قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثلاثون والأخير

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثلاثون والأخير

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثلاثون والأخير

كانت تجلس علي سريرها تضم قدميها إلى صدرها وتفكر فيما قاله لها مصطفي في لقائهما الأخير، لم يستقر قلبها رغم الحنين إليه، تنهدت وهي تغلق أهدابها فتراءت صورته أمامها، همست بشوق: وحشتني.
انت كمان وحشتيني قوي ياقمر.

إنه صوته الحبيب هل جاء إليها؟ فتحت عيناها بسرعة تطالع محيطها فتلاشت صورته وبقي الفراغ أمامها، تنهدت مجددا وهي تنهض وتتجه إلى خزانتها وتفتح بابها تخرج صورة من تحت ملابسها وتذهب بها مجددا إلى السرير ثم تجلس عليه. تطلعت إلى صورة حبيبها الذي يشغل أفكارها. مدت أناملها تمررها علي ملامحه الوسيمة رغم سنوات عمره التي تعدت الستون، صرخ قلبها بحنين.

تعلقت بك وكأن الكون لا يحتوي غيرك من الرجال، وأعشقك بقوة حتى أنني أراك في كل شيء حولي، فلا أري فنجال قهوة دون أن أتذكر جلوسنا سويا كل في شرفته نتناول القهوة ونتحدث علي الهاتف في كل شيء ولا شيء، ولا أسمع فيروز دون أن أتذكر عشقك لصوتها وكم مرة استمعنا إليها تحت ضوء القمر ولا أعد طعاما دون أن أتذكر حديثك عن أناملي الذهبية التي تعد أفضل طعام تذوقته علي الإطلاق رغم أنك أبرع مني في الطهو ولا أبدل حتى ملابسي دون أن أختار اللون الفيروزي، أتذكر كلماتك. ترن في أذني. الفيروز يليق بك قمري، حتى بائعة الفول والفلافل لا أذهب إليها حتى أراك تتجه نحوها فنتلاقي ونتسامر معها فتخبرنا أن الصباح لا يحلو دون قمر ومصطفي حتى أنها نادتني يوما قمر مصطفي فاحمر وجهي خجلا وكدت أوقع طبق الفول أرضا فأسرعت تسند الطبق قائلا تخجلين من قمري! ماذا ان علمتي أنك لست قمري؟ طالعتك حائرة وقد داومت علي قولها لي فابتسمت مردفا لست قمري فقط بل صرتي قمري و شمسي ونجومي. سمائي وأرضي. زادي وهوائي. أنت روح مصطفي وقلبه ودنياه ياجنتي.

شعرت يومها بأني ملكت الدنيا ومافيها، أردت أن أصرخ عاليا أحبك يامن يسري اسمك في شراييني، يشهد الله أني لم أحب ولن أحب سواك وبداخلي ألف وألف نبضة تهواك. كم تمنيت لو تلاشت بيننا المسافات وصرت ملك يمينك أنام وأصحو علي صدرك وينادونني بإسمك.

لكني لم أفعل. كنت أجبن من أن أصرح بالعشق ومازلت أخشي التصريح بحبك وكأن عشقي إثم وليس نعمة مهداة من ربي، كيف نظرت إلى هذا الحب الطاهر هكذا؟ وكيف تحملت ضعفي ياحبيبي كل هذا الوقت؟ لإنك تحبني أليس كذلك؟ نرتضي العذاب في الحب مادام الحبيب منا قريب حتى يصير القرب جحيما حين نشتاق للمحبوب وبيننا وبينه قاب قوسين أو أدني. نمد يدنا إليه نبغي ضمه إلى صدورنا واستشعار خفقات القلوب المتسارعة، نبغي السكن والأمان فنجد الحواجز توضع والمسافات تكبر فنعجز عن الاحتمال. وقد عجزت ياحبيبي عن الاحتمال وأردت مني قرارا بوصال. وهاقد جاء الوقت الذي يجب أن أنفض فيه ضعفي، أن أكسر قيودي وأقاوم خوفي، أن أتمسك بك كما تمسكت بي لا أفلت يديك أبدا. نعم لن أتأخر أكثر. أعدك ياقلب قمر.

اتجهت إلى الشرفة تقف هناك وتطالع شرفته بحنان.

لقد مر اليومان سريعا وها أنا ذا أودع الليل الداهم الممتلئ بالحنين وأنتظر إشراقة الصباح بفروغ صبر لتطل الشمس تحمل معها نور الأمل وتنشد الطيور معزوفة حبي. أنتظر النهار لأسرع إليك وأقر أمامك معترفة قد أسرني الهوي حين وجدتك ومنحني القوة لأعلنها للعالم كله. لن أخشي تذمر أبنائي ورفضهم. لن أخشي سخرية المحيطين بي. سأختبئ من الجميع داخل صدرك وسأخبرهم بسعادتنا كم كانوا مخطئين في حق الحب وحقنا.

ابتسمت وهي تري الشمس تلقي علي وجهها أولي أشعتها الدافئة لهذا اليوم أغمضت عيناها تأخذ نفسا عميقا ثم أطلقته وهي تفتح عيونها وتتجه إلى الداخل لتبدل ملابسها تنتظر ولوج النهار لتتجه إلى قدرها السعيد.

كانت تصعد الدرج بسرعة كفتاة بالعشرين من عمرها وليس كإمرأة شارفت علي الستين، يجعلها قرب اللقاء خفيفة كريشة لا وزن لها، وقفت أمام الباب تلتقط أنفاسها المتسارعة قبل أن تدق الجرس، فتح لها الباب فتجمدت ابتسامتها المشرقة ثم زالت تماما حين قابلتها فيروز بوجه حزين وعيون غائرة بالدموع وما إن رأتها حتى ارتمت بين أحضانها تبكي بنشيج يقطع نياط القلب تقول من خلال نشيجها: بابا سافر ياطنط قمر، سافر من غير مايودعنا. سابلي رسالة علي موبايلي الفجر بيقولي فيها هتوحشيني، قلبي انقبض أول ماشفتها الصبح بعد ما مالك نزل، جيت علي البيت جري ملقتوش ولقيت الرسالة اللي جوة دي. كلامها صعب قوي ووجعني عليه. أنا عايزة بابا ياطنط. أنا خايفة عليه قوي.

انخرطت في بكاء حار بينما شعرت قمر بقلبها يإن ألما، لقد انتابه اليأس تجاهها فرحل، رحل تاركا أحبته خلفه دون وداع يدمي أفئدتهم فراقه ولكنه كان مجبرا عليه يبغي ملاذا يداوي فيه قلبه وكبرياءه المجروحين، ساعدتها علي الدلوف إلى الداخل تذهب إلى الطاولة حيث استقرت رسالته. آخر كلماته قبل الرحيل، لتجري عيونها عليها بلهفة ومرارة...
فيروزتي.

كم هو صعب أن أكتب عن مشاعري في هذه اللحظة، بقي لبزوغ الشمس لحظات ويحين رحيلي عنك وعن كل من أحببت، لم أستطع وداعكم فوداع الأحبة هو أقسي لحظات الحياة وقد عشتها قبلا واستطعت تحملها أما الآن وقد بلغ بي الحنين منتهاه لسنوات كنت بينكم فيها أنهل من السعادة ماأبغاه لا أستطيع أن أتحمل وأنا أدرك كم ستكون حياتي خالية فارغة دونكم، أعيش وحدة قاتلة ووجع غير محتمل، روحي أرهقها الحنين منذ الآن لأيام كانت بكم رائعة منحتني ذكريات سأعيش بها حتى أستطيع لملمة روحي الضائعة و أعانق مجددا حياتي الزائلة، لقد كان وطني بينكم قائما والآن أستسلم لغربتي ووسادة مليئة بأشواك الشوق إليكم ولكنني سأعمل علي شفاء قلبي وروحي بذات السرعة التي أدرك فيها كم ستشتاقون إلي، أعدكم أن أعود كما كنت حتى أعود إليكم في أسرع وقت، فقد ضاقت أنفاسي مع اقتراب موعد رحيلي ولكني مجبر علي الرحيل بعد أن أحاطني اليأس وأدركت أنه لا أمل لعشق ملك جوارحي واستحال جمعي بمعشوقتي، لن ألوم سواي فلم أستطع أن أؤكد لها أنها ستكون بأمان بين أضلعي وأنني سأحميها من كل مخاوفها. ضحية كانت لسنوات من الخضوع والخوف تحتاج فقط لمن يمسك يدها ويمنحها القوة، كنت أتمني لو كانت يدي هي هذه اليد التي ستتمسك بها حتى تصل إلى بر الأمان ولكن للأسف لم يمنحني القدر أي فرصة لذا عديني أن تكوني حدها مع مالك، تمسكوا بيديها وامنحوها القوة. أخبريه أني حاولت وفشلت وأن قلبي يتمزق ألما جراء فشلي بعد ان كنت علي يقين بالنجاح، وفي النهاية كوني بخير لأجلي وقبلي الصغيرين وأخبريهما كم سأشتاق إليهما، سأتصل بكم ما إن تستقر قدماي في غربتي. أو قد أنتظر حتى أستعيد أنفاسي الضائعة.

أباك المحب دائما. مصطفي.

ضمت الورقة إلى صدرها تبكي بألم تقول بمرارة: ليه بس كدة يامصطفي؟ طب كنت أصبر شوية. أنا خلاص مبقتش خايفة ومش عايزة غيرك انت يمسك ايدي، خليني بأمان جنبك، ده أنا عمري ماحسيت معني للكلمة دي غير لما شفتك، اتأخرت أنا عارفة بس ده لإني كنت واثقة انك هتفضل جنبي. كدة تسيبني. طب هعمل ايه من غيرك؟ مين هيصحيني ويقولي قومي ياكسلانة علشان نجري ومين هشرب معاه القهوة علي صوت فيروز الصبح بدري؟ ومين هيحس بتعبي من غير ماأتكلم؟ ليه بس كدة ده أنا ماصدقت لقيتك؟ ليه الفراق؟ طب كنت أصبر حبتين، مش سنين من الخوف هتروح بسهولة في يومين؟ أنا واحدة عشت طول عمري مقهورة وخايفة أفرح لإني عارفة ان بعد الفرح ألم وجرح. كنت مريضة وداواني وجودك جنبي. ليه استعجلت؟ عارفة اني تعبتك معايا بس كنت عارفة انك مناضل مش هتكل. كنت عارفة اني مهما بعدت هتقرب ومش هتفوتني أطول المسافات مابينا. كنت عايشة في صراع بس واثقة اني جنبك هنتصر علي نفسي، دلوقتي خلاص هضيع لوحدي وانهزم. ليه بعدت؟ بعد مااديتني الأمل في بكرة؟ بعد ماحلمت؟ خلاص لازم أفوق من الحلم؟ آه من وجع قلبي في فراقك. روحي بتنسحب مني وكأن بعدك موت هيحضني سواده. ياريتني مااتأخرت. ياريتني من زمان قاومت. ياريتني قابلتك وأنا لسة وردة مفتحة مدبلتش. يانبض القلب خلاص علي الوجع هتتعود ومش هتلاقي ايد تتطبطب وتداوي. علي ايه ناوي؟ علي الوحدة من تاني وليل تسهره وحداني؟ هقول ايه تاني؟ ماانت الضحية والجاني. انت الضحية والجاني.

انخرطت بدورها في بكاء حار فاقتربت منها فيروز بقلب يإن ألما بعد أن استمعت مشدوهة إلى اعتراف مؤلم لعاشقة تأخرت في تصريحها بالحب فكان الفراق نصيبها، ضمتها بقوة تربت علي ظهرها بحنان، تقول بحزن: متعيطيش ياماما.

خرجت من حضنها تطالعها بلهفة فأردفت فيروز وهي تهز رأسها قائلة بحنان حزين: أيوة ماما، اترددت كتير أقولهالك، خفت متتقبليهاش مني، أنا مهما كنت غريبة عنك بس عمري ماحسيت انك أمي قد اللحظة دي، اللحظة اللي حسيت فيها قد ايه قلبك مليان بالحب لبابا وقد ايه مشاركاني وجع فراقه بس وعد مني الفراق مش هيطول، هيرجعلنا من تاني ووقتها مش هنخليه يفارقنا تاني أبدا. اتفقنا؟

هزت قمر رأسها بلهفة تعدها عيناها بما عجز لسانها عن التفوه به من فرط الانفعال.

خرج من الحجرة يبحث عنها بعد أن استيقظ بمنتصف الليل فلم يجدها جواره بالسرير، وجدها بالشرفة تجلس علي الكرسي تضع سماعات هاتفها بأذنها بينما تمسك فنجال قهوتها وترتشف منه ثم تطالع قطرات المطر المنهمرة بعيون تلمع شغفا، طالع المطر بدوره، من المفترض أنه فصل الربيع ولكن يبدو أن المطر يأبي التخلي عن محبيه والرحيل مع فصله، عاد بعينيه لحبيبته يدق قلبه حبا وتلتمع عيناه حنانا وهو يقترب منها ويقف خلفها يميل عليها مقبلا وجنتها بخفة انتفضت تستدير بوجهها تجاهه فاختطف قبلة من ثغرها قبل أن يستقيم ويتجه ليجلس جوارها، رفعت السماعة من أذنها قائلة بخجل: خضتني علي فكرة يامالك، بتبوسني في البلكونة افرض حد شافنا.

أشار إلى محيطه قائلا: سلامتك من الخضة ياقلبي، وبعدين احنا البيت الوحيد اللي في المنطقة. مين بس اللي ممكن يشوفنا ياحبيبتي؟
أي حد في الشارع.
وهو فيه مجنون يمشي دلوقت في المطرة دي؟

ده أحلي حاجة انك تمشي تحت المطر، المطر نعمة كبيرة قوي في حياتنا. بيحيي الأرض ويحيينا. ساعات بحسه بيقولنا ان الحياة حلوة والأمل والخير هيفضلوا موجودين مهما شاف القلب من وجع. حقيقي الشتا ده عشق لقلب بيشارك حبيبه فنجال قهوة وقعدة بتضمهم وتدفيهم رغم البرد.
الشتا المفروض راح بس الظاهر عشان حبيبتي مش راضي يسيبنا ويمشي، مندهتيش لحبيبك ليه يشاركك قهوتك ويدفيه قربك؟
محبتش أزعجك انت تعبت قوي امبارح.

محبتيش تزعجيني ولا عايزة تداري عني حزنك اللي مبينيمكيش ومسهرك دايما يافيروز. ليه مصرة تبعديني عن أحزانك وتشاركيني بس أفراحك؟
أطرقت بحزن قائلة: لإن الحزن معدي يامالك وأنا مش حابة أشوفك للحظة حزين حتى لو عشاني.

مد أنامله يرفع ذقنها لتواجهه عيناها الدامعتان قائلا: الحزن لازم نشاركه مع أقرب الناس لينا لإنهم هم وهم بس اللي هيحسوا بينا ويقدروا يفهموا وجعنا ويساعدونا نخطيه، ومين أقربلك مني عشان تفضفضيله و يساعدك. ولا تحبي لما يبقي عندي أي مشكلة أعمل زيك وأخبي حزني جوايا وأتظاهر اني بخير؟
اندفعت قائلة: ده أنا كنت...
صمتت ينتابها الخجل بينما أردف قائلا: كنت هتزعلي مني وتخاصميني مش كدة؟

هزت رأسها فابتسم قائلا: بس أنا مش هزعل ومش هخاصمك هعتبره لفت انتباه ياستي لإنك دلوقتي فهمتيني وقدرتي حالي وانت بعيدة عني بروحك رغم قربك مني، طب ايه رأيك هسهلك الموضوع أكتر وأقولك علي اللي وجعك. سفر عمي مصطفي من شهرين وانقطاع أخباره عنك. مش كدة؟

اغروقت عيناها بالدموع تهز رأسها بألم فقال بحنان: مش جايز في بعده الفترة اللي فاتت خير ليه؟ مش جايز كان محتاج وقت لوحده؟ أكيد وحشناه كلنا بس مستني لما يكون قادر يتكلم وهتلاقيه بيتكلم. الصبر مفتاح الفرج ياقلبي. طب أقولك حاجة اعملي زي مابعمل لما ألاقي حاجة خنقاني، بقوم أتوضي وأصلي ركعتين طلب حاجة من ربنا يفرج همي ويريح قلبي وفي وقتها بينفرج الهم وبيرتاح القلب، انت عارفة اني صليتهم لما قابلتك عند أم إبراهيم وزعلتك. يومها رجعت البيت حاسس ان قلبي مقبوض ومخنوق لإني آذيتك بكلامي رغم اني كنت شايف فيك الماضي ووقتها كنت واثق انك تستاهلي بس رغم كدة مكنتش مرتاح فأول مارجعت اتوضيت وصليت وطلبت من ربنا يريح قلبي وبعدها خرجت أفطر مع أمي وأختي. في لحظتها برائتك بانت من كلامهم عنك وساعتها رغم الذنب اللي حسيت بيه عشان ظلمتك لكن شعور غريب بالراحة سكن قلبي لإنك طلعتي بريئة من ذنبك. القرب من ربنا بيوفقنا وبيريح قلوبنا يافيروزتي.

ابتسمت قائلة: كلامك ريحني قوي يامالك.
ربنا يريح قلبك دايما ياقلب مالك. يلا. قومي اتوضي وصلي قبل الفجر، وأنا هستناكي عشان نصلي مع بعض الفجر لما يإذن.

هزت رأسها بهدوء قبل أن تنهض وتتجه إلى الحمام لتتوضأ. انتظرها مالك يطالع قطرات المطر وهي تطرق سور الشرفة بلطف، شعر بالحنين لأيام الطفولة، واجتاحته الذكريات. واحدة تلو الأخري، إلى هذه الذكري التي جمعته بأمه. حين كان يجلس جوارها في الشرفة يطالعان المطر، يمد يده ليجمع بضع قطرات في كفه ثم يطلق سراحهم فتبتسم والدته قائلة: ادعي يامالك، ده المطر خير ياابني، بتنفتح وقتها أبواب السما ودعوتك بتطلع علطول لربنا وساعتها هيستجيب لكل دعواتك.

ابتسم بحنان للذكري، ليرفع كفيه إلى السماء يضمها إلى وجهه قائلا: يارب اسعد أمي وزوجتي وارزقهم راحة القلب وسعادة من غير حدود ياأكرم الأكرمين ياااارب.
مسح وجهه فانتفض علي صوتها الذي يقطر بسعادة أطلت من نبراته وهي تنادي اسمه، نهض بسرعة واتجه إليها فأشارت إلى هاتفها الذي تمسكه تقول بملامح مشرقة: جتلي رسالة من بابا برقمه الجديد. أنا هبعتله رسالة ولا أقولك انا هصلي ركعتين شكر لربنا الأول وبعدين هكلمه.

ابتسم قائلا: صلي ياحبيبتي وكلميه. هستناكي برة.
كاد أن يغادر ولكن استوقفه ندائها باسمه فاستدار إليها لتبعث له قبلة هوائية ابتسم في إثرها قبل ان تعدل اسدالها وتستقيم متوجهة بجسدها إلى القبلة لتتسع ابتسامته المحبة الراضية وهو يغادر في هدوء.

كانت تقف بينهم تطالعهم بحب، لقد اجتمعوا اليوم للإحتفال بعيد ميلادها الستين، لاشيء يسعدها أكثر وقد ظهرت السعادة علي محياهم جميعا، نعم هي سعيدة فقط في حضرتهم لا ينقصها سوي وجوده، لقد غاب كثيرا. شهران كاملان شعرت فيهما بأنها تموت في كل يوم ألف مرة، ظنت أنها ستعتاد الغياب ولكن كم كانت واهمة ففراق الحبيب لايمكن الاعتياد عليه أو تقبله، تظل الذكريات تحيي الحنين وتوقظ أنين الاشتياق، وارت حزن مقلتيها حتى لا يشعر بها أحد، تتنقل بينهم بينما يمنحونها هداياهم تقرأ ماكتبوه علي كل هدية بعيون تدمع.

لا شيء يعيد لي بسمتي وسعادتي سوي همسك أمي لطالما شجعتني ياحصني القوي الذي حماني دوما من الأذي لذا أنا سأكون فارسك الذي يلبي ندائك دوما ويحميكي من كل شر
قبلت وجنة كرم وربتت علي وجنة مي بحب.
أنت قدوتي ومدرستي وصديقتي. دمتي لي ملاذا لا أجد راحتي وأمني حتى ألجأ إليه
احتضنت ميسون برفق تخشي ان توجعها ببطنها المنتفخة تلك. بينما ضمهما وليد يقبل جبهتها بحب.

أخطأت في حقك كثيرا ومنحتني دوما الغفران، حين أصبحت أما أدركت كم ضحيتي لأجلنا وكم حملتي علي كاهلك من أعبائنا بنفس راضية، عطاءك دوما كان بلا حدود جعلني أنحني امامك خجلا لأقول شكرا لك أمي
سقطت دمعة علي وجنتها فمسحتها غادة بحنان بينما مد الصغير يده يداعب وجه قمر فابتسمت بحب قبل أن تقبله ثم تقبل ابنتها وتربت علي كتف ممدوح بحب.

لم أسترد روحي حتى عدت لكنفك أمي وبين ذراعيك انتهت غربتي ووجدت وطني. أمنيتي أن أزرع البهجة بقلبك وأن امنحك كتفي وصدري ملاذا وأمانا كما أهديتني دوما ملجئا وسعادة بلا حدود.

سقطت دموعها دون ارادة منها فاحتواها مالك بحنان وانضمت إليهما فيروز والصغار ليجتمع البقية حولها يقول مالك بحنان: من النهاردة مفيش دموع ياأمي، من النهاردة هتبدأي عهد جديد من السعادة، احنا صحيح جبنالك هدايا بس كل هدايا الدنيا مش هتوفيكي حقك ولا هترد جزء ولو بسيط من تضحياتك عشانا طول عمرك وعشان كدة كلنا اتفقنا وجبنالك هدية كبيرة واثقين انها هتسعدك وتريح قلوبنا من ناحيتك.

خرجت من حضنه تطالعه هو وإخوته بحب قائلة: انتوا أكبر هدية اتمنيتها من ربنا، مش عايزة حقيقي غيركم. ربنا يسعدكم قد مابتسعدوني ياولادي.
أشار مالك إلى الشرفة قائلا: يعني مش عايزة الهدية اللي مستنياكي هناك دي؟

أنا لحبيبي أنا لحبيبي وحبيبي إلى يا عصفورة بيضا لا بقى تسألي لا يعتب حدا ولا يزعل حدا أنا لحبيبي وحبيبي إلى حبيبي ندهلي قلي الشتي راح رجعت اليمامة زهر التفاح و أنا على بابي الندي والصباح و بعيونك ربيعي نور وحلي و ندهلي حبيبي جيت بلا سؤال من نومي سرقني من راحة البال أنا على دربو ودربو عالجمال يا شمس المحبة حكايتنا أغزلي.

صدح صوت فيروز فاتسعت عينا قمر لا تصدق أذنيها، تطلعت إلى فيروز فأومأت برأسها بسعادة اغروقت عيناها بالدموع وهي تهرع إلى الشرفة تتطلع إلى الشرفة المقابلة فوجدتها مغلقة كعادتها في الفترة الأخيرة، تنهدت باحباط لتستدير و تبحث عن مصدر صوت معشوقته فوجدت تسجيلا صغيرا يأتي منه الصوت، ذهبت إليه وأغلقته قبل ان تتجه إلى الداخل فإذا بها تقف متجمدة وقد عاد الصوت للصدوح بينما برز هو من مكان مظلم بالشرفة يمسك جهاز تحكم عن بعد ويطالعها بنظرة اشتياق لامعة بعبرات الشوق تطوف علي ملامحها فتروي روحها بعد ظمأ، طالعته بدورها بذات النظرة. هل نحف جسده وغارت عيناه في ليالي الفراق كحالها أم يهيؤ لها؟ لم تنتظر اجابة وهي تتقدم نحوه كما يتقدم نحوها حتى توقف أمامها تماما، قالت بشوق: انت بجد واقف قدامي ولا أنا بحلم؟

وانت بجد جيتيلي البيت يوم ماسافرت ولا أنا فهمت غلط؟
ضيعنا وقت كتير يامصطفي.
مش مهم. المهم ان احنا بقينا مع بعض.
يعني سامحتني؟ قلبك مش زعلان مني؟
وهو من امتي قلبي قدر يزعل منك. فيه قلب ممكن يزعل برضه من حبيبته؟
بحبك يامصطفي، انت أول حب في حياتي وآخر حب.
وانت شمعة نورت حياتي بعد ضلمة عشت فيها كتير.
مبقتش قادرة أبعد عنك خلاص، الفراق كان صعب قوي عليا يامصطفي. كان بيقتلني في كل لحظة بتمر وانت مش معايا.

أنا كمان دبحني بعدي عنك، حاولت أنساكي بس مقدرتش والفراق خلاني أشتاقلك أكتر وأشتاق للحظاتي معاكي.
يعني خلاص مش هتسيبني تاني؟
نزل علي احدي ركبتيه يمد يده بعلبة مخملية مفتوحة يسكن فيها خاتم ماسي ليقول مصطفي بحنان: وعد مني مايفرقنا بشر طول العمر، كل سنة في اليوم ده مش هقولك كل سنة وانت حبيبتي وبس. لأ هقولك كل سنة وانت حبيبتي ومراتي وكل ماليا. تقبلي في يوم عيد ميلادك تتجوزيني ياقمري؟

هزت رأسها بدموع سعادة طفرت بعينيها بينما استقام مصطفي واقفا يضع الخاتم بإصبعها حين سمع صافرة كرم بينما يبتسم لقمر بحب فاندفع الأبناء يهنئونها ثم يهنئون شريكها بينما تتطلع هي إليهم، يهمس قلبها بحب.

أبنائي. أحبتي. لم أندم قط علي أي تضحية بذلتها من أجلكم وفي سبيل سعادتكم، لإنكم كنزي الغالي. قلبي الذي انشق بالماضي ألما التئم وأصبح كاملا سعيدا كما لم يكن يوما فقط حين احتواكم وخفق بهواكم ياصغاري. لا أمنية لي الآن سوي ان تكونوا دوما بخير وأن تدوم سعادتكم للأبد كما سعادتي الآن.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة