قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث والعشرون

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث والعشرون

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثالث والعشرون

توقف مالك أمام محلا للآيس كريم ثم استدار بوجهه للخلف تجاه كريم قائلا: إيه رأيك ننزل ناكل آيس كريم يابطل؟
طالعه الصغير بتردد قبل أن ينظر تجاه والدته التي هزت رأسها تشجعه فعاد بنظراته إلى مالك وهز رأسه موافقا فابتسم مالك قائلا: يبقي يلا بينا.
هبطوا من السيارة فقال مالك ما ان دلفوا إلى المحل: ايه رأيك تختار لنا علي ذوقك.

تهللت أسارير الصبي وهو يسرع إلى الواجهة الزجاجية يتأمل أنواع الآيس كريم كي يختار منهم بينما قالت فيروز بامتنان: أنا عارفة انك حابب تشغل باله عن اللي حصل بس حقيقي مكنش ليه لزوم، أكيد مشغول ووراك حاجات أهم.
مفيش أهم من الأطفال في الدنيا.

قالها بنبرات حزينة فشعرت فيروز بالشفقة عليه وهي تدرك أنه لا يستطيع إنجابهم كما أخبرتها غادة، ودت لو ربتت علي يده وقالت له شيئا لمواساته ولكن ماذا تقول والأمر أكبر من أن تواسيه الكلمات، سمعته يردف قائلا: من الحزن اللي علي وش كريم أقدر أقول انه انصدم في حد كان بيحبه.

نظرت إلى ولدها بحزن قائلة: لما مات جوزي هربت بولادي من ماجد، كنت عارفة انه هيإذيهم زي ماإذي أبوهم وقضي عليه، التحريات أثبتت إنه مفيش شبهة جنائية وإن عادل مات غرقان، رجله فلتت ووقع في البيسين، مكنتش موجودة في الفيلا ساعتها بس مستحيل كنت أصدق الكلام ده، أكيد ماجد هو اللي قتله.
وإيه اللي مخليكي متأكدة بالشكل ده؟

في الأول كان احساسي، عادل مبيعرفش يعوم ومتعقد من المية من صغره بسبب صاحبه اللي غرق لما كانوا بيعوموا في البحر ومقدرش ينقذه، عمره ماقرب من البيسين ولما كان يرجع ويلاقينا هناك كان يبعت حد يندهلنا، لما عدا كام يوم علي الجنازة لقيت فهمي السواق جاي يقابلني ووقتها قاللي انه شاف ماجد في نفس وقت الحادثة جاي من عند البيسين بيتلفت حواليه وعرقان وكأنه عامل عملة فغفل الحارس وأخد شريط المراقبة اللي فيه الجريمة بكل تفاصيلها ولما طلبت منه يشهد قدام الظابط ويجيب شريط الفيديو وافق لكن تاني يوم اختفي وكأن الأرض انشقت وبلعته، مش محتاجة ذكاء عشان أعرف مين اللي ورا اختفاؤه، رعبني مجرد التفكير بان الدور علي ولادي فسافرت لوالدي ومن وقتها واحنا بنتنقل من مكان لمكان لانه دايما بيعرف يوصلنا ولما جالي الانتداب في مستشفي كبيرة في لندن مترددتش وسافرت، كنت مرتاحة منه هناك لكنه وصل لولادي، معرفش ازاي عرف رقم كريم وبدأ يتصل بيه ويعلقه بيه من تاني ولما اكتشفت الموضوع منعته يكلمه لمحتلهم طبعا عن شر عمهم لكن مقدرتش ابدا أقولهم انه هو اللي قتل أبوهم، كنت هفتح عليا باب من جهنم، والنهاردة زي ماانت شايف، كانت المرة الأولي اللي كريم يشوف فيها جزء من شره وده أكيد صدمه وزعله.

ماجد ده عايز الشنق جزاءا علي عمله.
للأسف مش كل ظالم بياخد جزاؤه. ساعات بنكون عاجزين قصاد الظلم فبنضطر نهرب منه.

واجبنا نقدم الظالم للعدالة ووقتها العدالة هتاخد مجراها والظالم هياخد جزاؤه، الهروب مش حل، جربته قبلك وفشلت. فضل الظلم اللي انظلمته يضلم جوايا مشاعري ويقسيها، ماهو القلب مرتحش لانه انظلم ومخدش حقه وخصوصا لو شاف الظالم عايش حياته وفي نفس الوقت حياة المظلوم وقفت عند اللحظة اللي انظلم فيها ومش قادر يكمل.

عدالة ربنا انصاف، والظالم له يوم هيواجه فيها اللي خلقه عشان يرميه في جحيم أكبر من أي جحيم ممكن يعيشه في الدنيا.
ده ميمنعش ان احنا نحاول ناخد حقنا بالقانون علي الأقل وان مقدرش القانون ينصفنا ساعتها بنستني عدالة السما.
وأنا ممكن آخد حقي وحق ولادي وجوزي اللي اتغدر بيه ازاي بالقانون وعم فهمي اختفي زي ماقلتلك؟

قال مالك بهدوء: مفيش حد بيختفي من غير خيط يدل علي مكانه، عموما سيبي الموضوع ده عليا ووعد مني هتاخدي حقك وحق جوزك الله يرحمه وولادك.

طالعته بامتنان، عيناها الفيروزيتان اللتان التمعتا الآن ببريق العبرات جذبتاه بقوة حتى أنه وجد صعوبة كبيرة في الإشاحة ببصره عنهما حين توقف كريم أمامهما قائلا: أنا اخترت الفسدق ليا والشوكليت لماما عشان بتحبها وجبتلك ميكس بين الاتنين ياآنكل مالك، هو انت بتحب مين فيهم؟ الفسدق ولا الشوكليت؟
بحب الاتنين ياكريم. تسلم ايدك يابطل.

قال عبارته بنبرة جعلت خافقها يدق بقوة خاصة عندما بعثر غرة الصبي مبتسما لتظهر غمازتيه فابتسم له كريم بحب وتطلع إليه بنظرة اعجاب لتدرك أن قلب طفلها تعلق بهذا الرجل أمامها تماما، كقلبها.

وقف يستند إلى سيارته ينتظر أن تخرج من عملها، رآها تغادر الشركة مطرقة الرأس، أن قلبه ألما وهو يري كم صارت هزيلة رغم قصر مدة الفراق، كانت تعبر الطريق دون أن تري، كاد أن يصرخ بها محذرا من هذه السيارة التي تعبر الطريق ولكنه كتم صرخته حين سمع صرير السيارة التي توقفت وهبط صاحبها يطمأن علي الفتاة، يبدو أنه يعرض عليها توصيلها بعد ان شحب وجهها وظهر الضعف عليها، هزت رأسها شاكرة وطلبت منه الانصراف علي مايبدو مشيرة لسيارتها التي صفتها في الجانب الآخر، اختبأ خلف السيارة كي لا تراه، يتابعها بعينيه، عبرت الطريق ترفع أناملها تمسح شيئا علي وجهها، لابد وأنها دموع جعلته يبكي بداخله ويشاركها مرارة أحزانها، كاد أن ينسي كل شيء ويسرع إليها يأخذها في حضنه ويربت علي ظهرها، يخبرها أنه لن يتخلي عنها مهما كان الثمن ولكنه تجمد في مكانه لا يقوي علي السير وقد تذكر زوجته. رأي مي تلبس نظارتها الشمسية ثم تفتح السيارة وتقودها مغادرة المكان. ظل ينظر في إثرها يلعن نفسه الخائنة لعشقهما، همس يخاطب طيفها.

الحزن يأكل الفؤاد شوقا والدموع تغمر المقلتين ألما لفراق أجبرنا عليه ياحبيبتي، أشياء كثيرة اشتقت إليها. حنان صوتك. رقة نظراتك و سعادتي في حضرتك. فراقنا شاق علي نفسي ولكني مرغم علي النسيان كي أستطيع الحياة، رغم أن الفراق كلهيب شمس اقتربت منه حد الاحتراق، إنه زلزال صدع جوانبي فاهترأت تنتظر أن تصير حطاما كلما استمر البعاد، ولكنه فراق من أجلك أنت فمازلت ضعيفا لا أقوي علي اتخاذ قرارا بقلبي يرفضه عقلي. وأنت تستحقين رجلا يحتكم إلى قلبه فقط فيمنحك ماتستحقين من حب. قلب يكون لك وحدك، رجل يصير ملكك لا يشاركك به أحد وهذا الرجل الذي أمامك الآن مازال مملوكا مقيدا بأغلال الواجب يجبره العرفان علي الخضوع.

جر قدميه باتجاه مقعد السائق في سيارته ثم جلس يقود السيارة مغادرا المكان بدوره بينما كانت هي هناك خلف مقود سيارتها تتابع مايحدث بعيون تغلي غضبا، لقد شاهدت كل مايحدث وأدركت شيئا واحدا لا يمكن لعيناها ان تخطؤه. حب يائس من جهة زوجها يخبرها أنه ضاع منها ويجب أن تستعيده، لن تسمح له بتركها فيلوك المحيطين بها سيرتها شامتين، سيستمر زواجهما حتى وان أضطرت لإجباره علي ذلك.

الحقيقة ادارة الجريدة وكل أعضائها فخورين بانضمام الصحفي المخضرم مالك عزيز السكري لصفوفهم، والبداية كانت من نار، وسبق صحفي أكتر من رائع بيكشف عن وقوع أكبر تشكيل عصابي لإستيراد الأغذية الفاسدة، الأسماء مهولة والصور تجنن. الجريدة أكيد بكرة هتكون حديث الساعة وده كله بفضل أستاذنا الكبير مالك.

صفق الجميع بعد سماع كلمات رئيس مجلس إدارة الجريدة يسرعون إلى تحية مالك بينما ابتعدت غادة عنه تفسح لهم المجال، لم تشعر بالغضب أو الحزن جراء نسب الأستاذ سعد هذا السبق الصحفي لأخيها، هي فخورة بما فعلت وكفي. يكفيها مافعلته من أجل تسليم هؤلاء الفاسدين للمحاكمة وكم كانت شعرت بالفخر وهي تصور كل شيء البارحة، اقتحام الشركة الوهمية، الأغذية الفاسدة وحتى إلقاء القبض علي أبو الدهب، بقي فقط اعترافه علي شركاءه وسيكون للجريدة حق التصوير الحصري لإلقاء القبض عليهم واحدا تلو الآخر، لقد برهنت لنفسها أنها تستحق مكانها في عالم الصحافة وبقي أن تثبت جدارتها للجميع، تثق بأنها ستفعل يوما، إن لم يكن اليوم فالغد اذا ستفعل.

وجدت مالك يسحبها من يدها ويجعلها تقف وسط كل زملائها قائلا بفخر: الحقيقة أنا مستاهلش كل الكلام الحلو ده ياأستاذ سعد، اللي تستاهلوا هي الصحفية غادة السكري أختي الصغيرة اللي بكرة هيكون ليها شأن عظيم في مجالنا، أنا جيت الجريدة هنا وكانت هي شغالة في القضية ومغامرة بحياتها ومستقبلها عشان تكشف المجرمين دول، ولولا جهودها واستنتاجاتها مكناش قدرنا نحل لغز القضية، أنا والظابط ممدوح كنا مساعدين ليها مش أكتر والفضل كله يرجعلها في القبض علي أبو الدهب وتخليص الناس من شره واسمها هو اللي لازم ينكتب تحت السبق الصحفي ده.

طالعته بعيون مترقرقة بالدموع امتنانا بينما ابتسم لها بحب لتنقل بصرها إلى المهنئين لها علي نجاحها وأولهم الأستاذ سعد، اتسعت ابتسامتها وهي تشعر لأول مرة بطعم النجاح الذي تصحبه سعادة خالصة لا تشوبها شائبة.

كان مالك يلعب مع كريم وكرملة احدي المباريات علي هذه اللعبة الجديدة التي أحضرها الأول للصغار، بينما تقف غادة مع فيروز في المطبخ يحضرون الطعام من أجل هذا الاحتفال الذي أعده مصطفي فرحا بهذا السبق الصحفي الذي يتحدث عنه الجميع وكيف استطاع الأخوين الإيقاع بشبكة عصابية تحمل أسماء ضخمة لم يكن متوقع منها هذه الأعمال الإجرامية، كانت فيروز تخرج إحدي الصواني من الفرن حين قالت غادة بخجل: فيروز انت بجد مش زعلانة مني عشان الكلام البايخ اللي قلتهولك في آخر مكالمة بينا وبعدي عنك الفترة اللي الفاتت دي؟

وضعت فيروز الصينية علي الطاولة الخشبية قائلة بابتسامة: أزعل منك ايه بس ياعبيطة؟ الظاهر انك مش عارفة غلاوتك عندي. وبعدين أنا عذراكي، مش كل بنت بتتقبل إن مامتها ترتبط تاني بعد والدها الله يرحمه وحد تاني يحل محله.
مكنتش بحب بابا لدرجة إني أرفض حد يحل محله في حياة أمي، رفضي كان عشان كلام الناس وإزاي هيأثر علينا وعلي سمعتنا ويخلي والدة حسام ترفضني بس رغم كدة رفضتني وسمع كلامها واتجوز بنت عمه.

أمسكت فيروز الملعقة وقلبت في الوعاء وهي تقول: الناس كدة كدة بتتكلم وكلامهم مبينفعش البني آدم لو اختار غلط بسببهم، سعادتك بإيديكي مش بإيدين الناس ومادام شايفة ان مامتك مبتعملش حاجة غلط يبقي ميهمكيش الناس، أما بالنسبة لحسام فاللي حصل أكيد في مصلحتك، أشباه الرجال ملهمش مكان في حياتنا ولو مقدرش شريكنا فيها يدعمنا ويسندنا ويخلص لنا ويضحي بأي شيء عشانا زي مابنعمل بالظبط وأكتر يبقي شكرا، بناقص الناقص ياأختي.

ابتسمت بمرح فبادلتها غادة ابتسامتها قبل أن تردف فيروز بجدية: بابا بيحب مامتك قوي ياغادة ودي فرصة تانية ليها عشان تحب بجد وتتحب من راجل مشفتش زيه في الدنيا لكن مع الأسف هي خافت زي ماخفتي ووقفت العلاقة علي الصداقة رغم مشاعرهم اللي واضحة زي الشمس في عيونهم وده عذاب محدش يتحمله. واجبنا كولادهم نساعدهم عشان يبقوا سعدا مينفعش نقف عاجزين واحنا بنشوفهم بيضحوا بسعادتهم عشان كلام فارغ، الناس دي اتحملت كتير عشانا وضحوا براحتهم عشانا، مينفعش نكون أنانيين في الآخر ومنفكرش غير في راحتنا وبس. ولا ايه؟

هزت غادة رأسها قائلة: انت صح. أنا فعلا كنت أنانية قوي ومفكرتش غير في راحتي وسعادتي وبس، نسيت قد ايه تعبت في حياتها، قد ايه كانت تعيسة مع بابا وقد إيه آنكل مصطفي هيكون العوض ليها.
مدت فيروز يدها إليها قائلة بابتسامة: يعني معايا نجمعهم مع بعض تحت سقف بيت واحد.
ابتسمت غادة قائلة: معاكي طبعا.

لتتسع ابتسامة فيروز وقلبها يعلن عن سعادتها لإكتساب غادة كحليفة في مهمة رد الجميل لوالدها وتحقيق سعادة له يستحقها دون شك.

لو بس تقوليلي إيه اللي ممكن يمنع ارتباطنا.
مصطفي انت وعدتني.
نهض يتطلع إلى الشارع يزفر قائلا: وعد صعب أوفي بيه، غصب عني قلبي بيجبرني أحقق أمل دقاته ياقمر.
استدار يطالع ملامحها المرتبكة بحب مردفا: لأول مرة من سنين طويلة قلبي يدق لواحدة ويتمني يبقي معاها اللي باقي العمر كله.
مااحنا مع بعض أهو، ناقصنا ايه يعني؟

جلس أمامها مجددا يمسك يدها قائلا: ناقصني أفتح عيني الصبح أشوفك قدامي صباحي ينور، ناقصني السكن. لمسة ايدك من غير خوف. همستك بحب. ناقصني تكوني جنبي دايما عشان بتوحشيني ياقمر.

شعرت بخفقاتها تتسارع بجنون، لم يسبق أن رأت العشق في عيون وكلمات رجل كهذا العشق الذي يطل من مقلتيه ونبراته، يجد صداه بقلبها وكل ذرة بجسدها ولكنها تعجز عن البوح به فلا مجال لأن يكونا معا وقد بلغ كلاهما من الكبر عتيا وصار أولادهما كبارا سيحاسبونهما علي مشاعرهم وسينعتوهما بالجنون كما سيفعل كل المحيطين بهم لتسحب يدها من يده بحزن: مصطفي انت عارف اني مش هقدر أوافق علي الجواز، مش هينفع.

قال بعصبية: وأنا سألتك ليه مش هينفع ومردتيش عليا. كنت بديكي العذر وأقول خايفة من رفض ولادها لارتباطنا لكن احساسي بيقول انهم معندهمش مانع، يبقي ليه التردد؟ عشان كلام الناس. الناس مش هينفعونا لما نسهر ليلنا نتقلب من الشوق واللهفة والحزن لاننا مش بعض، مش هيحسوا بينا لما ننام كل ليلة وجوانا احساس بحاجة كبيرة ناقصانا وكأن لحظات السعادة مش راضية تكمل غير لما نكون ويا بعض، الناس مبيعجبهاش العجب ومهما عملنا مش هنرضيهم، يبقي ليه نفكر فيهم مع ان المفروض نفكر في نفسنا؟

كلامه ينفذ بسلاسة إلى أعماقها حتى أن ملامحها نطقت باقتناعها وعبرت عن رغبتها بالموافقة من كل قلبها، لتعود ذكري رفض غادة لمشاعر مصطفي تجاهها تطل برأسها بقوة، تجعلها تخشي رد فعل باقي اخوتها ان علموا لتسرع بهز رأسها نفيا قائلة: لأ أرجوك. متحاولش تقنعني بحاجة مش هقدر أعملها، أنا مرتاحة كدة وانت لو مش مرتاح أنا ممكن...

قاطعها قائلا بنظرة عتاب وبنبرات أشعرتها بالخجل والندم: انت ممكن ايه؟ تقاطعيني تاني وتبعدي عني. للدرجة دي سهل تتخلي عني ياقمر زي المرة اللي فاتت وفراقي يبقي شيء بسيط تقدري عليه؟

إلي هنا ولم تعد تقوي علي الكذب فقالت دون مواربة بعينين غمرتهما دموع رقيقة انسلت إلى وجنتيها: ده أصعب قرار خدته في حياتي، دبحني بسكينة تلمة وفضل جرحي ينزف لحد ماشفتك من تاني، فراقك شيء صعب يامصطفي تقريبا بيشبه الموت لكن أوقات بيبقي مفيش قدامنا غير اختيار الموت عشان اللي حوالينا يعيشوا.

ربت علي يدها بحنان قائلا: طب خلاص. أرجوكي متعيطيش، رغم اني مش مقتنع بقرارك لكن هحاول أتقبله، أهم حاجة اني مشوفش دموع في عيونك، من أول ما شفتك وأنا وعدت نفسي أبعدهم عن عيونك لو في ايدي، وقتها مكنتش اعرفك لكن كل ماكنتي تقعدي قدامي وألاقي دموعك نازلة من عنيكي كان قلبي بيوجعني وألعن في كل لحظة اللي كان السبب فيهم، كنت بستغرب ازاي ممكن مخلوق عنده قلب يبكي ملاك زيك وجه اليوم اللي بكيتك، عشان خاطري امسحي دموعك ياقمر. انت متعرفيش دموعك دي غالية عندي قد ايه وبيوجعوني ازاي.

مسحت دموعها بأناملها وقد مست كلماته شغاف قلبها فصار يطالبها بالخضوع لعشق وسلطان هذا الرجل الذي يبدو وكأنه هدية الله إليها فلماذا ترفضها؟
أردف بحنان قائلا: أيوة كدة. الوش ده اتخلق للضحك وبس.

طالعته بمقلتين عجزتا عن اخفاء مشاعرها فوصلته دون استئذان، أراد اختطافها في التو واللحظة والذهاب إلى أقرب مأذون ولكنه يدرك صراعها الداخلي، سنوات وهي محرومة من السعادة تقفل أبوابها في وجهها فحين جائتها الآن لم تستطع أن تفتح لها بابا وقد باتت تخشي مغبة الفرح، آثر الصمت مؤقتا حتى يستطيع يوما أن يمنحها القوة لتفتح بابها أمام سعادة أبدية إن قدره الله، شعر بضعفه أمام نظراتها المحبة الآن فآثر الهرب حتى لا يغمرها بين ذراعيه دون أن يأبه بأي شيء لينهض قائلا: أنا هقوم أشوف البنات اتأخروا ليه وأطل علي مالك وأحفادي.

هزت رأسها تتابعه بعينيها يغادر. يصرخ كيانها. يالك من رجل.
دعني لا أخفيك سرا.
دقات قلبي تعاندني، وعقلي يسير معي في نفس الدروب.
أبغي نسيان كل شيء والاستسلام لعشق لا يذوب
ولكن عقلي يجبرني علي الانسحاب والهروب
قرار وجب إتخاذه أتملص منه فأظهر ربما كامرأة لعوب.
يظلمني ضعف لا ذنب لي فيه هكذا أنا ومن منا بلا عيوب.
قد أبدو صلدة لكني مذبذبة تائهة كقادة الشعوب.

مبعثرة المشاعر تارة أحب وتارة لا يناسبني. اعيش دوما حروب.
تارة يفوز القلب علي عقلي وتارة يعلنها ياويلي صرت مغلوب.
ياحبذا لو صارا صديقين حتى تستوي نفسي وتلتئم الندوب.
فأزيل بيدي هذه الحواجز بيننا وأنال معك قدري المكتوب.

كانت تجلس في رواق المشفي أمام حجرة وليدها الذي نقل اليوم إلى العناية المركزة، تحاول الاتصال برياض منذ الصباح ولكن لا مجيب. منذ أن جاءت معه بمروان للمشفي ثم ذهابه بحجة العمل وهي لم تري وجهه وكأنه ألقي عبء من علي كاهله وغادر غير آبه بمصيره، أدركت في الآونة الأخيرة ورغم صعوبة التصديق أنها خدعت في العشق، قد أوهمها حبه حتى نالها والآن ذهب الوهم والعشق.

فتحت سلسالها الذي يحمل صورة زوجها إلى جانب صورة طفلها، رفعت أناملها تمس ملامحه بألم تنزل عبراتها بصمت لكنها تعلن بحرقة.
تساءلت كثيرا لما يقابل ودي بجفاء فأعيش كل يوم بقلب مذبوح. لأدرك أننا فقط نختلف، حبك عندي قبل روحي بينما عندك آتي بعد الروح، فأتألم دون شكوي تصرخ روحي دون بوح.

أغلقت سلسالها بسرعة حين سمعت صوت والدتها وهي تناديها وقد جاءت ما ان اتصلت بها وأخبرتها بما حدث لطفلها، لتنهض وتسرع إليها تلقي بنفسها بين أحضانها وتبكي بقوة، تترك نشيجها يعبر عن كسرة قلب.

بقولك كنت فين لحد دلوقتي ياكرم؟ رد عليا أحسنلك.
كنت في الشغل طبعا وبعدين ايه أسلوبك في الكلام معايا ده ياجيهان؟
تخصرت قائلة: آه طبعا مش عاجبك، ماانت خلاص مستعد تبيعني دلوقت عشان واحدة تانية لكن اعمل حسابك أنا مش هستسلم بسهولة ولا هقبل أكون مجرد محطة في حياتك. انت فاهمني ولا لأ؟
قطب جبينه قائلا: قصدك ايه. مش فاهم؟

رفعت هاتفها تريه الصورة علي شاشته قائلة: قصدي دي. الست مي. حبيبة القلب اللي روحت تبص عليها من بعيد وكأنها روحك اللي بتتاخد منك. مش كدة؟ بتخوني ياأكرم. بتخوني أنا مع الجربوعة دي، طب استنضف.
رفع إليها عينان هادئتان قائلا: انت بتراقبيني ياجيهان؟ وكمان هو ده اللي يهمك، اني أستنضف.
قالت بعصبية: آه طبعا براقبك مش جوزي وحسيته بيخوني، منظري ايه قدام أي حد شاف المنظر اللي شوفته ده؟ هيقول عليا إيه؟ ماتنطق.

مال فمه بسخرية قائلا: هيقول مش ماليا عينه طبعا.

طالعته قائلة بحنق: انت بتتريأ؟ يابجاحتك ياأخي، بدل ماتعتذر وتتأسف عن العملة السودة اللي عملتها معايا. أنا جيهان هانم رفعت اللي الكل كان بيتمني يرتبط بيها لكنها اختارتك انت عشان تشاركها حياتها. بتخوني بعد كل اللي عملته عشانك، ده انت كنت حتة معيد في الجامعة بمرتب كحيان وأنا خدتك وشغلتك مع بابا. نضفتك وعليتك، سكنتك الفلل ولبستك أحدث الماركات وبعد العربية الفيات بقيت بتركب مرسيدس. الظاهر انك نسيت نفسك، نسيت كنت ايه قبلي وبقيت ايه معايا ومحتاج اللي يفكرك ياكرم.

جمدت ملامحه بالكامل وهو يقول بصوت جليدي: أنا فعلا كنت محتاج حد يفكرني اني إتجوزت واحدة مش شبهي، كل همها مظهرها قدام عيلتها و اصحابها وبس المجتمع المخملي زي مابتقولوا عليه أنا مش أكتر من طقم جديد اشترته أو عربية جديدة بتتباهي بيها قدام الناس مش كدة ياهانم؟ عمري ماحسيت اني واحد متجوز واحدة تبقي بالنسبة له أم وأخت وحبيبة وسكن، كنت بحس جوة بيتنا بالبرود وعمري ماحسيت بالدفا، لما كنت بحس بالضعف بالمرض بخيبة الأمل. لما كنت بجد بحتاجك وملقاكيش كنت بروح لأمي وحضنها وطبطبة ايدها علي ايدي، كنت بفتكر حنانها فأجري عليها وقتها كان ضعفي بيتحول قوة وأبواب الفرح بتنفتح قدامي، غيابك وقتها محستوش كان بيعوضه سكن أمي ورعايتها ليا، لكن لما سافرنا وغابت أمي غاب السكن والاهتمام وبدأت أحس بعدم وجودك جنبي وجمود حياتي لحد ما دخلت هي حياتي، شفت فيها كل شيء كان ناقصني، الأم والأخت والحبيبة وشريكة الروح، حسيت وقتها ان وجودي معاكي خسارة كبيرة ليا، ده حتى حلمي بإني أكون أب حرمتيني منه وفضلتي تأجليه سنة ورا سنة وأنا ساكت ومستحمل عشان كنت بحبك ومقدر جمايلك اللي عايرتيني بيها دلوقتي، لكن خلاص ياجيهان الحب وراح وجميلك سددته وأكتر لما خليت شركة باباكي أحسن شركة بين الشركات الموجودة في البلد، والعشرة انت اللي بعتيها لما حولتيها لسلعة تتباع وتتشري وفي الآخر بتعايريني وتبينيلي ان اللي بيني وبينك مجرد عقد اتعمل عشان الناس وهينتهي دلوقتي عشاني.

عقدت حاجبيها بقوة تقول متوجسة: قصدك ايه بالكلام الفارغ ده؟
قصدي اني خلاص مستقيل من حياتي معاكي.
وضع علي الطاولة سلسلة مفاتيحه ثم استقام قائلا ببرود: احنا خلاص ياجيهان مبقيناش ننفع نكمل مع بعض. انت طالق. طالق بالتلاتة.

قالها وغادر بخطوات هادئة بينما شعرت جيهان بالصدمة للحظات قبل أن تصرخ قائلة بغضب هادر: استني هنا رايح فين؟ أنا تطلقني بالسهولة دي عشان خاطر كلبة ولا تسوي؟ انت أكيد اتجننت. أقولك. روح ياكرم، غور في ستين داهية، بكرة تجيني راكع وذليل، روح للجربوعة بتاعتك خليها تنفعك، أنا مش هنكسر ولا هتأثر ولما تندم مترجعش عندي تترجاني أرجعلك لإني وقتها هكون اتجوزت الأحسن منك. روح في ستين داهية ياكرم زي ماعملتك هعمل غيرك، مش جيهان رفعت اللي يهمها واحد زيك ملوش أصل ولا فصل. كلب أول ماشبع عض الايد اللي اتمدتله. هتشوف أنا هعمل فيك ايه. هتشوف اللي يعض ايدي بيحصله ايه ياكرم ياابن الست قمر. روحلها ياابن مامتك واقعد تحت رجلها هتفرح بيك قوي لانها عمرها ماحبيتني ولا انا حبيتها، ست ضعيفة زيك والضعيف بيدوسه اللي زيي تحت رجليه. وأنا هدوسك ومش هرحمك ياكرم. سامعني؟ مش هرحماااااك.

انت متأكد من الكلام اللي بتقوله ده؟
طبعا ياباشا، الورق كان مع خال الست هيام بس اداه لأمها من يومين، هي اللي طلبته منه. هو بنفسه اللي قال الكلام لصاحبه اللي مبيفارقوش، مسعود ماانت عارفه وعارف انه بيشرب كل يوم مع مخبر عندنا والمخبر قرره وعرف منه كل حاجة.
نفث رياض دخان سجائره قائلا: يعني الورق في بيت العقربة، طب واحنا مستنيين ايه عشان نجيبه؟
تخرج من البيت ياباشا عشان نعرف نفتشه براحتنا.

أول ماتلاقوه محدش غيرك يلمسه و تجيبهولي علطول ياسيد. مفهوم؟
مفهوم ياباشا. بس...
صمت فاستحثه رياض قائلا: بس إيه، محتاج فلوس كمان؟
أسرع سيد يقول: لأ ياباشا، فلوس ايه. خيرك مغرقنا.
قال رياض بنفاذ صبر: أومال فيه ايه؟ وشك اصفر وعرقت فجأة، ماتنطق علطول.
المخبر اللي حضرتك مخليه بيراقب بيت الست الوالدة من ساعة ما أستاذ مالك رجع.
قطب جبينه قائلا بتحفز: ماله؟

بيقول ان الناس هناك ملهاش سيرة غير قصة الحب بين الست الوالدة وجاركم هناك. الأستاذ مصطفي.
تقافزت الشياطين علي وجه رياض وهو يلقي بسيجارته ويمسك بتلابيب سيد قائلا: انت بتقول ايه ياحيوان انت؟
قال سيد بسرعة: مش انا اللي بقول ياباشا والله ده عزوز، هو واقف برة. تقدر تسأله جاب الكلام ده منين وهو هيقولك.
تركه رياض قائلا: طب ابعتهولي ومتدخلش حد علينا. مفهوم؟

هز رأسه وهو يعدل من وضع ملابسه مغادرا بسرعة ليشعل رياض سيجارة أخري بعد أن رمي الأولي، ينفث دخانها بغضب، ينتظر عزوز ليؤكد له ماقيل منذ لحظات وان تأكد سيقيم الدنيا ويقعدها علي رأس مدعية الفضيلة التي ماان مات زوجها حتى أسرعت تلقي بروحها بين أحضان رجل آخر. ثم تجد الجرأة لتوبخه وتهدده وقد آن الأوان ليكون هو الطرف الأقوي وينتقم من الجميع. بلا استثناء.

خرج الطبيب من حجرة الصبي يقول بأسف: احنا عملنا اللي علينا لكن دي ارادة ربنا، البقاء لله.
تطلعت إليه هيام بصدمة، بينما بكت والدتها قهرا وهي تقول بألم: ياحبيبي ياابني. ربنا يصبرنا علي فراقك.
فراق مين ياماما؟ ابني مماتش، الدكتور ده كذاب.
قالت والدتها بألم وهي تمسك يدها: فوقي يابنتي من صدمتك، مروان مات...

نفضت يدها بعنف تقاطعها قائلة: متقوليهاش. مروان مماتش. انتوا كدابين. كلكم كدابين وعايزين تاخدوه مني، بس محدش هيقدر ياخده مني، مفهوم. محدش هياخده مني.
أسرعت إلى حجرته تتابعها أمها بحسرة بينما قال الطبيب للممرضة التي خرجت للتو من الحجرة فاصطدمت بهيام: هاتي حقنة مهدئة وحصليني علي جوة، أم الطفل عندها صدمة عصبية.

هزت رأسها وأسرعت تنفذ أوامره بينما تردد إلهام بمرارة: لا حول ولا قوة إلا بالله. انا لله وانا إليه راجعون.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة