قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الأول

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الأول

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الأول

في مكان ما شبه مظلم
جلست تلك الفتاة على المقعد، وتلفتت حولها بحذر، ثم أخفض رأسها كي لا يلاحظ وجودها أفراد الأمن..
مــدت يدها لتخرج تلك الذاكرة الإلكترونية الصغيرة، ووضعتها في مكانها بالحاسوب، وضغطت على عدة أزرار على عجــالة لتنقل سريعاً تلك البيانات الهامة عليها..
حبست أنفاسها وترقبت مرور الثواني عبر شاشة الحاسوب وكــأنها أدهرٍ..
ابتلعت ريقها بتوتر، واختلست النظرات بحذرٍ بعينيها الخضراوتين..

ضغطت هي على شفتيها بقســـوة وهي تمتم بقلق بلكنة أجنبية:
-يا الله! It may take much time ( سوف يستغرق الأمر وقتاً )
إزدردت ريقها مجدداً، وتلفتت حولها بخوف، ثم حبست أنفاسها في صدرها، وترقبت إنتهاء نقل البيانات بفــارغ الصبر..
مرت ثوانٍ أخــرى، وتنفست الصعداء، ثم اعتلى ثغرها إبتسامة إنتصــار حينما أضاءت الشاشة بإكتمال عملية النقل..

سحبت الذاكرة الصغيرة من موضعها، ودستها في جيب بنطالها الجينز، ثم أغلقت الحاسوب، ونهضت وهي محنية للأسفل لتتجه نحو باب الغرفة..
شعرت بإهتزازة في جيبها، فمدت يدها لتمسك بهاتفها المحمول، ونظرت إلى شاشته، فقرأت اسم رفيقتها، فضغت على زر إلغاء المكالمة، ثم تسللت على أطراف أصابعها لتخرج من الغرفة..
إشرأبت بعنقها للأعلى لتتأكد من عدم ملاحظة أي أحد لها..

راقبت بتريث حركة الكاميرا الدائرية، ثم غطت رأسها ووجهها، وما إن تأكدت من إبتعاد زاويتها عنها حتى أسرعت بالركض ناحية مخرج الطواريء..
لم تتوقف ( سابين ) للحظة عن القفز نزولاً على الدرجات حتى وصلت إلى الطابق السفلي، ومنه عرجت إلى القبو حيث المخرج النهائي..
كان في إنتظارها سيارة رياضية أرتعشت إنارتها الأمامية فور أن رأتها..
ألقت هي بنفسها داخل السيارة لتنطلق بها مبتعدة عن المكان..

ظلت تلهث سابين لعدة لحظات، وأرجعت رأسها للخلف في المقعد، ثم مــالت بها للجانب لتحدق في رفيقتها مايدي التي سألتها بلكنة عربية غريبة:
-هل إنتهيتِ؟
أجابتها بصوت شبه متقطع:
-نعم
سألتها مارلي مجدداً بإهتمام:
-وهل رأكِ أحد؟
هزت كتفيها وهي تجيبها بنبرة حائرة:
-مش عارفة، I don t know yet، بس أنا خدت حذري
أومــأت الأخيرة برأسها ايجابياً وهي تردد بإقتضاب:
-أوكي.

سابين مشعل المصري هي شابة – ذات ملامح بسيطة – في الثالثة والعشرين من عمرها، متوسطة الطول، نحيفة، لديها شعر كستنائي اللون مموج قليلاً ورثته عن أمها الأجنبية لورينا، وعينان خضراوتان ورثتهما من أبيها مشعل، وأهداب كثيفة تغلفهما. ولها بشرة قمحية، وبصفة عامة فهي تجمع بين الملامح الشرقية والغربية في سماتها الجسمانية..

هي وحيدة والديها واللذين انتقلا للعيش في ولاية أخــرى، فاضطرت هي للعيش بمفردها لتكون بجانب مقر عملها..
تخرجت سابين من إحدى جامعات ولاية أوهــايو الأمريكية بتقدير مرتفع فأهلها للحصول على فرصة عمل مميزة في إحدى الشركات المرموقة...
تخصصت هي في دراســة البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات، وأحرزت فيها إنجازاتٍ ملموسة مما جعلها مؤهلة للعمل في أشهر المؤسسات وأقواها..

لم تكتسب سابين الصداقات العديدة - كقريناتها - بسبب إنشغالها بالبحث العلمي المتواصل، ورغبتها في الوصــول إلى أعلى المنازل، ورغم هذا هي لديها صديقة مقربة من أصول لبنانية تدعى مارلي، كانت رفيقتها في الدراسة، ثم في السكن، وتتحدثان العربية معاً...

بعد مرور إسبوع،
في مقهى مـــا بولاية أوهايو،
أعادت سابين تشغيل الذاكرة في حاسوبها المحمول، وتفقدت تلك الملفات السرية، ثم أردفت قائلة بجدية:
-أنا سلمت نسخة منها للـ FBI ( المباحث الفيدرالية الأمريكية )، ومنتظرة جلسة المحاكمة.

ردت عليها رفيقتها مارلي بلكنة عربية قلقة وهي تتلفت حولها:
-أنا أخاف عليكي سابو، إنتي ممكن تتأذي.

ابتسمت لها سابين إبتسامة مطمئنة، وهتفت قائلة بهدوء:
-متقلقيش مارلي، أنا عاملة حسابي، محدش هايعرف حاجة لحد ميعاد الجلسة، There s nothing to worry about ( لا يوجد ما تقلقي لأجله ).

تنهدت مارلي بعمق، ومدت يدها لتمسك بكف رفيقتها، وضغطت عليه قليلاً وهي تردد بتحذير:
-بليز، دول عصابات ومافيا، وانتي لوحدك، وأنا مش هاقدر احميكي.

ردت عليها سابين بثقة:
-لو حصل حاجة، And I doubt ( وأنا أشك في هذا )، هما هيدخلوني برنامج حماية الشهود لحد نهاية المحاكمات.

أومــأت برأسها إيماءة خفيفة وهي تتابع قائلة:
-اوكي! But Take care ( خدي بالك ) honey.

ابتسمت لها بعذوبة وهي تقول:
-Don t worry ( لا تقلقي ).

ظلت الأوضـــاع هادئة بالنسبة لسابين حتى حـــان موعد أول جلسة محاكمة، فتحول الأمـــر إلى شيء مربك للغاية خاصة حينما أصدر القاضي حكمه بـ:.

(( ترسل كافة الأدلة المقدمة من المدعي العام إلى هيئة المحلفين للإطلاع عليها، وإبداء رأيهم المبدأي في القضية المعروضة أمامهم، كذلك يتم الإستماع إلى الشاهدة الرئيسية سابين مشعل المصري في الجلسة القادمة يوم، /، /، ، ويُحذر على المدعي عليهم الإنتقال أو السفر لحين إنتهاء المحاكمة )).

إستشعرت مارلي وجود خطر محدق برفيقتها خاصة حينما رأت في أعين أصحاب تلك المؤسسة الهامة – ذات النفوذ والصيت – نظرات عدائية للغاية، ونذير شـــر وهو ينهضون عن مقاعدهم..
مــــال أحدهم برأســـه على رفيقه، وهمس له بكلمات مقتضبة:
-Do it now نفذ الآن!

إزدردت مارلي ريقها بخوف، ومالت على سابين، وحدقت فيها بنظرات مضطربة، ثم همست لها:
-I m scared , it s not good at all ( أنا خائفة، الأمر غير مبشر على الإطلاق )
-Don t worry, they can t touch me ( لا تقلقي، لا يمكنهم إيذائي ).

انتظرت الاثنتين لبرهــة حتى أصبحت قاعة المحكمة شبه خاوية، فتحركت سابين نحو المدعي العام، وأجرت معه حواراً قصيراً طمأنها فيه على الوضع القانوني في القضية، وكذلك على توفير الحماية لها..

لم تستبشر مارلي خيراً، وتوقعت الأســـوأ، وبالفعل حدث ما كانت تخشاه، ففور خروجهما من المبنى القضائي، تفاجئت كلتاهما بسيارة دفع رباعي سوداء تنفتح نافذتها لتبرز منها فوهــة سلاح آلي، ثم أمطرهما بوابل من الطلقات النارية..
فانحنت الاثنتين وهما تصرخان بإهتياج للأسفل لتتفادهم..

تحولت المنطقة بعد عدة لحظات إلى بركة من الدمــاء، وسقط العديد من الضحايا الأبرياء من الذين تصادف وجودهم في نفس المكان، وأصيبت مارلي إصابة بالغة في ساقها وذراعها..
تجمع العشرات من الأشخاص حولهما، وصدحت صافرات سيارات الشرطة في الأجواء..
دب الرعب في قلب سابين بعد أن رأت بعينيها هــول المنظر، وأيقنت أنها بالفعل في خطر دامي إن لم تتحرك المباحث الفيدرالية فوراً وتتخذ الإجراءات اللازمة لحمايتها..

أوصلت رفيقتها للمشفى، وظلت قابعة معها إلى أن اطمــأنت عليها، فقررت التصرف فوراً للنجاة ببدنها، وانصرفت بصحبة رجــال الشرطة لضمان سلامتها الشخصية...

في مكتب حماية الشهود التابع للمباحث الفيدرالية،
ضربت سابين بقبضتها بعنف على الطاولة المعدنية وهي تصرخ بإهتياج باللغة الإنجليزية:
-لقد بت مهددة من قبل هؤلاء المجرمين، كيف تقول لي أهدأ، وأنا حياتي في خطر كبير.

أشـــار لها الضابط قائلاً بهدوء:
-سيدتي، نحن نبذل ما في وسعنا، والجلسة التالية بعد 4 أشهر من الآن.

صرخت فيه بإنفعال وعينيها تنذران بالشر:
-وماذا تتوقع مني أن أفعل طوال تلك المدة، هل أختبيء في منزلي وأنتظر موتي؟ أخبرني!

رد عليها بنبرة رسمية:
-سنرى الأفضل لكِ.

لوحت بذراعها وهي تضيف بصوت هـــادر:
-أنا أريد حماية شاملة، فأنتم من دفعني لعمل هذا.

رد عليها الضابط ببرود:
-إنها من أجل مصلحة وطنك.

صاحت فيه بغضب:
-أنا أقدر وطني، ولكن ماذا عن حياتي؟ ألا يوجد تقدير لها؟

لم تجد سابين أي رد منه، فهدرت بإنفعال واضح:
-حياتي على المحك ألا تفهم؟

أشـــار لها مجدداً بكف يده وهو يتجه نحو الباب:
-اهدأي سوف نتخذ اللازم.

وبالفعل عهدت المباحث الفيدرالية الأمريكية إلى توفير حماية لها عند منزلها، فشعرت بالطمأنينة نوعاً ما، ولكن للأسف تلاشى هذا الشعور سريعاً حينما تعرض المنزل للهجوم الضــاري وقتل جميع من فيه، ولحسن حظها أن سيارتها تعطلت أثناء عودتها إليه، فنجت من هذا الحادث الغاشم..
لم تهنأ هي بنوم عميق لعدة ليالٍ، وانتقلت من فندق إلى أخــر - ليلة بعد أخرى - بهوية زائفة حتى يتعذر الوصول إليها..

وظلت تتخفى عن الأنظار لتنجو بحياتها حتى فاض بها الأمر، فعادت إلى مكتب حماية الشهود التابع للولاية، ورفضت الخروج منه دون حل جذري في أمرها..
اجتمع بها مدير المكتب، وطمأنها قائلاً:
-لا تقلقي سيدتي، لقد تدبرنا أمرك، وسنضمن لكِ حماية قصوى.

هتفت فيه بصوت متشنج وهي ترفع حاجبيها في استنكار:
-كيف هذا، وقد قتل رجالكم عند باب منزلي؟ وأنا بت مهددة بالقتل في أي لحظة!

رد عليها بجدية:
-لن يتكرر الأمر، كان سوء تقدير منا للموقف برمته، ولكن أعدكِ أنكِ ستكونين تلك المرة في أمان تام.

سألته بإزدراء وهي تعقد ساعديها أمام صدرها:
-وكيف سيحدث هذا؟

في مكـــان أخـــر بالعاصمة المصرية ( القاهرة ) مجهز بالكثير من المعدات الرياضية، ويعج بالكثير من الرجـــال الأشداء..
إتخذ أحــد الأشخاص ذوي الأجسام الرياضية البارزة، والعضلات المفتولة أو كما يطلق عليه عادةً حائط بشري – وضعية القتال في منتصف الحلبة الرياضية، ثم أمــال رأســه للجانب ليتفادى لكمة مباغتة، وانحنى بجذعه للخلف قليلاً ليبتعد عن المهاجم، ثم سدد له لكمة مضادة وهو يهتف بحنق:.

-مش تاخد بالك يا باسل!
رد عليه ( باسل ) قائلاً بإستهزاء:
-إنت اللي باين عليك خستعت يا مسعد، ومابقتش نافع!

إعتدل ( مسعد ) في وقفته، ووضع يديه في منتصف خصره، ورمقه بنظرات ضيقة قبل أن يجيبه بنبرة محتجة:
-خستعت ايه بس! ده أنا بأتعلف زي التور من الحاجة كل ما بأروحلها!
رد عليه رفيقه بإبتسامة هادئة:
-ربنا يباركلك فيها!
تابع مسعد قائلاً بمزاح وهو يبرز عضلات ذراعيه:
-ما إنت لو بتجي عندنا زي تملي كان زمانك مربي عضلة الباي والتراي والفاموليا كلها، والسكس باكس كانوا فاطوا من مكانهم!
رفع باسل يده معترضاً وهو يقول:.

-لا يا عم أنا مش أد السمن البلدي بتاع الحاجة صفية.

التوى ثغره بإبتسامة عريضة وهو يضيف:
-إنت هاتقولي! إنت أخرجك لقمة وتجري، وعلى رأي أمي الضيف المجنون ياكل ويقوم
عبس باسل بوجهه وهو يهتف معترضاً:
-جرى ايه يا مسعد إنت هاتغلط؟!
رد عليه مسعد بهدوء وهو يرفع حاجبه للأعلى:
-لأ دي الحاجة مش أنا!
أشـــار باسل بإصبعه محذراً بنبرة عدائية:
-طب خد بالك لأحسن البونية الجاية هاطيرلك بيها صف سنانك!

عبس مسعد بوجهه، واعترض بجدية زائفة:
-لالالا، ده تهديد شديد اللهجة، وأنا لا أقبل!
-يا عم آآ...

-إنتبـــــاه
قالها أحد الأشخـــاص بنبرة صارمة ورسمية، فإنتصب الجميع في وقفتهم، وشدوا من صدورهم العريضة أمامه..

رمقهم القائد العسكري – ضياء - بنظرات إعجاب قبل أن ينطق بجمود:
-استرح!

إرتخت عضلات الجميع قليلاً، لكن لم يجرؤ أحد على التحرك من مكانه..
توجه القائد العسكري – ذو الرتبة العالية – إلى مسعد وباسل، فإنتصب الاثنين بجسديهما، وهتف الأخير قائلاً:
-تمام يا فندم
أشــار لهما بيده قائلاً:
-استرح!
ثم أخذ نفساً عميقاً، وتابع بجدية:
-أخبار التدريبات ايه يا وحوش؟

رد عليه مسعد بثقة بالغة:
-تمام يا فندم، إحنا جاهزين لأي مهمة.

تقوس فم القائد ضياء قليلاً وهو يردد:
-عظيم! أنا عاوزكم تكونوا جاهزين لأي حاجة هاكلفكم بيها.

تساءَل مسعد بتردد وهو يبتلع ريقه:
-هو، هو يا فندم مافيش أمل أنضم لـ آآ، لـ، للحرس الرئاسي؟

ضيق القائد ضياء عينيه، ورمقه بنظرات حادة قبل أن يرد عليه بجمود:
-لأ يا مسعد، وبعدين إنت هنا في أقوى فرع في القوات المسلحة، القوات الخاصة، فخر لأي حد إنه يكون فيها، وخصوصاً لواء الصاعقة.

برر مسعد موقفه قائلاً:
-أنا عارف يا فندم، أنا بس طموحي أوصل لـ آآ...

قاطعه القائد ضياء بنبرة جادة:
-لما تيجي فرصة مناسبة، وغير كده أنا دايما بأكلفك بالمهام الصعبة
هز مسعد رأســه بحركة خفيفة وهو يرد:
-شكراً يا فندم، وأنا جاهز لأي حاجة.

ظهر شبح ابتسامة على ثغره وهو يتابع بنبرة تفاخر:
-وده المطلوب منكم يا رجالة!

ثم أشـــار بعينيه وهو يكمل بنبرة آمـــرة:
-كملوا تدريباتكم!

انتصب الإثنين بجسديهما أكثر وهما يرددان بنبرة رسمية:
-تمام يا فندم
ثم تابعاه بأنظارهما إلى أن ابتعد عنهما، فنفخ مسعد في ضيق..
ربت باسل على كتفه وحفزه قائلاً:
-معلش يا مسعد، إنت عارف إنه مش هيوافق أبداً بسبب آآ..
قاطعه مسعد بنبرة شبه حانقة:
-أعمل ايه يعني؟ ما أنا حاولت كتير، بس للأسف يدوب بأنجح على الحروكرك يا بأسقط، وده ماينفعش خالص معاهم!
ثم غمغم بتهكم:.

-هما الظاهر عاوزين جهابزة في اللغة، قواميس ناطقة، إلياس المترجم، قاموس الموس من الألف للكوز، مش زي حالاتي يدوب بأفك الخط في الانجليزي!

تنهد باسل بصوت مسموع وهو يواسيه قائلاً:
-متكبرش الموضوع، بكرة تتعدل وتنجح!

رمقه بنظرات جامدة وهو يردد بخفوت:
-موت يا حمار، ده أنا جاهل في اللغة!

ســأله باسل بإهتمام وهو قاطب جبينه:
-بتقول ايه؟

نفخ مسعد بنبرة ضائقة وهو يقول بإمتعاض:
-متخدش في بالك، ويالا خلينا نكمل نفخ في أم العضلات دي!
-ماشي، وأهو الإحتياط واجب!

قطب مسعد جبينه بشدة، وتساءل بمزاح:
-واجب! طب لحد صفحة كام؟
لم يجبه باسل بل سدد له لكمة قوية ومباغتة في وجهه طرحته أرضاً على الفور..

مسعد محمد غـــراب، رائد بالقوات الخاصة – وتحديداً لواء الصاعقة - في القوات المسلحة المصرية في أواخــر العشرينات من عمره، يمتاز بالبشرة الخمرية، والطول الفاره، والجسد الممتليء بالعضلات البارزة.
عينيه بنيتان، وشعره كث - شبه مجعد - من اللون الأسود، ولديه شفتين غليظتين..

هو أخ وحيد وسط ثلاثة أخوات ( إيناس، أسماء، وإسراء )، تزوجت إثنتين منهما، وتبقت الصغيرة المشاكسة إيناس لصغر سنها، ولأنها ماتزال طالبة في المرحلة الإعدادية.
والده محمد كان لواءاً في قوات المشاة، وأحيل على المعاش قبل عدة أعوام، ووالدته السيدة صفية هي ربة منزل..

كان مسعد متفوقاً في دراسته فيما عدا مادة اللغة الانجليزية، فقد كان دائم الرسوب فيها، وتمكن بصعوبة من إجتياز إمتحانها و النجاح فيها في الثانوية العامة، ثم إلتحق بعدها بالكلية الحربية، وأثبت تفوقه الرياضي والأكاديمي، وانضم لصفوف قوات الصاعقة..
ودائماً ما يدفعه طموحه للترقي والحصول على مكانة أفضل بين أقرانه، وخاصة أن لديه هدف هــام يشغل كل تفكيره، ألا وهو الإنضمام إلى الحرس الرئاسي وحماية الرئيس...

وهو أيضاً محبوب بين زملائه، ومعروف عنه بروحه المرحة، وخفة دمـــه فإستطاع بسهولة أن يصنع الكثير من الصداقات، وصـــار له رفقاء في كل مكان، ولكن الأقرب إليه هو زميله باسل سليم..

ومنذ وقت قريب انضم مسعد إلى التشكيل الجديد لفرقة عمليات من نوع خـــاص جـــداً تتبع قوات الصاعقة، وظيفتها تأدية مهام خطرة للغاية وبالغة السرية، وعلى قدرٍ عالٍ من الدقـــة والحرفية، وقد وجد فيها السبيل لتحقيق مبتغاه والوصول للقصر الرئاسي، فالتوصيات التي تقدمها الفرقة بعد مدة لكل ضابط تفتح أمــامه الكثير من الفرص المميزة..

في منزل مسعد غراب،
أمسكت السيدة صفية بالمقلاة في يدها بعد أن انتهت من طهي الثوم والكسبرة معاً، ثم قذفتها على طاجن الملوخية الساخن وهي تشهق بنبرة شبه مرتفعة..
رمقتها ابنتها الصغرى إيناس بنظرات متعجبة، وتشدقت متسائلة:
-نفسي أعرف لزمتها ايه الحركة دي؟

ردت عليها صفية بثقة:
-ده اللي بيخلي مفعول التقلية يشتغل
سألتها إيناس بمزاح:
-هي تعويذة لا سمح الله؟
لكزتها والدتها في كتفها وهي تضع المقلاة في الحوض، ثم تابعت بجدية:
-ايش فهمك إنتي، خليكي في مذاكرتك، وسمعيلي يالا اللي بعد حملة فريزر.

ردت عليها إيناس بتذمر:
-يا ماما أنا خلصت التاريخ من بدري، ودخلت على التقلية، قصدي على الجغرافيا!

ضربت صفية مقدمة رأسها بكف يدها وهي تردد:
-أه صحيح، مخدتش بالي.

ابتسمت إيناس إبتسامة عريضة وهي تهتف بحماس:
-أنا رأيي نفضنا من المذاكرة ونركز مع الملوخية بالأرانب.

عبست والدتها بوجهها وهي تقول:
-انتي ما بتصدقي يا نوسة.

استنشقت إيناس رائحة الطعام الشهية التي تسيل اللعاب، وهتفت بسعادة:
-اه يا ماما، ريحتها تحفة.

ردت عليها صفية بتفاخر وهي تشير بكف يدها:
-طبعاً، ده أنا عليا شوية ملوخية بالأنارب إنما خرافة!

عدلت لها ابنتها جملتها الأخيرة قائلة بهدوء:
-أرانب يا ماما مش أنارب!
رمقتها والدتها بنظرات حادة، وردت بإصرار:
-هي بتتنطق كده! هتعدلي عليا.

هزت إيناس كتفيها في عدم إكتراث وهي تقول بخفوت:
-وأنا مالي، أنارب أنارب، المهم أكل في الأخر!

ثم مدت إصبعها لتتلمس الطعام، فضربتها والدتها على كفها وهي تنهرها بحدة:
-ايدك!
تأوهت من الآلم، وهتفت متذمرة:
-آآي، يا ماما ده أنا بس هادوق
-أما يجي أبوكي!
ردت عليها على مضض:
-ماشي!

ثم إستدارت بجسدها لتتجه نحو باب المطبخ، ولكنها توقفت عن الحركة لتسأل والدتها:
-أومال مسعد هاينزل أجازة امتى؟

نهرتها والدتها بنبرة شبه حادة:
-اسمه أبيه مسعد، ده الفرق بينكم أد كده، هو مش عيل بيلعب معاكي في المدرسة؟!

ردت عليها إيناس بعدم اكتراث:
-يا ماما فوكك من جو الأفلام ده، أبيه ونينة وطنط، احنا في عصر الفيس بوك، يعني خلصانة بشياكة، على وضعك يا برنس، سلام يا حمام، وهكذا دواليك!

لوت وصفية فمها وهي تقول:
-ماشي يا ليمضة! برابند في الكلام!

سألتها إيناس بإلحاح:
-ها مقولتيش هينزل امتى؟
-يوم ولا اتنين، لسه مقالش
-طيب..!
ثم إتجهت الإثنتين إلى خــارج المطبخ ليكملا حديثهما..

في غرفة مكتب ما بالقاهرة،
هب رجل ما – يرتدي ملابساً عسكرية - منتفضاً من على مقعده، واستطرد حديثه قائلاً بجدية بالغة:
-تمام يا فندم، واحنا على استعداد تام نتحمل المسؤلية، وعندنا من الضباط الأكفاء اللي يقدروا يسدوا في الموضوع ده.

انصت للطرف الأخـــر عبر الهاتف، ثم تابع بجدية:
-أكيد السرية موجودة، اطمن يا فندم.

مط فمه للأمام، وأكمل بهدوء:
-حاضر، مش أي حد، أنا فاهم ده كويس.

ثم تابع بنبرة جادة وهو عاقد جبينه:
-حالياً بأفكر في ضباط القوات الخاصة، هما أكفأ ناس يقدروا يقوموا بالمهمة دي، وتلقوا تدريبات عالية على التعامل مع أوضــاع أشد خطورة من اللي حضرتك بتحكي عنه.

أومــأ برأســـه عدة مرات، وأضاف قائلا:
-مفهوم، مفهوم، ممكن نستعين بتشكيلنا الجديد من قوات الصاعقة، هما حرروا رهائن قبل كده في كذا عملية، فمش هايتعذر عليهم حماية واحدة لفترة صغيرة.

هز رأسه بحركة خفيفة وهو يتسائل بنبرة رسمية:
-أها، تمام، هتوصل امتى؟

صمت لعدة ثوانٍ وأكمل قائلاً:
-تمام معاليك، والنهاردة هايكون عند حضرتك أسماء الضباط المكلفين بحمايتها.

التوى ثغره بإبتسامة باهتة وهو يقول:
-اطمن يا فندم، أنا بنفسي هاحط خطة تأمينها!

ثم كور قبضة يده، وإستند بها على سطح مكتبه، وختم حديثه قائلاً بجدية:
-تحت أمرك!

أنهى هو المكالمة، وفرك طرف ذقنه، وغمغم مع نفسه بخفوت:
-هي السهل الممتنع، بس محتاج أثبت كفاءة المجموعة الجديدة اللي شكلتها بنفسي، وده مش هايتم إلا لما أتكلم مع الفريق ضياء على إنفراد وفي عجالة..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة