قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل التاسع

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي بجميع فصولها

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل التاسع

بعد أن تلقت وردة تلك الضربة القاتلة، من يد هذا الوحش البشري، صرخت صرخة هزت سكون الليل، تلك الصرخة التي جعلت قلب حامد يخرج من بين أضلاعه، ويشعر به وكأنه يغوص في أعمق المحيطات.
الرجل بعد أن وجد وردة أغشي عليها قال مسرعآ: بكفاية إكده، الصبح قرب ينور، خلينا نمشي من إهنه بسرعة، أخذوا سلاح حامد ثم ألقوه أرضاً وفروا هاربين.
لم يلحق بهم بل أسرع زاحفاً ليطمئن على زوجته.

اقترب منها وجدها مثل الدمية المصنوعة من قماش بالي، ملقاة بلا حراك، أو صوت وحولها بركة من الدماء، وكأن سيول سوف تجرف ولده في طريقها، احتضنها وصرخ بأعلى صوته: وردااااااا
نظر حوله ليجد والدها ما زال مغشياً عليه أيضآ، شعر بالعجز، حمل حبيبته، واقترب من والدها، وانحنى يريد أن يحمله أيضآ لكن لم يستطع، رأى ضوء لسيارة تقترب منه، وكأنها طوق نجاة ألقى لغريق في أخر لحظه، وضع وردة أرضآ، ووقف يعترض طريق السيارة، وعندما وقفت، إذ بها سيارة سالم شقيق زوجته ملك، لكن لا مانع لديه الأن أن يقبل حذائه لينقذ روحه من الهلاك.

حامد بلهجة سريعة وباكية، وعيون راجية: إلحقني ياسالم ابوس يدك، وقبل أن يكمل كان سالم قد خرج من السيارة واتجه مسرعآ نحو والد وردة وحمله، وقال: مفيش وقت للحديت، بسرعة هاتها قبل ما تتصفى.
أسرع حامد وحمل وردة وركبوا جميعا السيارة، حامد وزوجته ووالدها بالخلف، وبدر بجوار سالم في الأمام.
وانطلق سالم بأقصى سرعة، وساعده على ذلك خلو الطريق في هذا الوقت.

كانت عبير تتحدث إلى عليا هاتفيا.
عليا: خلاص ياعبير متقلقيش، بدر عرف يوصل لسالم، وهو حاليا معاه.
عبير: إنتي متوكدة إنه بخير ياخيتي؟
عليا بتعجب: برده حتى بعد ما ضربك قلقاته كده؟!
عبير: مش بيدي يابنت ابوي، أيوه زعلانه منيه، وحازز في نفسي اللي عمله، بس هو بردك جوزي، وحبيبي، وأبو ولدي وعارفه إن غيابه بره ده لأنه مغلط نفسيه.

عليا: على العموم متقلقيش من شويه بدر كلمني وقال انه لقاه في صالة الرياضه، وهو معاه ومش هيسيبه إلا لما يعقله، بس اعملي نصيحتي حبيبتي، مش بقسيكي والله بس لااااازم سالم يحس بزعلك، وانك مش أمر مسلم بيه، يزعلك، ويقهرك وكده كده موجوده.
عبير بحزن: اني إكده ولا إكده المرة دي مهجدرش أداري زعلي؛ لأن قلبي مدبوح.
عليا بحب: ربنا يريح قلبك ياحبيبتي، أنا صليت الفجر، وهقوم أذاكر شويه الامتحانات قربت خالص.
عبير: معلش كلمتك بدري إكده بس كنت قلقانه.
عليا: ولا يهمك ياحبيبتي كنت صاحيه اساسا. يالا سلام.

انهت عليا المكالمة مع شقيقتها، وشردت قليلا في حال هذا الحب الذي تحول لقسوة، لماذا حدث هذا، فسالم عاشق لعبير هل كل حب من الممكن أن يهتز بهذه الصورة؟!

تذكرت بدر حينما يدافع عنها امام والدته، ووالده لا يريد أن يجرحها أحد حتى ولو بكلمة واحدة، فهو دائماً يسعى ان يرى ابتسامتها، حتى في مشاكلها دائماً بجانبها لم يسترح عندما علم ما حل بعبير، وقرر مساعدتها.
رفعت عليا حاجبيها بتعجب لما المقارنه؟ فسالم زوج أختها، أما بدر فهو... ماذا هو ظلت تفكر قليلاً عن ماهية بدر هو ثم قالت في نفسها بدر الصديق، والقدوة، والأخ، منذ الصغر هو من لا تستطيع عدم وجوده في حياتها، هو وعدها بأن يظل بجانبها دائماً.
ابتسمت عندما تذكرت وعده هذا، ثم تذكرت أنه سيسألها عن المذاكرة.

اتجهت لمكتبها، وشرعت في استذكار دروسها، وبعد وقت ليس بقليل، عندما همت بمذاكرة المادة التي يدرسها لها كريم تذكرته فقالت محدثه نفسها: يااااه من امبارح مشفتكش ياكيمو، يا ترى وحشتك؟ اكيد وحشتك، ثم أخرجت صورة له قد رسمتها، ووقفت وتوجهت للنافذه التي أسمتها نافذة الحياه، فتلك النافذه عندما فتحت لأول مرة أعطيتها سبب للحياه، فتحتها، ولم تنطق اسم كريم، خوفاً أن يسمعها أحد بل ظلت تتأمل الصورة بيدها، فترة تريد الحب، تريد أن تستمع لكلمات انتظرتها طويلا، رفعت نظرها لتجد كريم أمامها، ابتسمت بسعادة.

كريم: حبيبتي واقفه وحدها ليه؟ منادتيش عليا يعني.
عليا بابتسامه: خفت حد يسمعني، واعمل مشكلة.
كريم: وحشتييييييني.
عليا بفرحة: كنت عارفه إني اكيد وحشتك، معلش اتلهيت مع عبير كانت زعلانه شويه، وروت له ما حدث حتى عن مكالمتها لبدر كي تطلب منه مساعدته، وذهابه لسالم.
كريم بغيره: بدر ده الظاهر إنسان طيب وكويس أوي.

ابتسمت وتحدثت بحماسه: فعلا ده اطيب قلب، معلش حبيبي زي ما قولت ليك بلاش غيرة من بدر هو جزء كبير ومهم في حياتي.
نظر لها كريم دون أن ينطق فترة، ثم قال: بس عبير لازم تحسس سالم بزعلها، لأنه اتعود على أنها أمر مسلم بيه في حياته.
نظرت عليا لكريم بتعجب وفرحة: انت كمان ده رأيك، ده كلامي وكأنك دخلت عقلي ورددت كلامي، وكمان ده رأي بدر لما اتناقشت معاه.
كريم بابتسامه: إيه الورقه اللي معاكي دي؟

شعرت بفرحه تدب قلبها كم تمنت تريه رسمتها فقالت بابتسامه: دي موهبتي، بحب الرسم جدا وأكتر حاجه رسمتها هى وشك.
كريم الفرحه وتعجب: رسمتيني انا؟! بجد وريني.
أدارت عليا الصورة لكريم فابتسم بحب، وأثنى عليها كثيراً.
عليا: قولي بقى انت هوايتك ايه؟
كريم: تفتكري انتي ايه؟ ها خمني.

عليا: ياريت تكون الشعر، أنا بحب الشعر جدا، وبدر كمان بيحب الشعر أوي.
كريم: برافو عليكي يا عليا انا كمان بحب الشعر، يعني احنا بنكمل بعض ها تحبي اسمعك حاجه؟
عليا بفرحة: طبعا احب.
ركز كريم نظراته على نظرات عليا بحب وقال بصوت يملأه العشق كما تمنت تماما ان تسمعه عليا.

ملهمتي

ماذا أقول فيما فعلتي
و فيما قذفتي في قلبي
أنت معذبتي

ماذا اقول في جمال
أبهرني، أحرقني
و سرق مني مخيلتي
وأخمد حربي و ملحمتي
لأجله أنكس راياتي
والقي بآخر أسلحتي
يا رائحة الورد الأحمر
و مزيج ما بين الشمس والقمر
و بين النوم و السهر
و خلاصة حبات السكر
يا أول وآخر صورة بحافظتي.

عندما انتهى كريم من هذه الكلمات، شعرت عليا وكأن ماس كهربي خفيف جدا يسري ببدنها، وجعل دقات قلبها تكاد تصرخ من قوتها، واتسعت شفتيها بابتسامه تعبر عن فرحتها، ولمعت عيونها بدموع العشق.

عليا بحب: كلامك جميل جدا ياكريم، تعرف من جماله حسيت كأني سمعته قبل كده ربنا يديمك في حياتي، ويارب مشكلتك تنحل بقى علشان ...صمتت وهى تشعر بحرج، وتوردت وجنتيها فأكمل كريم بسعادة كما كانت تتمنى عليا دائما: علشان نكون مع بعض دايماً، ونكمل حياتنا سوا لأخر العمر.

كان قلب عليا يرقص على دقات تلك الكلمات فقالت بنبره يغلفها السعاده والحب: يارب.
كريم: أسيبك تكملي مذاكرة علشان عايز تقدير زي كل سنه، وتكوني زميلة كمان.

عليا بابتسامة: ماشي هدخل أكمل سلام.
كريم بابتسامة مماثله: سلام.
أغلقت هى النافذه قبل كريم كعادتها، وعادت لمكتبها تكمل مراجعة محاضرتها.

حتى محاضرتها الجديده يحضرها لها بدر أول بأول عن طريق مصطفى الذي يرسلها له دائماً كما أوصاه.
ف علاقة أهل مصطفى، بأهل عليا وبدر كانت وطيدة ولا يستطيع أن يرفض لهم طلب.

في المشفى يسير حامد ذهاباً، إياباً، وكأن أسفله جمر، عيناه تكاد تخترق غرفة العمليات، طال عليه الإنتظار وكأنه ينتظر منذ دهر، كل هذا تحت نظرات سالم المخالفه لقلبه، فنظراته موافقه لعقله غاضبه من زوج أخته؛ فها هو أمامه قلبه يحترق على من تزوجها غير شقيقته، أما قلبه فيشعر بالشفقه على حال تلك المسكينه التي لا يعلم أحدهم ستنجو هى وجنينها، أم سينتهى أمرهم بسبب يد غادرة، متوحشة، يشعر انه مقيد فالوقت غير مناسب لأي كلام الأن، ربت على كتفه بدر الواقف بجانبه، يشعر بما يدور داخله من صراع، يحاول أن يهدأه قليلا.

نظروا جميعاً لممرضه تدفع كرسي متحرك يجلس عليه والد ورده الذي تم إفاقته، وعلاج جرح رأسه ما أن وصل للمشفى ثم أمر الطبيب أن يستريح في غرفه، وتعليق محلول مغذي له تعويضاً عن الدماء الذي فقدها إثر هذا الجرح.
اقترب منه حامد سريعاً وجثى أمامه وقال بنبرة قلقه: إيه اللي خرجك من الأوضه دلوك يا عمي، ثم رفع نظره لممرضه مستفسراً فقالت بصوت هادئ: هو صمم ياجي إهنه بنفسه يستنى بته علشان يطمن، ولما مقدرش يقف معرفتش أمنعه بردك، جبتله كرسي وساعدته.

وضع والد ورده يده على كتف حامد وسأله بعين دامعه: بتي يا حامد كيفها، ليه عوجت إكده جوه.
انسابت دمعه قلق وحزن على وجه حامد فرفع يده وأزالها سريعاً وقال مطمئناً، وكأنه يطمئن حاله: متخافش يابوي، ورده هتكون زينه، مش هتهملني أني عارف إكده بس قول يارب.
رفع والدها نظره لأعلى راجياً من الله نجاة ابنته وقال بقلب متمزق: يااااارب نجيها.

خرج الطبيب من غرفة العمليات، وعيون الجميع تعلقت به، أقبل عليه حامد بلهفة، وعيون راجية تطلب الإطمئنان: طمني يادكتور مرتي، وابني بخير مش إكده؟

نظر له الطبيب وتحدث بهدوء: الحاله صعبة قوي، المدام حصلها نزيف حاد أدى للإجهاض للأسف، ده غير إن الرحم تضرر جدا بسبب ضربه او خبطه فيه، لأخر وقت كنت هضطر أشيله؛ بس ربنا كريم قدرنا نسيطر على الموقف، هتتنقل العناية المشد ة ولو الكام ساعه الجاين عدوا بسلام هتبقى بخير، ادعولها.

كل هذا الكلام كان يخرج من فم الطبيب كطلقات ناريه مصوبه تجاه قلب والدها الذي بكى بقوة خوفاً على صغيره، ورفع يده يناحي ربه مرة أخرى، وقلب حامد، الذي اختل توازنه وجلس أرضاً، اقترب منه بدر، وربت على كتفه: شد حيلك ياحامد، ربنا يعوض عليك.
نظر له حامد بتوهان: ولدي اللي مشفش نور اتقتل؟ راح خلاص؟واللي قتله مين أبوي ؟!

نهض كمن لدغته حية، والشر يكاد يخرج متجسماً من عيناه: لازمن أقتله، طار ولدي لازمن أخده، وهم خارجاً لكن هناك يد أمسكته بقوة، نظر لمن يقيده فوجده سالم.
نظر سالم لوالد ورده وطلب منه الذهاب مع الممرضه لغرفته كي يستريح، وأنهم سيطمئنوه عليها عندما تستفيق، فهز والدها رأسه بالموافقه فليس بيده غير الدعاء، ويعلم أن هذا هو طوق النجاه.

تحدث حامد بصوت عالي، وهو يحاول الإفلات من قبضة سالم: هملني ياسالم دلوك، لازمن اجيب حق ولدي، ومرتي.
سالم ليسيطر على انفعال حامد، وربما ليخرج غضبه ايضاً، لكمه في وجهه بقوة فطرح جسد حامد أرضاً، فهو الأن في أضعف حالاته النفسية، والجسديه، لم يرفع نظره من الأرض لكن تكلم دون النظر لسالم: عارف إنك مطيجنيش ياسالم، بس هملني أجيب حق ولدي وبعدها هسلم نفسي واعمل اللي تحبه فيا، خد حق أختك كيف ما تريد.

هدأ قليلاً ثم جذب يده من بدر الذي اقترب منه يمنعه ان يكرر الضربه لحامد، ومد يده لحامد وأوقفه.
جذبه سالم ليجلسا سوياً على إحدى استراحات المشفى وقال له بهدوء: تعالى بس اقعد واهدى أولا البقاء لله، اكيد مهفرحش في الموت، خصوصي من طفل ملوش ذنب، وضربي ليك ممكن يكون غيظ شويه بس مش ده السبب بس، أنا عايزك تهدى وتجولي إيه اللي حوصل بالضبط، وحق ولدك مهيروحش هدر صدقني، زي ما حق خيتي برده مهسيبوش فاهمني؟

حامد بوهن: عايز أقولك إيه ياسالم، أني تحت امرك.
سالم: ليه اتجوزت أختى، مع إنك كنت متجوز قبلها المسكينه اللي جوه دي؟
علم حامد ان سالم تقصى عن الموضوع بأكمله فقال بصدق: صدجني ياخوي أنا عمري ما كرهت خيتك، بس بردك محبتهاش علوان هو اللي دمرني، وغصبني على الجوازه دي، حقك على راسي ياواد عمي.

سالم باستهزاء: وانت حرمة إياك علشان يغصبك؟!
تغاضى عن الإهانة، وتحدث بحزن: لأ مش حرمة ياسالم بيه، لكن علوان هددني إنه هيجتل وردة، وأبوها كمان ولأني عارف إن قلبه قاسي ويعملها، خفت مكنتش عارف أدبر مكان ليها بعيد عن عيون رجالته، مقدرتش أقله إني اتجوزتها من غير علمه، كنت بقول لما تخلف قلبه هيحن لحفيده، مكنتش اعرف إن قلبه مات إكده.
سالم بهدوء: خلاص إهدى إكده، ومتستغربش أن ابوك قتل ولدك؛ لأنه كل يوم بيقتل في ولاد الناس، وولاد بلده بدم بارد.

عقد حاجبيه، ونظر لسالم باستفسار: بتجول إيه ياسالم ؟!
سالم بغضب مكتوم، وصوت منخفض: علوان تاجر مخدرات، وعلشان إكده غصب عليك تتجوز أختي، كان فاكر لما يناسبني هحميه من السجن، والقانون.
وقف حامد بغضب: يبجى لازمن اخلص منيه، وأخلص الناس من شره.
أجلسه سالم مرة أخرى، وتحدث بهدوء: حقك، وحق أختي، وحق الناس كلتها اللي اضرت بسببه القانون هياخده، وانت اللي هتساعدنا على إكده.
نظر له وتحدث بنبرة إصرار: كيف ده؟ اني تحت أمرك.

حك سالم جبينه بيده في محاوله لترتيب الحديث، ثم تحدث بجديه: الأول انت هطلق خيتي، اللي انظلمت معاكم دي بكفياها إكده، بس مش هنقول لحد دلوك، هيكون الطلاق سر بيناتنا، علشان علوان يهدى من نحيتك ويطمن، وبعدها هتقرب ليه، وتحسسه إنك دراعه اليمين، وحابب تشتغل إمعاه في المحلات بتاعته،، وهتحسسه إنك نسيت وردة خالص، وكومان مهتزورهاش إهنه تاني وملكش صالح بيها أني ههتم بيها من بعيد، وهحميها بطريقتي.

حامد بتعجب: بتقول إيه ياسالم.
نظر له وتحدث بغضب لكن محافظاً على انخفاض صوته: هتساعدني اخد حق ولدك وحق كل مظلوم من علوان ولا لأ؟
صمت قليلاً يفكر ثم قال بهدوء: حاضر اللي تأمر بيه هنفذه، وبعدين.

سالم: لما يوثق فيك، أسراره هتكون معاك لأنك ولده وأكيد بيتمنى إكده وهتعرف ازاي بيتعاملوا و ميعاد ومكان تسليم بضايعهم، وبكده ينقبض عليه متلبس هو واللي معاه، وفرضنا حتى أنه مأمنش ليك أوي أني هعرف أخليك تساعدنا نوصله بس واحده واحده، علشان ميشكش، ومجيك عندي في البيت مش هيشك فيه لأنك في نظره مطلقتش بس ملك بترتاح يومين.

انكس حامد رأسه يفكر قليلا ثم قال بحزن: معاك ياود عمي، اللي تأمر بيه.
اقتربت منهم ممرضه، وقالت: المدام بتفوق، وتنادي باسم حامد
نهض حامد مسرعا تحت نظرات بدر وسالم، واتجه للعناية المشد ه، وتم تعقيمه وحده فغير مسموح بدخول أحد، لكن لم يستطيعوا منعه، ارتدى الملابس الخاصة بالدخول، ودلف ثم اقترب منها ببطئ.

دموع القهر، والإنكسار انسابت وتحدث بخجل هو ممسك بيدها: سلامتك ياعمري كله، حقك عليا مقدرتش أحميكم.
ورده بصوت يكاد لا يسمع: أبوي فين جراله إيه؟
حامد مسرعاً: متخافيش هو بخير بس مرضيوش يدخلوه إهنه معاي.

حركت يدها ببطئ الأخرى ووضعتها على بطنها، صدمت عندما شعرت أن جزء من روحها خرج منها بلا عودة
قالت بضعف شديد ودموع: ولدي ياحامد، عايزه ولدي ثم صرخت بقهر ولدااااااااااي، وغابت عن الوعي لأجل غير محدود، فعندما حضر الطبيب إثر سماعه صرختها، وطلب حامد له مسرعاً، وبعد فحصها تأكد أن لا سبب عضوي لإغمائها قال هو ينظر لحامد: شد حيلك المدام دخلت في غيبوبه في الأغلب هتكون نفسيه، لرفضها اللي حصل.

نظر له حامد وهز رأسه بعدم فهم: يعني إيه الحديت ده؟
الطبيب: يعني اتعرضت لصدمة نتيجة فقدان الجنين، ودخلت في غيبوبه الله أعلم هتفوق منها إمتى؛ بس هتحتاج علاج نفسي.

حامد شعر وكأنه جبل يخر من كثرة الصدمات، اقترب من عشقه وجثى أرضاً بجانبها ونظر لها بحزن وحدثها وكأنها تسمعه: هتفوقي، وهاخد طار ولدك، وهتكوني زينه مش إكده ياوردتي؟
نهض، ووجه حديثه للطبيب بجديه: اعمل كل اللي تقدر عليه يا دكتور، وراعيها زين وميهمكش الفلوس، حتى لو مجيتش هشيع كل مصاريفها وذياده،

هز الطبيب رأسه بموافقه وقال بنبرة مطمئنه: متقلقش حالتها ان شاء الله مش خطيرة ومع العلاج هتتحسن وانا هبذل جهدي في الإهتمام بيها.

اقترب منها حامد مرة أخرى وانحنى قبل جبينها بكل الحب الذي يحمله داخله، ثم تركها وخرج متوجهاً لسالم المنتظر بالخارج، وقص عليه ما حدث لورده ثم قال بتحدي، وقلبه ملئ بالحقد: كل اللي عايزه مني هنفذه ياسالم بس اشوف حبل المشنقه ملفوف على رقبة علوان.

وقف واقترب منه، وقال بهدوء: ماشي تعالى يابدر معانا نطمن أبو ورده، وبلاش نقوله دلوك على الغيبوبه دي، ونخلي الدكتور يقوله بيديها مهدئات علشان تنعس.
بعد خروجهم من غرفة والد ورده اختلى سالم بالطيب.

سالم بجديه: أي حد هيسأل عن ورده وأبوها هتقول إن حامد جابها وبعد ما عرف بالإجهاض سابها، ومشى من غير ما يطل عليها، وإنها مأثرة فيك إنت، وبتعتبرها حاله خيريه هى وابوها وبتدفع الحساب، وأني هعرف أوصلك الفلوس من غير ما حد يعرف تمام يادكتور؟

هز الطبيب رأسه بالموافقه وقد فهم أن سالم كضابط لها وجهة نظر في هذا الطلب: حاضر ياسالم بيه، ومش هنجيب سيرة بوجود حضرتك معاه، ولا حتى هبلغدعن الحادث إلا لما حضرتك تقول، بس ياريت تفهم مدير المستشفى بكده.
سالم بهدوء: تمام فعلا ده حصل من أول ما وصلنا هنا.

اقترب من رجاله بغضب ونظر لهم نظرات ناريه، وصفع كل منهم صفعه قويه وهو يتحدث بغيظ وعيناه كالجمر.
علوان: كيف يابهيم انت وهو مقتلتوهاش، يعني إيه تضربوها وتقع سايحه في دمها تهربوا وكومان سبتوا ولدي معاها، طب مجبتهوش ليه ما كل بغل فيكم أكبر من التاني، إكده ممكن يلحقها، وتعيش أني عايز أخلصه منيها.

نظر له أحدهم بخوف، وتحدث بصوت مرتعش: ياسعادة البيه هما كانوا في حته زي المقطوع، بس فيها كام بيت إكده صغيرين النهار كان طلع خفنا حد يشوفنا ويتعرف علينا، وبعدين متقلقش حامد بيه معهوش عربيه يعني لو حتى حب يلحقها مهيقدرش دي سايحه في دمها وزمناتها اتصفت قبل ما يوصل بيها المستشفى.
جلس علوان على كرسي وهم يقفون أمامه بجانب بعضهم نظرهم للأسفل، نظر لهم وتحدث أمراً، تختفوا خالص اليومين دول، وأني هشيع حد يشوف راحوا مستشفى إيه ونعرف الأخبار، ولو عايشه نشوفلها حل المهم تبعد عن ولدي، معايزنش مشاكل مع سالم دلوك.

رفع صوته وقال لهم: غور يابقف منك ليه قبر يلمكم كلاتكم واصل.

انصرفوا من أمامه مهرولين، وأخرج هو هاتفه وقام بالاتصال بأحد رجاله، وأمره بتتبع أخبار ورده وأين توجد وهل ماتت أم أنها على قيد الحياه.

تم طلاق ملك من حامد سراً كل من يعلم ذلك هو حامد وملك وسالم، وعبير، ونوارة، وأيضاً بدر وأكد عليهم سالم أن لا يعلموا أحد بهذا في الوقت الحالي، ورغم اعتراض نوارة على الطلاق، رغم أنها رأت أثار الضرب على وجه ابنتها، إلا أنها في النهاية رضخت لقرار سالم فهى تعلم جيداً أنه لن يقوم بهذا الشئ إلا مع استحالة البقاء في هذا الزواج.

بعد إنصراف حامد، وبدر ومعهم المأذون.

نوارة بحزن: يادي الفضيحة، أوري وشي للناس كيف لما يعرفوا.
ملك ببكاء، وقهر: هو ده كل اللي همك يا اما، طب وأني مش حزنانه علشاني، تعرفي أنا اتجوزت حامد ده ليه؟ علشان كان نفسي ابعد عن قسوتك وطريقتك اللي بتعامليني بيها، وكأني علشان بت بس هجيبلك العار، اتجوزت واحد مبيطقنيش، وعمره ما قرب مني، ملمسش يدي حتى الا وهو بيضروبني، والمناديل اللي شوفته ده كان دم فروج، يعني كذب وأني مقدرتش اتحدت أو أفتح نفسي قولت هو أهون من قسوتك، أقله هو كان بالنسبه ليا غريب لسه مش أمي.

شايفه عمل فيا إيه، في اليوم اللي أخوي مد يده على مرته، انا كمان انضربت( داين تدان)

كل هذه الكلمات خرجت من فم ملك بقهر مشاعر حزن كانت محبوسه بين ضلوعها، أرادت أن تحررها الأن كي تطوي تلك الصفحة من حياتها، وأصرت أن تنقش الأتي بيدها لا بيد غيرها.

نظر سالم لملك وهي تتحدث وكل كلمة كانت كخنجر مصوب لقلبه، فهو من سمح لوالدته بتلك القسوة على شقيقته، كما أنه أخطأ عندما لم يتقصى جيدا عن عمل علوان قبل أن يقبل به، فقد حكم عليه من خلال سيرته الطيبه بين الناس، والتزام الخارجي فقط حكم بالمظهر وهذا ينافي طبيعة عمله كضابط.

أيضاً سمح لقسوة،وأفكار والدته، أن يسيطروا عليه شخصياً، وعلى علاقته بحبيبة عمره.

رفع نظره لعبير وجدها تجلس بجوار شقيقته تواسيها، شعر وكأنها تواسي حالها أيضاً.
قطعت شروده ملك وهى تمسح دموعها، وتتحدث برجاء: لو سمحت يا خوي عندي طلب بس الله يخليك مترفضش.
اقترب منها سالم جلس بجانبها على الأريكه ووضع يده على كتفها فلامست أصابعه يد عبير التي كانت تهدأ من ملك بوضع يدها على زراعها؛ فسحبت يدها بسرعة، كمن لامست جمر ثم وقفت وابتعدت قليلا نظر لها سالم بحزن، فوجدها تنظر بعيداً عنه؛ فتحدث إلى ملك.

سالم بهدوء: قولي ياخيتي إيه هو طلبك؟
ملك بنظرة رجاء أن لا يخذلها: رايده اشتغل في الشركة.
قاطعها نوارة بصوت مرتفع: رايده إيه يابت؟ سمعيني إكده.
ضحكت باستهزاء وهى تضرب كف على كف، ثم اكملت: البت تطلق، ورايده تجرسنا، وتمشي على هواها، والله عال أوي.

نظرت لها ملك بحزن ولم تنطق، ثم نظرت لأخيها مرة أخرى تنتظر قراره.
أغمض سالم عينيه للحظات ثم قال بصوت حنون: إذا كان ده هيريحك، ويخرجك من حزنك أني موافق.
ابتسمت ملك، وأخفت عبير ابتسامتها فهى سعدت بقراره الغير متوقع، لأنه ينافي رغبة والدته.

أما عن نوارة فقد تحدثت بعصبيه، وعدم تصديق: بتقول إيه ياولدي، كيف ده مهماكش الفضايح ؟!
سالم بهدوء: إذا سمحتي ياما اهدي شويه، مفيش فضايح ولا حاجه، محدش عارف بموضوع الطلاق خالص، وكمان هى هتكون في شركتنا اللي هى ليها حق فيها، كمان بدر هناك وهيخلي باله منها زين، اني متوكد من إكده.

نظرت نوارة لهم ووضعت يدها على رأسها وقالت بصوت صارخ: أاااااه يانفوخي، أعملوا اللي تعملوه اني خلااااص معدليش كلمه بناتكم.
ثم وقفت وتركتهم وصعدت لغرفتها، وهى تنادي للخادمة بعصبيه: إنتي يابت ياللي جوه، اعملي لي شاي تجيييييل وهاتيه فوق.

تجاهلت عبير سالم وكأنه سراب، ووجهت نظرها لملك، هتعوزي مني حاجه ياخيتي قبل ما اطلع؟
ملك: لأ ياحبيبتي انا كمان طالعه انام، بعد إذنك ياخوي، وتسلم على موافقتك.

هز سالم رأسه بهدوء وهو يفكر في تجاهل عبير له، وابتعادها عنه، ايعقل ان كلام بدر حقيقي؟
في أرقى وأفخم مستشفيات الإسكندرية تجلس حسناء، وبجوارها حازم.
حسناء بحزن: مش فاهمه ليه كل التحاليل والأشعات اللي عملناها دي، احنا مكملناش حاجه متجوزين.

لم ينظر لها حازم وتحدث بلا مبالاه: قولتلك قبل كده انتي لازم تخلفي علشان أبويا يهدى عليا، لو مش هتخلفي يبقى ملكيش لازمه، يبقى نتطمن.
شعرت حسناء بوخز في قلبها، ولكن كانت قد اعتادت على الإهانه.
اقتربت منهم ممرضه وقالت بنبرة عمليه: اتفضل حازم بيه، الدكتور محمد منتظر حضرتك، والمدام جوه.
وقف حازم وسار دون أن ينتظر حسناء التي شعرت بالحرج ممن حولها، ووقفت وسارت خلفه دون أن تنطق.

دلف حازم، وحسناء وعندما جلسا تحدث حازم بهدوء: ها يادكتور محمد إيه الأخبار.
الطبيب وعلى وجهه علامات الحزن: شوف يا حازم يابني انت ابن أعز أصدقائي، وأنا اتأكد من نتيجة التحاليل، والأشعات اللي طلبتها منكم كويس جداً شوف إنت كويس جدآ يا حازم، كل التحاليل والأشعه سليمه.
تهللت أسارير حازم وقال: طب كويس وإيه الحزن ده بقى اللى فى صوتك؟!
الطبيب بهدوء وحزن عندما رأي نظرات حسناء المتعلقه به، وصدرها يعلو ويهبط بسرعه تحدث بهدوء مترقب رد فعلها: علشان مع الأسف المدام عندها مشكلة ملهاش علاج في الرحم، وللأسف مفيش حالياً أي علاج لحالتها.

صدمة اجتاحت كيان حسناء شعرت وكأن كل شئ حولها يدور بسرعه شديده، فهى لن تصبح أم ابداً وقفت بجسد مرتعش، وعيون زائغه أرادت الرحيل لكن خانتها قدمها، ووقعت مغشيآ عليها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة