قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الثالث عشر

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الثالث عشر

( وانحنت لأجلها الذئاب )

في مشفى الجندي الخاص
لم يتحمل أوس البقاء في المشفى أكثر من هذا، ودمائه الثائرة تكاد تقتله ...
لذا أزاح كل الأسلاك الموصولة به، وانتزع الإبر الطبية المغروزة فيه، ونهض بحذر وتثاقل من على الفراش
في البداية شعر بتنميل في قدميه، وبآلم فظيع يهاجم صدره، لكنه لا يقارن بذلك الآلم الذي يعتصر قلبه ...
لقد حدد والده مصير علاقته الزوجية دون الرجوع إليه، وفرض عليه واقعاً بغيضاً لن يقبل به أبداً ..

حاول عدي إثناء رفيقه عن التحرك، فإعترض الأخير بإصرار جلي:
-مش هافضل راقد في مكاني وعاجز .. مراتي أنا هاجيبها بنفسي، حتى لو كنت بأموت!
أمسك به عدي، وعاونه على الوقوف، وهتف قائلاً بإعتراض:
-يا أوس مش هاينفع، ده خطر عليك، إنت مش قادر والجرح لسه آآآ..
قاطعه أوس بنظرات قاتلة، وضغط على شفتيه ليسأله بجمود:
-هتساعدني ولا لأ ؟

مط عدي فمه ليجيبه بإستسلام:
-أنا معاك، بس خايف عليك
-متخافش
قالها أوس وهو يمد يده ناحية خزانة الملابس ليسحب منها ثيابه ...
في نفس اللحظة دلف الطبيب مؤنس لداخل الغرفة ليتفقد أحواله، فصدم حينما رأه يبدل ملابسه، وضاقت عينيه عندما لمح هاتفه محطما.. تنهد بحذر، ورفع رأسه في اتجاهه، وسأله متوجساً:
-رايح فين يا باشا ؟

رد عليه أوس بإصرار قاتل وهو يغلق زرار السحاب الخاص ببنطاله:
-مش هاقعد هنا ثانية
هتف الطبيب مؤنس بإنزعاج وهو يقف قبالته:
-ده في خطر على حياتك
تابع أوس قائلاً بعدم إكتراث وهو يدخل ذراعه في قميصه بحذر:
-حياتي ماتهمنيش السعادي
أردف مؤنس قائلاً بقلق بالغ:
-ماينفعش والله يا باشا، كده هايحصل مضاعفات وآآآ...

قاطعه أوس بصوت غاضب:
-ابعد عن وشي
توسل له مؤنس برجاء:
-ارجوك، عشان مصلحتك، صدقني والله أنا مش هاضرك
دفعه أوس بقبضته بقوة من صدره ليسعل مؤنس، وهدر فيه بغضب جم:
-بأقولك ابعد عن وشي
أمسك عدي بالطبيب قبل أن يسقط على وجهه، وهتف بضيق:
-اهدى يا أوس، برضوه الدكتور مؤنس خايف عليك.

أخذ أوس نفساً عميقاً وحبسه في صدره محاولاً التحكم في أعصابه، وتابع قائلاً بصوت شبه متشنج:
-شوف يا دكتور مؤنس، من الأخر كده أنا هامشي يعني هامشي، فالأفضل إنك تشوف شغلك بعيد عني
أشار الطبيب مؤنس بيده وهو يحاول إقناعه قائلاً بحذر:
-يا أوس باشا آآآ...

لم يكمل عبارته لأخرها حيث رن هاتف عدي المحمول، فتشدق الأخير قائلاً بجدية وهو يخرج هاتفه من جيبه:
-ثانية واحدة
نظر عدي إلى شاشة هاتفه، ومن ثم سلط أنظاره على أوس، وهتف بإستغراب وهو رافع حاجبيه للأعلى:
-ده الدكتور مهاب!
تشنج وجه أوس، واحتقن صدغيه سريعاً بحمرة الغضب وتحولت عينيه لجمرات مشتعلة ..
نظر له عدي بتوجس .. ووضع الهاتف على أذنه ليجيبه بصوت قلق:
-ايوه يا دكتور مهاب.

هتف مهاب قائلاً بنزق:
-ادي الموبايل لأوس، أنا عارف انه معاك
ازدرد عدي ريقه بسرعة، ومد يده بالهاتف ليعطيه إياه وهو يقول بتوتر:
-هو .. هو عاوزك
تناوله أوس منه، وقربه من أذنه ولم ينطق بكلمة .. لكن وجهه كان كافياً للتعبير عن النيران المتأججة في كيانه بأكمله ...
قهقه مهاب بنبرة خبيثة ليثير حنق ابنه أكثر، ثم صمت لثانية ليردف قائلاً بخبث:
-أنا عارف إنك سامعني كويس، ومتأكد إنك شوفت الحلقة كمان.

صر أوس على أسنانه بشدة ليهتف بشراسة:
-عملت كده ليه ؟
أجابه مهاب بهدوء لئيم:
-عشان أعفيك من الحرج وأريحك من المشاكل
ثم قهقه بتفاخر، قبل أن يضيف بنبرة مراوغة:
-بس إيه رأيك فيا ؟ متوقعتش أعمل ده، صح ؟!

هدر أوس بصراخ جامح هز صداه أركان الغرفة:
-حتى لو طلعت في مليون برنامج وعلى كل القنوات مش هاتمنعني عنها يا مهاب باشا، تقى مراتي وهاتفضل مراتي غصب عنك وعن الكل!
سأله مهاب بنبرة لئيمة وهو يتعمد إستفزازه:
-إنت واثق من ده ؟ معتقدش، يا ابني يا حبيبي أنا عاوزك تتعلم مني اللعب على أصوله!
رد عليه أوس بتحدٍ قاتل:
-هاتشوف يا مهاب باشا ابنك هايعمل ايه!

ثم ألقى بالهاتف على الفراش دون أن يضيف كلمة أخرى .. فإقترب منه عدي وسأله بحذر:
-في ايه ؟
حدجه أوس بنظرات شرسة، وهدر بعنف:
-عربيتك جاهزة ؟
هز عدي رأسه ليقول:
-اها
تحرك أوس بخطوات شبه بطيئة، وأسند يده على صدره المتآلم .. ولكن هذا الآلم لا يقارن بالآلم القاتل الذي يعتصر قلبه حزناً وكمداً على ما تعانيه زوجته في غيابه .. فهو أكثر الأشخاص إحساساً بحالتها وبروحها المتهالكة .. ويعلم مدى حاجتها لوجوده ليطمئنها وتستعيد سكونها ..

فأكثر ما يخشاه هو إنهيارها تماماً وهي بمفردها ..
اقترب الطبيب مؤنس من عدي، وتشدق بجدية:
-خلي رقمي معاك يا عدي بيه، ولو حصل أي تطورات أو مضاعفات في حالته كلمني على طول، أنا هاكون جاهز
ابتسم له عدي قائلاً بإمتنان:
-شكراً يا دكتور، وآآ.. وسوري على الموبايل، أنا هاجيبلك مكانه
بادله إبتسامة مجاملة وهو يتابع:
-ولا يهمك .. تتعوض، المهم عندنا سلامة الباشا
ربت عدي على ظهر الطبيب، ثم أسرع في خطواته ليلحق برفيقه ...

عند مدخل الحارة الشعبية
وصلت عدة سيارات للشرطة عند المدخل الرئيسي المؤدي للحارة .. وترجل أفرادها منها ومعهم عدد من العساكر
نظر إليهم أهالي الحارة بإندهاش غريب، وتعالت الهمهمات الجانبية حول سبب قدومهم ..
صاح ضابط ما بنبرة رسمية آمرة:
-فين بيت تقى عوض الله
رد عليه أحد الأشخاص وهو يشير بيده نحو بناية قديمة:
-هناك يا باشا.

لوح الضابط حسان بيده، و قائلاً بلهجة قوية:
-يالا بسرعة
تسائلت إحدى السيدات بفضول وهي تراقب الوضع من شرفة منزلها:
-هو في ايه ياختي ؟
ردت عليها أخرى من النافذة المقابلة:
-مش عارفة، هو بيسألوا عن البت تقى بنت فردوس!
أمسكت الجارة بفكها بإصبعيها، وتسائلت بغموض:
-تكونش ياختي عملت نصيبة تانية ؟
أجابتها الأخرى بعدم إكتراث:
-جايز، أهوو يا خبر بفلوس، بعد شوية يبقى ببلاش!

في منزل تقى عوض الله
تمددت تقى على الفراش إلى جوار أبيها، وأسندت رأسها على صدره وهي تجهش بالبكاء المرير ..
مسح والدها على رأسها، وتنهد قائلاً بحزن:
-أنا عارف إني تايه عن اللي بيحصل حواليا في الدنيا، ومخي مابقاش زي زمان، بيفتكر حاجات وبينسى حاجات أكتر .. وآآ..
ابتلع غصة في حلقه ليتابع بأسف:
-ويمكن عاجز مش في ايدي حاجة أعملها، بس اللي أقدر أقولهولك يا بنتي " قل لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا "!

همست بصوت مختنق قانط:
-اشمعني الحياة جاية عليا أنا ؟ ليه دايماً أنا اللي آآ...
قاطعها والدها بعتاب:
-متقوليش كده يا بنتي، اوعي تعترضي على حكم ربنا، ده نصيب، فاصبري واستحملي
إختنق صوتها أكثر وهي تضيف بأنين:
-بس أنا تعبت .. وآآآ.. ومابقتش قادرة أستحمل، كتير بتمنى الموت
عاتبها بصوته الدافيء وهو يربت على رأسها:
-متقوليش كده، خليكي مؤمنة بقضاء الله، مش يمكن ده فيه الخير ليكي ؟
سألته بمرارة وهي تمسح عبراتها بأناملها:
-إزاي وكل حاجة جاية عليا.

نظر له بحنو، وهمس بخفوت:
-يا بنتي .. أحسني الظن بالله!
قاطع حديثهما صوت دقات عنيفة على باب المنزل، وكذلك قرع للجرس بصورة متتالية ..
ابتلعت تقى ريقها بخوف، وإعتدلت من نومتها على الفراش، وتسائلت بنبرة شبه مرتجفة:
-هو .. هو في ايه ؟
هتف عوض بتوجس وهو ينهض من على الفراش:
-استرها يا رب

فتحت فردوس الباب لتتفاجيء برجال الشرطة يسدون عليها المدخل، فتطلعت إليهم بقلق واضح في نظراتها، وإزدردت ريقها وهي تتسائل بتوجس:
-خير .. انتو .. انتو عاوزين مين ؟
فحصها الضابط حسان بنظرات شبه إحتقارية، وسألها بجمود:
-ده بيت تقى عوض الله ؟
ردت عليه بتلعثم:
-آآ.. أه هو
صاح بها حسان بقوة وهو يندفع للأمام:
-طب وسعي شوية يا ست!

سألته بتخوف وهي تتراجع بجسدها للخلف:
-ليه ؟ انتو عاوزينها في ايه ؟
رد عليها بصلابة وهو يجوب بعينيه صالة المنزل:
-معانا أمر ضبط واحضار ليها
شهقت بصوت مصدوم وهي تلطم وجهها:
-ايييه ؟
أسرعت تهاني نحوه لتسأله بإستغراب وهي تسلط أنظارها عليه وعلى من معه:
-ف .. في ايه يا حضرت الظابط ؟

نظر لها الضابط حسان بطريقة مشمئزة، ثم صاح في رجاله بصرامة:
-فتشوا البيت، وهاتوا اللي اسمها تقى!
وقفت تقى على عتبة باب غرفتها وهي متمسكة بأبيها، وتسائلت بصوت مرتعش:
-انتو .. انتو عاوزين مني ايه ؟
رمقها حسان بنظرات متفحصة، وأشار بيده بصورة مهينة قائلاً بصوت جاف:
-انتي تقى ؟!
ضمها عوض إلى صدره أكثر بذراعه الواهن ليحميها منهم، وهتف بصوت متحشرج:
-ب.. بنتي .. عاوزين منها ايه ؟

أشار حسان بإصبعيه لرجاله وهو يقول بصوت قوي:
-هاتوها
تحرك أفراد الشرطة نحوهما، فإنتفضت تقى مذعورة في مكانها، وتشبثت بصدر والدها أكثر، ودفنت رأسها فيه وهي تهمس له بتوسل:
-بابا، احميني منهم ..!
صرخت فردوس بصوت مرتفع وهي تتجه نحو الضابط:
-عاوزين من بنتي ايه ؟ سيبوها في حالها
هتفت تهاني هي الأخرى بصدمة وهي تفرد ذراعيها لتسد عليهم الطريق:
-مالكم ومال الغلبانة دي ؟

أمسك بها أحد الضباط، ودفعها بقسوة للجانب وهو يصيح بجمود:
-ابعدي يا ست
كادت تهاني تسقط على وجهها من إثر الدفعة، وصرخت مصدومة:
-آآآه .. لأ ..!
قبض أحد الضباط على ذراع تقى وحاول إبعاده بشراسة عن حضن والدها المتمسكة به .. فصرخت بإهتياج:
-ابعدوا عني، معملتش حاجة
ألقى عوض بعصاه التي يتكأ عليها، ولف ذراعه الأخر حول ابنته ليدافع عنها ويحميها من بطش غيره، وصرخ بوهن:
-سيبوا بنتي!

صاح الضابط حسان بقسوة:
-هاتوها يالا، مش هانقضي اليوم كله هنا
أمسك فرد أخر بعوض، وحل ذراعيه عنها، ونجح الاثنين معاً في فصلها عن أبيها، وقاما بجرها نحو الضابط ...
صرخت تقى بجنون وهي تتلوى بجسدها محاولة تحرير نفسها من قبضتهم المحكمة عليها ..
اعترضت فردوس طريق الضابط، وصاحت بصوت منفعل:
-انتو واخدينها على فين ؟
رد عليها حسان بتهكم وهو يحدجها بنظرات مهينة:
-على القسم!

ثم لكزها في كتفها وهو يتابع بصوت عدائي:
-يالا وسعي يا ولية بدل ما أعملك محضر إعتراض للسلطات!
حاول عوض التدخل، ولكن لكزه فرد أمن بشدة فسقط على الأرض، وتأوه صارخاً من الآلم، فأسرعت فردوس نحوه وصرخت بجنون:
-حرام عليكم، الراجل هايموت، انتو مافيش في قلبكم رحمة
وبالفعل سحب أفراد الشرطة تقى خلفهم وهي ترتدي عباءتها المنزلية – ذات النقوش الوردية الزرقاء - وحجاب بسيط وردي يغطي غالبية شعرها .. ودون إمهالها الفرصة لترتدي ملابس أخرى مناسبة ليزيد هذا من إذلالها وكسرها ...

دلفت تهاني إلى داخل الغرفة لتجذب عباءتها وترتديها على عجالة في محاولة يائسة منها للحاق بإبنة أختها، وإلتقطت حافظة نقودها ووضعت بداخلها الهاتف المحمول وبعض النقود ..
ثم ركضت للخارج وهي تلف حجابها على رأسها وصاحت بصوت شبه مبحوح:
-أنا رايحة ورا تقى، خليكي مع عوض يا فردوس
نظرت لها فردوس، وهتفت بنبرة قلقة:
-الحقيها يا تهاني، ماتسيبهاش لوحدها

راقب أهالي الحارة رجال الشرطة وهم يضعون تقى في السيارة المصفحة، وتنوعت نظراتهم ما بين الفضول والشماتة ..
ولكن لم يعترض أي أحد طريقهم .. وتابعوا ببرود ما تعانيه تلك التعيسة حتى انصرفوا تماماً، فعاد الجميع إلى أشغالهم وكأن شيئاً لم يحدث ..
إعتلى ثغر منسي ابتسامة متشفية، وأردف قائلاً بشماتة:
-يالا في داهية، خلي الحارة تنضف ..!

في مخفر الشرطة
وقف المحامي نصيف بجوار باب المخفر، ووضع هاتفه المحمول على أذنه، وتابع حديثه المتباهي قائلاً:
-كله تمام يا د. مهاب، خلاص البوليس اتحرك وزمانتها متجرجرة على النيابة
سأله مهاب بجدية:
-البلاغ اتعمل ؟
اجابه نصيف بثقة:
-أكيد يا باشا، ده بلاغ رسمي متوصي عليه، وبعدين دي جناية تحريض على القتل، مش جنحة!

رد عليه مهاب بإعجاب:
-برافو يا نصيف، ومش هاوصيك
أكمل نصيف قائلاً بهدوء:
-اطمن، حبايبنا كتار في القسم يا باشا وبيحبوا يخدموا، هيروقوا عليها على الأخر!
رد عليه مهاب بهدوء:
-عظيم .. شكراً يا نصيف، وبلغني لو في جديد
ارتسمت ابتسامة ماكرة على ثغر نصيف وهو يرد قائلاً:
-عينيا يا باشا ...!

وصلت سيارات الشرطة إلى المخفر، وسحب الضابط حسان تقى معه إلى الداخل، ثم دفعها بقسوة نحو الحائط، وأردف قائلاً بصرامة:
-اترزعي هنا
إستندت تقى بكفيها على الحائط، وتأوهت متألمة بصوت مكتوم، ونظرت إلى الضابط بحنق .. ولكنها لم تستطع أن تنبس بكلمة واحدة لتعترض على طريقته القاسية في التعامل معها ..
أضاف حسان قائلاً بغلظة:
-خليك يا عسكري واقف جمب البت دي، عينك عليها لحد ما أبلغ وكيل النيابة
أدى العسكري التحية العسكرية له ورد بنبرة رسمية:
-تمام يا باشا
اقترب منه، ومال عليه برأسه ليهمس له:
-وروقلي عليها.

هز العسكري رأسه ليجيبه بجمود:
-حاضر معاليك
نظرت تقى إلى كليهما بتوجس، وإزدردت ريقها بخوف واضح ومسيطر عليها ..
أشار العسكري لزميله ليحضر متهمة أخرى جالسة القرفصاء لتجلس إلى جوار تقى، وهمس له بكلمات خافتة، فأومأ الأخير برأسه موافقاً، واعتلى ثغره ابتسامة لئيمة، ورد هامساً:
-وماله، خلينا نتسلى شوية.

لكز العسكري الأخر المتهمة – ذات المظهر الإجرامي الجلي – في ذراعها صائحاً بصرامة وهو يغمز لها:
-انقلي يا متهمة جمب البت دي!
فهمت المتهمة نظراته، وإلتوى فمها بإبتسامة شيطانية، وهتفت بخنوع زائف:
-ماشي، بس متزوءش يا باشا
وبالفعل جلست إلى جوار تقى، وضربتها بكوعها بقسوة في صدرها، ثم رمقتها بنظرات حادة وهي تصيح فيها بصوت خشن لا يليق بها:
-ما توسعي شوية يا بت، أخدة الحتة كلها
نظرت لها تقى بخوف، وتلاحقت أنفاسها وهي ترد بتلعثم:
-أنا .. أنا آآ..

قاطعتها المتهمة بنبرة عدائية:
-انتي هتموأي، بصتك مش مريحاني، لا تكوني متسقرفاني يا بت
حاولت تقى أن تستجمع شجاعتها وتدافع قائلة:
-هو آآ...
قاطعتها مجدداً وهي تشمر ساعديها لتفتك بها:
-لأ باين عليكي متنططة، وأنا هأعدلك
إعتدت المتهمة بالضرب على تقى، وجذبتها من حجاب رأسها بشدة لتصرخ الأخيرة مستغيثة:
-إلحقوني، آآآآه.

هتفت المتهمة بصوت غاضب وهي تشدها بعنف من شعرها:
-انتي بتشتميني يا بت! وربنا لأشرحك
قاومت تقى ضرباتها بقدر المستطاع، وأكملت متوسلة:
-آآآه .. ابعدوها عني .. آآآه ..
هتف العسكري بهدوء وهو يرمق كلتاهما بنظرات متسلية:
-بس يا متهمة منك ليها
صرخت تقى بصوت شبه مخيف بعد أن سددت المتهمة لكمة قوية في صدرها:
-آآآي.. كفاية، آآآآآآآآآآآآآآه.

خرج على إثر صوتها وكيل النيابة من غرفته، وتسائل بصوت شبه محتد وهو يسلط أنظاره على الجميع:
-في ايه اللي بيحصل هنا ؟!
انتصب العسكري في وقفته، وأدى التحية العسكرية قائلاً بتوتر:
-أسفين يا باشا
أبعد العسكري الأخر المتهمة عن تقى، فوقعت عيني وكيل النيابة عليها، ونظر لها بإشفاق بعد أن رأى حالتها المزرية، وصاح بغضب:
-دي اسمها مهزلة
مسحت تقى بأناملها قطرات الدماء المتجمعة على شفتيها، وكفكفت بكفها عبراتها ..
تسائل وكيل النيابة بإهتمام:
-ومين دي كمان يا عسكري ؟

رد عليه العسكري بنبرة شبه منزعجة:
-دي يا فندم المتهمة اللي جابها الباشا حسان من شوية
اقترب منها وكيل النيابة، ونظر لها بدقة متفحصاً إصابتها، وسألها بجدية:
-انتي تقى عوض ؟
هزت رأسها وهي تجيبه بصوت ضعيف:
-ايوه
تنهد بضيق، وأشار بيده قائلاً بهدوء:
-تعالي جوا، هاتها يا عسكري
شعرت تقى بالمهانة والإذلال وهي تحاول الوقوف على قدميها ..
تملكها إحساس القهر، وسيطر عليها .. ولم يعد لديها الرغبة في الإستمرار في تلك الدائرة التي لا تنتهي من المعاناة والغلب ...

في نفس التوقيت وصلت تهاني إلى المخفر، وبحثت بعينيها عن تقى بين المتواجدين، ثم ركصت في إتجاه صول ما، وسألته بتلهف:
-الله يكرمك يا شاويش متعرفش تقى عوض الله جت هنا ولا لأ ؟
رد عليها متسائلاً:
-دي مسجونة ولا متهمة ؟
أجابته بصوت قلق وهي تتطلع إليه بنظرات راجية:
-لا دي ولا دي، هما جوم خدوها من البيت على هنا
مط الصول فمه، وأردف قائلاً ببرود:
-يبقى جالها استدعاء من وكيل النيابة.

فغرت فمها قائلة بإندهاش:
-هه، استدعى!
تابع الصول قائلاً بنفاذ صبر
-ايوه، ده احتمال كبير، واديني سكة عشان مش فاضي
تلعثم صوتها، وتراجعت للخلف قائلة بتوتر:
-شكراً يا شاويش.

وقفت تهاني حائرة في مكانها، تلفتت حولها بقلة حيلة، فهي لا تعرف سبب إستدعاء تقى للمخفر، ولا حتى كيفية الوصول إليها .. وبلا لحظة تردد هتفت بإصرار:
-الموضوع ده مش هايحله إلا عدي، هو اللي ممكن يعرف يتصرف!
أمسكت بحافظتها لتخرج الهاتف منه، وتنهدت قائلة:
-الحمد لله إني جبت المحمول معايا!...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة