قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

يا طير يا طير يا طاير على طرف الدني لو فيك تحكي للحبايب شو بني يا طير وآخد معك لون الشجر ما عاد في إلا النطرة والضجر بنطر بعين للشمس عبرد الحجر وملبكي وإيد الفراق تهدني يا طير وحياة ريشاتك وإيامي سوا وحياة زهر الشوك وهبوب الهوا إن كنك لعندن رايح وجن الهوا خدني ولو شي دقيقة وردني يا طير.

تسللت كلمات فيروز الحنونة إلى مسامعها تدغدع مشاعرها وتملأها بالحنين إلى الوطن. بل علي الأحري إلى أباها، تذكرها الكلمات بعشقه للمطربة حتى أنه أطلق عليها إسمها، منذ حداثة عمرها وهي تدرك كم يحبها حيث كان دوما يستمع إليها في المساء بينما يشرب فنجال القهوة بالشرفة فتجلس هي إلى جواره تستمع إلى هذا الصوت الجميل رغم انها لاتفهم معظم كلماته، فتكتبها علي ورقة حتى تنتهي المطربة من إنشاد أغنيتها. فمن غير المسموح مطلقا ان يقاطع أحد خلوته مع فيروزه كما يطلق عليها. وحين تنتهي الأغنية يمنحها وقته. تسأله عن معاني الكلمات فيشرحها لها ثم يطلق تنهيدة وهو يشعر بحلاوة الكلمات ومعانيها الدافئة، وكم تذكره بزوجته فاطمة التي توفت وفيروز في عمر الرابعة، لطالما حدثها والدها عن حنان والدتها ورقتها وطيب قلبها ومعشرها، وكم باتت النساء بعدها في عينيه سواء، لا أحد يشبهها أبدا ليرفض كل محاولات المحيطين به لتزويجه بعدها، يكرس حياته لإبنته ويمنحها جل اهتمامه.

وقد ورثت عنه فيروز كل شيء حتى حبه للمطربة فباتت تستمع لها كل ليلة وهي تشرب فنجال القهوة فتشعر أنها عادت إلى جواره تجلس مستمعة لهذا الفن الجميل وذلك الصوت الحنون.

شو كانت حلوه الليالي والهوى يبقى ناطرنا وتيجي تلاقيني وياخدنا بعيد هدير المي والليل كان عنا طاحون ع نبع المي. قدامه ساحات مزروعه في وجدي كان يطحن للحي. قمح وسهريات ويبقوا الناس بهالساحات. شي معهن كيآس شي عربيات رايحين جايين وعطول الطريق. تهدر غنيات آه يا سهر الليالي. آه يا حلو على بالي غني آه. غني على الطرقات وراحت الأيام وشوي شوي. سكت الطاحون ع كتف المي وجدي صار طاحون ذكريات. يطحن شمس وفي آه يا سهر الليالي. آه يا حلو على بالي غني أه. غني على الطرقات.

تركت الفنجال من يدها وقد قررت ان تتحدث إليه وتشبع توقها إلى رؤياه لتفتح اللاب وتتصل به علي الفور، أجابها مبتسما: وحشتيني يافيرو.
تأملته بحب قائلة: وحشتني أكتر ياقلب فيرو. تعالي هنا قوللي ايه الشياكة دي كلها. رايح فين يادرش. اوعي تكون هتعملها وتتجوز من ورايا؟
أتجوز ايه يابنتي بعد العمر ده كله؟
عمر ايه بس؟ انت لسة في عز شبابك واللي بيشوفني ماشية جنبك بيفتكر انك أخويا.
ماشي يابكاشة.

قولي بجد متشيك كدة ورايح علي فين؟
رايح عزا جارنا، النهاردة تالت يوم ليه.
قطبت فيروز جبينها قائلة: عزا جاركم! مين اللي مات؟
جوز الست قمر.
لا حول ولا قوة الا بالله. الله يرحمه. مش هو ده الراجل اللي كان مطلع عينها؟
أيوة والله، أنا قلت دي ارادة ربنا عشان الست دي ترتاح حبة بس كأنها ماارتاحتش، لسة بشوفها بتقعد مكانها في البلكونة صحيح مبقتش تبكي زي الأول بس شكلها حزين قوي ويقطع القلب.

والله يابابا انت شكلك مهتم بيها قوي، انت متأكد انه مش اهتمام شخصي؟
عقد مصطفي حاجبيه قائلا: شخصي؟ لأ طبعا. هي بالنسبة لي حالة انسانية مش أكتر. يمكن زعلان عليها بزيادة لانها بتفكرني بوالدتك. ست طيبة قوي وبتكتم حزنها جواها، تستاهل الخير كله بس الدنيا كدة، مبتديش كل حاجة.
وحشتك مش كدة؟

قوي يافيروز، صحيح عمرها مافارقتني، صورتها دايما جوايا بس في الفترة الأخيرة بقيت بفكر فيها كتير وكأني بتمني لو كانت معايا دلوقتي تآنس وحدتي، يمكن عشان وجودك جنبي كان معوضني غيابها لكن من يوم ماسافرتي وانا حاسس اني رجعت وحيد من تاني.
قلتلك هانت يابابا وهرجع وأعيش معاك ونرجع أيام زمان.
مستنيكي يابنتي ومستني الولاد عشان تنوروا حياتي من تاني. هم فين صحيح؟

نايمين، كنت بسمع فيروز فخطرت علي بالي قلت أكلمك عشان وحشتني. لما يصحوا أكيد هيكلموك تكون رجعت وقتها من العزا.
سلميلي عليهم وبوسيهملي، بتسمعي ايه لفيروز؟
رفعت صوت مكبر الصوت فتهادي صوت فيروز.
يا طير يا طير يا طاير على طرف الدني لو فيك تحكي للحبايب شو بني؟
غني معها مصطفي.
يا طير وآخد معك لون الشجر ما عاد في إلا النطرة والضجر.
لتشاركهما فيروز الابنة الغناء بابتسامة.

بنطر بعين للشمس عبرد الحجر وملبكي وإيد الفراق تهدني يا طير
وحياة ريشاتك وإيامي سوا وحياة زهر الشوك وهبوب الهوا إن كنك لعندن رايح وجن الهوا خدني ولو شي دقيقة وردني يا طير.

رحل الجميع ولكنه لم يرها فدلف إلى القاعة. كانت تجلس وحدها بالصف تطالع الكتاب أمامها بعيون ثابتة لا تجري علي السطور بل تحمل حزنا ودمعة سقطت علي وجنتيها مست شغاف قلبه وجعلته يإن ألما، همس بإسمها فمسحت الدمعة بسرعة وهي تنتبه لوجوده، تغلق كتابها وتنهض متجهة إلى الخارج. استوقفها نداءه بإسمها مجددا فتوقفت تطالعه بتساؤل. قال لها بعطف: البقاء لله. ربنا يرحم والدك ويصبركم علي فراقه.
الله يرحمه.

هل شابت نبراتها لمحة من السخرية أم يهيؤ له؟
لو احتجتي...
قاطعته قائلة: شكرا يادكتور صلاح. أنا كويسة قوي ومش محتاجة أي حاجة.
دلف إلى القاعة في هذا الوقت شابا وسيما متأنقا اقترب منهما قائلا: مساء الخير يادكتور.
مساء الخير ياحسام.
قالت غادة: أستأذن انا.
استني هعرفك علي المعيد حسام حافظ. هيديكوا السكاشن من بكرة. غادة السكري، الأولي علي دفعتها كل سنة وبإذن الله تكون معيدة بعد ماتجيب امتياز السنة دي كمان.

تشرفنا ياآنسة غادة.
هزت رأسها ببرود قبل أن تقول: عن اذنك يادكتور اتأخرت عن المحاضرة.
هز صلاح رأسه بهدوء يتابع مغادرتها المكان بينما قال حسام بحنق: مغرورة قوي البنت دي.
واثقة في نفسها أكيد، مغرورة. مستحيل. مشفتش تعاملها مع زميلاتها يمكن تعاملها مع زمايلها يكاد يكون معدوم، غالبا من عيلة محافظة أو...
صمت يفكر فاستحثه حسام الذي جذبه جمال هذه الفتاة وأثار تجاهلها إياه فضوله قائلا: أو إيه؟

ها. لا مفيش. تعالي مكتبي نتكلم شوية عن الدفعة والمنهج، عايزك تثبت للكل اني كنت صح لما اخترتك.
غمز حسام قائلا: متقلقش يادكتور هشرفك.
اكتفي صلاح بابتسامة هادئة يتقدم حسام تجاه المكتب بينما تبعه حسام وكله فضول ليعرف أكثر عن غادته الجميلة هذه ونظرا لإصراره أدرك أنه سيفعل.

لأ مالك راح البيت زي كل يوم أمال بكلمك إزاي يعني؟ أوووف بقي كئيب قوي وكأن اللي مات ده كان أب بحق وحقيقي. سيبنا من الكلام ده وقوللي هنقوله امتي؟ يعني إيه الكلام اللي بتقوله ده؟ يعني ايه مش وقته. لأ. خد بالك. أنا مبقتش قادرة أتحمل ولا عارفة أكدب أكتر من كدة؟ بقيت بحس فعلا اني انسانة خاينة وحقيرة كل مايهتم بيا وأنا مش قادرة أبادله اهتمامه، كل يوم بيعدي عليا وأنا عارفة اني مش ممكن هحبه زي مابيحبني بيقتلني بالبطئ، كل ما بيقولي كلمة حب بحس بنار بتحرق فيا ببقي عايزة أقوله آسفة لإني في يوم حبيت غيرك ولما مقدرتش أكون معاه اكتفيت بيك. آسفة لإني غلطت وخنتك بس غصب عني ضعفني الحب. أنا بتمني الموت عشان أرتاح من عذاب الضمير اللي أنا عايشة بيه.

بتكلمي مين؟
شهقت هيام بقوة وهي تستدير عندما سمعت صوت مالك الهادر تطالع قسماته التي تراقصت الشياطين عليها، اقترب منها يقول بحروف تتميز من الغضب: مين الحقير ده اللي خنتيني معاه؟ قوليلي مين اللي دوستي عشانه علي قلبي وكرامتي؟ قوليلي مين اللي خلاكي تضربيني في ضهري بالشكل ده؟
أخفت الهاتف خلف ظهرها تقول بهلع: انت فاهم غلط، أنا...

أمسكها من كتفيها بيديه يقاطعها قائلا بغضب غلبت عليه المرارة: اوعي تكدبي أنا سمعتك بوداني، سمعت كلامك عن الخيانة وضربني في مقتل تعرفي ليه؟ لإني محبتش حد قدك ياهيام كنت شايف الدنيا انت وبس. كنت في عيوني أجمل ست في الدنيا ودلوقتي مش شايف قدامي غير مسخ. خنتيني ليه؟ ها. قصرت معاكي في إيه؟
مالك انت واجعني.

أدرك أنه يمسك بها فنفضها عنه بنفور وكأنها مصابة بداء معدي قد تنقله إليه قائلا بألم: وجعتك! وانت عملتي فيا إيه؟ دبحتيني بسكينة تلمة وواقفة تتفرجي عليا وأنا بطلع في الروح. ليه ياهيام؟ ده أنا كنت حاطك في عيوني وقافل عليكي برموشي. كنت مخبيكي في قلبي.
قالت من بين دموعها المنهمرة: قفلت عليا زيادة عن اللزوم. حسيت اني مسجونة جواك.

هدر قائلا: اخرسي متبرريش عملتك السودا. حولتي قلبي لسجن وكنت انا السجان مش كدة، مطالبتيش بحريتك ليه؟ غدرتي ليه. انطقي ياهيام؟
آسفة والله العظيم غصب عني. كنت بحبه من قبل ماأتجوزك. ضعفت قدام حبه.
أمسكها من كتفيها مجددا هادرا: ولما انت كنت بتحبيه اتجوزتيني ليه؟
قالت بانهيار: فكرتك زيه. الدم اللي بيجري في عروقكم واحد. كنت غلطانة. غلطانة.

تركها كالملسوع وعيونه تتسع بجزع بينما خرت هي علي ركبتيها قائلة: فكرت اني هنساه وياك بس فضل قدامي وفضل حبي ليه يزيد جوايا، ولما انفصل عن مراته ضعفت قدامه وخنتك بس والله العظيم من يومها وأنا حاسة بالذنب وعايزة أقولك بس كنت خايفة. سامحني يامالك وسامح رياض. أخوك.
أغمض عيناه بألم وهو يسمع حروف اسم أخيه تتردد علي لسانها فتطعن قلبه مجددا بسكين الخيانة ولكن هذه الطعنة كانت حقا، قاتلة.

كان يقبض يده بقوة علي حافة كرسيه بينما جلست هيام علي السرير تمسح دموعها وقد أدلت له بتفاصيل جريمتها، في عينيه بركان يثور من الغضب وبقلبه نزيف من جرح قاتل وبجسده انهيار كيان زوج طعنوهفي رجولته و أب أخذوا منه أبوته، يرغب في أن يرتكب جريمة بدوره يقتل فيها خائنته ثم يسعي لقتل هذا الحقير الذي تنصل من دينه وأخلاقه وخان رابطة الدين والدم، تري هل يشفي ذلك غليله؟ هل يعيد إليه حياة سلبت منه؟ حتى إدراكه بعقمه الذي أعلنت عنه تحاليله و التي أخفتها عنه زوجته حين علمت بحملها. وحرمانه من طفل انتظره طويلا لم يشعراه بألم قدر إدراكه خيانة حبيبته مع أخيه؟ وهل هناك ألم أكبر من ذلك؟ تبا يكاد يفقد عقله من عظم الصدمة.

بينما كانت هيام تتمزق من الداخل، لم تشعر قط بالحقارة كشعورها الآن وهي تحكي لمالك عن جريمتها بحقه، منحها كل شيء فلفظته بقسوة ووطأت علي مشاعره بقدمها، خانته دون أن تشعر بحقارة مافعلت، حتى علمت بأنها تحمل بأحشائها طفل، حتى وقتها كانت سعيدة لإنها تحمل طفل حبيبها هذا الذي لم تستطع حمله غريمتها كانت سعيدة حتى أنها لم تنتبه لجريمتها، تشعر فقط بأن الطفل سيقربها من حبيبها أكثر ويثبت لها ان قدرها مع رياض حتى هذه اللحظة وهي تري انكسار مالك أمامها وهول الصدمة عليه وكأنه هرم في ثوان.

أرادت الإعتذار وطلب الغفران ولكن كيف السبيل إلى ذلك والجريمة شنعاء لا تغتفر.
أنا آسفة.
طالعها بعيون اشتعلت بالغضب، نهض مقتربا منها يمسكها من كتفيها وينهضها بقسوة فظهر الهلع علي ملامحها وهو يقول بغضب: كسرتي نضارتي مش قلبي وعشان كدة بتعتذري بالبساطة دي، دوستي علي جزمتي مش عرضي وشرفي وعشان كدة بتعتذري بالبساطة دي ضربتيني بإيدك في ضهري مش بسكينة الغدر والخيانة عشان كدة بتعتذري بالبساطة دي؟

ليرفع يديه ويلفها حول جيدها يحكم خناقها وهو يقول بغضب قاتم: اللي عملتيه مش ممكن يمحيه اعتذار بسيط لا هيشفي غليلي ولا يريح قلبي، حتى الموت مش ممكن في الحالة دي يريح قلبي أو يشفي غليلي لكن علي الأقل هيرجعلي كرامتي اللي مرغتيها في التراب.

شعرت بروحها تزهق وهو يزيد من إحكام قبضتيه حول عنقها فقالت من بين أنفاسها المختنقة: أبوس إيدك إرحمني انت واحد مؤمن وعارف غضب ربنا لما بتموت روح. أنا مستاهلش تضيع بسببي، طيب لو مكنش عشانك يبقي عشان ابني. انت كدة بتقتله هو كمان وهو روح بريئة ملهاش ذنب.

أيقظته كلماتها من نوبة غضب وجنون كانت لتجعله مجرما قاتلا مثلها ومثل أخيه وان كانا يستحقا القتل فما ذنب الطفل؟ أخذت انفاسها بصعوبة وهي تسعل بينما ظهر صراع علي ملامحه دام للحظات قبل ان يعتلي وجهه الجمود يطالعها بقسوة وهو يقول بصوت جليدي: الطفل ملوش ذنب في خطيئة أهله وبسببه بس اترحمتي مني، عيشي بذنب الخيانة لو تقدري، عيشي بذنبي. ذنب قلب مكنش همه في الدنيا غير سعادتك وصدقيني عمرك ماهتشوفي سعادة بسبب جريمتك في حقي. انت طالق. طالق ياهيام بالتلاتة.

نكست رأسها تبكي بينما طالعها بنظرة أليمة مذبوحة امتزج فيها الإنكسار بالخذلان والاحتقار قبل أن يتركها ويغادر بخطوات سريعة متخبطة قبل أن يغلبه شيطانه ويعود فيقتلها ويقتل الصبي البريئ لينتقم لقلبه المغدور.

كانت قمر تجلس في حجرتها حولها ملابس زوجها تطويهم وتضعهم في حقيبة كبيرة، لم تعد ترغب في أن تراهم حولها، بل لم تعد ترغب في ان تري أي شيء يذكرها به، رغما عنها يدوي بداخلها شعور عميق بالذنب مهما لفظته يعود ويسكن داخلها، حتى وان صرخت بعزم قوتها.

هو من فعل هذا بي. هو من أجبرني علي ان أطلب منه الطلاق. هو من أذاقني الويلات فتحملت حتى ضاقت نفسي و امتلأت روحي بالأوجاع فأردت سراحا جميلا أعيد به نفسي التي اهترأت من الألم.
يعود عقلها فيؤنبها...
كان عليك احتماله قليلا بعد. ان لم يكن من أجل اولادكما أو سنوات قضيتماها معا فمن أجل عجزه علي الأقل.
لتصرخ خفقاتها مجددا.

أولادنا وكبروا. وسنواتي معه قضيتها في عذاب لا تحتمله أكثر النساء صبرا أما عجزه فزاده قسوة وتجريحا حتى صرت أتمني الموت في كل لحظة فلا أجده. أردت أن ألحق روحي قبل أن تقنط من رحمة الله فتودي بي إلى هلاك محتم وجهنم حاربت طوال عمري من أجل أن ألوذ منها فرارا.

طرقات عنيفة علي الباب جعلتها تخرج من صراع قلبها وعقلها تترك مابيدها وهي تهرع إلى الباب عاقدة حاجبيها بقوة، فتحته لتجد مالك ولدها البكر أمامها، لا لم يكن هذا مالك الذي تعرفه، ليست هذه بملامحه المسالمة التي تجلب لنفسها الراحة بل تتقافز الشياطين علي وجهه وكأنه خرج للتو من أتون مستعر، قالت بهلع: مالك. خير ياابني بتخبط علي الباب كدة ليه؟
فين المحروس ابنك؟ فين الحيوان اللي لا راعي حرمة دم ولا دين؟

كان قد دلف إلى المنزل يهرع إلى حجرة أخيه تتبعه قمر بقلب متوجس خيفة تقول بقلق: عمل ايه أخوك. استني يامالك رد عليا؟
عقد حاجبيه بقوة حين وجد الغرفة خالية ليستدير إليها قائلا بقسوة اعتلت ملامحه: راح فين جاوبيني؟ نزل يسهر مع أصحابه الصيع مش كدة؟ نزل ولا علي باله جريمته. يمين الله لأجيبه وأشرب من دمه.

هزت قمر رأسها نفيا بخوف وهي تضرب اخماس في أسداس، تتساءل عن فعلة ولدها التي جعلت رجل مسالم كمالك ينقلب إلى وحش كاسر يريد أن يرتكب جريمة قتل، تكاد لا تتعرف علي ملامحه وصوته وكلماته وهذا البركان الغاضب في مقلتيه. لتقول باضطراب وهي تمسك يده: اهدي بس يامالك واستغفر ربنا، هو عمل ايه بس؟ وبعدين عايز تشرب من دمه. تقتل ياابني أخوك اللي من لحمك ودمك و تغضب ربنا.

نفض يدها عنه بحركة جعلتها توقن من استحالة وجود عقل به في هذه اللحظة وإلا ما طاوعه قلبه لإيلامها هكذا لتتسع عيناها بصدمة وهو يقول بسخرية مريرة: أخويا اللي من لحمي ودمي. لحم ايه ودم إيه اللي بتتكلمي عنه؟ اللحم اللي نهش فيه بسنانه ولا الدم اللي بقي مية لما انتهك عرضي وخاني مع مراتي. استباح شرفي ياأمي بكل برود، اللي زي ده مش لازم يعيش صدقيني.

وضعت يدها علي فمها تكتم شهقاتها بينما انهمرت الدموع من عينيها قبل ان ترفع يدها تمسح دموعها وهي تقول بعيون ظهر فيهما تصميما لا رجعة فيه: الكلام ده لا يمكن يكون حقيقي، رياض مليان عيوب بس لا يمكن يخون أخوه او يضربه في ضهره، لا يمكن ياابني يعملها ويدبحنا كلنا، أكيد اللي قالك كدة كداب وعايز يفرق بينكم.

ضحك مالك بسخرية فباتت ضحكته تشبه المجانين قبل ان يقول: اللي قاللي! أنا سمعتهم بوداني، الهانم كانت بتترجاه يخلصها من عذاب الضمير، رسايله القذرة كانت علي تليفونها. ابنه كمان. ابنه بيكبر جوة بطنها وأنا الأهبل اللي كنت فاكره ابني وهشيله إسمي وأربيه في حضني.
انت بتقول ايه؟
بقول اني عاجز ياأمي. عقيم مبخلفش والهانم خبت عليا لما عرفت انها حامل، حامل من حبيبها القديم واللي خدتني سلمة عشان توصله.

لم تعد تقوي علي الوقوف وقد عجزت قدميها عن حملها جلست علي أقرب كرسي وقد عادت دموعها للظهور تقول بإنهيار: مستحيل. مستحيل أصدق اللي بسمعه ده. رياض لا يمكن يعمل كدة. مستحيل يكسرنا ويدمرنا بالشكل ده.
مستحيل. مستحيل ليه؟ ده وارث الحقارة وبتجري في دمه بس انا مش هسكت ولازم أشرب من دمه. قوليلي هو فين دلوقت؟

طالعته بعيون زائغة، لقد رحل منذ قليل. أخذ حقيبته وغادر. كان علي عجلة من أمره حتى انه لم يجبها حين سألته عن وجهته، كان لابد وأن تقرأ من ملامحه انه يحاول الهروب من شيء ما، لابد وأنه أدرك ان أمره قد كشف فآثر الهروب كعادته بينما ظنته هي مسافرا مع رفاقه من اجل تغيير جو المنزل الكئيب. كم هي كبيرة صدمتها به. كل مرة تدرك أنه ورث عن والده كل شيء ولكن حتى والده لم يكن يوما يمتلك نفسا وضيعة كخاصة رياض.

أفاقت من افكارها علي صوت ولدها الهادر وهو يقول بغضب: قوليلي راح فين ياأمي؟ متخبيش عليا.
صدقني مش عارفة. أخد شنطته ومشي.
أكيد بيهرب الجبان بس هيروح مني فين؟ هجيبه ولو كان في سابع أرض.
قال كلماته وغادر علي الفور غير مباليا بنداء أمه الملتاع بينما عادت قمر للجلوس بقلب أم ثكلي فقدت للتو أحد أبنائها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة