قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل التاسع عشر

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل التاسع عشر

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل التاسع عشر

ومع إختفاء آخر خيط من الضوء في السماء، هناك أمل بغدٍ أفضل وليل تتأرجح به سعادتنا بين لهفة وصناعة للأمجاد، طموحٌ على مشارف الحُلم مقرونًا بكابح الضير الآتي منه.

هرعت (عنود) صوبها وقد إنفرجت أسارير وجهها بصورة تتنافى مع حالتها قبل ذهابها معه، وقف آسر بمُحاذاتها وبنبرة ذات مغزى همس بالقُرب منها في ظفر: وانا كمان بحبك.
تلعثمت قليلًا في عباراتها وسرعان ما زُين وجهها بضحكة خفيفة. لتقف عنود أمامها وبإبتسامة طفولية رددت: تعالي شوفي قُصي جاب أيه؟!
انصاعت فداء لها لتهتف بحُب بعد ان وجدت شقيقتها تجذبها سيرًا ل خارج باب القصر الرئيسي: خير يارب!

استتبعت خُطوات شقيقتها حتى الخارج، وما أن نظرت إلى عربة النقل القابعة أمام القصر وما تحتويه حتى تابعت بسعادة غامرة: آلات خياطة!، قُصي؟، إنت قريت تفكيري إزاي؟ أنا دلوقتي بس فهمت إنت خليتنا نفضي الصالة ليه.

ترجل قُصي من باب العربة المُجاور لمقعد السائق وبنبرة ثابتة وقد افتر ثغرهُ عن إبتسامة صادقة أردف: الجيش قال، إتصرف.
إلتفتت فداء إلى شقيقتها الذي تبدل حالها للفرح الشديد لتربت على ظهرها بحنو واضح وراحت تقول بحماس: مُستعده؟

هزّت عنود رأسها بثقة مُفرطة وهي تحتضن سعادة شقيقتها بجفنيها الكثيفين، فيما حث هو بعض الرجال ل نقل آلات الحياكة حتى الصالة الكبيرة. بدأ يشاركهم نقل المُعدات في همّة ونشاط وقد لحق بهم يامن وآسر، أصبح سبب دعوة السيدات واضح تمامًا بينهن.

تراصت المُعدات داخل أروقة الصالة جنبًا إلى جنب. عَلت غمغمات السيدات اللاتي يتهامسن بشأن الأمر مع صخب وافر من صياح الأطفال ليهتف قُصي عاليًا بنبرة أكثر ثباتًا: أسمعوني يا جماعة، انا جمعتكم هنا النهاردا علشان محتاج مُساعدتكم في شغل قرب ميعاد تسليمه، مش باقي غير أسبوعين بس. أنا عارف أنها فكرة جنونية إننا نخلص شغل شهرين في أسبوعين ولكن مافيش حاجه مُستحيلة. طبعًا اللي مش حابب يتطوع مش هنجبره الموضوع إختياري بحت.

تنهدت عنود بأريحية من حديثه وهي تجأر إلى الله في كُل لحظة، آملةً بالوصول، شعرت للحظة بأنه لم يستحق كُرهها إلى هذا الحد لربما تحسست هي من إتهامهِ لها ولكنها بالفعل للمرة الأولى ترى الجانب الخيّر منه، تردد صدى أصواتهن بالموافقة ليفتر ثغرها عن إبتسامة عريضة. رمقتها بيسان بحنو وأمل.

اوتوماتيكيًا يتصل خيط سعادة إحداهن بالأُخريات، ف مَن جمعهن في رحم أُم واحد قادرًا على أن بذور الأمل والتفاؤل تتسلل من واحدة إلى الأُخرى. على الأغلب ينقسم كُل شيء إلى فصين. أما هن ف نوع جديد شُطر ل ثلاث مُتشابهات مُكملات ل نقاط الضعف فيهن...

بدأ قُصي يقسم المهام على الجميع، مجموعة تولت أمر الحياكة وأُخريات يستلمن ما تم تصميمه ومن هن مسؤولات عن أدوات التزيين في كُل تصميم. فيما تولت بيسان أمر إلهاء الأطفال ويعاونها يامن على هذا...

كانت جلسة استثنائيةً في كُل شيء تُنبيء بإنفراج الأزمة عما قريب. ورغم صعوبة الامر إلا أن ما فعله قُصي دب في خلجات نفسها شيء من الطمأنينة وما ان أنهى قُصي عمله حتى تابع مُتوجهًا بحديثهِ إلى فداء: وإنتِ يا فداء دورك الإشراف.
أنهى جُملته بلهجة حازمة ثم قبض على كف عنود وراح يجذبها معه ل خارج الصالة قائلًا: تعالي إنتِ كمان علشان تستلمي مُهمتك.

ذأبت في خطواتها التي لا تُقارن بوقع خُطواته لا تعلم ما يقصدهُ بمُهمة أُخرى غير بقائها معهن لبدأ التصاميم، إتجه بها إلى داخل القصر لتسير جانبه غير عابئةٍ بالسابلة. نعم إنها بوادر ثقة جاءت بعد صراع كانت نهايته محتومة، ف تبدلت.

وصل بها إلى باب قد وُصد سابقًا بأمر منه للجميع بعدم الإقتراب من هذه الغُرفة ولكنه اليوم كلف (حُسنية ) بتنظيفها فهذه السيدة التي ربته. هي من تعلم ماذا يوجد خلف هذا الباب الكبير. أدار مقبض الباب في ثبات وما أن فُتح حتى تنحى جانبًا ثم حثها على الدخول بإشارة من عينيه، رمقته بنظرة ثاقبة ثم ولجت للداخل في شيء من التوجس ليتبعها هو.

جابت ببصرها الغُرفة لتقطب ما بين حاجبيها بإندهاش وتعجُب. ترى صور كثيرة ل فتاة ما قابعة على الحائط وأعلى الكومودينو والمكتب لتتنحى ببصرها إليه مردفةً بنبرة خافتة: أيه الأوضة دي؟ هي دي صور ل مامتك وهي صغيرة!

كانت حُسنية تُراقبهما على بُعد، ترمقه بنظرات مُشفقة ل وخزات قلبه التي إلتهمت روحه بدم بارد ليهزّ رأسه في خفة مُتشدقًا بنفي: لأ، دي يا ستي. البنت اللي كُنت بحبها من 7 سنين فاتت وسابتني زيّ ما أُمي عملت بالظبط انا وقتها فقدت الأمل في الحُب وفي نفسي، الحُب اللي بيكون من الأُم او الأب او حتى الأخ. أنا توهت من مفهوم الحُب نفسه.

رفع بصره إلى الصور ثم أردف بشرود غامض: أنا لسه لحد دلوقتي مُحتفظ بصورها وخاتم الخطوبة كمان، ذأب في سيرة ناحية المكتب القابع بزاوية قريبة منه ومن ثم فتح أحد أدراجه وبدأ يلتقط الهدايا والصور منه ثم يضعها على سطح المكتب مُرددًا بإبتسامة واهية: كُل الهدايا دي كمان كانت منها ومن أُمي.

إلتقط ميدالية على شكل هيكل إنسان يذبح ليلوح بها أمام عيني عنود وبنبرة هادئة أردف: ودي هدية أمي جابتها لي وأنا عندي سبع سنين وفُزت بالبطولة في سباق السباحة، رغم كُرهي ليهم بس مُحتفظ بكُل حاجه تخصهم.

إستغربت (عنود) من صموده رغم رعشة نبرته التي لفحتها حرارة عميقة، استحضر ذكرياته الماضية بين أُم تركته وَهِن التفكير في ماهية غيابها أهو موت أم فراق أبدي برغبة منها؟، وبين حبيبة تزوجت ل ذا مال أكثر منه...

ليهتف بنبرة ثابتة بعد أن ثبت نظرهُ في مُقلتي عينيها مُباشرة: طبعًا إنتِ في أسأله كتير في دماغك دلوقتي؟ زيّ إني ليه مُحتفظ ب ذكريات منهم! وليه بقولك إنتِ بالأخص الكلام دا.

تنحنحت عنود قليلًا لترفع كتفيها علامة الجهل ثم تُنزلهما في استسلام ليستأنف هو حديثه بهدوء: مُحتفظ ب ذكريات ناس كسروني، علشان أشوف أنا أتكسرت كام مرة!، إتقتلت كام مرة من الغياب. استنذفت مشاعري كام مرة في مكان غلط، إحنا لازم دايمًا نحسبها صح نقارن بين كُل لحظة ضعف وقوة إتحسبت لنا او حتى ما أتحسبتش. مُحتفظ بالذكريات دي علشان كُل ما أضعف أقوى بوجعهم ليّا، وأتأكد إن مافيش مُستحيل. انا كُنت بقول مُستحيل أثق أو أحب تاني. مُستحيل ألاقي واحدة تستحق. بس عرفت إن مافيش مُستحيل ولقيت.

خفتت نبرته قليلًا وهو ينطق كلمته الأخيرة ليصمت عن الحديث لوهلة لترمقه هي بنظرة ثاقبة مُرددة: وإنت أيقنت ب كدا إزاي؟، إنت أتأكدت إنها مش زيّ غيرها؟
افتر ثغرهُ عن إبتسامة حانية، فيما استجلت هي خفايا الأمور في شيء من الحذر ليقول هو بثبات: أيوة يا ستي، إنتِ مالكيش زيّ. حلوة. مُختلفة. تلقائية. بسيطة. عنيدة وناجحة.

فداء وهي تحدق به في دهشة من جراءة إعترافه: أنا؟
مشى قُصي بخُطواته حتى وقف أمامها ليضع يدهُ على عاتقها مردفًا: عنود. أنا بحبك. كُنت لازم أشاركك صفحة من حياتي قبل ما أقفلها. كُنت حابب أقولك إن إهانتي ليكِ من وجعي وإنك مالكيش ذنب غير إنك بنت. لكن أنا حبيتك وأتمنى تنسي اللي فات وتسامحيني.

أخفضت عنود رأسها تتجنب نظراته الثاقبة بها وبنبرة ثابتة أردفت: بس للأسف انا مش ب...
قطع صوته الأجش حديثها وهو يجذبها معه ل خارج الغرفة: مش عاوز إجابة منك دلوقتي، خلينا في العرض.
رفع نبرة صوته أكثر يُنادي على حُسنية وما أن جاءت حتى ردد بهدوء: أقفلي الباب دا يا ست الكُل وانا هعرف عنود الأوضة اللي هتشتغل فيها.
عنود بإستغراب: أزاي؟، هو انا مش هشتغل مع الستات في الصالة!

دفعها قُصي من ظهرها بخفة حتى نهاية الممر وهو يردد بحنو: أكيد طبعًا مش هتقعدي معاهم. لأنك طبيعي مش هتركزي. أما الأوضة دي علشان الإلهام.

أنهى جُملته بلهجة آمره ثم قام بفتح الباب لتجحظ عينيها بشدوه، ليدفعها هو بالولوج للداخل. قام بوضع مزهريات من مُختلف الأنواع في اماكن مُتفرقة. كان ستار الغُرفة يغلب عليه الوان الطيف. وهناك طاولة تقبع بجانب النافذة. وُضع عليها العديد من الأقلام بشكل مُرتب واسكيتشات خاصة بالرسم ولم ينسِ بأن يُزين الطاولة بعلبة نوتيلا وقطع الشيكولاتة المُنفردة كُلًا على حد. وأكثر ما لفت إنتباهها هذا الطبق الزجاجي من اللون البني قد وُضع عليه قطع من الخُبز المُحمص وبداخله شطائر من اللحم المشوي وقطع الدجاج المُقرمشة. إلتفتت برأسها إليه وراحت تردف بثبات: أيه الحفلة دي؟ ل مين كُل دا!

قُصي بثبات: ليكِ علشان تتغذي وتتسلي وانتِ بتصممي، عاوزك تخرجي أحسن ما عندك
عنود بقهقهة خفيفة: مجنون؟
قُصي غامزًا لها وهو يسير صوب باب الغرفة: هتتعودي على جناني. المهم أنا قاعد برا لو إحتاجتي حاجه. عاوز تركيزك كُله يكون مُنصب على التصاميم.

باغتها بنظرة حانية ليترجل للخارج ثم يغلق الباب خلفه. أطالت النظر إلى الباب الموصد في شيء من الحيّرة ولكنها لا تُبادله الشعور او ربما تقتل الشعور نفسه قبل أن تصل مخالبه إلى قلبها ف تتشبث به ومن ثم تتحمل تبعات هذا الشعور من ألم. فأنكسار ثم فُراق.

تنهدت تنهيدًا ممدودًا بعُمق لتسير صوب الطاولة وقد حسمت أمرها بأن تنكب على عملها. فهي دائمًا تتفنن في ابتداع تصاميم قوية بلمسة خاصة بها، فيما قرر هو البقاء بالقُرب من غرفتها يمنع مجيء أحد إليها ل يطمأن عنها بين الفينة والأُخرى...

بسسسسس. أخرسوووووا.
صرخت فداء بتلك الكلمات وهي تقف أمام حلبة الأطفال. فأصبح الأمر لا يُطاق وهي تُعادي الأطفال مُنذ أن كانت صغيرة وتكره صخبهم المُزعج، ساد الصمت لوهلة ولاحت العيون إليها وهي تُكشر عن أنيابها مُردفة بحدة: اللي هسمع صوته. هلسعه بالشمعة! وهجيب له العووو.
حدقت بيسان بها في صدمة لتردد بغيظِ: فيدو. حرام عليكِ دول أطفال؟

في تلك اللحظه على صوت بُكاء أحدهم، إمتعض وجه فداء حنقًا لتميل برأسها إليه فيما يرمقها هو بنظرة خائفة لتُرجع خُصلاتها للامام حتى غطت وجهها بأكمله وراحت تصيح: عووووو. بتعيط ليه؟

لم يتوقف الطفل هنا كما ظنت، لتجدهُ يصرخ بأعلى صوته وهنا أسرعت بيسان بإحتضانه وأمسكت بكفه وقربته من خُصلات فداء وهي تقول: دي مش عو. ما تخافش منها وشدها من شعرها.
انصاع الطفل مُستجيبًا ل حديث بيسان البسيط له ليقبض على خُصلاتها وراح يُقهقه بسعادة وهنا صرخت فداء بغيظ: يا حيوانة. الولد قطع ليّ شعري.

بدأت بيسان تُخلص خصلات شقيقتها من كفه ولكنه ضغط عليها بطريقة أقوى وإلتفت الخُصلات حول أصابعه. ولم يكتفِ بهذا فحسب بل مال بأسنانه يقتلع خُصلاتها لتشهق بيسان في صدمة: يا نهاري. كُنت فكراك طفل!
فداء وهي تشد أذنه بغيظ: يا غلاوي. أمال لو مش عيل صغير. كُنت عملت أيه؟ أوعى ياض يا ابن القرعة.

مُصطفى مُرددًا بضحكة عالية: عرفتي منان؟ أُمه اسمها ثنية الجرعة.
استطاعت فداء وأخيرًا تخليص شعرها من بين يدي الطفل لتهتف بحنق: وهو كمان أقرع. دي شكلها عُقدة في العيلة
مُصطفى وهو يضربها بخفة على كتفها: أه دي؟! إنتِ بتضربي الودَع!، عرفتي منان إن عيلتهم اسمها العجايدة! (العقايدة)، وديه بجا أخر عُجدة في العيلة.

فداء وهي تصر على أسنانها بغيظ: وانت آخر أيه! آخر بغله في العيلة!
لوى مُصطفى شدقه بإمتعاض ليهزّ رأسه نافيًا: لأ، البغلة بتبجي من أم حصانه وأب حُمار وانا موافجش إن أبويا يبجا حمار. بلاش كلام ماسخ.
أطلقت بيسان قهقهة عالية، لتردف فداء بنبرة يتخللها الضحك: من عنيا حاضر. بلاش بغل يا حُبي.
في تلك اللحظة هتفت سيدة ما تُنادي اسمها لتلتفت فداء إليها فيما تابعت السيدة بود:.

أنا أسفه يا ست هانم. لو ينفع مُصطفى يدلك على دوارنا وتدي ل أمي العچوزة علاچها علشان ديه معاده وانا لسه مخلصتش اللي في يَدي.

أومأت فداء برأسها إيجابًا مُرحبة بما قالتهُ لتنظُر إلى مصطفى وتقول بتساؤل: عارف العنوان ولا هتتوهنا؟!
مُصطفى وهو يهزّ رأسه بضحكة بلهاء: إيوة عارفه. ما هو ديه بيت العجايدة اللي جولت لك عليهم. ودي ثنية ال...
أسرعت فداء بوضع كفها على فمه لتقول بنبرة ثابتة: خلاص حبيبتي كملي شغلك وإحنا هنروح حالًا. قدامي يا مصيبة أنت.

إلتفتت فداء إلى يامن الذي يتولى أمر عد التصاميم قبل مُناولتها للسيدات وبنبرة ثابتة أردفت: لو سمحت ي (يامن) إستعجل ماما حُسنية علشان الستات يتعشوا.
إتجهت بصُحبة مُصطفى حتى خارج الصالة وما أن إتجها صوب باب القصر الرئيسي حتى سمعتهُ يهتف بحدة: رايحة فين؟

إرتعشت أطرافها قليلًا وهي تستمع إلى صوته الأجش يقترب منها ومن ثم وقف أمامها مُحركًا حاجبيه بإستفسار لتردد هي بثبات: هو أنا هستأذنك كُل ما أجي أدخل وأخرج!
آسر بصوت عال قليلًا: بقول رايحه فين؟
فداء وقد التاع قلبها من صرامتهِ: مشوار قريب وجاية؟ أيه مُشكلتك!
آسر وهو يربت على كتف مُصطفى الذي جاب ببصره بينهما في حالة من الترقب: خلاص تمام. أنا جاي معاكم.

لم يكُن بمقدورها الحديث لتسير أمامه بعصبية خفيفة فيما أمسك كفها بقوة لتسير إلى جوارهِ رغمًا عنها. قادهما مُصطفى حيث بيت هذه العجوز ليجدوا الباب مفتوحًا، طرقت فداء على الباب بتوجس وحذر مُراعاةً ل حُرمة ساكنيه ولكنها فهمت بأن العجوز غير قادرة على الحراك في أغلب الحالات لتدلف داخل المنزل وقد تبعها آسر فيما هتف مُصطفى بفرحة طفولية: روحوا إنتوا. وانا هعوم في التِرعة لحدت ما تخلصوا.

وجدت فداء غرفة مُقابلة لها، مفتوح بابها وما ان نظرت داخلها حتى وجدت سيدة عجوز تمددت أرضًا وما أن رأتها فداء حتى أردفت بهدوء: السلام عليكم. أزيك يا تيزا؟ أنا فداء وبنت حضرتك طلبت مني أجي أديكِ الدوا!

رمقتها السيدة بهدوء لتفتح جفنيها المُجعدين وراحت تقول بنبرة وَهِنة: بنتي مين؟ أنا ما أتچوزتش!
قطبت فداء ما بين حاجبيها بحيّرة وقد ظنت بأن مُصطفى قد قادها إلى المكان الخاطيء لتقول بنبرة مُتسائلة وكأنها تستعين بأخر واوحد معلومة لديها: هو حضرتك من عيلة العقايدة؟
إستندت السيدة على ساعدها تُحاول النهوض، هرول الإثنان إليها ل مُعاونتها وهنا أردف آسر بهدوء: اوعي. هشيلها وأحطها على السرير دا.

أومأت فداء بهدوء فيما تابعت السيدة بتأكيد: ايوة. دي عيلة چوزي.
تبادلا نظرات تساؤلية ليفتر ثغرهُ عن إبتسامة خفيفة وراح يقول بهدوء: يالا إديها الدوا. ما تستغربيش أول مرة تتعاملي مع ستات كُبار ولا أيه! الانسان مننا كُل ما العُمر ياخده ويكبر في السن، بيصغر في العقل ويرجع طفل تاني.

إلتقطت فداء الدواء القابع على الطاولة الخشبية بجوار الفراش ومن ثم إلتقطت دورق المياة باليد الأخرى وراحت تقترب منها، فيما وقف هو حيث الباب ينتظر إنهاء مُهمتها.

جلست هذه العجوز على فراشها البسيط عبارة عن أريكة من الخشب يغطيها وسادات قُطنية على طول مساحتها، وضعت فداء كفها خلف ظهر السيدة تُعاونها على ارتشاف قطرات الماء وما أن إنتهت السيده حتى جالت ببصرها بين الإثنين لتقول بنبرة مهزوزة نتاج كِبر سنها: چوزك إبن حلال جوي يا بنتي، لا وخدوم، ربنا يخليكم لبعض.

إلتفتت ببصرها إليه ترمقه بعينين جاحظتين، لتجده يبادلها إبتسامة عريضة وهو يستند بجسده على أول باب الغرفة. قد إستفزتها أريحية وقفته وسعادته على حديث تلك العجوز. امتعق وجهها غيظًا بعدما وضعت كوب الماء جانبًا لتردد بنبرة نافية: لأ يا تيزا. دا مش جوزي أساسًا.

هزّت السيدة رأسها يمينًا ويسارًا لتُقرب كفها تربت علي كف فداء التي تجلس على طرف الفراش أمامها: عيب يا بنتي. لتكوني زعلانة منه؟!، بس ما بيصح تهملي چوزك وتتبري من راجلك.

فغرت فداء فاهها لتبتلع ريقها بحنقِ وقد احتبس الكلام في حلقها فيما أردف آسر بنبرة يفتعل منها الحُزن: قلبي وربي غضبانين عليكِ يا أم العيال.
شهقت العجوز وهي تضع كفها الذي ملأته التجاعيد وراحت تقول بنبرة مُشفقة: عندكم أولاد؟
أومأت فداء برأسها سلبًا ولم يتسنى لها الرد عندما استأنفت العجوز بنبرة أكثر حزنًا: عيني على شبابك يابنتي. طيب التجصير منك ولا منه؟

لم يتحمل آسر أكثر من ذلك. ليرفع فتحة قميصه ناحية العُنق إلى فمه وقد قهقه عدة قهقات أثارت حنقها. وهنا هتفت به فداء بلهجة حادة: آسر، إنت بتضحك على أيه؟! وعاوز مني أيه؟ صدقني هصرخ وألم عليك أهل القرية.

وما أن أنهت جُملتها حتى وجدت العجوز تهتف بنبرة صارمة وقد توجهت بالحديث له: إنت هتستنى لما مرتك تُصرخ!، إلحج خُدها على المستوصف، لتولد مطرحها وما نلاجيش ليها دايه؟
فداء وهي تمسح على وجهها بنفاذ صبر: أنا مش حامل يا تيزا، إرحميني بقى.
وضعت السيدة كفها على الأخر وبنبرة وقورة تابعت: اللي بيرحم العباد ربنا يابنتي، ربنا يمتعك بالسلامة، شيل مرتك يابني لحدت المستوصف.

إرتسمت على مُحياهُ إبتسامة ماكرة ليقترب بخُطوات مُتعجرفة منها ومن ثم مال بجسدهُ إليها حتى حملها على غفلة منها ليردف بنبرة عابثة: عندك حق يا تيزا. يارب ولد يارب.
حدقت به في صدمة وقد اشتد السأم بها، فيما رمقها هو بنظرة تحدٍ رافعًا أحد حاجبيه لتقول فداء بإنفعال مُفرط: ولد أيه ونيلة؟! أوعى يا مجنون انت نزلني. وربنا أصوت واقول بيتحرش بيّا.

أخذت تحلق بقدميها في الهواء بإعتراض وقد أمطرته بوابل من الشتائم فيما تقمص هو الدور ليهرول بها للخارج وبنبرة ثابتة تابع: خلاص يا حبيبتي. بلاش صريخ قربنا نوصل للمستوصف.
قال جُملته الأخيره بقهقه عالية فيما قربت فمها لتغرس أسنانها بذراعه بتشفِ ليصرخ آسر بتأوه: يا بنت المجنونة.

فداء وهي تجدحه بحنقِ بعد أن ترجلا خارج المنزل بأكمله: نزلني يا آسر. سيبني في حالي بقى؟، إنت وجعتني وانا مش عاوزاك. مش هحس بالأمان معاك. علشان خذلتني مرة.

آسر وهو يرمقها بنظرة أربكتها ليبتسم بهدوء قائلًا: ما كُنتش عارف أختار يا فداء. بين البنت اللي ربتها وحبيتها زيّ أُختي وشوفت إنها الأولى بوجودي جنبها وبين البنت اللي إختارها قلبي. حرب بين المسؤلية واول دقة قلب. قررت أخبي عنك وأتجاهل كُل حاجه هتقربني منك بس فشلت. أحلامي فضحتني.
فداء بتساؤل وإهتمام: أحلامك فضحتك؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة