قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل التاسع

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل التاسع

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل التاسع

تنهدت بأرتياح عندما خرج لها ليقول وهو يشابك يده بخاصتها: معلش ياقطتي اتأخرت عليكِ
هزت رأسها وسألته: هو مين دة اللي كنت بتتكلم معاه
أجابها بتلقائية: دة فرانسوا شغال في الأمن وساعات بيشارك في سباقات سرعة بالموتوسيكل وفي كل مرة بيفوز علشان كدة علطول بيقولوا عليه الخارق وعلى فكرة هو صاحب الموتوسيكل بتاع الليلة أياها
أومأت له بتفهم وهمهمت بعفوية أثناء سيرهم: أنا جعانة وعايزة اكُل حاجة حلوة.

ممكن نروح المطعم اللي روحناه قبل كدة
رفع حاجبيه بمكر وأشترط: ممكن بس عندي شرط
حثته بعيناها أن يستأنف حديثه ليخبرها بمشاكسة وهو يهمس بأذنها: نكمل الكلام اللي كنا بنقوله هناك
هزت رأسها ونكزته بخفة بذراعه وأخبرته وهي تشعر بأن وجهها يضاهي حبة الفراولة بحمرتها: يوسف أسكت
يالهوي على يوسف وسنين يوسف هو في حلاوة وطعامة بالشكل دة والنعمة عمري ما سمعت أسمي حلو كدة
هتف بها بنبرة لعوب وهو يغمز لها.

أبتسمت بسعادة وهمست: بموت في جنانك
لتتهلل أساريره ويشدد على راحتها بأمتلاك لتشعر هي أن دقات قلبها تتقاذف كي تخبر العالم أجمع أنها تعشقه
لتخفي وجهها بذراعه أثناء سيرهم
وهى تدعو الله أن يديم سعادتها بقربه
وعندما وصلو إلى ذلك المطعم الصغير جلسو بزاوية منعزلة بعيدة عن الضجيج كي يتجنب ما حدث بالمرة السابقة، أكتفى هو بفنجان قهوة دون سكر بينما هي طلبت حلواها المفضلة التي تدمنها.

حد الشره، ظل يتأملها بنظرات حالمة وهي تلتهم حلواها ويتسأل والفضول يكاد يقطر من عينه عن سر حبها لتلك الحلوى بلأخص
لتباغته هى: عارفة أنك بتقول عليا مفجوعة
بس مش مهم أهم حاجة إني مبسوطة أوي
أبتسم بعدما أرتشف من قهوته وسألها وهو يكتف ذراعيه أمام صدره: وياترى أيه سبب السعادة دي؟
أجابته بتنهيدة عميقة متأثرة: علشان أنت معايا وبتشاركني الحاجة الوحيدة اللي بتفكرني بأمي.

عقد حاجبيه بتعجب فتلك مرتها الأولى التي تذكر بها والدتها لتستأنف هى: كانت دايمًا بتعملهالي وأنا صغيرة بس كانت بتعملهالي بالكاكاو مش بالقهوة وكنت بحبها جدًا وعمري مانسيت طعمها علشان كدة لما بحس إني محتاجة أمي بجري اكُلها علشان تفكرني بيها وبصراحة بحس براحة كبيرة أوي بعدها بحس إنها بترفعني للسما لتتبدل نبرتها إلى اخرى مريرة وتستأنف: بتخليني أنسى كل حاجة أنسى أنها سابتني بأرادتها ومكلفتش نفسها حتى تسأل عليا بعد أنفصالها عن أبويا.

أنهت حديثها ولم تشعر بتلك الدمعة الحارقة التي تسللت على وجنتيها ليربت هو على يدها المسنودة على الطاولة ويتحدث بنبرة حنونة:
حبيبتي بلاش دموع علشان خاطري
كفكفت دموعها بظهر يدها وقالت في حماس يعاكس حزنها السابق وهي تأشر على الطبق: عارف بقى الأختراع دة أسمه أيه!
نمت بسمة على جانب فمه من تبدل حالاتها المعتادة وهدر وهو يرفع حاجبيه مستفسرًا: لأ معرفش!

أجابته في حماس وهي تغمس شوكتها داخل الحلوى وتدسها بفمه قسرًا: أسمها تيراميسو
أومأ لها وهو يلوك ما بفمه بأستمتاع رغم عدم حبه لكافة أنواع الحلو لكن تلك راقت له كثيرًا ويكفي أنها أطعمته أياها بيدها
لتستأنف هي بحماس أكبر: تعرف أن نوع الحلويات دة بالذات كان عليه جدل كبير جدًا بإيطاليا و كل المدن كانت بتنسب الوصفة العظيمة دي لمدينتها علشان يطلقوا على مدينتهم وطن التيراميسو.

تنهد بأعجاب من ثقافتها ومعرفتها بشتى الأمور التي تخص البلد وهو يسند ذراعيه المكتوفة على الطاولة وحثها بعينه أن تستأنف
لتهمهم هي من جديد: يعني مثلًا في القرن التاسع عشر في
تورينو أخترعوها لأول رئيس وزراء كاميلو كافور علشان كان بيعشق الأكل فقرر يكافؤه بيها نظرًا لمجهوداته في توحيد إيطاليا بس طبعًا المؤرخين شككو في صحة الكلام دة علشان في الوقت دة لسة مخترعوش تلاجات علشان تحفظ المكونات.

رفع حاجبيه وقال بفضول يحثها على المتابعة: وبعدين كملي!
لتستأنف وهي تأخذ قطعة من طبق الحلوى وتلوكها ببطء أثناء حديثها: في قصة تانية بتقول في الخمسينيات كان في واحدة أسمها نورما بييلي
عندها قهوة صغيرة في شمال إيطاليا في قرية
تولميزو.

وكان في مجموعة من المتزلجين راجين من على الجبل وبيقولوا أنهم كانوا مرهقين جدًا فقرروا يقعدوا على قهوة نورما ولما أتقدملهم التيراميسو حسوا بعدها بأنتعاش وطاقة غريبة أتملكت منهم حتى أنهم أستفسروا عن مكوناتها من نورما ووضحت لهم أن دة تأثير بن القهوة والكاكاو والسكر على الجهاز العصبي علشان كدةأطلقوا عليها تيراري سو او تيراميسو بمعنى مجازي
أرفعني إلى السماء
و وصلتي ولا لسة؟

سألها بخفة بعد تفوهها لأخر جملة
تفهمت هي إلى ماذا يرمي بسؤاله وهمهمت في عشق وهي تغوص داخل عسليتاه الناعسة: وصلت لأبعد من السما يا يوسف وأنا معاك أنت بتحسسني إني طايرة بمسك النجوم بأيدي وخلتني أكتشف أن مش التراميسو بس اللي بتسحب وترفع للسما لأ وجودك كمان كفيل بده
أبتسم بسعادة متناهية وهو يميل ويرفع كفها المسنود على الطاولة ويلثمه بعشق تام و همس بصوته الذي يشعرها بالسَكينة دائمًا:.

كلامك دة أتوشم على قلبي وعمري ما هنساه ونفسي ربنا يقدرني وأسعدك يا قطتي
ردت لين بمشاعر جياشة نابعة من صميم قلبها وهي تشابك نظراتها بخاصته: أنا بحبك أوي وعمري ما قولتها لحد قبلك، أوعى تتخلى عني يا يوسف
وتنزلني من السما على جذور رقبتي
هز رأسه بنفي قاطع وأجابها بتصميم تام: قولتلك أنتِ وطني الجديد ومستحيل أتخلى عنك و أتغرب مرتين.

هزت رأسها وسألته بنبرة مهزوزة يشوبها الخوف: مهما حصل أتأكد إني بحبك وعمري ما فكرت أأذيك
لايعرف لما شعر أنها تخشى شيء بعينه ولا تجرء على البوح عنه
تدور برأسه تساؤلات عدة نحوها وكلها مريبة و ان بادر وسألها تكتفي بردود مقتضبة لا تكبح من فضوله
تنهد بعمق وهو ينفض أفكاره بعيدًا وقد أقنع نفسه أنها من المأكد ستخبره بلأخير، هي فقط تحتاج للوقت، اليوم أخبرته عن والدتها ربما في الغد تقص له الكثير.

آما في ذلك الملهى الليلي الكبير الذي يعج بالضجيج فهناك في أحد الطاولات المتطرفة كان يجلس عز الأنصاري بين بعض من الفتيات يتمايلون ويتغامزون ويطلقوا ضحكاتهم الصاخبة بكل مجون وهو لايمانع فهو يعشق تلك الإجواء كثيرًا ويستمتع بها أقتربت هي منه بخطوات أنثاوية بحتة وهمست بأذنه بكل إغراء تمتلكه: تعالا معايا يابيبي عايزاك
هز رأسه بطاعة وهو يشرب كأسه دفعة واحدة ونهض ليلحق بها.

تمايلت بخصرها بدلال أمام ناظريه لتزيد نشوته وما أن وصلت إلى المرحاض أرسلت له نظرة مغوية أنتشى هو على أثرها وتتبعها كالمغيب، أغلقت باب المرحاض من الداخل لتشعر بأنفاسه الحارة تداعب بشرة عنقها
لتستدير إليه وتهمس بأذنه ببطء مميت: وحشتك يابيبي
هز رأسه بهستيرية يوافق حديثها وعينه تتفرس بجسدها ليقول بأنفاس ثائرة: وحشتيني أوي يا ماهي ونفسي تحني عليا
أبتسمت بمكر وهي تتعلق بعنقه وأضافت: بس ماهي زعلانة منك!

قال بلهفة وبنبرة سريعة: أنا مقدرش على زعلك
لتتسع أبتسامتها و تلعق شفاهها بحركة مثيرة وتضيف بدلال تعمدته: أنتَ مش بتشاركني الحاجات اللي بحبها وأنا عيزاك تبقى مبسوط زي، وساعتها بس ممكن أريحك واعمل كل اللي أنت عايزه
ليجيبها بحماسٍ يكسو ملامحه وهو يمرر يده بخصلاتها النارية ويميل برأسه يحاول تقبيلها: هعمل أي حاجة تقولي عليها بس تبقى ليا وملكي لوحدي.

وضعت أناملها المنمقة بطلاء الأظافر على فمه تمنعه وقالت بغنج: متستعجلش يا بيبي وخلي عندك صبر
أغمض عينه وقال بنفاذ صبر: مش قادر هصبر لغاية أمتى؟
أبتسمت وقالت بدلال قبل أن تضع قبلة تعمدت أن تطيلها على وجنته: لو بتحبني هتصبر علشاني يابيبي.

هز رأسه بتفهم لتبتسم بمكر وتفتح حقيبتها وتخرج منها عبوة بلستيكية صغيرة تحتوي على مسحوق أبيض ووضعته داخل راحة يده بعد غمزها له بطرف عيناها تحثه على أستنشاقها، ليتحرك هو بأليه ويسكب القليل منه على جانب يده ويستنشقها دفعة واحدة بأنتشاءٍ تلبية لرغبتها.

لتبتسم هي بأنتصار فتلك جرعته الثالثة فاالجرعة الثانية قد كافأته بها عندما ترك بيت والده وأعلن عصيانه ومن المأكد بعد تلك الجرعة الثالثة سيعلن جسده عصيانه عليه هو ايضًا ويطالب بجرعته من تلك المواد المخدرة من تلقاء نفسه.

عودة آخرى لأرض الوطن وخاصةً عند تلك المتمردة صاحبة الأفكار السطحية فقد
تسللت الشمس إلى نافذتها تعلن عن بدء يوم جديد تخشى ما يحمله لها فقد قررت بعد تفكير مضني أن تخبر والدتها بقرارها
وبعد أدائها روتينها الصباحي وتأدية فرضها التي تقصر به في الأونة الأخيرة، خرجت من غرفتها وتوجهت إلى غرفة والدتها التي كانت تخشع لله أثناء أداء فريضتها.

جلست على أحد المقاعد بالزاوية الغرفة تنتظر أنتهائها وتحاول جاهدة أن ترتب الكلمات برأسها كي تقنع والدتها
لتحمحم عندما وجدتها أنتهت وتدعو للغائب بقلب يكاد ينفطر عليه ودمعات تغرق مقلتيها: هو انتِ مخلفتيش غير يوسف
تنهدت نجية بآسى على تفكير أبنتها السطحي وقالت وهي تنهض وتطوي سجادة الصلاه: أنتو الاتنين حتة من قلبي وزي ما بدعيلك بدعيله ومتنسيش أن أخوكِ في غُربة والله أعلم عايش أزاي.

تأفأفت حلا بغيظ كعادتها مستعيرة كلام ذلك المقيت: انتِ هتموتي نفسك عليه وهو زمانو هايص مع الخواجات ولا هامه
نهرتها نجية بحدة: حلا أتكلمي عن أخوكِ بأحترام عيب كدة وبعدين أيه الكلام الغريب دة، دة مش كلامك
زاغت نظرات حلا وتلعثمت وهي تفرك يدها: مش قصدي ياماما، بس نفسي تفكري فيا زي ما بتفكري فيه
وتعملى حاجة علشاني
تنهدت نجية وجلست على طرف فراشها وسألتها بنبرة لينة: عايزاني أعمل أيه؟

تحمحت حلا تجلي صوتها لتستعد للقادم وقالت وهي تجلس بالأرض وتستند برأسها على ساق والدتها: عايزة أسافر مع علاء وأعيش معاه هناك
شهقت نجية وضربت أعلى صدرها وندبت بعدما أنتفضت حلا من جلستها: يالهوي بتقولي أيه؟
عايزة تسافري من غير متعملوا فرح ولا يجبلك شقة زي ماوعد مش كفاية أنو بيعك شبكتك بعد يومين من سفر اخوكِ.

ياماما أفهميني أنا مش عايزة فرح ولا أي حاجة ممكن نعمل حفلة صغيرة على قدنا وأذا كان على مقدم الشقة والعفش هنجيبهم لما علاء يقبض الجمعية اللي عملها مع زمايله في الشغل لتتنهد بضيق وتستأنف:
ياماما أنا البنات اللي قدي أتجوزوا وخلفوا من زمان حرام عليكِ بلاش تضيعي سنين عمري في الأنتظار
هزت نجية رأسها بعدم أقتناع وهتفت موبخة: بسهولة كدة وأخوكِ هقوله أيه؟

وفرحتي بيكِ اللي بقالي سنين بحلم تكمل لما أشوفك بفستانك الأبيض كل دة عيزاني أضحي بيه علشان واحد الله أعلم هيصونك ويقدرك بعد ما يخدك ولا هياخد غرضه منك ويرميكي
تعيشي مع أمه ويبقى مصيرك زي أميمة مرات أخوه ويستقوا عليكِ زيها.

هزت حلا رأسها بعدم أقتناع وقالت بسذاجتها المعهودة: لأ علاء لا يمكن يعمل كدة دة بيحبني لتستأنف بعدها بترجي وهي تجثو مقابل لها من جديد: ياماما بالله عليكِ أفهميني وبلاش تصعبيها علينا
هزت نجية رأسها برفض قاطع وصرخت بوجهها: مش هيحصل يا حلا على جثتي أسيبك ترخصي نفسك
والموضوع دة ميتفتحش تاني
وانا ليا كلام تاني مع اللي ملا دماغك بالكلام دة،
ياماما أفهميني...

قاطعتها نجية بنبرة متعبة وبنظرات محملة بخيبة الأمل: أخرصي و ولا كلمة زيادة، وأعملي حسابك أنا مش هقف أتفرج عليكِ وانتِ بتضيعي مني، ولو حكمت هخليكِ تسبيه وهرميله دبلته في وشه وغصب عن عينه يطلقك
دبت حلا الأرض بقدميها بعدم رضا وقالت بتوسل وهي تجهش بالبكاء: لأ بالله عليكِ ياماما بلاش الناس هتقول عليا أيه وبعدين أنا بحبه.

وضعت نجية يدها على صدرها الذي بدء يؤلمها بشدة وقالت تحاول أن تقنع أبنتها لتغير نظراتها السطحية للأمور: ميهمكيش الناس أصلهم عمرها ما هيبطلوا كلام وإذا كان على الحب صدقيني يابنتي الحب مش كل حاجة
لترجوها حلا من جديد بدمعات تنهمر دون أنقطاع: بالله عليكِ ياماما بلاش تكسري قلبي
ربتت نجية على ظهر أبنتها بأشفاق وأخبرتها بأصرار لا يقبل التفاوض: يبقى لازم أتكلم معاه الأول ونحط النقط على الحروف.

هزت حلا رأسها وكفكفت دمعاتها وبعد وقت قليل عندما هدئت خرجت ذاهبة لعملها تاركة والدتها تنعي سنين عمرها التي أفنتها في تقويمها لتجلد ذاتها وتظل تتسأل بماذا قصرت هى.

آما عند إسماعيل كان يجلس أمام ورشته شارد في نقطة وهمية بالفراغ فمنذ مشاحنتهم الأخيرة وهو يفكر بشكل جدي كي يضع حد لمعاناة قلبه حتى أنه بعث مساعده ليجلب له تلك السيدة ذات السيط الشائع بتوفيقها لبعض زيجات منطقتهم الشعبية، وما أن وصلت أجلسها بجواره وهمهم بصوت مختنق يجاهد كي لا يخونه وينصاع إلى صرخات قلبه الملتاع:
عايز عروسة بنت حلال...

لتهتف تلك السيدة البدينة وتدعى عدلات التي لن تكف عن الثرثرة أبدًا فهى تتحدث دون أنقطاع مما يجعل من يستمع لها يصرخ طالب الرحمة لقواه السمعية: من عيوني ياسي إسماعيل أنت تأشر بس على اللي تعجبك
هو أنا أطول لما أخدم أسطى الأسطوات كلهم دة أنت تأمر قولي بس طلباتك أيه بيضة ولا سمرا طويلة ولا قصيرة لتضيف بفخر: طخينة كدة ومربربة زي ولا معصعصة زي العصاية.

والأهم يا سي إسماعيل أعرف حاببها تكون متعلمة ولا على قد الحال
تنهد بنفاذ صبر من ثرثرتها وقام بفرك جبهته وأخبرها بسأم: مش هتفرق يا ست عدلات المهم تكون بنت حلال وملتزمة.

ليتسلل الحزن إلى عينه ويضيف بنبرة متألمة وهو يرى حلاه تمر من أمام ورشته ككل يوم في طريقها للعمل وكأنها تريد أن تصعب الأمر عليه بروأيتها وتتحايل على قوة أحتماله: وياريت لو تقبلني زي ما أنا بأرولي المتشحم وعمرها ما تستحقر مهنتي ولا تقلل مني.

تتبعت عدلات مرمى نظراته التي تفيض بلآسا وهتفت بتهكم وهي تتناوب نظراتها بينه وبين أثر تلك المتمردة أثناء نهوضها عازمة المغادرة: سيبك من الحبال الدايبة ياسي إسماعيل وصدقني أنت ألف واحدة تتمناك، ومتخدش في بالك أصل في ناس ميملاش عينها غير التراب.

مرر يده على وجهه وهو ينظر لأثرها و يحاول التغاضي عن طعنات قلبه فرغم بساطة تعبير تلك السيدة إلا أنها جعلته لأول مرة يشعر أنه ليس نكرة كما تدعي حلا وأنه مازال مخير ويستحق أن يمنح قلبه فرصة ثانية.

آما في قلب أوروبا الرحيم كما يطلقون عليه
وخصةً بذلك المطعم الذي يعملون به كانت هي منهكة بجمع علب الطعام الفارغة ورميها بالقمامة وتنظيف أرضية المطعم كعادتها كل يوم بعد أنتهاء العاملين داخله،.

كانوا الجميع قد غادرو بالفعل أثناء أنشغالها بالمسات النهائية قبل أن تستعد هي أيضًا للمغادرة فقد تأكلها الشوق له تريد أن تظل بجانبه للبقية من عمرها لتنعم بذلك السلام بجواره، زفرت الهواء في ضيق عندما لمحت تلك الشقراء تقترب منها وهي تتمايل كي تستعرض ثوبها الكاشف عن الكثير من منحنياتها أمامها وكأنها تتباهى بعريها وقلة حيائها لتتشدق كرستين بنبرة خبيثة وهي تشملها بأستحقار ظنًا منها أن لين وديعة ومسالمة كما يبدو عليها غافلة أنها تستطيع أن تتبدل بثواني معدودة إلى آخرى أكثر شراسة:.

لا أعلم ما الذي يروقه بكِ أيتها الشرقية!
جزت لين على أسنانها بغيظ بعدما تفهمت حديثها الذي أهان كبريائها كأنثى وقالت بغرور وثقة وهي تجاهد عدم جذبها من خصلاتها وتمرمغها بلأرض: ربما لأني مميزة بالنسبة له ولذلك أضاهي نساء الأرض بعينه.

أبتسمت كرستين بأصفرار وتهكمت وهي تكتف يدها وترفع حاجبيها بإستفزاز: كيف وانتِ لاتملكين واحد بالمائة من فتنة النساء، حتى أن هيأتك الفوضية تثير أشمئزازي أنا كا آمرأة مابالك برجل مثير كا يوسف
مهلًا أيها العقل كفى تبريرًا لأفعال تلك الشقراء دعنا نلقنها درس قاسً لن تنساه.

ذلك ما فكرت به قبل أن تنقض عليها وتسقطها أرضًا وتعتليها بشراسة قتالية تمامًا كأنثي النمر عندما يقترب أحد من صغارها، تناوبت على صفعها بلا رحمة ولم تعتق خصلاتها الشقراء كما تمنت بل جذبتهم بكل ما أوتيت من قوة حتى كادت تقتلعهم من رأسها، صرخت كرستين طالبة المساعدة وهي تحاول جاهدة أزاحتها عنها وحماية وجهها من تلك الصفعات التي تقسم أنها ستترك أثر على وجهها الجميل التي تتباهى به، آما عنها لم تبالي لصرخاتها المتألمة ولا حتى لاستغاثتها فكانت منهمكة بضربها.

كان هو بتلك الأثناء يجلس مع صديقه فرانسوا ينتظر مشاكسته أن تنهي عملها ليصتحبها إلى المنزل إلا أنه تناهى إلى مسامعه تلك الصرخات من الداخل ليهرول بسرعة ويتبعه فرانسوا ، ما أن وصلوا إلى مصدر الصوت تبادلوا النظرات المتوجسة قبل أن يهرولو اليهم ليخلصو تلك الشقراء من براثنها، صرخ يوسف بأسمها و حاول جذبها من خصرها بكل قوته يحاول أزاحتها عن جسد كرستين حتى أنه رفعها عن الأرض لتتلوي بأعتراض على تركها وتحاول التملص منه لتستأنف فض غليلها من تلك الشقراء ليصرخ بها بنبرة حادة وهو يجاهد للسيطرة على حركتها المفرطة: كفاااااية هتموت في أيدك يامجنونة.

لتصيح هي بأنفعال: سبني أربيها الصفرا دي وأعرفها أن ضفري برقبتها
ليصرخ بها من جديد: لين قولت كفاية أهدي
هزت رأسها برفض لولآ نطقه بأسمها بطريقة محذرة تنذر بتفاقم غضبه: ليييييييين
رفعت نظراتها اليه و توقفت عن التملص من قبضته بأنفاس متسارعة تحاول تنظيمها، ثم بكل غرور وثقة
عدلت من خصلاتها التي تبعثرت وكأنها لم تفتعل شيء قط.

تركها وأقترب من كرستين الملقية على الأرض وصديقه يحاول أن يساعدها كي تنهض، نظر لوجهها وهو يكاد لا يتعرف على ملامحها من أحمرار وجنتها أثر صفعات تلك الشرسة ليرمقها شذرًا وهي تقف من بعيد وتتدعي البراءة بمط فمها و رفع منكابيها بحركة لا مبالية كادت تصيبه بالجنون ليحمحم وهو يساعد فرانسوا
كي يعدل من جلستها: هل انتِ بخير؟

ما أن تفوه بسؤاله أرتمت كرستين بين يديه وأجهشت بالبكاء وهي تغمغم: كيف أكون بخير بعد ما فعلته بي تلك الشرقية المتوحشة
سمع زمجرت لين من بعيد وهي تتأهب للأنقضاض عليها مرة آخرى.

ليرسل لها نظرة محذرة جمدتها قبل أن يبعد كرستين برفق عن مرمي ذراعيه ويأشر لصديقه الذي يلتزم الصمت أن يسندها معه ولكن لسوء حظهم أن صاحب المطعم لم يكن قد غادر مكتبه حتى أنه كان يراقب كل ما حدث عن طريق تلك الكاميرات الخفية الذي يستغلها للأطمئنان على سير العمل، أقترب منهم بملامح شديدة الصرامة وهو يهتف: ما تلك الفوضى.

استغلت كرستين حضوره وزادة من صوت نحيبها المصتنع وهي تستعطفه: تلك الشرقية اللعينة لقد تعدت علي واستغلت قلة حيلتي
لتستأنف بدموع مصتنعة وهي ترمقها بطرف عيناها بخبث أغاظ الآخرى: أنا لن أهدر حقي
ليهتف صاحب العمل بصرامة وهو يوجه حديثه ل لين التي كانت تتناوب نظراتها بينه وبين تلك الشقراء وكأنها تصارع حتى تتعقل ولا تنقض عليها من جديد لتكشف مكرها: كفى هراءً لتغادري الآن لا أريد مزيد من المشكلات بمطعمي.

ليقاطعه يوسف مدافعًا: لكن سيدي...
قاطعه صاحب العمل بصوت قاطع لا يقبل الحياد: لا مزيد من المبررات يوسف
لقد سمحت بعملها هنا أرضاء لرغبتك ولكن أنت تعلم أنا لا أحبذ أفتعال المشاحنات أثناء العمل
دعها ترحل فقد قمت بطردها لتوي واذا لديك أعتراض على ذلك فالترحل معها أنا لا أريد همجية العرب أمثالكم أن تأثر على مطعمي.

زفر يوسف الهواء دفعة واحدة من فمه بأنفعال وأخبره بنبرة حادة يسيطر عليها الغضب بعدما شعر بالدماء تندفع إلى رأسه كبراكين ثائرة تنذر بقذف حممها: وليكن اذًا، ولكن ليس قبل أن أعرفك مفهوم الهمجية أيها اللعين
الذي يهضم حقوق اللاجئون أمثالنا.

ما لبث صاحب العمل أن يتفهم حديثه إلا و كان يوسف يقترب منه ويباغته بضربة رأس قوية أرتد الآخر على أثارها و شوشت رؤيته وجعلته يترنح وهو يمسد جبهته بألم، ليبتسم يوسف بتشفي ويصيح بصوت جهوري أخترق مسامع كل الحاضرين كأنذار حريق قبل أن يجذب كف لين التي كانت مشدوهة من تصرفه فهو دائمًا هادئ لا يثور ولكن الآن خالف كل توقعاتها:.

تعلم لما ينعتوا العرب بالهمج؛ لأنهم ذو دماء حارة تثور عندما يتجرء أحد على المساس بكبريائهم وكرامتهم الغالية، فنحن لسنا كالمخنثين أمثالك أيها اللعين.

شهقة خفيضة صدرت منها أثر ما تفوه به تبعها جذبه لها من يدها ليغادرو و يتركو المكان بخطوات مسرعة تاركين تلك الشقراء تنظر لأثره بأعجاب شديد وكأن كل ماحدث لم يأثر بها وما زادها إلا إصرار على الحصول عليه لتحيك برأسها مكيدة لتحقق غايتها فتلك هي فرصتها التي منحها القدر لها ولابد أن تستغلها كما ينبغي.

أرتحتي يا اخرت صبري
هتف بها يوسف بعصبية وهم في طريق عودتهم للمنزل
كبتت ضحكتها بصعوبة من شخصيته الجديدة وهزت رأسها بلا ليستأنف هو بغيظ وهو يضرب جبهتها بخفة: قولتلك بلاش مشاكل و خلينا جنب الحيط لكن أنتِ دماغك دي عايزة الكسر
فلتت ضحكة صاخبة غصب عنها وقالت بشكل مسرحي وهي تصفق له: برافو، يا أستاذ أحسنت واللهي
الدور كأنه متفصل ليك.

رغم أنها أغاظته بشدة إلا أنه أبتسم و تمتم وهو يضرب كف بآخر: والنعمة انتِ مجنونة وملكيش حل
لتجيبه هي من بين ضحكاتها: أصل شكلك يجنن وانت حِمش
وبصراحة كنت فخورة أوي بيك
رفع حاجبيه مستغربًا حديثها وكرر كلمتها: فخورة أزاي يعني؟
أقتربت منه وكوبت وجهه بين يدها وقالت بعشق وهي تغوص داخل بئر العسل خاصته: علشان حبيبي راجل شرقي زي ما أتمنيته بالظبط، طيب ومفيش حد في حنية قلبه والأهم من كل دة حِمش وشهم وجدع.

قال بنبرة هادئة بعد أن كلماتها أثرت به كتأثير السحر و هدئت ثورته وفوران دمائه وعاد لمشاكسته السابقة:
يابركة دعاكِ يا نجية
عقدت حاجبيها وتسألت بتأهب وهي تقبض على حاشية ملابسه: مين نجية إن شاء الله
أبتسم بسمة مهلكة أوقعتها بحبه ربما للمرة المائة وهمهم بعشق وهو يتيه ببُنيتها و يرجع خصلاتها المتمردة خلف أذنها: أمي يامجنونة يلي جنانك دة محلي دنيتي وبيخليني لاغي عقلي و مبفكرش في بكرة.

أبتسمت بأتساع وأنزلت يدها وهي تهيم به ودون اي مقدمات
طبعت قبلة خاطفة على وجنته و هتفت في هيام وهي تغوص داخل بئر عسله: عارف أنا حسة أن كلامك دة رفعني للسما وانا دلوقتي ماسكة النجوم بأيدي لتتنهد بعمق وتستأنف بحماس غير عادي: تعالى بقى أعزمني على تراميسو بمناسبة أننا بقينى عواطلية زي بعض يا ابن بلدي.

هز رأسه بلافائدة من تغير حالاتها وقال بخفة: تعالي يا اخرت صبري لما أشوف أخرتها مع جنانك، وبالمرة تحكيلي ضربتيها ليه
قالها وهو يبتسم بمشاغبة قبل أن يضع ذراعه على كتفها ويسيرو معًا لتلبية رغبتها.

أشراقت شمس يوم جديد على أرض إيطاليا حيث يخبئ لهم الكثير، فكانت هي غارقة في سبات عميق بفراشها ولولآ أن تناهى إلى مسامعها طرقات منتظمة على باب شقتها جعلتها تتململ وتنهض وهي تبتسم بأتساع ظنًا منها أنه يوسف يتعمد أن ينهضها باكرًا كي يبحثوا عن عمل مثلما أخبرها سابقًا، توجهت بسرعة إلى المرحاض وغسلت وجهها وعدلت من خصلاتها في اقل من دقيقة لتنظر على منامتها المحتشمة نظرة عابرة وتتوجه بلهفة لتفتح الباب وهي تهتف بمشاكسة قبل رؤية ذلك المقيت: صباح الخير يا ابن بلدي.

ياصباح اللي بتغني هو في صباح عسل كدة
هتف بها فوزي وهو يشملها بنظراته ويغمز لها،
أمتعضت ملامح وجهها وقالت بإقتضاب: نعم،؟
لاحت بسمة ساخرة على جانب فمه وأخبرها بمكر: نعم الله عليكِ يا مُزة، مش هتقوليلي أتفضل جوة
لأ ياريت تخلص وتقول عايز ايه بدل ما هقفل؟
هتفت بها بنفاذ صبر وهي توارب باب الشقة وعلى وشك أغلاقه
ليرد وهو مازال محتفظ بنبرته الماكرة ويسند يده على الباب يمنعها من أغلاقه: دة جزاتي إني جي أوعيكي.

عقدت حاجبيها وقالت بشراسة: أخلص أتكلم وبلاش لف ودوران
تبدلت نظراته لآخرى خبيثة وقال وهو يستعطفها لغرض ما بذهنه: أبعدي عن يوسف وكفاية أنو ساب الشغل بسببك انتِ متعرفيش هو اتعذب قد ايه علشان يقدر يقف على رجله، يوسف كان حاله معدوم وكان يدوب وقف على رجله شويه وسدد جزء من ديونه اللي في مصر
وكان خلاص كل مشاكله هتتحل وياخد الجنسية لولآ ظهورك في حياته.

أطرقت برأسها بلأرض ولم تستطيع أن تدافع عن نفسها فهو محق هي قلبت حياته رأس على عقب ولكن ترددت جملته الأخيرة داخل ذهنها مرة آخرى وقالت بعدم أستيعاب:
أزاي كان هياخد الجنسية يوسف عمره ما حكالي على حاجة زي كدة
أجابها فوزي وعينه تلتمع بالنصر فهو على وشك أقناعها: كان هيتجوز كرستين لولآ ظهورك، بس ملحوقة أصل شكل الود ما بينهم لسة قايم
رفعت نظراتها اليه تحثه على المتابعة ويكاد قلبها يسقط بين ضلوعها.

ليستأنف هو بمكر: أصلها كلمته الصبح وقام يجري يرحلها بيتها دة حتى خد الموتوسيكل بتاع فرانسوا علشان ميتأخرش عليها ونبه عليا لو سألتي عنه أقولك اي حاجة، ليضيف وهو يتصنع التعاطف بعدما رأى بعيناها أنها لم تصدقه: صدقيني أنا مش هكدب عليكِ أنا قلبي عليكِ وبنبهك أنو بيضيع وقت معاكِ وكل اللي عمله دة علشان هو جدع وانتِ صعبتي عليه
جزت أسنانها وتسألت بأنفاس غاضبة: تعرف عنوانها.

أومأ لها بتأكيد لتدخل تحضر ورقة وقلم وتناوله اياهم وتحثه بعيناها أن يدون لها عنوان تلك الشقراء لينصاع لها وعند انتهائه سحبت الورقة بغيظ وأغلقت الباب بوجهه كي ترتدي ملابسها وتذهب، آما هو أبتسم ساخرًا على فعلتها وتناول هاتفه ضاغط على عدة أرقام وتمتم بمكر وهو يتوجه لشقته: فعلت كما أتفقنا كرستين
أرجو منك أن لا تضيعي تلك الفرصة الثمينة من يدك ككل مرة وتفشلي في إغوائه.

ما أن أستمع لردها أغلق الخط وهو يبتسم ويظن أنه بفعلته تلك يفعل الصواب لصديقه فهو على وشك تخليصه منها وتوريطه مع كرستين التي من المأكد ستمنح له عدة أمتيازات وأولها حصوله على أورق ثبوتية تجعله يمكث بالبلد دون عناء.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة