قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع عشر

رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع عشر

رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع عشر

كانت تحبس نفسها اليوم بطوله داخل حجرتها تعمل على إعادة ذاك الحوار الذي عليها البدء به اثناء الحديث معه، كانت تكرره في آلية تضيف اوتحذف بعض الكلمات اوالجمل لتزيد من تأثيره بوجهة نظرها..

وعندما هل المساء واقتربت ساعة وصوله للفيلا وقفت امام المرأة تتطلع الي نفسها في سعادة فهذه هي المرة الأولي منذ وقت طويل التي تنظرالي وجهها وهيئتها في المرآة ولا تشعر بالخزي والعار تحذوها الرغبة الا تنتقل من امامها منتشية بذاك الشعور الذي تسرب الي روحها وجعلها بتلك السعادة..

وضعت غطاء رأسها وهى مترددة لكنها قررت الا تزيله الا امامه وبعد ان تقص عليه كل ما يعربد بداخلها من اوجاع، اليوم هي من ستحكي وهو سيسمع على غير العادة لكنها لن تقص عليه أساطير خرافية كما يفعل هو بل ستروي له قصة قلبها ومعاناة روحها، اليوم ستفتح صندوق الذاكرة كاملا لتخرج كل ما يعشعش بخاطرها وتدفع به بعيدا بلا رجعة..

نظرت الى الساعة فقد تأخر اليوم في العودة فقد أصبحت فترات غيابه عن الفيلا تطول يوم بعد يوم وعليها ان تجد حلا لهذا..
ابتسمت لصورتها في المرأة تهمس في عبث لنفسها: - سأجعله يكره الخروج من الفيلا بل سأجعله رافضا ان تطأ أقدامه خارج الغرفة رغبة في الا يفارقني ابدااا..
قهقهت وخبأت وجهها بين كفيها هامسة لنفسها: - أصبحت افكاركِ اكثر مجونا منه يا حياة..

شعرت بقدومه من الخارج فارتفع نبض قلبها للضعف دفعة واحدة حتى انها ما عادت قادرة على ازدراد لعابها اضطرابا فمدت كفها لكوب الماء على الطاولة قرب فراشها وارتشفت بعض منه وتنفست في عمق مندفعة تفتح باب حجرتها متجهة لحجرته حتى لا تخزلها شجاعتها المستحدثة تلك..
طرقت باب الغرفة ولم تجد إجابة فوبخت نفسها هامسة: - ادخلي، انه زوجك يا بلهاء..

دفعت الباب برفق تستطلع موضعه بالغرفة لكنه لم يكن بها حتى الحمام بابه مفتوح ونوره مضاء، اين ذهب يا ترى!؟، لقد وصل لتوه..
تسللت في هدوء الى الأسفل لتصل لغرفة المكتب التي استشعرت صوتا قادما منها..

كان هو بالداخل فعلا والباب مواربا همت بالدخول لكنها رفعت كفها عن مقبض الباب عندما سمعت صوته يعلو في انفعال قليلا وكانما يحاول السيطرة على ارتفاع نبرته المحتدة هاتفا في ضيق: - افعل ما اطلبه منك، اعرف اني اثقل عليك، لكن ما هي الا ايّام قلائل واحصل على ما ارغب فيه، كن صبورا وساسدد دينك بالكامل فلقد تحملتني كثيرا بالفعل..

تنهد في وجع يستمع لمحدثه على الطرف الاخر لينفجر فجأة مقهقها هاتفا في سخرية: - أخبرتك ان لا معنى لهذه الكلمة بقاموسي..
لقد انتهى عصر العاشقين يا صديقي، اجتماع رجل وامراة لا يعني الا ان الشيطان ثالثهما والأمر مجرد تلبية احتياجات، ما الذي يدفعني الى ارتكاب حمق التعلق بامرأة واحدة وانا لدي قبيلة من النساء الحسناوات بانتظاري.!؟، ان ذاك لجنون مطبق..

صدمتها كلماته فتحركت في آلية لا تعلم كيف وصلت لحجرتها بل أنها لا تدرك كيف حملتها قدمها من الأساس لتصل اليها، جلست في تباطؤ مرير على طرف فراشها وقد شعرت ان أهازيج الفرحة التي كانت تتعالي بين جنبات نفسها منذ قليل تحولت الى نعيق مشؤوم لمكان خرب مظلم هو روحها..

رفعت رأسها وقد بكت حتى فاض معين الدمع لتصطدم بوجهها في المرآة أمامها وتساءلت في ما يشبه الجنون، من هذه المطلة امامها!؟، هل هي نفسها ذات المرأة التي كانت كالفراشات خفة لا تكاد تساعها سماء ولا تقلها أرضا!؟.

ما الفارق!؟، الفارق دقائق، لا الفارق ليس زمنا، الفارق املا، الفارق هو ذاك الوهم الكاذب الذي غرست بذرته بقلبها وأسقتها يقينها وترعرع على رغبة بريئة حتى اضحى ذاك الوحش الذي يقتات اللحظة على فتات روحها المهترئة..
انتحبت من جديد وهي تدرك ان اسمها هو سر لعنتها، حياة، اي حياة!؟، حياة الفقد، حياة الوجع، حياة التعاسة والشقاء..

دخل شهاب لبيته صارخا في سعادة وهو يحمل بعض الأوراق يلوح بها لأخته التي كانت تجلس على طاولة بمنتصف الردهة تحضر طعام الغذاء لتترك ما كان بيدها منتفضة تتطلع اليه في عدم تصديق هاتفة في تساؤل متردد: - هل هي الأوراق التي..!؟.

لم تكمل سؤالها فلقد قاطعها شهاب يومئ برأسه عدة مرات في إيجاب مطلق، لتصرخ في سعادة تكاد تطلق الزغاريد تيمنا بهذا الحدث السعيد الذي لن يتكرر وأخيرا جذبت بكف شهاب امرة: - اتصل بها وأخبرها بما اتفقنا عليه..
هزشهاب رأسه طائعا وامسك بهاتفه يتصل بحياة الا انها لم ترد فتطلع لأخته مؤكدا: - لم ترد، هل اتصل من جديد!؟.

ابتسمت شادية في شماتة: - لا، أرسل لها رسالة وأخبرها ما سأمليك إياه وستجدها هنا في غضون دقائق من بعد قراءتها..
ابتسم شهاب مستحسنا الفكرة يكتب ما تمليه اخته من احرف مسمومة، واخيرا ضغط زر الإرسال لتتسع ابتسامته بينما تعالت ضحكات اخته في تشفي..

صعدت نهى الدرج حاملة صينية إفطار مخصوص لابنه خالها وابتسمت في حبور وهى تتجه نحو غرفتها تطرق الباب تنتظر منها اخبار الليلة الميمونة، طرقت باب الغرفة عدة مرات لكن لا مجيب..
توجهت لغرفة جدها التي كانت تحتلها حياة فربما باتا ليلتهما فيها، عدة طرقات متتابعة لتهتف حياة بها امرة إياها بالدخول..
فتحت نهى الباب في حرص وما ان وقعت عيناها على حياة حتى شهقت في صدمة..

دلفت للغرفة واضعة صينية الطعام جانبا واتجهت الى حيث كانت ترقد حياة بهيئة عجيبة افزعتها..
جلست نهى قبالتها على طرف الفراش تتطلع الى ثوبها وزينتها التي لطخت وجهها هامسة في قلق: - ما الامر!؟.
همست حياة في هدوء عجيب: - لا شيء، لم يحدث شيء غير متوقع..
همست نهى تحاول الاستفسار: - هل تشاجرتما!؟.
هتفت حياة بحزم وهى تنهض من موضعها في اتجاه الحمام: - لا مزيد من الأسئلة حول هذا الامر..

وقبل ان تدلف للحمام همست في حرج: - ورجاء خاص، اريد بعض المال على سبيل القرض بشكل مُلح وسأرده اليك من راتبي..
هتفت نهى في لهجة عاتبة: - المال كله مالك، كما انني قررت التنازل عن نصفه لأجلك بالفعل، فهذا حقك..
هتفت حياة في إصرار عجيب: - لا، المال مال جدي رحمه الله وهو قررالى من يعطيه ولا تبديل لقراره، اريد المال في اسرع فرصة، و..

قطعت كلماتها متطلعة حولها تبحث عن هاتفها لكنها لم تجده بالغرفة فهتفت بنهى: - ابحثي عن هاتفي من فضلك فلم اتفقده منذ البارحة، يبدو اني نسيته بالأسفل، هيا..
اومأت نهى في طاعة رغبة في عدم اثارة غضب ابنة خالها التي تبدو في حالة عجيبة تشعرها بالقلق عليها..

كان ادم بالمكتب يبحث عن هاتفه فيبدو انه نسيه عندما كان يتحدث به ليلا وتركه جانبا عندما جلس يقرأ قليلا ولم يصطحبه معه لحجرته، تراءى امام ناظريه ضوء لشاشة هاتف أضاء نورها فجأة واختفي فوق المكتب فاتجه اليها في ثقة معتقدا انه هاتفه فإذا به هاتف حياة واحدهم يتصل بلا اسم..
كاد ان يرد لكن الرنين توقف ليأتي اشعار برسالة قرأ بعضا من نصها مكتوبا على شاشتها الخارجية: - انا شهاب، تعالي الي بيتي حالا والا، .

حاول ان يدخل لمحتواها حتى يكمل القراءة ويقوم بحذف الرسالة من الأساس الا ان الهاتف كان يحمل رمزا للمرور فلعن في سره وانتفض واضعا الهاتف بجيب سترته ما ان استشعر قدوم احدهم..
هتفت نهى وهى تدخل الى المكتب في أريحية: - صباح الخير أدم، الم تر هاتف حياة..
اندفع راغبا في الخروج من حجرة المكتب هاتفا: - صباح الخير يا نهى، ساتغيب الليلة قليلا، فأرجو ان..

رنت نهى على هاتف حياة ربما سقط منها في مكان ما ولا تستطيع الوصول اليه..
سمعت الرنين بالفعل قادم من جيب سترة ادم الذي لم يكن قد غادر الغرفة بعد فادعى الدهشة مخرجا الهاتف من جيبه يهتف مبررا: - ها هو هاتف حياة، كنت اعتقده هاتفي لانه مفقود أيضا..
تقبلت نهى مبرره في سلاسة وهتفت في مرح: - يبدو انه يوم ضياع الهواتف..

واتصلت بهاتفه ليرن فعلا بالقرب من احد الكتب الموضوعة جانبا بركن الغرفة ليهتف ادم في امتنان: - ها هو، اشكركِ، على الذهاب..
تناول هاتفه واندفع خارج الفيلا يلعن ذاك الحظ العسر الذي أتى بنهى قبل ان يغلق حتى الهاتف فلا يرن بجيبه..

طرقات على الباب جعلتها تسرع لتفتح تنظر الى ذاك الذي يقف متحفزا يتساءل في لهجة حادة: - هل اخوكِ هنا!؟.
هتفت شادية في ميوعة وهى تقف تسد الباب واضعة كفا بخصرها تقيم ادم بناظريها: - نعم هنا..
ونادت بصوت جهوري ليظهر شهاب مستيقظا لتوه من غفوة الظهيرة متجها للباب هاتفا وهو يتثاءب: - من يطلبني..!؟.

اصبح الان في مجال رؤية ادم الذي أزاح شادية جانبا وكال لشهاب لكمة قوية جعلته يصرخ في الم ويسقط ارضا هاتفا بثورة: - انا من يطلبك، هل لديك مانع!؟.
عاد ادم للباب مرة أخرى جاذبا منه شادية التي كانت على وشك الخروج منه صارخة تستدعي الجيران دافعا بها للداخل لترتطم بالحائط وتقف متسمرة لا تدري ماذا يحدث، اغلق ادم الباب بالإقفال المتعددة.

وعاد مرة أخرى لشهاب الذي صرخ يحاول التقهقر حتى لا تصله يد ادم لتصرخ شادية في ذعر: - من هذا يا شهاب!؟، وماذا يريد منك!؟.
هتف شهاب مذعورا قبل ان تمسك به يد ادم مرة أخرى: - هذا زوج حياة..
صرخت فهتف بها ادم امرا في صرامة: - اخرسي، رغم اني لم امد يدا على امرأة من قبل لكن سيكون دورك هو القادم ان سمعت لك صوتا..

ابتلعت صوتها مذعورة الا ان اخوها هتف يستحثها: - بل اصرخي يا شادية، سيقتلني، اصرخي لاستدعاء الشرطة..
ظلت شادية على صمتها رعبا رغم توسلات اخيها وادم يكيل له اللكمات الواحدة تلو الأخرى وهتف أخيرا وهو يرج جسده في غيظ: - لم أرسلت الرسالة لحياة!؟، ماذا تريد منها انت وهذه الحية!؟، اما كفاكم ما فعلتماه بها!؟.
ودفع بجسده يطوحه حتى سقط على الطاولة يصرخ فيه امرا: - انطق، ماذا كنت تريد منها!؟، ولمَ..

صمت ادم ولم يكمل سؤاله فقد كان جسد شهاب ملقا على بعض الأوراق التي تناثرت هنا وهناك فوق الطاولة، دفع ادم بجسد شهاب بعيدا متطلعا الى الورقة التي تحمل اسم حياة ليرفعها بين يديه يقرأها ويتناول غيرها وغيرها حتى انتهى من جمع الأوراق وتطلع الى شهاب وشادية في احتقار متحدثا من بين اسنانه في غيظ: - اهذا ما كنتما تخططان له!؟، تزوير تاريخ الطلاق ونوعه، تلاعبت باليوم حتى تظل حياة الى اللحظة في عدتك ويكون من حقك إعادتها لعصمتك اوابتزازها حتى لا تشهر الأوراق وتصبح هي عرضة للسجن بتهمة تعدد الأزواج، وكذا أبدلت كوّن الطلاق على الابراء الى طلاق رجعي حتى يكون لك حق إرجاعها دون موافقتها، أي شيطان انت!؟.

وتطلع الى شادية وصرخ: - بل شيطانة، فهذا الاحمق اخوكِ لا يمكن ان يدبر مثل هذا التدبير الابليسي منفردا..
وألتقط أنفاسه هامسا في نفاذ صبر: - حسنا، فعلتما كل هذا سعيا خلف مالها، اذن فلتسمعا البشرى، جد حياة اخرجها من الوصية وكتب كل ما يملك لحفيدته الأخرى نهى ولم تعد حياة تملك مليما..

شهق كل من شادية وشهاب ليستطرد متجاهلا صدمتهما امرا: - ورغم ضياع المال الذي كان همكما الأول الا اني اقسم ان فكر أحدكما مجرد تفكير في الاقتراب من حياة لأي سبب كان فسيكون عاقبته امر من أمرين لا ثالث لهما..
وضغط على أسنانه مستطردا في صرامة: - السجن اوالقبر..

وتطلع اليهما في اشمئزاز ثم اندفع يفتح الباب ليخرج صافقا إياه في عنف كاد ان يخلعه لينظر كل من شادية وشهاب لبعضهما وقد تلاشت كل آمالهما في الحصول على مال حياة كما تتلاشى الكتابة على سطح الماء..

هتفت نهى وهى في سبيلها للخروج لحياة التي تجلس ببهو الفيلا في شرود مؤكدة: - حياة، لقد توقف هاتفك عن العمل فيبدو انه كان بحاجة ليشحن، وضعته بحجرتك على الشاحن..
هزت حياة رأسها متفهمة ولوحت لنهى التي اندفعت من باب الفيلا في اتجاه الشركة وهمست وهى لاتزل على شرودها: - يبدو انه ليس الوحيد الذي في حاجة للشحن..

لا تعرف كم مر من الوقت وهى على حالها تجلس بموضعها حتى دخل ادم للفيلا فانتفضت لمرأه واتجهت اليه تقف قبالته هاتفة: - علينا التحدث..
هتف ادم بلامبالاة: - ولما لا تفضلي..
أشار لحجرة المكتب لتندفع اليها حياة وهو في أعقابها مغلقا الباب خلفه..
ما ان استدار لمواجهتها حتى بادرته متسائلة في هدوء: - متي احصل على الطلاق..!؟ هتف في لامبالاة: - ولما أطلقك!؟.

هتفت تحاول السيطرة على أعصابها: - اعتقد انه قد حان الوقت للانفصال وليمض كل منا بطريقه..
همس مقتربا منها: - وما الضرر بتقاطع طريقينا، فانا مرتاح جدا في حياتي معك ولا رغبة لي في العودة لحياة التنقل هذه، هتفت بانفعال وقد بدأت تفقد السيطرة: - انت لا تختلف عن اي منهم، كلكم طامع، كلكم يبحث عن المصلحة من بقاءكم قربي والتواجد بحياتي، لكني لا اريد احدا، ولا احتاج أيكم ابدااا..

هتف مؤكدا في هدوء: - وليكن، لا اعتقد ان ذلك هو الوقت المناسب لانفصالنا على ايه حال..

تطلعت اليه في وجع وساد الصمت لبرهة، اقتربت منه في ثبات عجيب حتى اصبحت قبالته تماما وأخيرا همست بصوت كالانين وبنبرة مشروخة ألما: - فهمت، انت لم تحقق مقصدك من تلك الزيجة وهو الحصول على المال اوعليّ انا، بنظرك الصفقة خاسرة، وطالما ان حصولك على المال اصبح صعبا بعد وصية جدي التي جردتني من ارثي اولنقل حتى بعد اقتراضي المال من نهى فلن يرضي ذلك طموحاتك العالية، اذن لم يتبق الا الحصول عليّ انا لتصبح الصفقة الى حد ما رابحة، الحصول على المال ولا ضرر من بعض المتعة، كان ذلك هدفك منذ البداية، مذ كنّا على تلك الجزيرة وانت تسع خلف إرضاء نزواتك، كنت اعتقد ان رغبتك تلك لانني كنت الاختيار الوحيد المتاح وقتها وقلت لنفسي بعد عودتنا انك ستصرف نظر عن تلك الرغبة فانا لم اعد خيارك الأوحد بل ربما أكون الاختيار الاخير في قائمة حسناواتك التي لا تنتهي، لكن يبدو انك لا تترك امرا قد عزمت على نيله مهما كانت الظروف..

صمتت تزدرد ريقها مستطردة في قوة وهو يقف امامها كالمسمارلا يحرك ساكنا: - صدقني، ما عاد لدي ما امنحه لك، فانا لا اصلح للمتعة اطلاقا..
ساد الصمت وطال تبادل النظرات بينهما لتهتف صارخة في نفاذ صبر: - الا تصدقني..!؟، حسنا، هاك الإثبات..

وجذبت عن رأسها غطائه بعنف ليظهر رأسها الحليق وشعرها الذي بدأ ينمو قليلا واخيرا رفعت كفيها ممسكة بطرفي ثوبها من خلف الرقبة جاذبة سحاب الثوب لينفرج دفعة واحدة لتستدير بعنف ليتطلع لصفحة ظهرها الممتلئة بالندوب للحظة قبل ان تعاود النظر اليه من جديد هامسة وابتسامة تقطر وجعا ترتسم على وجهها: - ها قد رأيت، انا ابعد ما يكون عن صورة امرأة تمنح المتعة، انا مجرد حطام امرأة بشعر حليق وجسد تعلوه الندوب وروح مشوهة، اذهب وابحث لك عن امرأة بحق، امرأة لديها ما تهبه لك، اما انا، فقدت اكتفيت من لعبة العشق وخداع القلب، فقد اخطأ من اسماني حياة، ألم تكن هذه كلماتك!؟.

كان يتطلع اليها في صمت محير لم ينبس بحرف واحد نظراته اليها لم تهتز للحظة لكنه لم يفه بكلمة وهذا ما كان يقتلها، ليته يتكلم، ليته يفصح عن دواخله، ما عادت قادرة على التطلع الي نظراته التي كانت تحمل شعورا ما لم تستطع قراءته في خضم اضطرابها لذا فانها استدارت توليه ظهرها حتى تعطيه الفرصة الكافية ليرحل دون حرج..

اقترب منها في هدوء ليقف خلفها مباشرة ومد أصابعه متحسسا احدي الندبات البارزة على ظهرها لترتجف وقد نكست رأسها الحليق ودمعها يسيل على خديها في صمت، انحدر كفه ممسكا بسحاب الرداء مغلقا إياه في بطء ثم انحني متناولا غطاء رأسها واستدار ليصبح في مواجهتها وهي تقف في استكانة غير قادرة على التطلع اليه وقد عرت اوجاع روحها امامه..

وضع غطاء رأسها على هامتها ودفع بطرفيه على كتفيها ومد يده يرفع ذقنها لتطالع عيونها الدامعة عيونه التي كانت لا تزل تحمل نفس النظرات المبهمة وبأصابع كفه الاخراخذ يزيل خطوط الوجع التي رسمتها تلك الدموع على وجنتيها، اقترب منها في وجل وقرب جبينها ليلثمه في بطء قبل ان يبتعد عنها متطلعا اليها من جديد كانما كان يحفظ قسمات وجهها عن ظهر قلب واخيرا اندفع ليفتح باب الغرفة راحلا تاركا إياها تتطلع الي موضعه حيث غاب ثم تسقط على ركبتيها باكية في قهر..

ظل اليوم كله خارج الفيلا بل انه لم يعد للمبيت فيها وباتت هي ليلتها تتقلب على جمر بعد تلك المكاشفة التي دارت بينهما، امسكت بهاتفها الذي نسيته تماما منذ البارحة وتطلعت الى الرسائل لتنتفض ما ان طالعتها رسالة شهاب..

انطلقت بسيارتها عازمة على وضع حد لهذا الرجل الحقير، عليها التصرف بنفسها منذ هذه اللحظة فلقد انتهى عصر الاعتماد على جدها الراحل في تسيير أمورها وعليها ان تكون قادرة على اتخاذ قرارتها وتنفيذها وتحمل تبعاتها مهما كانت..
همت بالخروج من الفيلا الا ان احد أفراد الأمن استوقفها هاتفا: - سيدتي، لقد ترك السيد ادم هذا الظرف لكِ...

تناولته في آلية وتركته جانبا على المقعد المجاور وهى تندفع الى حيث وجهتها لتنهي امرا لابد من إنهائه للأبد..
توقفت امام ذاك البيت العتيق الذي أزكمت انفها رائحته العطنة وصعدت درجاته التي اعتلتها يوما يحدوها الأمل في حياة لكم تمنتها، توقفت عند باب الشقة المرجو وطرقته لينفرج عن محيا اخر امرأة كم تمنت عدم رؤيتها ما حيت رغم ذلك تطلعت اليها في قوة لا تعلم من اين واتتها اللحظة..

أفسحت لها شادية الطريق في هدوء على غير العادة لتدلف حياة الي ذاك البيت تقف في منتصف الردهة تتطلع لكل ركن فيه وكانما تسترجع ذكريات الوجيعة التي عاشتها بين جنباته..
صرخ شهاب من الداخل: - لا، شادية، ارجوكِ لا تسمحي له بالدخول، دعيه يكف عني..
هتفت حياة في تعجب: - عن من يتحدث اخيك الأبلة!؟، وما هذه الرسالة التي أرسلها لي..!؟.

هتفت شادية في غل مكبوت: - انسي امر الرسالة فما عاد لها أهمية بعد علمنا بانك خرجت من وصية جدك خالية الوفاض..
قهقهت حياة: - اهااا، لقد فهمت، كانت من اجل ابتزازي ليس اكثر، ولكن ابتزازي بماذا!؟، ما حيلتكم القذرة هذه المرة!؟.
هتف شهاب وهو يخرج متوكزا على الحوائط في الم: - لم نعد نريد شيئا ولم يبق معنا ما نبتزك به..

شهقت حياة ما ان وقع ناظريها عليه فقد بات محطما تماما كمن خرج لتوه من صراع مع احد الافيال فهتفت متسائلة: - من احدث بك كل هذه العاهات التي تستحق!؟.
هتفت شادية في غيظ: - ألا تعرفين!؟.
هتف شهاب منكسر النبرة: - انه زوجكِ، لقد جاء الى هنا واوسعني ضربا، بل جاء مرتين، امس صباحا ومساءً، كانما اصبح ضربي هوايته المفضلة..

واستطرد صارخا في وجع باكيا: - ارجوكِ يا حياة، دعيه يرحمني، لم اعد احتمل، وانتفض هاتفا في تأكيد: - ونحن أخبرناه اننا لن نقترب منك ابدا..
وتطلع لشادية اخته يحثها على موافقته: - الم نفعل يا شادية!؟، هااا، انطقي..
اكدت شادية ممتعضة: - بلا فعلنا، فما حاجتنا اليكِ وانت اكثر افلاسا منا، كما انه اخذ كل الأوراق التي كنّا سنساومك عليها..
تنبهت حياة متسائلة: - ايه أوراق!؟.

وتذكرت فجأة ذاك الظرف الذي أعطاه لها الحارس وتركته بالعربة..
هتف شهاب مستعطفا: - ارجوكِ يا حياة، لا تسلمي الأوراق للشرطة، ارجوك ِ..

هتفت حياة نتطلع اليه في ألم مكبوت منذ زمن: - الان تتذلل!؟، كم من رجاء تذللت به اليك!؟، لما لم تسمعني!؟، لم تركت هذه الحقيرة تفعل بي كل ما يحلو لها في سبيل الحصول على مالي!؟، مالي الذي أقسمت لكما مرارا اني لا أملكه وان جدي قد جعلني أتنازل عن كل مليم حتى أستطيع الزواج بك، لكنك لم تصدقني..
وتوجهت بحديثها لشادية وصرخت بوجهها هاتفة في وجع: - اتذكرين هذا الركن!؟.

وأشارت لركن بعيد مستطردة: - هذا الركن الذي كنت ألقى فيه مكبلة لتستمتعي بحرق جسدي كى اخبرك اين أخبئ مالي المزعوم وتدفعي بي كى اشاهد بائعات الهوى في أحضان زوجي لانني لست بامرأة تستحق ان تكون زوجة تهب زوجها ما يستحق، وأخيرا، قمت بحلاقة شعري لاني كنت أزهو به، على حد قولك..
هتف شهاب في نبرة كسيرة: - انتِ على حق تماما، لكن صدقا انا لم ارض عن كل ما فعلته بك شادية، انا..

صرخت به حياة: - انت كنت اكبر خطيئة ارتكبتها بحق نفسي وجدي، انت الذنب الذي لا يغتفر، تركتها تفعل بي كل تلك العذابات ولم تحرك ساكنا..

وتحشرج صوت حياة هاتفة في حسرة: - حتى طفلي، طفلنا، لم تستطع حمايته من جبروت اختك والتي ما ان علمت بحملي حتى اذاقتني كل صنوف العذاب وأخيرا قامت بإجهاضي ولم تحركك توسلاتي وانا اصرخ امام ناظريك بان تحمي طفلنا، لكنك لم تسجيب الا عندما تاكدت اني على وشك الموت فحملتني للمشفى، لا لعلاجي اوحتى محاولة لإنقاذ الطفل بل لتستدعي جدي لتساومه على طلاقي في مقابل بعض المال حتى لا يصبح صفقة زواجي منك خاسرة على حد قول تلك الحقيرة..

هتفت شادية في لامبالاة: - لقد مر الامر، وها انت بخير، فدعينا لحالنا واذهبي لحال سبيلك..
قهقهت حياة في وجع: - بخير!؟، عن أي خير تتحدثين!؟، لقد استمر علاجي بالمشفى من اثر أفعالك ما يقرب من الشهرين بجانب العلاج النفسي لترميم بقايا روحي التي ازهقتموها ذلا وقهراً..
وهتفت حياة في إصرار: - لن أسامحكما ما حييت، فالرحمة والمغفرة تعطى لمن يستحق..

اندفعت حياة تفتح الباب هاربة فقد شعرت بالاختناق داخل هذه الجدران العفنة وقد شعرت أخيرا انها تحررت من أوجاعها التي ذاقتها بداخل هذا البيت..

دخلت سيارتها فوقع نظرها على الظرف الذي ارسله ادم فتحته على عجالة لتجد بعض الأوراق ورسالة منه، وضعت الأوراق جانبا وقرأت الرسالة في عجالة ولهفة: - هذه الأوراق هي وسيلة ثأرك، ان شئتِ العفو اجعليها سلاح تهديد بيديكِ لحمايتك وان شئتِ الانتقام فقدميها للشرطة، وداعا ..

تطلعت للأوراق تتفحصها لتدرك تلك المكيدة التي كانت على وشك الوقوع فيها لولاه، اعادت قراءة الرسالة مرة أخرى ليقع نظرها على الكلمة الأخيرة، وداعا..
دمعت عيناها وشعرت بحيرة وتشوش لم تستشعرهما يوما..
وتساءلت ربما للمرة الأولى منذ رأته، من انت يا ادم عبدالخالق!؟، ولما لك وجهان متعاكسان بمرآة القلب لا اعلم إيهما وجهك الحقيقي!؟، من انت!؟.

صرخت بداخلها ودموعها تغشى عينيها وهى تندفع مبتعدة بسيارتها لا تدرك كونه يترقبها باعين حارسة من البعد حتى تأكد انها بعد مواجهة الماضي، رحلت في سلام.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة