هستنى ده يحصل.

ف ابتسم ب استخفاف و: - هي مش هتشوفه أصلًا عشان تلحق تاخد حاجه، هاخده منها مجرد ما يتولد وهجيبها حافية لحد عندي تترجاني تشوف ابنها، سيبي الموضوع ده عليا، انا هعرف أرتب لكل حاجه، خليها هي فاكرة نفسها ذكية وإني مش عارف حاجه.

لم تتخلى ثريا عن رأيها رغم ذلك بل زاد إصرارها: - لأ، العيل ده لازم ينزل
فتمسك نائل برأيه هو الآخر: - وانا كمان بقول لأ، ومتشغليش بالك بحاجه ياماما، متهيألي نفذتلك كل اللي أمرتي بيه لحد دلوقتي، ولازم أقفل دلوقتي عشان داخل على أشارة.

وأغلق الخط، نظرت لشاشة هاتفها تكاد تحطمه، وتلاقت نظراتها بالفراغ وهي تحدث نفسها: - مش هسمحلك يانائل، حتى لو كان ابنك، مش هسمحلك تهد كل حاجه بسهولة
ثم تحدثت لأحدهم وانتظرت الرد وهي تتحرك بتوتر في الأرجاء: - أيوة، اسمعيني كويس ونفذي اللي هقولك عليه، غلطة واحدة منك هيبقى تمنها غالي المرة دي، بالظبط، أسمعيني.

جلس بدر في غرفة الإستقبال منتظرًا هذه اللحظة، عيناه على هذا المستند الخطير، مستند يحوي عقود البيع والشراء التي وقعّ عليها نائل دون انتباه لتحويل كل شئ لصاحبته مرة آخرى..
لا يعرف كيف فعلها، ولكنه فعل، فرك بدر أصابعه بتوتر وهو ينتظر لحظة لقاء وتين، ثم اللحظة التي سيتواجه فيها مع كاميليا عقب إثبات برائته، دلفت سوسن وهي تحمل فنجان من الشاي الأحمر، وضعته أمامه و: - تؤمر بحاجة تانية.

- لأ شكرًا، هي وتين هانم هتتأخر؟
- زمانها في الطريق انا لسه مكلماها
وهنا استمع لصوت رنين الجرس، ف تحركت سوسن: - أكيد هي، عن أذنك
وقف بدر عن جلسته وأمسك بالمستند، مستعدًا للحظة التي سيقوم فيها بتسليم الملف لها لتسترد حقوقها ويسترد هو حياته..

إنها النهاية حقًا، بضع خطوات ويعود كل شئ لنصابه الصحيح، ستنتهي هذه الحرب بمجرد استلامها حقوقها، لا لا، بل ستبدأ الحرب من هنا، حرب جديدة سيكون بدر عضوًا فعالًا فيها وأحد أعمدتها الرئيسية، حرب بات بداخلها أناس ليس لهم بالأمر شأن، ولكنهم أصبحوا في بؤرة الأحداث...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة