قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر

لازم ترجع يامالك. لازم تلحق أختك.

غادة رامية نفسها وسط الخطر ومش هاممها، المرة دي كانت ليها قرصة ودن من ناس مبترحمش، مين عارف المرة الجاية هيعملوا فيها ايه؟ دول مجرمين وأهون حاجة عندهم الروح. انت عارف الأشكال دي ممكن تعمل فيها ايه، أنا اترددت كتير في اني أكلمك، عارف انك رافض رجوعك لمصر، لكن الوضع خطير والأخطر عناد أختك وراسها الناشفة واللي شايفة انها عادي تضحي بحياتها عشان تكشفهم، صدقني مش هتقدر تعمل لهم حاجة، أنا شفت بعيني ناس كتير زيها اتقتلت والقضية اتقيدت ضد مجهول. أنا حذرتها بس هي قابلت تحذيري برفض قاطع ورغبة في الاستمرار ومبقاش في ايدي حاجة تانية أعملها.

تلك كانت كلمات ممدوح له في اتصاله الأخير، كلمات حرمته النوم خوفا علي صغيرته غادة. يعرفها كراحة يده، عنيدة مثله وأكثر، لن تتخلي عن التحقيق حتى تصل لمأربها، لذا وجب عليه العودة واقناعها بالعدول عن هذه القضية حتى يحميها من نفسها ومن هؤلاء المجرمين، يعلم أيضا أنها ستقاومه وهي تشعر بالألم جراء سفره دون إخبارها وتخليه عنها كما تعتقد، والدليل علي ذلك عدم إجابتها علي مكالماته القليلة لها ولها كل الحق في ذلك، فهي لا تعرف مرارة الغدر والخيانة التي جعلته يغلق علي نفسه ويبعد عنه الجميع غير راغب في ان يري نظرات الشفقة في عيونهم أو يسمعها في نبرات صوتهم، شعر بالعجز فآثر الهروب لإننا مهما كنا اقوياء تنتابنا لحظات عجز لا نستطيع وقتها حمل حقائب الهموم وحدنا. ولا نستطيع التصدي فيها لضربات القدر، قد نجد أنفسنا عاجزين عن مساعدة أنفسنا فمابالنا بالغير، وهو لم يستطع مساعدة نفسه وقتها علي تخطي آلامه فكيف له أن يساعد أمه وإخوته؟

تراجع برأسه إلى الخلف وأغمض عيناه بألم، لقد جرح أحبته حين جرح وتركهن دون عضد، وجدهن يتجسدن أمامه
أختيه غادة وميسون إلى جانب والدته يطالعنه بعتاب همس قائلا
غادة صغيرتي. هل تسمعين في صوتي أنين الندم؟ هل تشعرين بألم فراقي عنك؟ هل يصلك خوفي عليك؟ منذ أن علمت بهذا الخطر المحيط بك وأنا أشعر بالتيه، تطل الذكريات بخاطري وأسمع صوتك بأذني.

(كن بخير أخي فمادمت بخير سأكون بخير). حسنا أنا لست بخير وأنت كذلك ولكني قادم إليك كي نكون سويا بخير.
ميسون. عذرا جميلتي، لم أري قط طفلتك ولم أحملها بين يدي، بئس الأخ كنت ولكني أعدك بأن أضحي كما كنت قبل سفري وأن أكون حدك وعضدك، إن ناديتني لبيت ندائك دون تأخير.

أمي. هل ترين في ملامحي شوقا أرسل رعشة في أوصالي؟ هل تشعرين بقلبي المحترق توقا للقياك؟ لم أكن بخير قط في غيابك لكن ظل طيفك يراودني فيسري الدفء بروحي وأسترد أنفاسي الضائعة، يانسمة صيف بحياتي أنقذتني من جحيم كدت اضيع بين جنباته، يرعاني شيء غرسته بكل ذرة في كياني. إيمان عميق بقضاء الله وقدره. و حبك أنت. سأعود لأضم ثلاثتكن إلى صدري فأتدثر بحنانكن ليبعد عني جلمود القلب وغربته.

كانت تفتح الباب حين استمعت إلى كريم يقول: انت كمان وحشتنا ياعمي ووحشني بيتنا والبيسين.
فتحت الباب تقول بغضب: كريم.
انتفض الطفل يرمي الهاتف من يده يطالعها بهلع بينما اتجهت هي إلى الهاتف وحملته لتري أن المحادثة مازالت مفتوحة، وضعته علي أذنها وقالت بغضب: لسة زي الحية ياماجد، بتدخل البيت من شبابيكه ومصمم تإذي اللي جواه حتى لو كانوا من لحمك ودمك، عملتها مرة بس المرة دي مش هسمحلك، ابعد عننا أحسنلك.

جاءها صوته البارد الذي تكرهه بقوة يقول: وان مبعدتش هتعملي ايه ياست فيروز؟ هتاخديهم وتهربي تاني علي برة.
مبقتش أخاف منك، خلاص معايا حكم محكمة يمنعك تقرب مني او من ولادي.
وتفتكري ده ممكن يمنعني عنكم؟ عموما أنا متأكد انك خايفة وعشان كدة بيترعش صوتك دلوقتي وكمان محذراهم يدوني العنوان. عموما مش هتفضلي مستخبية ومخبياهم كتير، أول مايرجعوا المدرسة هعرف وساعتها...

ترك جملته معلقة فقالت فيروز بمرارة: روح ياشيخ منك لله، مش كفاية حرمتني من باباهم عايز كمان تحرمني منهم، منك لله.
أغلقت الهاتف وجلست تبكي بحرقة، اقترب منها كريم قائلا بخوف امتزج بألم: متعيطيش ياماما، أنا غلط لما رديت عليه، عارف انك متضايقة مني بس غصب عني...
جذبته من يده تقول بمرارة: انا مش متضايقة منك أنا خايفة عليك. عمكم مبيحبكوش زي ماعايز يفهمكوا، افهم بقي ياكريم.

طيب اهدي ياماما عشان خاطري وسامحيني، أوعدك مش هكلمه تاني ولو طلبني هقفل السكة في وشه بس متعيطيش.

الرجاء بصوته والدموع بمقلتيه جعلا قلبها يإن عطفا علي صغيرها الذي لايدرك كم تكون النفوس مريضة في بعض الأحيان فترتكب أبشع الجرائم بحق ذويها، لا يفهم هذا الطفل البريئ أن هناك رجل قد يقتل أخاه ويستبيح أكل مال اليتامي من أجل أطماعه، يعدها بمقاطعة عمه لا إدراكا بكل هذا وإنما خشية دموعها ورفضا لحزنها، لتضمه بقوة تعده أن تحميه هو وأخته بكل ماأوتيت من قوة.

كان يمشي بهدوء يحمل حقيبة سفره علي ظهره ويتجه إلى البوابة الخاصة بطائرته حين استوقفته فتاة صغيرة تبكي، كاد أن يتجه إليها ليري ماالذي يبكيها، لا يبالي بتأخره عن موعد الطائرة فقلبه الذي مازال يحمل طيبة رغم كل مامر به يجبره علي مساعدة الغير ولكنه توقف حين رأي سيدة تقترب منها فتوقفت الطفلة عن البكاء وابتسمت ثم سارت جوار المرأة متعانقات الأيدي، لا يدري لم تذكر الآن هذه الطفلة التي قابلها في آخر مرة كان هنا بالمطار، ولماذا تتراءي له الآن والدتها ذات العينان الفيروزيتان البريئتان حد الخداع؟ لو لم يسمع مكالمتها بأذنيه والتي تكذب فيها علي زوجها تخبره أنها بالمنزل بينما هي بالمطار ولو لم يري كم هي أم مهملة تترك طفلتها وتتسوق دون أن تنتبه لإختفائها، لصدق برائتها ولكنها كمعظم بنات حواء. لا أمان لهن، أغمض عينيه ينفض وجهها الذي تمثل أمامه وأهدابها التي حملت هذه الدموع المخادعة وهي تشكره علي جلبه ابنتها لأحضانها مجددا، ثم فتحهما وهو يتجه إلى البوابة بسرعة بعد أن سمع الاعلان الأخير عن طائرته.

متعرفش باباك بيتأخر برة اليومين دول ليه ياوليد؟
أخذ وليد شطيرة ووضع عليها بعض المربي قائلا: مش عارف بس فيه ديل مهم اليومين دول بيشتغل عليه هو ومعتز وأكيد تأخيره مع العميل عشان يخلصه.
هزت رأسها وهي تتابعه يأخذ رشفة من فنجال الشاي وهو مازال واقفا لتقول بحنق: ماتقعد ياوليد وتفطر كويس.
متأخر ياماما ولازم أمشي.
دلفت ميسون في هذه اللحظة وقالت براحة: الحمد لله اني لحقتك، ملف الاجتماع كنت هتنساه.

أخذه منها مقبلا إياها قائلا بامتنان: أنقذتيني، أشوفكم بالليل سلام.
سلام.
كاد أن يختفي حين استوقفه صوتها قائلة بلهفة: كنت هنسي، انا رايحة لماما النهاردة. هانيا وحشتها وعايزة تشوفها.
هز رأسه قائلا: تمام، خلي السواق يوصلكم ومتتأخروش.
هزت رأسها بابتسامة ترسل له قبلة هوائية فابتسم مغادرا، لتقول ناهد بحنق: الحاجات دي في أوضة النوم مش براها قدام الناس يامدام.

استدارت ميسون لتواجهها قائلة بثبات: وانت شفتيني ببوسه من بقه ياحماتي، دي بوسة ع الطاير. عن إذنك بقي عشان أجهز نفسي للخروج.
غادرت بينما تتابعها ناهد بعيون حانقة تقول بحقد: بنت معندهاش حيا صحيح، معاملة وليد الجديدة غرتك ومخلياكي فاكرة انك فزتي عليا، مش كدة ياميسون؟ عموما الشاطر اللي يضحك في النهاية ياهانم.

كانت تتحدث بحماس امتزج بحب عن عمها وزوجته عائلتها التي تبنتها بعد وفاة ذويها بحادث نجت منه هي بمعجزة وكم شعرت معهما بأنها لم تفقد ذويها قط بل كانوا لها نعم الأهل، أغدقا عليها من حنانهما وشملاها برعايتهما، تدين لهما بالكثير ولا تدري كيف ترد لهما الجميل فهي لا تملك سوي حب كبير لهما أخبرها أنه أكثر من كاف بالنسبة إليهما، فالكنز الحقيقي لأي إنسان هو أن يحب أحدهم فيبادله الحب، وصل النادل فوضع أمامهما فنجالين من قهوة دون سكر، تماما كما يفضلانها فقربته من أنفها كما اعتادت أن تفعل تغمض عيناها وهي تستنشق رائحته المميزة قبل أن تفتح عيناها وترتشف منه رشفة بتلذذ ثم تكمل حديثها، لا تدري ما تفعله حركتها تلك بقلبه، يدرك أنها تتسلل إليه دون إرادة منه، لقد زرعت به شيء لا يستطيع وصفه، حين يكون معها ينسي هموم يومه وحين يطالعها كما الآن يشعر بأن قلبه ينبض فقط لها ولا يسعد سوي قربها. تري أيكون ظالما أنانيا إن أرادها في ظل ظروفه تلك؟ أفاق علي صوتها وهي تقول بحماس: ايه رأيك لو تيجي تزور عمي ومرات عمي؟ أنا كلمتهم كتير عنك وأكيد هيفرحوا لما يشوفوك.

عقد العزم وتوكل دون أن يفكر في شيء سوي أن يحظي دوما بما لديه الآن، ليقول بحزم: ده شرف ليا يامي، أكيد هاجي وأزورهم، أولا لإني مشتاق أشوفهم من كتر ما كلمتيني عنهم، ثانيا عشان أطلب منهم ايدك.

طالعته بصدمة فمد يديه وأمسك يديها القابعتان علي الطاولة يقول بلطف: عارف انها مفاجأة بالنسبة لك، بس بصراحة مش قادر أخبي مشاعري أكتر من كدة، بحبك والله العظيم بحبك زي مااتأكدت من خلال رسالتك لما كنا في باريس وكل تصرفاتك معايا انك بتحبيني ومنايا في اللحظة دي ان احنا نكون مع بعض علطول، نفسي تكوني مراتي. ايه رأيك يامي؟
سحبت يدها تقول باضطراب: وجيهان؟

ظهرت مشاعر مضطربة بعينيه لم تخفي عليها، امتزج فيهم الخوف بالذنب ولكن غاب عنهما الحب وهو يقول: جيهان كانت السبب في كل اللي أنا فيه، ساعدتني مش هقدر أنكر فضلها عليا، كنت بحبها بس غاب الحب مع العشرة واكتشافي اني مش أكتر من واجهة اجتماعية ليها وحاجة بتمتلكها وتتباهي بيها قصاد الكل، مفيش يوم احتجت ليها ولقيتها جنبي علي المستوي الشخصي، دايما بعيدة وبعدتني، لكن أنا مش قليل الأصل ومش هقدر أتخلي عنها بعد مالقيت نصي التاني، ولا هقدر آجي عليكي انت كمان وأطلب منك ارتباط في السر، لكن في نفس الوقت ولحد ماأقنعها لازم تكوني مراتي حتى لو مع إيقاف التنفيذ لإني مش مستعد أخسرك مع أول عريس عمك هيشوفه مناسب ليكي. ها. قلتي ايه؟ موافقة تشيلي اسمي وتكوني مراتي حبيبتي يامي؟

آلاف الانذارات تراءت أمامها في هذه اللحظة وبضعة تساؤلات ترددت في عقلها.
إلي متي ستنتظر اعترافه لزوجته بأمرهما؟
وهل ستتقبل جيهان زواجهما؟ وان لم تفعل ما الذي سيحدث لارتباطهما؟
وهل هي قادرة علي تحمل فكرة أن تكون زوجة ثانية لكرم؟

لا إجابات لديها علي الإطلاق ولكن عشقها له وفرحتها بأنه يبادلها عشقها إلى جانب رغبتها القوية في أن تكون حده وضعت ستارا أسودا علي كل العلامات الحمراء لتجد نفسها في هذه اللحظة تومئ برأسها إيجابا في سعادة ليبتسم بسعادة بدوره يقرب يدها إلى شفتيه ويطبع عليها قبلة ناعمة حملت مشاعره إليها فدق قلبها، حبا.

كانت تراقب مابدا لها كعملية تسليم لبعض الأغذية الفاسدة في شاحنة أمام أحد المحلات الكبيرة، تظهر ريبة مايحدث في هذا الحذر الشديد والترقب علي الوجوه وكثرة تواجد هؤلاء الرجال مفتولي العضلات والمستعدين للتدخل عند أدني شعور بالخطر، رفعت قامتها الصغيرة من خلف السيارة، تلتقط بضعة صور ثم انخفضت بسرعة ما ان شعرت بأحد هذه الوجوه ينظر قرابتها، كادت أن ترفع قامتها مجددا حين شعرت بأحدهم يسحبها بقوة إلى باحة المنزل المجاور، كادت أن تصرخ ولكن مهاجمها كمم فاهها فاستحال خروج صوتها ثم همس بأذنها بحزم: اخرسي خالص ومتطلعيش نفس. مفهوم؟

تعرفت صوته علي الفور، انه الضابط ممدوح. أطلق سراح ثغرها وهو ينظر خلسة تجاه مكانها الذي كانت تجلس فيه منذ قليل فحذت حذوه وإذا بها تتراجع علي الفور وهي تكتم أنفاسها الهلعة حين رأت أحد الرجال ضخام الجثة يقف في مكانها السابق ويدور بعينيه في الأرجاء، أشار لها ممدوح بصعود الدرج ببطئ ففعلت علي الفور يتبعها، ثم توقفا في الدور الأول وأشار لها بالصمت، سمعت خطوات بالأسفل ثم توقفت هذه الخطوات، لحظات وابتعد صاحبها، كادت ان تتحدث فأشار لها بالصمت مجددا بصرامة، ظلا هكذا مايزيد عن ثلث ساعة حتى سمعا شاحنة تغادر المكان، فهمس قائلا بتحذير: خليكي هنا أنا هنزل أراقب المكان ولو أمان هشاورلك عشان تنزلي.

هزت رأسها دون كلمة فأسرع يهبط الدرج بخفة، يتسلل إلى الخارج مراقبا المكان وماان تأكد من أمانه وأن المجرمون قد غادروا بالفعل حتى أشار لها بالنزول، هبطت إلى أسفل ليمسك يدها متخللا أصابعها قائلا: تعالي معايا.

حاولت نفض يدها عن يده فقال بصرامة: اياكي تفكري تسيبي ايدي، ممكن يكون حد من المجرمين لسة في المكان، لازم نبان ان احنا اتنين متجوزين، هنوصل لحد عربيتي ونمشي من هنا ووقتها هرجعلك ايدك واعتذرلك كمان. ماشي.
لم تجبه وهي تسير جواره تشعر ببعض الخوف من فكرة وجود أحد هؤلاء المجرمين بالجوار، ولكن خفف من حدة خوفها وجوده إلى جوارها، فيبدو أنه قادر دون شك علي الدفاع عنها وقت الحاجة.

ناولته فنجال القهوة وهي تقول بصوت قلق: مش عارفة يابابا ايه سبب خوفي من مكالمته بالظبط، أكيد مش تهديده لإنه ياما سمعهولي. يمكن نبرة صوته ودرجة برودها اللي كانت زي التلج وكأنه خلاص قدر يوصلهم ومبقاش يفرق معاه وجودي معاهم أو عدمه، ده لولا انهم قدام عيوني كنت هقول انه بجد خدهم مني.
بيلعب علي خوفك منه، مستني الخوف يوقعك في الغلط لكن ده بعينه، طول ماأنا جنبك مش عايزك تخافي يافيروز.

ربتت علي يده قائلة بحب: ربنا ميحرمنيش منك يادرش، المهم سيبك من سيرة ماجد وقرفه وقولي عامل ايه مع طنط قمر؟ واتغديتوا فين النهاردة؟

أنار وجهه حين ذكر اسمها وشرع يتحدث عن ساعات من الجنة قضاها معها يتحدثان ويتحدثان في كل شيء ولا شيء فأدركت فيروز أنها نجحت في أن تبعد الحزن والقلق عن تفكير والدها، ستخفي هي كل هذه المشاعر بجوفها وستعمل من الغد علي تأمين طفليها حتى وان اضطرت للجوء إلى الشرطة أو إلى شركة حراسات خاصة ولكنها ستفعل دون أن يعلم والدها، انه يعيش أحلي أيام حياته بعد سنوات من الوحدة، لذا وجب عليها أن لا تثير قلقه عليهم مجددا فيكفيه ما عاناه جوارها من الخوف خشية أن يصيبهم ماجد بسوء.

توقف بسيارته أمام منزلها ثم استدار إليها يقول بحنق: لآخر مرة ياآنسة غادة بحذرك من اندفاعك ورا المجرمين دول، النهاردة بمعجزة قدرت أنقذك منهم ولولا جالي تليفون من المخبر بتاعنا بإنه شافك بتحومي حوالين المحل ده وان المحل ده من ضمن المحلات المشتبه فيهم واللي خاضعين للمراقبة كنا دلوقتي بنحول جثتك للمشرحة، أنا مش فاضي للعب العيال ده ولا مستعد أتنطط وراك من مكان للتاني.

قالت بحنق: أولا أنا مش عيلة ثانيا مطلبتش منك تتنطط ورايا، أنا كنت بأدي واجبي كصحفية بتدور علي الحقيقة زي ماالمفروض كنتوا تأدوا واجبكم ياحضرة الظابط وتقبضوا علي المجرمين دول وهم متلبسين أفضل من إنك تيجي المكان بس عشان تهربني.

لو كان هدفنا القبض عليهم كنا عملناها، احنا هدفنا اللي وراهم وده اللي بنسعاله وبنحاول نوصله، انت لحد دلوقتي مش مستوعبة حجم المتورطين في القضية دي وفاكرة ان اللي وراهم أبو الدهب وبس، لأ. الموضوع أكبر بكتير وبيضم أسماء كبيرة، مجرد ذكر واحد فيهم بس هيكون بمثابة صدمة ليكي.
مبتصدمش.

رغما عنه شعر بإعجاب كبير تجاهها يجذبه نحوها بقوة، يعلم أنها تحمل في قلبها شجاعة الدفاع عن الحق ولكنه في ذات الوقت يخشي اندفاعها الذي قد يودي بحياتها وهو لا يستسيغ هذه الفكرة علي الإطلاق ليقول بحزم: مهما كنت شجاعة وبتحاولي تدوري عن العدل والإنصاف فتهورك واندفاعك هيضرك مش هيفيدك، في مواجهة المجرمين لازم تستعيني بالسلطة، لو سألتي مالك هيقولك انه مبيخطيش خطوة في أي مهمة ليه من غير ماينسق مع البوليس وده اللي لازم تعمليه.

قالت بمرارة: مالك مش هنا عشان أسأله زي ماانت شايف.
المشكلة هنا كما توقع، اختفاء الأخ الذي يبدو كجرح غائر في قلبها، طالعها بنظرة عميقة نفذت إلى روحها وهو يقول: مالك مش موجود بس أنا موجود ومستعد أساعدك في أي وقت، ده رقمي لو فكرتي تقومي بمهمة انتحارية زي مهمة النهاردة متتردديش وكلميني.

مدت يدها وأخذت منه الكارت دون ارادة منها تطالعه للحظة بحيرة قبل أن تنفض حيرتها وتهبط من السيارة تنوي الصعود للمنزل ولكنها توقفت للحظة ثم استدارت إليه قائلة بصوت هامس: شكرا.
عقد حاجبيه متسائلا فأردفت: لإنك أنقذتني.
هز رأسه دون كلمة فاستدارت تسرع في خطواتها تجاه منزلها بينما يتابعها حتى اختفت عن عينيه قبل أن يتنهد ويقود سيارته تجاه منزله ليختم ليلة غريبة ومثيرة كهذه الفتاة. تماما.

تأملت ميسون طفلتها التي تلهوا علي حجر والدتها بابتسامة حانية وهي تقول: مش عارفة أشكرك ازاي ياماما علي نصايحك ليا، من ساعة ماسمعت كلامك وأنا حياتي اختلفت خالص مع وليد وكأننا رجعنا نحب بعض من أول وجديد.
الحمد لله يابنتي، طيب وحماتك أخبارها ايه معاكي؟
مطت ميسون شفتيها قائلة: زي ماهي بس أنا مكبرة دماغي منها، مبقتش تحرق دمي زي الأول.

هزت قمر رأسها بتفهم فأردفت ميسون قائلة وهي تشير إلى حجرة غادة: والهانم دي بقي مالها؟ من ساعة ماجت وهي قافلة عليها الأوضة ومخرجتش تقعد معانا.
تنهدت قمر قائلة: بقالها فترة علي كدة، خايفة عليها ياميسون قوي، أختك حساسة وبتاخد كل حاجة علي أعصابها، ده غير انها متهورة ومش مرتاحة لخروجها ودخولها بالليل اليومين دول، عارفة انها بتشتغل بس شغلها محاوطه الخطر من كل ناحية، بتفكرني بمالك وخوفي عليه.

أهو مالك اللي كان بيظبطها وبيعرف يتفاهم معاها، صحيح أخباره ايه؟
ظهر الحزن علي ملامح قمر وهي تقول: بقاله مدة مكلمنيش، بقرا أخبار نجاحه في الجرايد وبس، وحشني وصعبان عليا حاله بس مفيش في ايدي حاجة أعملهاله وهو بعيد عني وبيني وبينه مسافات.

فتح الباب في هذه اللحظة وظهر مالك علي عتبته، فاتسعت عيون قمر بصدمة واغروقت عيناها بالدموع بينما صرخت ميسون باسمه وهي تسرع إليه وتقوم باحتضانه ليضمها إليه بحب بينما تعلقت عيناه بوالدته التي سقطت الدموع علي وجنتيها، تحمل نظراته اعتذارا وطلبا للعفو، بينما يقابلهم تسامح منها وغفرانا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة