قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والعشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والعشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الاول للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والعشرون

^^أحيانًا نحتاج ل دفء لمسة؛ ل عناق النظرات. نحتاج لصوت ناعم خفيض يهمس لنا لا تقلق، ف أنا بالجوار. ^^
صعدت غالية للطابق المتواجدة فيه ملك الجبالي، بعدما تعرفت على هويتها وتواجدها هنا بالمشفى وتوصلت للسبب أيضًا.
كانت تختال في خطواتها المتعجرفة، تعلو البسمة المستفزة محياها استعدادًا لرؤيتهِ في أي لحظة.

من مسافة مقبولة استطاعت أن ترى عيسى يقف منتبهًا أمام أحد الغرف ولا يوجد أحد غيره، فلم تعبأ بتواجده هكذا كأنه يحرس الغرفة، وراحت تخطو نحوه حتى رآها.
ف تجهمت تعابير وجهه وهو يبتعد عن الباب كي يُلاقيها في نقطة بالمنتصف، ووقف شامخًا أمامها شابكًا أصابع يده وهو يتحدث بلهجة تحذيرية: - الأفضل تمشي من هنا منعًا للمشاكل يامدام غالية، الباشا لو شم خبر إنك هنا مش هيكون لطيف أبدًا.

ف أبرزت أسنانها وقد اتسع مبسمها ب ابتسامة عريضة أعقبتها ب: - أنا أصلًا عايزاه يشوفني
- أنا أمنعك من ده
ف تدخل السائق الخاص بها وحارسها بنفس الآن: - ياريت محدش يتدخل بينهم، الموضوع برا عننا ياأخ
ف لم يُعيره عيسى أدنى اهتمام ولم ينظر حتى في وجهه وهو يقول: - أسكت انت ياشاطر ده كلام كبار ميخصكش.

كاد الحارس يتهجم عليه لولا تدخل غالية التي أشارت له كي يثبت في محلّه. بينما كان عيسى يُطلق شظايات من نظراتهِ لذلك الأخرق بدون أن يتفوه كلمة.
وكأن تلك هي اللحظة المناسبة التي أتت فيها كاريمان، وقد تعرفت عليها من ظهرها بسهولة. ف ضربت الأرض بعكازها وخطت نحوهم بتعجل وهي تصيح: - بتعملي إيه هنا ياغالية؟

التفتت غالية على صوتها ومازال طيف ابتسامة يترنح في ذهاب وعودة على ثغرها وهي ترمقها ب استخفاف قائلة: - أنتي لسه عايشة ياتيزة؟
ف حدجتها كاريمان بنظرة مُحتقرة و: - جاية ليه؟ مش عايزة أشوف وشك هنا Hadi oradan. أغربي من هنا
ف رسمت براءة مزيفة على وجهها وهي تبرر تواجدها هنا ب: - أنا جيت أسلم واتمنى السلامة، بس.

ف انفعلت عليها الجدة وهي تدنو منها لتقول بلهجة شديدة القوة: - مش عايزين سلام من واحدة شبهك، D??ar? ç?k. أخرجي
بدأ صدى الصوت يصل للداخل، حيث استمعه يونس ل ينتشله من أوج تركيزه معها، خاصة تلك النبرة التي يعرفها ويحفظها جيدًا. كأن ماسّ كهربي صعقه بعدما تأكدت ظنونهِ وهو يُدقق سمعهِ، بينما سألته ملك وهي تستمع لهذا الضجيج بالخارج: - إيه الصوت ده! نينة بتزعق مع حد!

أستل يونس يديه من يدها ونهض، وقف أمام الباب لحظات يسمع حديثهم الذي يدور. حيث نفت كاريمان تمامًا وجود يونس هنا، مما أعجزهُ عن الخروج أمام غالية ليواجهها من جديد. أطبق جفونهِ بقوة وقد تملكتهُ العصبية حينئذٍ من تلك التمثيلية السخيفة التي اتبعها كي لا يُحزن جدتهِ وها هو يقف عاجزًا عن الخروج أمامها.

للمرة الثالثة على التوالي تنكر كاريمان وجود يونس هنا وقد ضاق بها ذرعًا من فرط تبريراتها لتلك المرأة: - تاني هقول مش هنا! مش حقك تسألي ولا تدوري عليه. عايزة إيه تاني من حفيدي، عايزة تاخدي إيه منه المرة دي!
ف تقلصت تعابير غالية وهي تصحح لها بلهجة ركيكة: - حفيدك اللي أخد مني كتير، مش مكفيه أخد بنتي كمان بيسرق مني ذكرياتها!

لم يتحمل يونس أكثر من ذلك وخرج على الفور وأغلق الباب مرة أخرى، شهقت كاريمان شهقة خافتة غير مصدقة إنه هنا الآن وهي التي كانت تنكر وجوده منذ البداية. وضع يونس كفه على كتفها برسالة ضمنية كي لا تتحدث عن ذلك الآن، ثم أجلسها جانبًا وهمس: - بعدين نتكلم.

ثم التفت إلى غالية ونظر حوله قبل أن يُهددها: - أنا مش هرد عليكي هنا، لكن لو مش ناوية تمشي من نفسك هتخرجي بشكل مُهين هيزعلك أوي، أنتي والبأف اللي واقف وراكي
ف لم ترغب بأن تنصرف قبل أن تترك سؤال سخيف له دلالة أخرى سيفهمها يونس: - مين اللي جوا ومش عايزها تشوفني للدرجة دي؟

ف قطع خطوة نحوها گالذي س يصفعها أو يتهور ويضربها، ف وقفت كاريمان حائلًا بينهم حينما كان يونس يزأر قائلًا بغيظ لم يقوَ على دفنهِ أكثر: - وانتي مالك!؟ إيه اللي حشرك
ف ابتسمت بفتور مثيرة أعصابه أكثر و: - ملكش حق يايونس، ده انا مهما كنت حماتك برضو
ف لكزتها كاريمان وهي تدفعها قائلة: - أمشي بقى!
- الظاهر إنها محتاجة أسلوب تاني طالما مش فاهمه بالأدب.

حضر فرد الأمن بالمشفى وتدخل وهو يشملهم بنظرهِ متسائلًا ب ارتياب: - في إيه ياجماعة! المرضى بيشتكوا من الصوت والدوشة
مازالت عينا يونس عليها وهو يقول: - الهانم جت تعمل الواجب وماشية خلاص، ياريت توريها الطريق
فأشار لها فرد الأمن: - أتفضلي
ف لوحت له غالية قبيل أن تنصرف و: - باي مؤقتًا يايونس
ومضت خلف فرد الأمن، تاركة الغليان الذي يتقاذف من عينيه گالقدر الذي غلى حدّ القصوى على موقد مُشتعل منذ مُدة طويلة.

لم تهتم كاريمان ب انفعاله ولم تتراجع عن زجرهِ بنظرات صارمة وهي تسأله بحزم: - رجعت أمتى؟
ف أطرق رأسه يخفي غضبهِ البيّن عنها و: - الصبح
- ليه؟
ثم نظرت نحو عيسى وتابعت: - أنا مش قولت يونس ميعرفش حاجه دلوقتي؟
فأجاب يونس نيابة عنه: - أنا عرفت بالصدفة، عيسى مبلغنيش بالعمد
- بس أنا قولت آ..

فُتح الباب وأطلت منه ملك برأسها وعلى وجهها تجلّى الإعياء وهي غير قادرة الوقوف على ساقيها فقطعت كاريمان حديثها بينما كان يونس ينتبه إليها ب اهتمام: - أنتي خرجتي ليه؟
- سمعت صوتكوا بتزعقوا ف قلقت
ف صاحبها للداخل و: - متقلقيش
أدخلها وأغلق الباب من خلفهم، ورافقها نحو الفراش و: - أنادي الدكتور؟
ف ضحكت وهي تقول بعدما اختفى عبوسها المُقلق: - أنا كويسة، بس كنت عايزة أنقذك من نينة.

تنغض جبينه قبل أن يضحك هو الآخر، ثم عاد يجلس قبالتها وهو يشكرها ممتنًا على إنقاذها له: - شكرًا
وذمّ شفتيه متابعًا بهمس لم تسمعه: - ولسه لما افتح التليفون ويزيد يكلمني! هتبقى حفلة بجد
كأن ذهاب يونس الذي أفسد ما بقى سبب كافي لأن يظل عابس الوجه طوال اليوم. وما ضخّم من حجم الأمر بجانب ذلك إغلاقهِ لهاتفهِ وعدم رد عيسى على اتصالاته المتكررة.

جلس يشرب قهوتهِ المفضلة بالحليب وهو يحاول مجددًا الإتصال ب عيسى، حتى أجاب هذه المرة. ف تحفّز يزيد ل يُسمعه كلمات حادة لتجاهله: - أنت مبتردش ليه! المفروض يعني تاخد أذن من يونس عشان ترد على الزفت التليفون!
ف إذ بصوت شقيقهِ يرد عليه: - طبعًا لازم ياخد الأذن، مش دراعي اليمين والراجل بتاعي!

انتصب يزيد في جلسته وقد احمرّ وجهه بعصبية لم يستطع أن يعبر عنها وبقى مجبرًا على جمحها: - أنت فين يايونس؟ إزاي أتفاجئ زي الغريب كده إنك سافرت بعد الفجر من غير ما تعبرني وتقولي
ف أجابه يونس بهدوءهِ المعتاد: - الحق عليا مكنتش عايز أزعجك وانا عارف إنك راجع متأخر.

التقط يزيد مكعب من السكر ودسهُ في فمه ليمتصه عندما شعر ب انخفاض السكر في الدم، ثم قال وهو يجرشها بين أسنانهِ مغتاظًا: - وإيه الكارثة اللي خلتك تاخد طيارة خاصة ومتستناش للصبح!
- ملك تعبت و لسه راجعين بيها من المس..
فقاطعه يزيد وقد سئم تلك الفتاة التي استحوذت على عقل شقيقهِ: - يادي ملك! ملك ملك ملك! أنا حاسس إنها جاية تشاركني فيك! أنا زهقت.

قطب جبينه من عبارة شقيقهِ التي أثارت حفيظته وعلق عليها متعجبًا: - تشاركك! فيا أنا!
ف أكد يزيد مقصده: - آه تشاركني فيك، أنت اخويا أنا، توأمي أنا. وهي تبقالها حيالله ابن عمها، يعني أنا أولى تكون جمبي
ف ابتسم يونس وقد أحس بغبطة يزيد و: - بنت عمنا وأمانة عمي برضو يازيزو. وبنت ملهاش غيرنا بعد عمي، مين يعني هيكون جمبها!

ف احتد أسلوبه وهو يبعد عن نفسه تلك المسؤولية التي حمد الله إنه لم يحملها منذ البداية: - اتكلم عن نفسك انا ماليش دعوة، وأقفل بقا عشان مش طايق روحي
- أهدا طيب
دنت منه نغم وهي تحمل فنجان من القهوة الساخنة وأردفت بصوتها الناعم غير منتبهة إنه يتحدث في الهاتف: - أنا عملتلك قهوة بنفسي عشان طنط خديجة مش فاضية
ف ابتسم يونس ب ودّ وهو يبعد الهاتف عن أذنه وقال ممتنًا: - تسلمي تعبتي نفسك.

ف ابتسمت هي الأخرى و: - بألف هنا
ثم تساءلت بفضول: - هو يزيد مرجعش معاك ليه؟
ف ضاقت عينا يونس وهو يجيبها: - لسه وراه حاجات هناك
ف أومأت رأسها وقررت أن تنصرف قبل أن يحشرها بأي سؤال و: - أنا هطلع لملك
وانصرفت وهي تؤنب نفسها وتعاتبها: - إيه اللي انا بعمله ده! أنا مالي انا يرجع ولا لأ
ودلفت للمنزل تاركة إياه في الحديقة.
بينما تابع يونس مكالمته: - معاك
فتسائل يزيد ب تحيّر: - ودي بتسأل عليا ليه؟!

ارتشف يونس أول رشفة من القهوة وأجاب: - معرفش، لما ترجع أسألها بنفسك
- ولا أسألها ولا تسألني، تلاقيها مش لاقية حد تجر شكله غيري
استطعم يونس مذاق القهوة وقد أعجبهُ بشدة، ونظر للفنجان وهو يقول: - تصدق عليها فنجان قهوة مزاج على الآخر!
ف اشتط يزيد أكثر وهمّ يُسرع ب إغلاق المكالمة: - أقفل، أقفل عشان دماغي مش ناقصة روقانك. سلام.

أغلق بدون أن يعترض يونس، ظل عالقًا بمذاق القهوة التي لم يشربها منذ زمن بهذا الطعم الأصيل، وكأنك ذهبت لمنبع صُنعها. اشتم رائحتها وهو يدخل، وتضايق عندما أنهاها كأنه لم يكتفي بعد. وعندما دخل المطبخ ليترك الفنجان، وجد فنجان آخر قد تم صُنعه توًا متروك على الطاولة، ف دنى منه وارتشف قطرة واحدة امتعض بعدها وجهه لمذاقها السئ الذي لا يُضاهي التي صنعتها نغم. وتركها وهو يقول: - أكيد بتاعة كاري، طول عمرها فاشلة في القهوة. الله يرحمك ياجدي، مكنش يحب القهوة من إيدها خالص.

وخرج بعدما تعكر مزاجه لهذا المذاق السئ الذي شبههُ بالماء المُعكر بمسحوق القهوة.
كانت قد أعدت ل ليلة مميزة مع زوجها.

نعم لا تُحبهُ، أجل لا تريد هذه الحياة التي فرضتها على نفسها گجزء من خطة انتقامية كي تُذل يزيد. ولكنها قررت أن تتنازل عن كل هذا في سبيل سلامها النفسي. في سبيل أن تعطي نفسها الفرصة لتحيا من جديد. لتصنع من رماد زواجها الأول والذي حُكم عليه بالفشل زهور زواجها الثاني الذي اختارته ب ملء إرادتها.
جهزت رغدة مائدة من الطعام وصنعت أغلب الأصناف بنفسها، وتأنقت في ثوب أصفر رقيق لاق ببشرتها البيضاء.

أثارت تعجب معتصم الذي عاد من الخارج كي يجد كل هذا أمامه، ولكنها تركت بداخلهُ حبورًا.
أجلسها معتصم أولًا ثم جلس قبالتها وهو يقول: - أنا خايف أتعود على الدلع ده!
ف راحت تُمسك بكفهِ المسنود على المائدة و: - أنا عايزة تكون حياتنا كده على طول، نسيب كل حاجه ورانا ونبدأ من جديد
ف داعب أصابعها وهو يبتسم قبل أن يُقبّل يدها و: - موافق، موافق على أي حاجه معاكي.

ابتسمت هي الأخرى وهي تسحب يدها، وبدأت تضع شرائح اللحم المطهو في طبقهِ ثم وضعت الأرز، ثم صنعت طبق لنفسها وبدأت تتناول منه.
لم يطول هدوءهم وحديثهم الذي شمل موضوعات شتّى، حيث رنّ هاتف معتصم بعد أن تجاهل الكثير من الرسائل. امتعض وجهه وهو ينظر لأسم المتصل، وسرعان ما ترك الطعام وأجاب: - خير؟

يبدو إنه في مكان صخبت أجوائه، الموسيقى الأجنبية العالية وصوت الضوضاء. ومن بين ذلك استطاع معتصم أن يستمع لصوت يزيد المبتهج الذي أتاه من بين هذا الضجيج: - إيه يامعتصم! مش تسأل عني طالما لقتني غيبت يومين عن المجموعة
ف تهكم معتصم وهو يجيب عليه أثناء نظره لزوجته التي لم تعلم بعد هوية المُتصل: - بالعكس، أنا مرتاح طول ماانت بعيد.

- ده مؤقتًا بس. المهم، في رسالة مهمة أنا سايبهالك أبقى شوفها. سلام ياأبو الصحاب
أغلق يزيد وفي داخله رضا شديد عما فعله، كان يضحك بهيستريا، يود وبشدة لو إنه يرى وجهه الآن.

حينئذ كان معتصم يتفحص صندوق الرسائل الواردة. فوجد صورتين، واحدة منهن جمعت بين يزيد و frank في الإحتفال بالتوقيع. كان يزيد يتبع صيحات الموضة في الصورة ويخرج لسانهِ من طرف فمه، والأخرى هي صورة العقد الذي تم توثيقهِ وتوقيعه من كلا الطرفين.
قذف معتصم بهاتفهِ وهو يصرخ: - أبن الك ××× ال ××××××.

لم تحرك رغدة ساكنًا، فقط تناولت كأس المياه وارتشفت منه بهدوء يغالب شعور الحزن والقهر بداخلها. فلم تنجح محاولاتها لفصل اثنتيهم عن بعضهم البعض وذهبت مجهوداتها سدى. ظل معتصم يصيح بكلام كثير أغلبه السبّ واللعن، فضاق صدرها أكثر: - نفذ اللي في دماغه ومضى معاهم، بس انا مش ه اهنيه على المشروع ده، هيلاقيني زي الخازوق طالع في كل حاجه.

قذفت رغدة كأس المياه ف تهشم، ونهضت عن مكانها وهي تردف: - يوم واحد حبيت نكون في هدوء، لكن مفيش فايدة. هوسك ب يزيد هيخلص علينا يامعتصم
فصرخ في وجهها: - أنا اللي هخلص عليه
فهزت رأسها بالنفي و: - أحنا اللي بننتهي وانت مش واخد بالك
وزجرتهُ بنظرة أخيرة قبل أن تدخل لمخدعها، كي تترك نفسها للبكاء من جديد. لم تفلح. لم تفلح بدون يزيد في أي شئ، حتى لم تفلح في اختيار زواج آخر.

ها هي تشهد على لحظات التعاسة التي أقسم يزيد أن يجعلها تعيشها، لقد نفذ قسمهِ بالفعل، ف هي بالفعل لا تعيش سوى معنى التعاسة.

خرج يونس من غرفة إبراهيم برفقة الطبيب بعدما اطمئن عليه. كان يبدو عليه الإعياء الشديد. وجهه الذي نحف ف تبينّت تجاعيدهِ، وجسده الذي أصبح هزيلًا أكثر مع التعرض للعلاج الكيميائي، أصابه الحزن الشديد لرؤيته في هذه الحالة، خاصة إنه لا يردد سوى برغبتهِ المُلحة كي يعود إلى منزله، لا يرغب بأن يقضي لياليهِ الأخيرة كما أسماها في فراش بالمشفى.

تحدث الطبيب إليه بشفافية شديدة موضحًا مدى سوء حالتهِ: - إحنا بنحاول نطبق الخطوات اللي ينفع تتعمل مع حالته، زي ماانت عارف مينفعش أي تدخل جراحي في حالته المتأخرة. لكن لازم أعرفك إن الوضع مش مُطمئن بالمرة
أجفل يونس وقد أصابه الإحباط بعدما تأمل عبثًا بأن تتحسن حالتهُ: - مفيش أي حلول تانية؟ حتى لو سفر برا.

- مفيش أي حاجه هتتعمل أكتر من اللي بنعمله، أستاذ إبراهيم تهاون كتير أوي لحد ما السرطان تفشى وأصبحت السيطرة عليه مستحيلة
هز الطبيب كتفهِ بقلة حيلة و: - آسف بس دي الحقيقة
وانصرف.
— جانب آخر —.

سئمت ملك مشاهدة التلفاز وحدها، ف انضمت إلى كاريمان في غرفتها الخاصة كي تجلس معها. كانت كاريمان تُحيك أشياءًا من خيوط الصوف الملونة تريكو، ف أُعجبت ملك كثيرًا بالفكرة وأحبت أن تراقبها كي تتعلم، كانت كاريمان توجهها وتشرح لها تفصيليًا ماذا تفعل: - بعد كده نحط اللون الأزرق من أول النص عشان تطلع زي الصورة
تطلعت ملك للصورة وأبدت رأيها المعارض: - أنا شايفة الأصفر هيكون أجمل، هيديها روح.

ف ابتسمت كاريمان وهي تؤيد رأيها الصائب: - Do?ru صح. هنجرب
ثم تابعت ما تقوم به وهي تعرض عليها: - إيه رأيك في كورس تطريز وتفصيل؟، حاجه جديدة وتشغل وقتك
ف أُعجبت ملك بالفكرة كثيرًا و: - أنا موافقة أوي
دخلت خديجة إليهم وهي تحمل دواء ضغط الدم وكأس من الماء و: - معاد دوا الضغط ياهانم
ناولتها كأس الماء وهي تتابع: - يزيد لسه واصل من شوية ومستني يونس في الجنينة.

أشاحت كاريمان بيدها وقد تنازلت عن محاولاتها كي تجعل انتماءهِ للعائلة بقلة حيلة و: - خليه لوحده، ولد متمرد
- ملك، عمي بيموت. تعبان ومحتاجك، المرض بياكل من جسمه وأمنيته الأخيرة ياخدك في حضنه
رمقهُ يزيد بنظرات غير مقتنعة من أداءهِ و: - هتقولها كده! أنا متهيألي لو وقفت قدامها مش هتنطق بكلمة واحدة.

ترك يونس تجسيد المشهد وقد أحس بقنوط. لقد قرر إبلاغها بهذا السر كي يقع عن عاتقهِ ذنب أن يموت إبراهيم بدون تراه ابنته للمرة الأخيرة وأن تقول له إنها سامحت في حقها. ولكنه فعلًا سيفشل في إبلاغها.
تحرك يونس بعشوائية وهو يتنفس بدورات غير منتظمة و: - أمال هقول إيه!
ثم نظر لشقيقهِ و: - طب ما تقولها انت!؟
- أنا!؟ ده أنا آخر واحد ممكن يبلغها خبر زي ده
نفخ يونس ب انزعاج و: - ليه؟

- عشان انا الحقيقة مش طايقها، ومش طايق فكرة إنها تتبرى من ابوها لمجرد إنها عاشت ظروف وحشة. مهما كان ده كان بيدور على مصلحتها، أنت مشوفتش نظرة عينه وهي في المستشفى بتموت، كان مستعد يديها اللي فاضل من عمره. وهي بكل سهولة كده تقول مش عايزه أشوفه!
ف دافع يونس عنها مستميتًا: - اللي عاشته مكنش سهل يايزيد. محتاجة شوية وقت جرحها يلم، وبعدين هي متعرفش الوضع الصحي بتاعه.

فأحاد يزيد بصره غير راضيًا عن وجهة نظره: - ده كلام فارغ ياعم
تنهد يونس وهو يختم حديثهُ: - خلاص هقولها. ملك، عمي تعبان ولازم تزوريه
ف صحح له يزيد وقد أحس بوجع من تلك الحقيقة المؤلمة: - قصدك عمي بيموت ولازم تروحيله للمرة الأخيرة
- يونس!

التفت كلاهما على صوت ملك الذي أتى من خلفهم، انقبض قلب يونس من ملامحها المتغيرة ووجهها الشاحب، حينما كانت هي تقترب منه بخطى شبه متعجلة، ووقفت أمامه تسأله بعيون لامعة على وشك أن تفيض بالدموع: - حقيقي بابا بيموت؟.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة