قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الثاني والعشرون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الثاني والعشرون

في مشفى الجندي الخاص
إندفع عدد من الممرضين إلى داخل غرفة العناية الخاصة بعد أن أبلغت الممرضة عن حالة الهياج العصبي التي إنتابت أوس..
حاول أحدهم الإمساك به من كتفه، فدفعه أوس بعنف إلى الخلف وهو يصدح بصراخ مرتفع:
-اطلع برا يا كلب
حاول ممرض أخر الإمساك به، وهو يتوسل له قائلاً:
-يا باشا ماينفعش اللي بتعمله ده!

لكمه أوس في فكه وهو ينهره بصراخ حاد:
-إنت هاتقولي أعمل، امشي يا حيوان من هنا!
تدخل طبيب ما في الحوار، وأردف قائلاً بحذر وهو يشير بيده لثلاثة ممرضين حضروا معه للإمساك بأوس:
-سامحنا يا باشا، مش هاينفع اللي بيحصل هنا
حدجه أوس بنظرات شرسة وهو يهدر عالياً ب:
-محدش ليه دعوة، أنا هنا أعمل اللي عاوزه.

تابع الطبيب بجدية قائلاً:
-كده خطر عليها
عاود أوس النظر إلى تقى الغائبة عن الوعي، وصاح بصوت متشنج وهو يهز جسدها الهزيل ب:
-شايفة يا تقى عاوزين يبعدوكي عني، بس مش هايحصل، مش هايحصل
ضم هو تقى إلى صدره، وحاول أن ينهض بها عن الفراش، فأحاط به الممرضون، وحاول إثنين منهم تحرير تقى من بين ذراعيه، وثلاثة أخرون الإمساك به والسيطرة عليه..

إهتاج أوس أكثر بعد أن نجح الممرضَين في إنتزاع تقى منه حضنه، وبدأ يلكم كل من يقترب منه..
قفز ممرض ضخم الجثة على أوس ليطرحه أرضاً، ثم جثى عليه، وثبته ممرض أخر من ذراعه، في حين أمسك ثالث به من قدميه، ولكن أفلت هو ساقه وركله في وجهه، فإرتد ذاك الممرض للخلف، وسقط على وجهه..

إنضم ممرض رابع إليهم وأمسك بذراع أوس الأخر بعد أن ألقى يثقل جسده عليه، في حين اقترب الطبيب منه ومعه إبرة طبية مهدئة، وأردف بصوت شبه مرتعد وهو ينظر بقلق له:
-أنا أسف يا باشا، بس.. بس ده أحسنلك وأحسنلها
صر هو على أسنانه وهو يهدر بعنف محدجاً إياهم بنظرات مشتعلة:
-هاموتكم كلكم، قسما بالله ما هارحمكم، مش هاسيبكم بعد اللي عملتوه، مش هاسيبكم!

كافح أوس لتخليص نفسه من أيديهم، وظل ينتفض لأكثر من مرة بقوة مفرطة، ولكن الكثرة تغلب الشجاعة، وأصبح مقيداً تماماً منهم..
تمكن أحد الممرضين من إبراز ساعده ليغرز الطبيب الإبرة الطبية فيه، وهو يتابع بحيطة:
-إرتاح يا باشا، وكل حاجة هاتتصلح
أمسك أوس بياقة الطبيب، وجذبه نحو رأسه وحدجه بتلك النظرات المميتة التي جعلت الطبيب يرتجف وينظر له بهلع..

ثم قبض على عنقه، وخنقه، وهو يصر على أسنانه صارخاً بشراسة:
-هاموتك، هاقتلك بإيدي دول
خدشه أوس في عنقه، فتأوه الطبيب من الآلم، وكاد أن يختنق وحاول أن يخلص نفسه منه.. وإجتهد ممرض في مساعدته، وما هي إلا ثوانٍ قليلة حتى إرتخى جسده تماماً ليتمكن الطبيب من تحرير عنقه، ويتراجع للخلف وهو يسعل...

إلتقط أنفاسه وأردف بصوت متحشرج:
-كح..كح.. ده أنا كنت هاموت تحت ايده!
نهض الممرضون الأربعة من على أوس، ومن ثم حملوه بحذر إلى خارج الغرفة..

في منزل عبد الحق بالزقاق الشعبي
خرجت بطة من المرحاض وهي تتعمد الإمساك برأسها وبمعدتها، وظلت تتأوه بصوت خافت قائلة:
-آآآآه.. مش قادرة، تعبانة!
أسرع زوجها بإسنادها، وهتف بقلق:
-مالك بس ؟ ما.. ما إنتي كنتي زي الفل
-مش عارفة، بس أديلي على الحال ده بقالي كام يوم.

عبست إحسان بوجهها أكثر، وسألتها بلا حرج ب:
-انتي.. انتي جاتلك الدورة يا بت
نظرت لها بطة بنصف عين وهي تدعي الإرهاق:
-مش فاكرة
نظرت إليها إحسان بإحتقار وهي تسألها بفظاظة:
-يعني ايه مش فاكرة، يا جاتلك الدورة يا مجتلكيش!
وزع عبد الحق نظراته بينهما، وحك رأسه في حيرة، ثم حدق في والدته، وسألها مستفهماً:
-إنتي بتسأليها ليه يامه ؟

أجابته والدته بتهكم والدته وهي تلوي فمها بإمتعاض:
-مش يمكن تكون المحروسة حبلى ( حامل )
إتسعت حدقتيه في صدمة، ونظر إلى بطة، وصرخ مذهولاً:
-إيييييييه، حبلى!
إدعت بطة الإندهاش، وتحسست بطنها برقة، وفغرت شفتيها بذهول زائف وهي تقول:
-أنا.. أنا حبلى!

ردت عليها ببرود وهي ترمقها بنظراتها المستهزأة:
-أنا بأقول يمكن، احنا لازم نسأل حد فاهم
إنتفض عبد الحق من على الأريكة، وهتف بحماس:
-أجيبلها ضاكتور يامه
ردت عليه بنبرة مهينة، وهي تحدجه بتلك النظرات الحادة:
-ضاكتور مين يا روح أمك، هي الولية أم نجاح هي اللي هاتيجي تكشف عليها وتفيدنا.

ركض سريعاً في إتجاه باب المنزل وهو يهتف بتلهف جلي:
-أنا رايح أناديلها يامه!
ظلت مسلطة عينيها على بطة وهي تجيبه بصوت قاتم:
-بسرعة يا واد، خلينا نشوف السِت!
نظرت لها بطة شزراً، وأغمضت عينيها مدعية الإنهاك، وحدثت نفسها بتبرم قائلة:
-وماله!

في أحد الملاهي الليلية الحديثة
ولجت رحمة لداخل ذلك الملهى الجديد وقلبها بخفق بشدة.. هي أول مرة تطأ فيها قدماها هذه النوعية من الأماكن.. ولكنه الطريق الأسرع للشهرة من وجهة نظرها.. فقد سأمت من تلك ال كليبات الهابطة التي تظهر فيها ك موديل إغراء مقابل مبالغ مالية زهيدة..
أرادت أن تجني المال بأسهل وأسرع الطرق، فلم تجد إلا هذا الطريق الوعر..
وما الذي لديها لتخسره، فهي عاشقة متيمة للمال..

نظرت بإنبهار إلى المكان، ومطت شفتيها في إعجاب وهي ترى تصاميم الجدران وما عليها من ديكورات ولوحات فاخرة.. بالإضافة إلى الإضاءة البراقة..
كان كل شيء شبه هاديء، فموعد فتح الملهى بعد عدة ساعات، والجميع شبه مشغول بترتيب المكان وتجهيزه لإستقبال رواده المميزين من أصحاب السلطة والمال..
أوقفها أحد الأشخاص من ذوي الأجسام الضخمة سائلاً إياها بغلظة:
-عاوزة حاجة ؟

نظرت إليه بتوتر متفحصة عضلاته القوية، وإبتلعت ريقها في حلقها الجاف، وأجابته بتردد:
-أنا.. أنا.. كنت جاية ل.. آآ.. آآآ..
نظر لها بقوة وهو يسألها بنفاذ صبر:
-لإيه، إنجزي!
تنحنحت بحرج وهي تجيبه قائلة:
-أنا عاوزة أقابل ب..آآ.. قصدي الأستاذ بهججة!
رد عليها بجدية وهو يتفحصها بتمهل من رأسها لأخمص قدميها:
-بهججة بيه.

شعرت رحمة بالحرج من نظراته المسلطة عليه، وأجابته بإيجاز وهي توميء برأسها:
-أها
سألها مجدداً مستجوباً إياها ب:
-هو اللي جايبك ؟
هزت رأسها موافقة وهي ترد بصوت ناعم:
-أيوه، هو مش بالظبط جايبني، بس في حد مكلمه عني
-اسمك إيه؟
-أنا رحمة
مط فمه للأمام وهو يتابع بنبرة رسمية:
-ممممم، طب تعالي ورايا على مكتبه!
-ماشي
ثم تبعته، وسارت خلفه عبر رواق جانبي، ومن ثم إلى الدرج..
كانت ترفع رأسها بين الحين والأخر لتنظر إليه..

كان حقاً ضخم الجثمان، فاره الطول، حليق الرأس والذقن، عضلات ذراعيه تبرز من بدلته السوداء..
أوصلها ذاك الرجل الذي لم تعرف إسمه بعد إلى مكتب في الطابق العلوي، حوائطه الخارجية مطلية باللون الأرجواني الداكن، ومعلق عليه صور مجسمة لراقصات ومطربين معروفين..
نظرت بإنبهار إلى تلك الصور، وتخيلت صورتها موضوعة بينهم..
فإرتسمت إبتسامة واسعة على شفتيها..

أشار لها الرجل الضخم لكي تدلف إلى الداخل بعد أن تنحى جانباً أمام الباب.. وهو يتابعها بعينيه الحادتين:
-خشي، هو هيقابلك جوا
أطرقت رأسها وهي تمر من جواره، وإبتسمت له ممتنة..
فركت يديها في توتر بعد أن وقفت بمفردها في المكان..
حبست أنفاسها وهي تجوب بعينيها تلك الغرفة الواسعة التي كانت لا تختلف في تصميمها عن تصميم المكان بالأسفل بالإضافة إلى وجود حائطين زجاجين يطلان على الصالة والمسرح الداخلي للملهى..

أعجبت بالتحف القيمة الموضوعة بالداخل، وتأملت الأرائك الجلدية ذات اللونين الأسود والأحمر
-إنتي رحمة ؟
قالها رجل ما دلف إلى الغرفة من باب جانبي بصوت شبه مائع
إلتفتت رحمة برأسها إلى مصدر الصوت، ونظرت إلى هيئة ذلك الرجل بإندهاش شديد..

في مكتب المحامي أمجد سعفان
طرق أحمد الباب بخفة قبل أن يسمع صوتاً خشناً يسمح له بالدخول..
أدار المقبض بهدوء، ودلف إلى الداخل وهو ينظر حوله بريبة..
لمح رجلاً يظهر الشيب على مقدمة رأسه ويضع نظارة طبية على طرف أنفه، وأردف بصوت جاد:
-تعالى يا أحمد هنا
تنحنح بخفوت وهو يقترب منه، ثم جلس على المقعد المقابل لمكتبه، وأخفض رأسه قليلاً..
-لحظة وهاكون معاك.

قالها أمجد وهو مسلط عينيه على الأوراق الموضوعة أمامه
رفع أحمد عينيه قليلاً للأعلى، ورد عليه بصوت منخفض:
-براحتك يا باشا
مط أمجد فمه وهو يتطلع إليه من أعلى نظارته.. ثم أضاف بجدية:
-أكيد انت عارف أنا بأشتغل مع مين!
هز رأسه سريعاً وهو يجيبه دون تردد ب:
-اه يا باشا.

إعتدل أمجد في جلسته، وتابع بصوت جاد للغاية:
-وطبعاً مش محتاج أقولك هاكفأك إزاي لو قولت وعملت اللي احنا عاوزينه
وضع أحمد يده على خلفية عنقه، وأردف متحمساً:
-رقبتي يا باشا
هز أمجد رأسه في إعجاب وهو يضيف بصوت هاديء:
-تمام يا أحمد.. واحنا هانشوفك كويس!
إعتلى ثغر أحمد إبتسامة عريضة وهو يستمع إلى العرض المغري المعروض عليه في مقابل خدماته..

في مشفى الجندي الخاص
أبلغ رئيس طاقم التمريض بالمشفى كبير الأطباء بحالة الهياج العصبي التي إنتابت أوس، وكيف إعتدى بالسباب والضرب على الجميع..
فأردف الطبيب قائلاً بتوجس:
-اتعاملتوا مع حالته ؟
أجابه رئيس طاقم التمريض بصوت منزعج:
-ايوه يا دكتور، وخد مهدئات لحد بكرة الصبح، احنا اتفاجئنا باللي عمله!

هز رأسه بضيق وهو يرد عليه بتوتر:
-تمام.. وأنا هابلغ د. مهاب بحالته، وهاشوف هايقولي ايه
تابع رئيس طاقم التمريض حديثه بنبرة ضائقة ب:
-يا ريت يا دكتور، لأن التعامل معاه صعب جدا، ده.. ده لو حضرتك شوفت عمل إيه في غرفة العناية، ولا ضرب الممرضين إزاي، ده محدش كان قادر عليه!
وافقه كبير الأطباء في الرأي، وهتف بضجر:
-إنت هاتقولي، هو رهيب في عصبيته، المهم إنكم سيطرتم عليه ؟
-كله تمام يا دكتور!

-طيب، روح شوف وراك إيه وأنا هاتصل بالدكتور مهاب حالاً
-اوكي يا دكتور
ثم أضاف بجدية وهو يشير بعينيه:
-وخلي الدكتور مؤنس يتابع حالته لحد ما أبلغك بالجديد
-حاضر
إنصرف الممرض من غرفة مكتب كبير الأطباء، فأسرع الأخير بالإتصال هاتفياً بصاحب المشفى مهاب الجندي
ولكن كان الهاتف مغلق، فزفر في ضيق وهو يقول:
-طب أتصرف إزاي ؟ مممم.. مافيش قدامي غير إني أتصل بالمدام ناريمان وهي تشوف هاتعمل ايه مع إبنها!

في أحد الملاهي الليلية الجديدة
دققت رحمة النظر في هيئة هذا الرجل، فقد كان يرتدي سروالاً ضيقاً من الجلد الأسود، ومن الأعلى قميصاً حريرياً من اللون النبيذي مفتوح إلى منتصف صدره الحليق.. ومشط شعره الكثيف للجانب، فأحدث فارقاً عجيباً وملفتاً للأنظار.. أما ملامح وجهه فقد كان باردة، عينيه حادتين ذات لون بني..
كذلك كان يرتدي حول عنقه قلادة ذهبية عريضة، وأيضاً حول معصمه.. بالإضافة إلى خواتم بارزة من الذهب في أصابع كفيه..

أعاد بهججة تكرار سؤاله عليها بصوت شبه رجولي ب:
-إنتي رحمة ؟
أفاقت رحمة من حالة الإندهاش المسيطرة عليها، وأجابته بصوت متحشرج:
-أيوه أنا
تابع هو بصوت غريب ( يميل للأنوثة ) وهو يشير بإصبعه بطريقة مثيرة للتقزز:
-مممم.. كتير شكرولي فيكي، ولولا إنك موديلز كليبات كويسة مكونتش رضيت أجيبك هنا
-متشكرة.

دار حولها بهججة متأملاً إياها وهو يلوي فمه في إمتعاض، وواضعاً ليده في منتصف خصره..
زاد إمتعاض وجهه، وهو ينطق بإشمئزاز:
-ممم.. اللوك بتاعك محتاج يتظبط شوية، تسريحة الشعر عاوزة تتغير، لألألألألأ.. شكلك كله غلط!
صمت للحظة قبل أن يتابع بجدية:
-إنتي تسبيلي نفسك خالص وأنا هاغيرك!

إبتسمت له إبتسامة مجاملة قبل أن تسأله بفضول:
-طب.. طب وهو أنا المفروض هاعمل إيه هنا ؟
رد عليها دون تردد بصوت شبه جاد رغم ميوعته:
-كل اللي هاقولك عليه!
إزدادت حيرتها عقب جملته الأخيرة، فسألته مستفهمة:
-زي إيه ؟

أجابها بصوت هاديء وهو يتجه صوب مكتبه:
-هتعرفي في وقته، بس أهم حاجة عندي الإخلاص والإلتزام.. لازم تعرفي إن احنا نايت محترم، و ليه سمعته!
-ماشي، اللي تشوفه يا بهججة بيه!
نظر لها وهو يرفع حاجبه للأعلى قائلاً بإبتسامة:
-تعجبيني يا ريري!

في قصر عائلة الجندي
رنت الهواتف الأرضية في أرجاء القصر، فإتجهت المدبرة عفاف نحو الهاتف المعلق على حائط المطبخ،، وأمسكت بالسماعة، وأجابت بنبرة هادئة وهي تتحرك نحو الطاولة:
-ألوو
-ناريمان هانم موجودة ؟

أجابته بنفس الثبات وهي تسند الأواني على الموقد:
-لأ يا فندم، الهانم في النادي، مين عاوزها ؟
-هنا مستشفى الجندي، ومدير المستشفى عاوزها ضروري
ضيقت عينيها بتوتر، وسألته بتوجس:
-خير ؟

-أوس باشا تعب، وموجود عندنا هو والمدام بتاعته
جحظت عينيها في ذهول، وتبدلت ملامح وجهها الهادئة للإندهاش، وصاحت بصدمة:
-إييييييه! بتقول إييييه ؟!

في النادي الشهير
تنهدت ناريمان في إحباط بعد أن إنتهت من تناول القهوة الخاصة بها، ونظرت إلى ممدوح بحزن وهي تردف قائلة:
-بليز ممدوح حاول تكون جمبي الفترة دي لحد ما أخلص من مهاب، أنا معنتش مستحملة اللي بيحصل
-أكيد يا حبيبتي
تنهدت مجدداً وهي تتابع بنبرة ضجرة:
-كويس إنه سافر يومين عشان يخف ال Stress ( الضغط ) من عليا، إنت مش متخيل بقيت أعدة متوترة إنه يكشف اللي بينا إزاي، عاوزة أرتاح من ده كله
هز رأسه موافقاً إياها، ثم سألها بجدية:
-أها.. أخبار ليان إيه ؟

لوت شفتيها وهي تجيبه بإقتضاب:
-مش عارفة
نظر لها وهو مقطب الجبين، حاد العينين، وأضاف بنبرة شبه متهكمة:
-في أم متعرفش حاجة عن بنتها!
إرتبكت قليلاً، ومسحت بطرف إصبعها أنفها، وأجابت بتلعثم:
-لأ.. أنا.. أنا بس آآ.. يعني هي عروسة وأكيد مشغولة مع عريسها، ف.. آآ.. فليه أزعجها ؟

لم يقتنع بما قالته، فردودها وعدم إهتمامها بمعرفة أحوال إبنتها أكدت شكوكه نحوها..
فالأم وإن كانت مستهترة، و لا تعبأ بأي شيء في الحياة، تهتم على الأقل بمعرفة أخبار أبنائها..
لكن ناريمان على النقيض تماماً.. لم تبدْ يوماً أنها تهتم بأبنائها..
ربما عدم إكتراثها بأوس مبرراً بإعتباره إبن زوجها من زوجته الأولى، ولكن ماذا عن إبنتها الوحيدة ؟ ألا تشكل محور الإهتمام بالنسبة لها ؟
أخذ ممدوح نفساً عميقاً، وزفره على مهل وهو يسألها بجدية:
-مممم.. إنتي شايفة كده ؟

-أها
مال ممدوح برأسه للجانب، ونظر لها بجمود وهو يسألها بفضول:
-إنتي ليه مفكرتيش تخلفي تاني غير ليان ؟
رمشت بعينيها بتوتر، وردت عليه وهي فاغرة فمها ب:
-هاه، أخلف ؟!
ضيق عينيه وهو يحاول إكتشاف ردة فعلها عقب سؤاله هذا..

إنتصب في جلسته وهو يسألها بجدية محاولاً إستفزازها للحصول على إجابات شافية منها ب:
-إيييه ؟ سؤالي غريب، ولا إنتي مكونتيش حابة يكون عندك أولاد تانيين من مهاب ؟!
إبتلعت ريقها بتوتر.. وبدت حائرة في إيجاد إجابة مقنعة لأسئلته..
نظرت حولها بنظرات زائغة، وحاولت أن تجيبه بهدوء رغم الإضطراب البادي في نبرة صوتها:
-الموضوع مش كده، بس.. آآ.. أنا.. يعني كان كفاية عليا أوي ليان و.. وأوس ابنه!
لم يقتنع بما قالته، وبدى الكذب جلياً على ملامحها، فنظر لها بسخط..

ثم زاد من تعبيرات وجهه الصارمة وهو يتابع بجدية:
-قوليلي، هو ليه ليان مش شبهك ؟
توترت أكثر بعد سؤاله المفاجيء هذا، وردت عليه بإرتباك جلي:
-هاه.. شبهي!
أكمل ممدوح قائلاً بنفس النبرة الثابتة وهو محدق بها:
-يعني أوس أخد ملامح كتير من أبوه، فأنا كنت متوقع إن بنتك تبقى فيها ملامح منك أو من أبوها، بس دي مافيهاش حاجة خالص منكم.

إبتلعت ريقها بتوتر بائن وهي تحاول إختلاق رد مقنع لتجيب عليه..
توتر صوتها وتقطع وهي تنطق ب:
-آآآ.. هي.. جينات عيلتنا غريبة شوية!
حدق بها بتمعن كاشفاً الكذب في عينيها.. وأردف مستفهماً:
-أوكي، قصدك يعني آآآ...
لم يكمل ممدوح جملته حيث رن هاتف ناريمان المحمول، فمدت يدها لتمسك به، ونظرت إلى شاشته، ولوت فمها في إنزعاج وهي تهتف بضجر:
-أوووف، عفاف، دي عاوزة ايه ؟

قطب جبينه وهو يشير لها بيده:
-ما تردي عليها
ألقت بالهاتف على الطاولة، وأردفت بتبرم:
-أنا مش ناقصة وجع دماغ، أكيد هاتقولي على حاجة تضايقني
نظر لها بإستغراب وهو يردف بإهتمام:
-مش جايز تكون حاجة مهمة
هزت كتفيها في عدم إكتراث، وقالت ببرود:
-لأ معتقدش.. وبعدين أنا مش ناقصة حاجة تغير مودي أكتر.

تشنجت ملامحه قليلاً وهو يتابع قائلاً:
-افرضي عاوزة تقولك حاجة عن ليان ؟
ضيقت عينيها في فضول، وسألته بإستغراب:
-وإنت مهتم بليان كده ليه ؟
إضطرب لوهلة ولم يعرف بماذا يجيبها، هل يخبرها بشكوكه حول هويتها الحقيقية، أم يدعي عدم إكتراثه حتى يتسنى له الوصول إلى الحقيقة بهدوء، ومن ثم الإنتقام منها..

وفي النهاية نجح في رسم قناع الهدوء الزائف على تعابير وجهه، وأردف بحذر:
-آآ.. مش.. مش بنتك، يعني جزء منك، وأنا كل حاجة ليها علاقة بيكي بتهمني أوي
نظرت له بشغف وهي تسأله بحماس:
-بجد يا ممدوح ؟
اتسعت إبتسامته السخيفة وهو يجيبها قائلاً:
-أكيد يا حبيبتي
إنحنت للأمام وهي تضيف بإهتمام:
-أوكي.. أنا هاطلبها عشان خاطرك بس.

وبالفعل أمسكت بهاتفها المحمول، وعاودت الإتصال بالمدبرة عفاف، والتي أجابتها بنبرة خائفة ب:
-أيوه يا ناريمان هانم
مطت شفتيها وهي تسألها بهدوء:
-خير يا عفاف، بتطلبيني ليه ؟
بدى صوت عفاف مضطرباً للغاية وهي تجيبها ب:
-الحقي يا هانم، مستشفى مهاب باشا اتصلوا!
سألتها بإيجاز وهي تعيد رفع خصلات شعرها للخلف:
-ليه ؟

أكملت عفاف بنبرة مرتجفة وهي تنظر حولها بقلق:
-بلغونا إن أوس باشا تعب، وإتحجز هناك، ومعاه آآآ..
قاطعتها ناريمان قائلة بنبرة حادة:
-وأنا مالي ما يتعب ولا يحصل اللي يحصله، عنده أبوه يهتم بيه، وهو أصلاً مش بيفرق معاه اللي أنا بأعمله عشان أجري عليه أشوف ماله!
هتفت عفاف بخوف:
-بس يا هانم واضح إن الموضوع آآآ..
نهرتها هي بصوت شبه محتد ب:
-عفاف طالما حاجة تخص أوس يبقى مش تبلغيني بيها، أوكي ؟

أصرت عفاف على إيضاح خطورة الموقف، فصاحت قائلة:
-بس يا هانم ده آآآ..
لم تمهلها ناريمان الفرصة بل أنهت معها المكالمة، وهي تهتف بإقتضاب:
-أوووف، باي!
تابعها ممدوح بإهتمام واضح، وسألها دون تأخير:
-في ايه يا نارو ؟
نفخت مجدداً في إنزعاج وهي تجيبه ب:
-أوووف، مش هاخلص من أوس ولا من قرفه!

-ماله ؟
-عفاف بتقولي إنه تعب
-مممم..
تابعت هي بنبرة ساخطة وهي تضع هاتفها في حقيبتها:
-وأنا مالي بتعبه، أبوه هو اللي يهتم بيه، ده أنا اللي تعبت من عمايله ومن كل اللي يخصه، إنت.. إنت مش عارف يا ممدوح هو بيعاملني ازاي، ولا أسلوبه وقح أد ايه معايا!

رد عليها ممدوح بجمود وهو يشير بيده:
-مش لو كان اتربى كويس كان زمانت ده فرق معاه
هتفت ناريمان بصوت محتد وهي تشير بإصبعها:
-ده قليل الأدب، أبوه نفسه مكنش قادر عليه ومدلعه لحد ما جه ده على دماغنا كلنا!
لوى ممدوح فمه بتهكم، وأردف بنبرة خبيثة وهو محدق في الفراغ أمامه:
-أه لو كان معايا، كنت أنا كملت تربيتي ليه، لأ وعلى حق كمان...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة