قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والعشرون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والعشرون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والعشرون

في منزل مسعد غراب،
تأملت إيناس هيئتها في المرآة بتعجب شديد..
رمشت بعينيها عدة مرات غير مصدقة أنها ترى إنعكاس صورتها..
هي بدت أكثر جمالاً وأنوثة رغم صغر سنها، وأكثر مرحاً وجاذبية..
بالفعل كانت تختبيء خلف إهمالها لنفسها..
فاللمسات البسيطة التي أحدثتها سابين بها شكلت فارقاً جذرياً معها..

حيث قامت الأخيرة بتهذيب حاجبيها وضبطهما دون إزالة أي شيء منهما، وأيضاً مشطت خصلات شعرها بطريقة مختلفة مع الإحتفاظ بسماته الأساسية ومستعينة بأدوات فرد الشعر، وكذلك وضعت القليل من مساحيق التجميل لتبرز عيناها بوضوح..
ابتسمت لها سابين بتفاخر، وسألتها:
-ها، ايه رأيك؟
ردت عليها إيناس بحماسة ممزوجة بالفرحة:
-مش عارفة أقولك ايه، أنا مش مصدقة إن دي أنا!
تابعت سابين قائلة بجدية:
-إنتي البسي فستان هاتكون سندريلا.

ردت عليها إيناس بإبتسامة متسعة للغاية:
-اكيد
انتقت لها سابين فستاناً قصيراً – نوعاً ما – من اللون الأصفر الكناري، أكتافه عريضة، وخصره ضيق به شرائط معقودة كأنشوطة من الخلف لتضبط حجم الجسد، ويصل إلى الركبتين..
وضعته إيناس على جسدها لتتفقده دون أن ترتديه، وشعرت بالخجل من نفسها، وأبعدته عنها قائلة بإعتراض:
-لأ، أنا مش هاينفع ألبس ده
نظرت لها سابين بإستغراب، وسألتها متعجبة:
-ليه؟

أجابتها بإرتباك وقد اكتسى وجهها بحمرة خجلة:
-ده شكله قصير وآآ، وأنا مش متعودة بصراحة ألبس أصلاً فساتين!
عضت على شفتها السفلى، وتابعت بحرج:
-بصي أنا، أنا هالبس بنطلون وبلوزة كده، أو، أو حتى قميص!
اعترضت سابين بشدة، وأمسكت بها من كفها وهي تهتف:
-نو، ( لأ )، مش إنفع، انتي البسي ده!
أصرت إيناس على رفضها قائلة:
-لالالا، أتكسف.

ولجت إسراء للغرفة لتستفسر عن شيء ما، فتفاجئت بما حل لأختها من تغيير للأجمل، فحدقتها فيها بصدمة وهي فاغرة شفتيها، ورددت بذهول:
-ايه المزة دي!
ابتسمت سابين بمرح وهي توجه حديثها إليها:
-ها إسراء، what do you think ( رأيك إيه )؟
أجابتها بإعجاب واضح في نبرتها ونظراتها:
-دي حاجة حلوة اوي، كنتي مخبية الحلاوة دي فين يا نوسة!
تحول وجه إيناس لكتلة ملتهبة من الحمرة الخجلة، وهتفت بتذمر لتخفي حرجها:.

-يوه، بطلوا تكسفوني!
أضافت سابين قائلة بعبوس زائف:
-هي مش آوز إلبس فستان!
رمقتها إسراء بنظرات حادة، وصاحت بتبرم:
-نعم! لأ البسي واتلمعي يا نوسة، متبوظيش الطبخة على شوية ملح!
اقتحم الغرفة كلاً من فارس وسيف، ونظرا بذهول إلى خالتهما، وهتف فارس قائلاً بصوت مرتفع:
-شوف نوشة عاملة ازاي
رد عليه سيف بنبرة عالية:
-دي صاروخ ياله
نهرتهما إسراء على أسلوبهما الفج في الحديث، وصاحت قائلة:.

-يادي النيلة على لسانكم، 100 مرة أقول اتكلموا كويس مع الأكبر منكم، بلاش أسلوب السوق ده هنا
هتفت إيناس بضجر وهي ترمق الطفلين بنظرات منزعجة:
-بجد يا إسراء عيالك دول صعبين أوي
ردت عليها إسراء بنبرة شبه محتقنة:
-البركة في أبوهم، طول اليوم معاه في المحل أما قلبوا على شوارعية!
تساءل فارس بعبوس طفولي:
-هانلبس امتى عشان نروح الفرح؟
ردت عليه إسراء مصححة بضيق:
-يا بني ده عيد ميلاد خالك مش فرح!

هتف سيف بإلحاح وهو يقفز في مكانه:
-هاتيلي حتة من الجاتوه
ردت عليه والدته بنفاذ صبر:
-أما يجي الضيوف
أشار سيف بيده ناحية أخيه، وهتف بنبرة مرتفعة:
-طب ما فارس خد من غير ما يقولك من التورتة اللي في التلاجة!
لطمت إسراء على صدرها وهي تصيح بهلع:
-يا نصيبتي، مديت ايدك على حاجة الضيوف، واقعتك سودة!
ثم انحنت لتنزع خفها من قدمها لتركض خلف ابنها لتلقنه درساً، فركض فارس هرباً منها وهو يصرخ بفزع:
-عااااااا.

ضحكت إيناس على المشهد، وأضافت ساخرة:
-كوارث متنقلة!
وافقتها سابين الرأي قائلة بنعومة:
-اوه، ييس ( نعم )
تلاشت ابتسامة إيناس حينما وقعت عيناها على الفستان مجدداً، فهي مقبلة على أمر لا تعرف توابعه، ولكنها أرادت أن تنال كرامتها من جديد..
تمتمت مع نفسها بتوتر:
-ربنا يعدي النهاردة على خير!

في المساء،
كان كل شيء معداً وفقاً لخطة إسراء في مفاجئة مسعد بعيد ميلاده الزائف الذي يعرف عنه مسبقاً..
تم تزيين الصالة بأوراق الزينة، وعدد من البالونات المطاطية التي تناثرت في الأركان..
ووضعت السيدة صفية صحونها الغالية على طاولة الطعام..
بينما رصت إسراء أنواع الحلوى وقوالب الجاتوه المختلفة على طول الطاولة، بالإضافة إلى المشروبات الباردة المصنوعة يدوياً، والغازية..

وقامت صفية بصنع كيك منزلي، وعدد من أطباق ( المهلبية ) لهواة تناولها..
تأنق الجميع، وارتدوا أفضل ما عندهم، لكن الضوء الحقيقي كان مسلطاً على كلاً من سابين وإيناس..
فالأولى ارتدت فستاناً رقيقاً من اللون الأزرق، يصل بالكاد إلى ركبتيها، ذو حمالات رفيعة، وفتحة صدر مستقيمة..
عقصت شعرها كعكة، وأسدلت بعض الخصلات الجانبية، وتفننت في وضع مساحيق التجميل بصورة غير مبالغ فيها..

أما إيناس فلم تختلف عنها كثيراً، ولكنها كانت ملفتة للأنظار بسبب أحمر الشفاه الذي وضعته..
حدقت فيها صفية بإستغراب كبير، فقد كانت مختلفة عن السابق، وسألتها بتعجب:
-ايه ده يا نوسة؟
ردت عليها إيناس بتساؤل وهي ترمش بعينيها:
-ايه رأيك فيا؟
أجابتها والدتها بفتور وهي ترفع حاجبها للأعلى:
-مش وحش، بس مش بدري على الزواء ده؟!
عبست إيناس بوجهها من رد والدتها، ونظرت إلى سابين التي هتفت مشجعة إياها:
-هي كيوت أنطي..!

تدخلت إسراء في الحوار أيضاً وهتفت بحماس:
-بسم الله ما شاء الله، ربنا يحميكي يا نوسة من العين
ثم وضعت يدها على كتف والدتها، وضغطت عليه قليلاً لتضيف بثقة:
-والله هي حلوة يا ماما، صح ولا ايه؟
ضغطت صفية على شفتيها وهي تجيبها بحذر:
-هي زي القمر، بس إنتي عارفة أبوها ممكن آآ...
قاطعتها إسراء قائلة بجدية:
-معلش يا ماما، خليها تفرح النهاردة، إنتي ناسية انها عازمة برضوه أصحابها عشان نجاحها.

ردت عليها والدتها على مضض وهي تهز رأسها قليلاً:
-ماشي، بس بعد ما يمشوا تشيله!
هتفت إسراء بإستنكار:
-أكيد يا ماما، هي هتبات بيه يعني!

لاحقاً بدأ توافد المدعوين من رفاق إيناس إلى حفل العيد ميلاد المزعوم، وأشادوا بجمالها الرائع الذي ظهر واضحاً لهم..
حضرت رفيقتها هند، وهتفت بحماس بعد أن رأت هيئتها الجديدة:
-واو، تحفة أوي، شكلك يجنن يا إيناس
ابتسمت لها إيناس مجاملة، وردت بنبرة واثقة:
-ميرسي يا هند
أضافت هند قائلة بإعجاب واضح:
-بجد الاستايل ده خطير، مين عملهولك؟
أجابتها إيناس بهدوء:
-صاحبتي سابين!

تعجبت هند من اسم تلك الفتاة، فهي لم تسمعه من قبل، لذلك تساءلت بفضول وهي محدقة في رفيقتها:
-سابين! هي جديدة؟
ارتبكت إيناس قليلاً، وخشيت أن تفضح دون قصد منها أمر سابين، فعمدت إلى رسم ابتسامة سخيفة على ثغرها وهي تجيبها بحذر:
-أها، يعني!
أمسكت هند بكف رفيقتها، ونظرت لها بإنبهار، ثم صاحت بإعجاب:
-احنا لازم ناخد سيلفي مع بعض!
ردت عليها إيناس موافقة:
-ماشي.

في سيارة مسعد،
أوقف مسعد السيارة أسفل البناية، ثم التفت برأسه إلى باسل، وسأله بإهتمام:
-ها كده شكلي كويس؟!
رفع باسل إبهامه للأعلى كعلامة إعجاب، ثم رد عليه بإقتضاب:
-تمام!
ثم صمت للحظة قبل أن يتابع قائلاً:
-بس مكانش في داعي تشتري هدوم جديدة!
نظر له شزراً، ورد عليه بإمتعاض واضح في نبرته:
-يا سيدي مرة من نفسي!
تابع باسل قائلاً مضيفاً بإهتمام:
-ماشي، بس ماتفقناش هاتقول لسابين امتى على ميعاد آآ...

قاطعه مسعد بعبوس:
-مش وقته يا باسل، خلينا نفرح الحبة دول وبعد كده نتنكد
أومأ باسل برأسه موافقاً إياه وهو يردد:
-طيب!
ثم ترجل الاثنين بعدها من السيارة، واتجها إلى مدخل البناية..
استدار مسعد برأسه للجانب فلمح المعلم الخاص بأخته الصغرى يسير على أول الرصيف، فسار ناحيته، وصاح مرحباً به:
-مستر كريم!
توقف باسل على الحركة وتابع الحوار بينهما في صمت..

بينما انتبه له كريم، ورسم على محياه ابتسامة مجاملة وهو يبادله التحية:
-أهلا بمسعد باشا!
مد مسعد يده ليصافحه، ثم سأله بفضول:
-هو حضرتك بتعمل ايه هنا؟
أجابه كريم بهدوء جاد:
-أنا معزوم من ايناس على حفلة نجاحها!
جحظ باسل بعينيه مصدوماً عقب تلك الجملة الأخيرة، واشتعلت حواسه فجأة بغضب..
وسلط أنظاره على ذلك المعلم ليفحصه بنظرات شرسة..

كان في منتصف الأربعينات تقريباً، لكن به لمحة جذابة في وجهه، وقليل من الشيب غزا شعره..
اشتعل باسل غضباً وهو يتصور أن إيناس تتمازح مع ذلك الرجل حتى لو كان معلمها، وأنها تضحك إن ألقى دعابة سخيفة على مسامعها ولو كانت تجامله..
كور قبضة يده، وضغط على شفتيه بقوة محاولاً كبح الثور الهائج بداخله...
رد مسعد على المعلم بإندهاش وهو قاطب جبينه:
-هي النهاردة! ده محدش قالي!
أوضح له كريم قائلاً بنبرة رزينة:.

-هي اللي بلغتني بده، حتى في البيت عندكم
تمتم مسعد من بين أسنانه بصوت خفيض:
-المصلحجية ال ****
لم يفهم كريم ما لفظه بوضوح فسأله مستفهماً:
-افندم!
ابتسم له مسعد بسخافة وهو يردد:
-متركزش معايا، اتفضل!
رد كريم مجاملاً:
-متشكر!
التفت مسعد برأسه ناحية رفيقه، وسأله بإستغراب بعد أن لمح تبدل ملامح وجهه للوجوم:
-انت لسه واقف يا باسل، ما تطلع يا بني
كز باسل على أسنانه بشراسة وهو يجيبه:
-أنا كنت مستنيك!

ابتسم مسعد قائلاً بمرح وهو يشير بيده:
-نسيت أعرفك، ده مستر كريم، مدرس إيناس في السنتر
ثم التفت برأسه ناحية المعلم وتابع بأريحية:
-وده النقيب باسل صاحبي!
مد باسل يده ليصافح المعلم فاعتصر قبضته في يده، فبدى على الأخير الانزعاج واضحاً في قسمات وجهه المتشنجة، وهمس بإمتعاض:
-اهلا!
ربت مسعد على ظهر المعلم برفق، ودفعه ليتحرك إلى الأمام وهو يردد:
-اتفضل يا مستر، نورت!
ابتسم له كريم مجاملاً:.

-شكراً، ومبروك مرة تانية على نجاح إيناس!
زادت ابتسامته إتساعاً وهو يضيف بفخر:
-هي بنت مجتهدة وتستاهل كل خير، أنا مش مصدق إني معنتش هاديها تاني!
احتقنت عيني باسل بشدة، وبرزت عروقه الغاضبة في عنقه، وهمس من بين أسنانه بنبرة عدائية:
-اطلع أحسنلك من وشي بدل ما أديك في دماغك أجيبك الأرض!

هتفت إسراء بحماس بعد أن لمحت أخيها وهو يلج إلى مدخل البناية:
-استعدوا يا جماعة مسعد جه
-هيييييه
قالها الطفلين وهما يقفزان على الأرائك..
أضافت إسراء قائلة بسعادة وهي تصفق بيديها في الهواء:
-اطفوا النور، والكل يجهز!
وبالفعل تم إطفاء الأنوار، واتخذ الجميع مواضعهم منتظرين بترقب صعوده..

فتح مسعد باب المنزل، وتعجب بتصنع إطفاء الأنوار، وتساءل مستغرباً وهو يتلفت برأسه للجانبين:
-هو النور مقطوع عندنا في الشقة؟
وفجأة صدح صوت تهليلات وصيحات عالية يعقبها إضاءة الأنوار والجميع يهتف:
-كل سنة وانت طيب يا مسعد، عيد ميلاد سعيد
لم ينكر سعادته حينما رأى هذا المشهد أمامه، وبرقت عيناه بلمعان غريب..

هو لم يحظَ بعيد ميلاد منذ سنوات، واليوم أفراد عائلته يختفلون به، حتى وإن كان يعلم أنه مزيف ومصطنع، لكنه أحدث أثراً طيباً في نفسه...
اقتربت منه والدته وهنأته قائلة بنبرة حانية:
-كل سنة وانت طيب يا حبيبي
احتضنته بحب، فقبلها أعلى جبينها، وهو يقول بنبرة فرحة:
-وانتي طيبة يا أمي
ثم دنا منه والده وهنأه بصوته الآجش:
-كل سنة وانت طيب
رد عليه بهدوء:
-وانت طيب يا بابا!

كانت عيناه تبحثان عنها فرأها تقف على استحياء في الخلف وهي ممسكة بعلبة صغيرة في يدها..
رحب بكل من قابله في طريقه إليها بشرود، فعيناه لم تفارقها للحظة، وكأنهما معزولان عمن حولهما..
هي فقط أمامه، وما حوله سراب..
قرر أن ينسى كل ما حدث اليوم، والقرار المصيري برحيلها، سيستمتع فقط بوجودها الليلة معه، لا يريد إفساد تلك الفرحة بالتصريح بأي خبر محزن..

وكيف يفسده وهو يرى ابتسامتها الساحرة التي جعلت قلبه يخفق بقوة..
آسرته بطلتها الرقيقة، وبجمالها الطبيعي المغري..
ليس ما يشعر به نحوها هو مجرد إعجاب، بل تخطى الأمر معه الكثير..
هو يحبها حقاً وإن كان يكابر أو ينكر، هو متيقن أنه هائم بها..
تملكتها هي الأخرى أحاسيس غريبة وهي ترى نظراته المحدقة بها بإعجاب بائن..
خجلت منه، وأطرق رأسها قليلاً للأسفل..
هي تشعر بالدفء والأمان وسط عائلته..

شعور الغربة تلاشى تدريجياً مع وجودها قربه..
لم تتخيل أن ذلك الذي ظنت أنه أحمق وغير قادر على التواصل معها سيحرك شيئاً بداخلها..
وإن كانت واثقة من ماهيته، إلا أنها كانت خجلة من الإفصاح عنه أمام نفسها..
دنا منها حتى وقف قبالتها، وطالعها بنظرات شغوفة، وهمست هي له برقة:
-هابي بيرزداي موسأد
رد عليها بنبرة هائمة وعيناه تجوبان تفاصيلها بدقة:
-والله أحلى عيد ميلاد اتعملي.

توردت وجنتيها، وزاد خجلها، ثم مدت يدها بالعلبة الصغيرة المغلفة وهي تقول بنعومة رقيقة:
-أنا مش إعرف كنت أجيب هاجة ( حاجة ) أفضل!
رد عليها بنبرة عاشقة وهو ينظر لها بهيام:
-كفاية إنك موجودة معايا، إنتي أجمل هدية!
عضت على شفتها السفلى بخجل قائلة:
-ثانكس
ثم رفعت يدها أمام وجهه، وهمست:
-اتفضل
تناول مسعد العلبة منها، وهتف مازحاً وهو يغمز لها:
-دي فيها ايه؟ دبلة الخطوبة، أنا موافق من غير ما أفتحها!

خجلت من تلميحه الصريح، و هزت رأسها نافية برقة، فتابع بهدوء:
-أما أشوف!
فتح العلبة فوجد بها حافظة نقود جلدية – من ماركة شهيرة – ذات لون أسود، فنظر لها بإعجاب، وشكرها قائلاً:
-حلوة!
ثم عبس بوجهه، وأكمل بحزن زائف:
-مع إن كان نفسي في حاجة تانية!
انقبض قلبها للحظة لظنها أن هديتها لم تنل الإعجاب، فسألته بتوجس:
-ايه هي موسأد، إنت مش إعجبك هدية؟
رد عليها بهدوء وهو محدق بها:.

-لا والله عجبتني جداً، أنا بس كان نفسي في حاجة تانية
سألته بقلق:
-ايه هي؟
أجابها بإبتسامة عريضة وقد أشرقت عيناه:
-بوكسر ليلة الفرح
وضعت سابين يديها على فمها لتكتم شهقتها المصدومة من عبارته الجريئة، واستنكرت ما لفظه قائلة:
-اوه، موسأد!
رد عليها بنبرة رومانسية مقلداً إياها:
-عيون موسأد، وقلب موسأد، وفشة موسأد، وكلاوي موسأد!

في نفس التوقيت بحث باسل بعينيه عن إيناس وسط المتواجدين لكنه لم يرها..
هي كانت تقف على مقربة منه، وتوليه ظهرها، لكنه لم يتعرف عليها لعدم تخيله أنها سترتدي فستاناً..
لكن انتبهت حواسه لصوتها حينما تحدثت بدلال:
-ميرسي يا مستر، ده بس من تشجيع حضرتك ليا!

التفت برأسه للوراء فرأها من الخلف وهي ترتدي ذلك الفستان الجميل الذي جسد تفاصيلها الأنثوية بوضوح فبدت فتاة شابة أنيقة ورقيقة – رغم صغر سنها - تلفت الأنظار إليها بإعجاب..
تسمر على وضعه للحظات ليستوعب تلك الصدمة الهائلة..
ولكن أفاق من صدمته لتتحول إلى غضب حينما رأها تتغنج بنفسها أمام الحاضرين وكأنها تتعمد اغاظته..

كانت تشعر بوجوده بالقرب منها رغم أنها كانت توليه ظهرها، والتفتت برأسها للخلف بحذر لتجده يبحث عنها، فالتوى ثغرها بإبتسامة ماكرة، و تعمدت رفع نبرة صوتها لتلفت إنتباهه ونجحت في هذا..
إرتجافة قوية دبت في أوصالها حينما شعرت بقربه الشديد منها..
رفعت رأسها للجانب لتجده محدقاً بها بنظرات نارية..
وقعت عيناه على أحمر الشفاه الصارخ الذي تضعه على شفتيه ليزيدها إغراءاً وأنوثة..

فاق الأمر قدرته على التحمل، وساهم بشراسة في تأجيج نيرانه المستعرة..
ابتسمت بغرور وهي ترى تأثير مظهرها الجديد على تعابير التي لم يستطع اخفائها...
حافظت على جمود تعابير وجهها، وابتسمت له ببرود وهي تقول متعمدة الضغط على كل حرف فيها:
-هاي ( أبيه ) باسل!
أغاظته كلمتها المقصودة، وزادت من حنقه..
حركت خصلات شعرها المصففة بدلال للجانب، وأردفت قائلة بنعومة مصطنعة وهي تقدمه لباقي رفيقاتها:.

-ده صاحب مسعد أخويا في الجيش
رحبت به رفيقاتها، وكذلك المعلم كريم الذي قال بنبرة سمجة وهو يهز رأسه:
-ايوه، قابلته تحت يا إيناس!
ردت عليه إيناس بنبرة مستفزة وهي تبتسم له:
-هو زي أخويا بالظبط!
احتدت نظرات باسل إليها، وقست ملامحه المتشنجة، ضغط على أصابع يده المتكورة بقوة محاولاً كبح تهوره..
فهي أشعلت فتيل غضبه بداخله بكلماتها المستفزة له، وعليها أن تتحمل تبعات خطئها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة