قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل السابع عشر

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل السابع عشر

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبة دعاء عبد الرحمن الفصل السابع عشر

كان اللقاء المرتقب في الحديقة، جلست إيمان على مسافة مناسبة من عبد الرحمن وهي تحاول استعادة أى شىء مما كانت تريد قوله ولكن عقلها وكأنه قد أغلق للصيانة، ظلت تحاول أن تبدو متماسكة حتى لا تبدو بلهاء فهى من طلبت الجلوس إليه ولكن الحياء كان سيد الموقف، شعر عبد الرحمن بما تعانيه فقرر أن يبدء هو قائلا بأبتسامته المعهودة:
أخبار الوردة أيه.

أبتلعت ريقها بصعوبة وقالت: - أعتنيت بيها على قد ما اقدر بس في الآخر دبلت
أومأ برأسه قائلا: - أكيد طبعا طالما اتقطفت خلاص
ثم استدرج مداعبا: - منه لله الوحش اللى قطفها
أبتسمت رغما عنها فقال على الفور: - إيمان أنا عاوزك تبقى على راحتك خالص وتكلمينى في اللى أنتِ عاوزاه.

قالت بتماسك: - أنا كل اللى كنت عاوزاه أنى اقولك على شوية حاجات كده أحب تبقى موجودة في بيتى واحب الأنسان اللى هعيش معاه يعملها. وكنت عاوزه أعرف رأيك فيها
حك ذقنه بتفكير وقال: - أتفضلى قولى أنا سامعك
أنطلقت في الحديث مسرعة حتى لا تتوقف فتتراجع وقالت: - أول حاجه أنا مش عاوزه في بيتى معاصى علشان ربنا يباركلنا في حياتنا يعنى أنا مش بتفرج إلا على القنوات الاسلامية بس. وأحب أن زوجى هو كمان يغض بصره.

قال عبد الرحمن بابتسامة: - ها وأيه كمان
تابعت مسترسلة: - تانى حاجة أنا مبسمعش أغانى. الرسول عليه الصلاة والسلام قال (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ( وأنا مش عاوزه يبقى في حد في بيتنا بيستحل المعازف
أبتسم أبتسامة واسعة وقد أعجب بالحديث وقال: - يعنى التحريم في الأغانى ولا في الموسيقى.

قالت بسرعة: - لا أنا ممكن أكون أخطأت التعبير. التحريم في المعازف نفسها لكن بالنسبة للأغانى وكلماتها فده على حسب الكلمات يعنى لو كلمات جميلة بتدعو لحاجة كويسة ومحترمة هتبقى حلال لكن لو كلمات بتثير الفتن والشهوات في النفوس فطبعا دى تبقى حرام وأعتقد هوده المنتشر وخصوصا في الزمن ده.

أبتسم مرة أخرى وقطب جبينه مداعبا وقال: - طب بالنسبة للنوع التانى. بتاع الشهوات ده. ينفع الست تغنيه لجوزها بصوتها كده من غير موسيقى
أطرقت برأسها خجلا من مقصد سؤاله ولم ترد، حاول عبد الرحمن تغير مسار الحديث وقال:
ها خلاص كده ولا في حاجة تانية.

إيمان: - حاجة واحدة بس، بالنسبه للصور أنا مش هعلق صور على الحيطان مهما كانت الصورة دى عزيزة عليا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال أن البيت اللى فيه صورة متعلقة مش بتدخله الملائكة. وطبعا البيت اللى مش بتدخله ملائكة هيبقى فيه أيه غير الشياطين ويمكن ده سبب محدش واخد باله منه للمشاكل الكتير اللى بتحصل في البيوت
نظرت إليه فوجدته يستمع لها بتركيز فقالت: - هو كلامى ده مضايقك.

قال عبد الرحمن بجدية: - لا طبعا يضايقنى أيه ده أنا مسلم زيى زيك يعنى دى أوامر دينى أنا كمان
أبتهجت إيمان وقالت: - أفهم من كده انك موافق على الكلام ده
أشرق وجهه بابتسامة عذبة قائلا: - تصورى البنات دلوقتى لما تقول عايزة أقعد مع الراجل اللى متقدملى الواحد يتخيل أنها هتقعد تتشرط عليه وتطلب بقى اللى هي عايزاه.

ثم تابع وهو ينظر لها باحترام: - حقيقى يا إيمان أنا كل يوم باحترمك أكتر. ياريت كل البنات يبقى هو ده شغلها الشاغل في جوازها مش الدهب والجهاز والمؤخر والقايمة وعايزة زى فلانة وهاتلى زى علانة
كان ينتظر منها ردًا ولكنه وجدها صمتت في خجل من أطراءه عليها فقال متابعا: - أنتِ قولتى هتدى رأيك النهائى بعد ما تقعدى معايا. ها رأيك النهائى أيه؟
نهضت وهي تبتسم في راحة وقالت: - هبلغ رأيى لإيهاب عن أذنك.

عادت إلى الداخل في سرعة بخطوات مرتبكة بعد أن تركت جلستها تلك أثرها البالغ في نفس عبد الرحمن، كلماتها جعلته يتأكد من حسن اختيار أبيه، أنه بالفعل اختار له الزوجة الصالحة التي ستحمل أسمه وتحافظ عليه، خجلها والملامح التي كست وجهها وهي تحدثه جعله يشعر بأنه له مكان ما في قلبها، كل هذا جعله راضيا أكثر عن هذه الزيجة ولكن مازالت مشاعره تجاهها كما هى!

أطلقت أصوات الزغاريد في بيت آل جاسر بعد تحديد ميعاد العقدين معا في آن واحد ويوم واحد بعد عشرة أيام.
كانت العائلة كلها في سعادة غامرة إلا أثنين فقط، وليد ووالدته التي كانت تأكل الغيرة قلبها لكرهها لأولاد أحلام كما تقول دائما، ولانها كانت تريد عبد الرحمن لابنتها وفاء، أما وليد فقد أظهر عكس ما يبطن تماما فهو بارع في هذا.

وكانت هناك من تستمع للخبر وتقفز فرحا وسعادة وهي تقول في الهاتف: - ألف مبروك يا حبيبتى ليكى أنتِ واخوكى. أنتِ عارفه يا إيمان أنا الود ودى أنزلك مخصوص بس اعمامك واخدين مني موقف وخايفة حضورى يبوظ الفرح وابقى أنا سبب تعاستكم يا بنتى. أنا هتصل على إيهاب واباركله بنفسى، مع السلامة يا نور عينى.

وضعت سماعة الهاتف واستدارت لزوجها بانتصار قائلة: - شوفت تخطيطى يا عصام. علشان كنت مش مصدقنى لما قلتلك فلوس العيلة دى هترجعلى أضعاف مضاعفة ولحد عندى
صفق لها زوجها عصام بأعجاب وقال: - كده أبصملك بالعشرة. أنتِ معلمة
وضعت قدم فوق أخرى وهي تقول باستعلاء: - ولسه. مفضلش غير مريم وتبقى العيلة كلها في جيبى.

كانت الأيام تمضى بطيئة على البعض وسريعة على البعض الآخر بل كانت أول مرة تتمنى فرحة أن تأتى الأختبارات تباعا وتنتهى في سرعة، أخيراً ستتكلم معه وتنظر له وينظر لها دون محاذير، لم يكن حال إيهاب مختلفا كثيرا عنها فهو يحدث نفسه دائما بأنها ستصبح حلاله يبثها حبه وقتما شاء، لن يغض بصره عنها بعد الآن، أخيراً ستكون هذه الطفلة المدللة طفلته وزوجته إلى الأبد.

وعلى النقيض كانت مشاعر عبد الرحمن باردة لا يشعر بسعادة ولا بحزن، كلاهما سواء ولكن لم يكن كلاهما سواء بالنسبة لإيمان على العكس، كانت تشعر بالسعادة المخلوطة بالخجل ولكنها لا تستحث الأيام كما تفعل فرحة بل كلما مضى يوما تزداد له اضطرابات قلبها.

تم تحديد أقامة العرس في الحديقة وتكفل إيهاب بها لمدة خمسة أيام قبل العرس وبالفعل خرجت من تحت يده زاهية لأقصى حد، كان يعمل بها بقلبه قبل يده وخبرته، كان عرس عائلى بسيط لم يكن به صخب كثير، فقد كانت رغبة الجميع أن يكون الحفل الحقيقي هو يوم الزفاف.

أرتدت إيمان فستان بسيط ورقيق من اللون الفضى المطعم بالخرز والكريستالات الملونة الصغيرة، وضعت القليل من الزينة وكان حجابها من نفس لون الفستان والتي تتميز ببساطتها في حين أصرت فرحة على ارتداء فستان منفوش من اللون الذهبى الفاتح يغلب عليه الخرز اللآمع، كانت تريد أن تبدو كسندريلا في فستانها، ولفت حجاب صغير ووضعت زينتها تتماشى مع لون بشرتها الخمرية.

تم عقد قران فرحة وإيهاب أولاً ثم تولى الحاج إبراهيم الولاية عن إيمان وتم عقد قرانها على عبد الرحمن، وقف إيهاب في مزاح وقال:
يالا يا جماعة كله يقولنا في نفس واحد بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير. يالا واحد اتنين تلاتة.

ضحك الجميع مع اختلاف الأصوات وأطلقت أم عبد الرحمن الزغاريد الواحدة تلو الأخرى حتى كادت أن يغشى عليها من الفرحة والمجهود، لا تعلم مريم لماذا كلما نظرت إليه تشعر بغصة في حلقها وكأنها تريد البكاء، تلاقت نظراتهما في صمت قطعه يوسف بالحديث مع والده. كان من المقرر أن يجلس كل عريس إلى عروسه بعض الوقت بعد انتهاء الحفل في مكان مخصص لكل منهما قد أعده إيهاب من قبل، أنصرف الجميع كل إلى شقته وظل الأربعة تحت مظلة واحدة، نظر إيهاب إلى عبد الرحمن قائلا:.

أيه؟
عبد الرحمن: - أيه؟!
لوح إيهاب بيده قائلا: - أحنا هنستهبل من أولها. متاخد مراتك وترح تقعد هناك
قال عبد الرحمن بتصنع عدم الفهم: - ليه ما احنا قاعدين مع بعض أحسن
نهض إيهاب وهتف به: - ليه هي جمعية تعاونية ولا أيه. ما تمشى يابنى انت هي الجوازه دى منظورة ولا أيه يا جدعان
نهض عبد الرحمن وهو يضحك ضحكات مستفزة وأمسك بيد إيمان وقال: - يالا يا إيمان لو استنينا أكتر من كده هنقضى الليلة في التخشيبة.

رغم أن تصرفات عبد الرحمن كانت للمداعبة إلا أن إيمان شعرت بقشعريرة في جسدها جراء لمس عبد الرحمن ليدها، ربما لأنها أول مرة تسمح برجل أن يلمسها!
أخذها عبد الرحمن إلى مظلة صغيرة أخرى كان إيهاب قد زينها بقماش التل تزينها المصابيح الكهربائية الملونة، جلس وهو يقول بمزاح:
شفتى الواد اخوكى طردنا أزاى.
أبتسمت إيمان في خجل قائلة: - معلش بقى أصله بيحب فرحة أوى ونفسه يقعد يتكلم معاها براحته.

وضع عبد الرحمن كفه تحت ذقنه وظل ينظر إليها تارة وإلى الحديقة تارة أخرى في صمت ويبتسم ابتسامات صماء، كانت إيمان تجلس في مكانها ترى مظلة إيهاب وفرحة وترى علامات السعادة المرسومة على وجهيهما و انسجامهما سويا وهو ممسك بيدها يبثها مشاعره في شوق وحب، أنسجمت معهما كأنها تجلس بينهما، تتبع عبد الرحمن نظراتها فوجدها شاردة مع الأحبة، كان يريد أن يتكلم معها ولكن لم يجد كلمات يقولها ومعه حق، كيف يقول ما لا يشعر به، فاللسان مغرفة القلب، أراد أن يقول أى شىء حفظا لماء الوجه فقال:.

على فكرة أنتِ النهاردة زى القمر
أنتبهت على كلماته ونظرت إليه وكأنها لا تصدق أنه تحدث أخيراً وقالت بحزن: - بتقول حاجة
لمس عبد الرحمن حزنها فشعر بالأسى وقال: - بقولك انتِ النهاردة زى القمر
أبتسمت ابتسامة صغيرة لمجاملته وقالت: - شكرا على المجاملة اللطيفة
قال بسرعة: - لا مش بجاملك. أنتِ فعلا زى القمر. أول مرة اشوفك بميكب حتى ولو خفيف.

أبتسمت في صمت حزين وأطرقت برأسها ولأول مرة تشعر أنها قد تسرعت بالموافقة على الزواج منه، هو لا يحبها، كانت لابد أن تتاكد من مشاعره تجاهها قبل أن توافق
كان يطرق على الطاولة بأنامله ويحاول أن يتكلم أو يقول أى شىء ولكنه كلما وجد جملة معينه يشعر أنها جوفاء ستخرج منه بلا معنى أو أحساس، شعرت بتوتره، للمرة الأولى تراه متوتراً هكذا فرأت رفع الحرج عنه فقالت:
تحب نقوم؟
ألتفت إليها قائلا: - ليه بتقولى كده؟

كادت أن تبكى ولكنها تماسكت وقالت: - يعنى شايفاك مرهق والظاهر أن الأرهاق خلاك متوتر
زفر بقوة وقال: - فعلا انا مرهق شوية
طب خلاص لو تحب نقوم علشان تنام مفيش مشكلة
قالت هذه الجملة وهي تنظر إلى أخيها وفرحة وهما غارقان في بحر العشق وتقول في نفسها ماشاء الله لا قوة الا بالله اللهم بارك، كانت تخاف أن تصيبه بالعين فتؤذيه أوتقلل من فرحته، فنهضت قائلة:
طيب يالا بجد مفيش مشكلة.

شعر عبد الرحمن أنه لا يملك إلا الصمت، لا يعرف ماذا يقول وماذا يفعل فاتجه معها إلى مدخل المنزل ومنه إلى المصعد، دلف الأثنان إلى المصعد وأوصلها حتى باب شقتها وقال:
تصبحى على خير
قالت بخفوت: - وأنت من أهله.

تفاجأت مريم بعودة إيمان بهذه السرعة ولكنها كانت غارقة في أحزانها هي الأخرى فلم ترفع رأسها من تحت وسادتها وظلت تتصنع النوم، أبدلت إيمان ملابسها وخرجت إلى الشرفة تنظر إلى أخيها وفرحته فوجدتها تقف ثم يمسك يديها ويجبرها على الجلوس مرة أخرى فأبتسمت لشغف أخيها بحبيبته وعادت مرة أخرى إلى غرفتها، أطفاءت المصباح ولأول مرة تفعل كما تفعل مريم دائما، تضع الوسادة على وجهها وتبكى بصمت.

سمع يوسف صوت غرفة عبد الرحمن وهو يغلق الباب بعد دخوله فخرج من غرفته وتوجه إلى غرفة أخيه، دخل خلفه وقال متعجبا:
أنت لحقت يابنى ده أنت مكملتش نص ساعة
ألقى عبد الرحمن رابطة العنق على فراشه وهوى إليه بضيق قائلا: - معرفتش أقولها ولا كلمة. كان منظرى يكسف
جلس يوسف بجواره وقال متسائلا: - أنت مبتحبهاش يا عبد الرحمن؟

زفر عبد الرحمن بضيق وقال: - يا أخى حتى لو مبحبهاش كنت المفروض أتكلم معاها، أنت مشوفتش وشها وهي بتبص على إيهاب وفرحة كان عامل ازاى وهما منسجمين وبيتكلموا وأنا قاعد جمبها زى خيبتها
ربت يوسف على كتفه وقال: - أنت كده يا عبد الرحمن مبتعرفش تقول اللى مش حاسس بيه. معلش بكرة تحبها وتعرف تتكلم معاها
شعر عبد الرحمن باختناق صوته وهو يقول: - طب هي ذنبها أيه تنام يوم كتب كتابها حزينة كده وقلبها مكسور.

نهض يوسف بشرود قائلا: - ناس كتير أوى قلبها مكسور من غير ما يكون ليهم ذنب في حاجة يا عبد الرحمن
كان ضميره يؤنبه بشدة حتى أنه لم ينم جيدا، وفي الصباح انتبهت إيمان على صوت هاتفها قفز قلبها بشكل تلقائى عندما وجدت أسمه على شاشة الهاتف، أجابت في تماسك على سؤاله عنها:
الحمد لله. اه أنا صاحية. بره فين. على باب مين؟!
ثم قالت وهي تنهض في سرعة: - على باب شقتنا احنا.

وفتحت الباب فوجدته أمامها ملامحه يكسوها الأعتذار، قال في أسف: - عملتلك قلق ولا حاجة
أغلقت الهاتف وهي تقول: - لا أبدا أنا كنت صاحية
نظر لها متفحصا أياها، كانت أول مرة يراها بملابس البيت العادية بدون حجابها، شعرت بالحرج من نظراته وقالت:
في حاجة ولا أيه؟
أبتسم قائلا: - أنا جاى أتأسف على اللى عملته امبارح. أنا بجد مش عارف أيه اللى جرالى
أطرقت رأسها في خجل وقالت: - أنا مش زعلانة. أنا عارفة انك.

قاطعها في سرعة: - لا زعلانة ومعاكى حق لو زعلتى. أنا بجد مضايق أوى من نفسى ومش عارف اعتذرلك ازاى
أستشعرت الحرج وقالت: - حتى لو كنت زعلانة خلاص. كونك تيجى علشان تصالحنى ده في حد ذاته شال الزعل كله من قلبى
شعر بالأمتنان لها وقال: - أنا كنت متأكد أن قلبك كبير
ثم تناول كفها بين أصابعه وطبع عليه قبلة صغيرة وقال: - أنا آسف مرة تانية.

مضى أسابيع أخرى و إيهاب يعمل بجد لينهى ديكورات شقته وشقة أخته إيمان، لم يكن هناك الكثير من العمل الشاق، فقط ينقصها بعض اللمسات الفنية وكان إيهاب بارعا في هذا وكانت أحيانا فرحة تتصل به لتؤنبه بأنه قد مضت عليه أربع ساعات لم تسمع فيهم صوته وهو منشغل في عمله ووقت الأستراحة من العمل يتقابلان في الحديقة ليسبح في بحور شوقه وهو يبثها حبه.

بينما كانت إيمان تحاول دائما أن تتقرب لزوجها وتبحث عن الأشياء التي يحبها وتفعلها من أجل أن تسكن قلبه كما سكن هو قلبها، فلقد أصبح زوجها شاءت أم أبت ولابد أن تبذل أقصى جهد لأنجاح زواجهما رغم ما تقابله من مشاعر باردة، لم تعتاد إيمان على الهزيمة أبدا، كان من الممكن أن تطلب الطلاق ولكن رغبتها في أن تصبح زوجته فاقت كل شىء لقد أحبته بكل جوارحها حقا.

كانت عفاف تخصص وقتها كله من أجل شراء كل ما يلزم فرحة وإيمان من تجهيزات الزواج وظهرت نتيجة الأختبارات. كانت النتيجة مبهرة للجميع حقا، فهذه أول سنة تحقق فيها مريم تقدير مرتفع أما بالنسبة لفرحة فلقد كانت سعادتها بإيهاب تفوق سعادتها بتخرجها من الكلية بتقدير جيد جدا، أما وليد فلقد كان يحاول باستماتة أن يعيد علاقته الطيبة بيوسف بكل الطرق الممكنة حتى استطاع أن يعيدها طبيعية بعض الشىء وخصوصا بعد أن استشف أن يوسف لن يتكلم عن ما رآه منه هو وسلمى ولكنه لا يعلم أن يوسف قرر أن يؤجل الحديث في هذا الأمر إلى ما بعد زفاف أخيه وأخته حتى لا تحدث أزمة في العائلتين.

كانت أستعدادات مهولة تجرى على قدم وساق في البيت الكبير منزل آل جاسر، ولقد سخر حسين كل أمكانياته ليخرج حفل الزفاف في أبهى صورة، قام عبد الرحمن بحجز قاعة كبيرة في فندق معروف.
وفى يوم الزفاف مساءاً كانت قاعة الأفراح مزدحمة بالمدعويين، تلتف كل أسرة حول طاولتها الخاصة، وكان هناك على أحدى الطاولات الرئيسية تجلس أسرة حسين جاسر وترتسم الأبتسامة على شفتيه في وقار وهو يتحدث إلى زوجته عفاف:.

تصدقى يا أم عبد الرحمن أنا حاسس أنى بحلم. خلاص عبد الرحمن بقى عريس و دخلته النهاردة
نظرت إليه زوجته عفاف في سعادة وهي تقول: - لا ومش أى عريس ده عريس زى القمر
تنهد حسين في ارتياح وهو يقول: - أنا كده حاسس أنى أبو العريس والعروسة في نفس الوقت
ردت عليه زوجته مؤكدة: - طبعا يا ابو عبد الرحمن. إيمان زى بنتنا بالظبط.
ثم تابعت: - يارب عقبال مريم عن قريب يارب.

وفى طاولة أخرى بجوارها كانت تجلس عائلة إبراهيم حيث قالت له زوجته في سرعة: - شفت الواد وليد ابنك داير في كل حتة ازاى. من ساعة ما دخلنا القاعة وهو داير زى النحلة
ضحك ابراهيم لحديث زوجته وقال: - يا ستى سيبيه ده راجل هو بنت هتقعديه جنبك
ردت وفاء معترضة: - يعنى أيه يا سى بابا. يعنى انا بقى علشان بنت ماما تفضل رابطانى جمبها كده
قال موجهاً حديثه لفاطمة: - سيبيها يا ام وليد تقوم براحتها.

ثم أشار لها وهو يقول: - روحى يابنتى
قالت فاطمة ساخطة: - والله أنت مدلعها
ثم أردفت وهي تجذبه من يده: - تعال تعال نروح نقعد مع أخوك ومراته
فى هذه الأثناء كانت هناك مناقشة هامسة بين العروسين حيث كان عبد الرحمن يقول: - مالك يا إيمان، شكلك مضايق
نظرت إليه بعتاب وقالت: - كده برضة. هو ده اللى اتفقنا عليه
عبد الرحمن: - أيه بس ايه اللى حصل
أشاحت ايمان بوجهها بعيدا عنه وقالت: - مش عارف حصل ايه.

قال عبد الرحمن في خجل: - والله يا إيمان ملقتش قاعة منفصلة. الفندق هنا مفيهوش نظام الستات لوحدها والرجالة لوحدها أعمل ايه طيب يعنى كنت احجز قاعة مناسبات في جامع
نظرة له في ضيق وهي تقول: - وماله الجامع يا عبد الرحمن. على الأقل مكنش هيبقى في رجاله قاعدة تتفرج على زوجتك. ولا كان هيبقى فيه اختلاط نتحاسب عليه قدام ربنا.

ثم تنهدت في حسرة وهي تقول: - مش هو ده يوم فرحى اللى كنت بحلم بيه وبعدين انا قلتلك من الأول وانت وعدتنى
كانت مريم تقف بجوارها ولاحظت ما يحدث، أقتربت منها وقالت: - مالك يا ايمان في أيه؟
تدخل عبد الرحمن في الحديث قائلا: - كلميها يا مريم. في عروسة تبقى زعلانة كده يوم فرحها.

نظرت له إيمان وهي تقول بخفوت: - يوم فرحى الحقيقى أن ربنا يبقى راضى عننا لكن لما يبقى غضبان علينا من اللى بيحصل ده ميبقاش اسمه يوم فرحى
قال عبد الرحمن معتذراً: - أنا آسف يا إيمان معلش يا بنت عمى عديها. والله لو كنت لقيت قاعة مفصولة كنت حجزت
قالت مريم باستنكار وهي تحدث ايمان: - مفصوله! أنتِ لسه بتفكرى كده. أيه يا بنتى احنا في فرح ولا في جامع.

صمتت ايمان وهي تشعر بالحسرة تملىء قلبها، فما كانت أبدا تحلم بهذا، كانت تتمنى أن يكون يوم زفافها هو يوم شكر نعمة الله عليها وليس يوم تحمل فيه كل هذه الذنوب التي تراها أمام عينيها ولا تستطيع دفعها ولكن هذا هو قدرها وعزائها الوحيد أنها غير راضية عن ما يحدث وترفضه بقلبها وهذا أضعف الإيمان.

كانت مريم تقف بصفة مستمرة بجوار سلمى التي استطاعت أن تعيد علاقتها بمريم قوية كما كانت و كان يحيط بهما شابين في أواخر العشرينات يتبادل الأربعة الأحاديث والضحكات في ركن ما في قاعة الفرح. عندها قالت سلمى:
ايه يا بنتى اختك دى. عمرى ما شفت عروسة مغطية شعرها يوم فرحها. أيه العقد دى
قالت مريم بتافف: - والله حاولت اقنعها تقلع الحجاب النهاردة لكن هي صممت وقعدت تدينى مواعظ.

أنهت جملتها وضحك الأربعة بشكل ملفت للأنظار، كانت هناك عيون تراقبها باهتمام شديد تراقبها جيدا وتراقب ضحكاتها، كان يوسف ينظر إليها من بعيد في غضب، فوجىء بيد تضربه بخفة على كتفه وصوت ساخر يقول:
قفشتك...
ثم تابع صاحب الصوت الساخر: - أنا مش عارف انت معذب نفسك ليه دى بنت سهلة
ألتفت إليه يوسف في حنق وهو يقول: - كفاية يا وليد دى برضة بنت عمنا
قال وليد معترضاً: - لالالا مش بنت عمى. دى بنت أحلام.

قال يوسف بدهشة: - وهي أحلام دى مين مش تبقى مرات عمك علي الله يرحمه
زفر وليد بحنق قائلا: - هنعيده تانى. يابنى منا قلتلك قبل كده أحلام دى كانت ايه. ومحدش يعرف إيهاب وإيمان ومريم ولادها من عمك علي ولا لاء.

أتسعت عينيى يوسف غضبا ودهشة وقال: - عيب الكلام ده يا وليد، لو كان أبوك وأبويا عارفين كده مكانوش جابوهم يعيشوا وسطنا تانى. كانوا سابوهم يعيشوا مع امهم وجوزها ده اللى اتجوزتوا بعد عمى علي الله يرحمه ومكناش دلوقتى في فرح عبد الرحمن اخويا على إيمان وفرحة وإيهاب
قال وليد باستهزاء: - ياعم ابوك وابويا علانيتهم أوييييييى، وبيدوروا على أى حد من ريحة عمى الله يرحمه.

ثم أخرج علبة سجائر مفخخة من سترته وقدمها ل يوسف وهو يقول في سخرية: - خد دى بقى اتسلى فيها
نظر يوسف إلى العلبة ثم نظر إلى ابن عمه وليد وقال: - ما انت عارف أنى ماليش في فيها وخصوصا وهي كده
وضعها وليد في كف يوسف وقال وهو يتصنع الجدية: - علشان تعرف تراقبها كويس. أصل اللى زى دى طالعة لأمها. وعاوزه اللى يبصلها تبقى عنيه في وسط راسه
وأطلق ضحكة عالية وسط صخب الموسيقى وترك يوسف يأكل الشك قلبه وانصرف.

أنتصف الليل وحان وقت السفر لقضاء رحلة شهر العسل، خرج الجميع من القاعة ومن ثم من الفندق، ركب كل عروسين في سيارتهما الخاصة و همت مريم بالركوب في سيارة إيمان وعبد الرحمن ولكن سلمى جذبتها معها في سيارتها قائلة:
تعالى هنا أركبى معايا أنتِ رايحة فين
مريم: - هروح معاهم نوصلهم للمطار.

قالت سلمى سريعاً وهي تدير محرك سيارتها: - هتروحى تعملى أيه هتدبى مشوار المطار ده كله علشان توصليها. وبعدين ما عليتكوا كلها رايحين وراهم بعربياتهم هيوصلوها
قالت مريم في استسلام: - طيب أيه يعنى مش فاهمة. هنروح احنا فين
سلمى: - أبدا هنتمشى بالعربية شوية واروحك البيت.

وقبل أن تنطلق بالسيارة فتح الباب الخلفى للسيارة شابين وانطلقت سلمى بسارتها مسرعة قبل أن يلاحظها أحد، ولكنها لم تغيب عن أعين يوسف ووليد، كانا ينظران إلى ما يحدث من بعيد وما لبث وليد أن قال ل يوسف باستفزاز:
شفت يا عم. أهى غارت من اختها قالت اشمعنى انا معملش ليلة دخلتى النهاردة
وانطلقت ضحكاته العابثة مرة أخرى وهو يقول له: - أشر ب اشرب علشان تنسى.

أستقل يوسف سيارته وعينيه تلاحق سراب سيارة سلمى وتتردد في أذنه عبارة وليد الأخيرة وغضب شديد يجتاحه وقد أضمر شيئا في نفسه، أنطلقت السيارات جميعها ولم يلاحظ أحد غياب مريم ويوسف بعد.

بعد ساعتين كانت سيارة سلمى تقف أمام حديقة منزل آل جاسر، ترجلت مريم من السيارة وهي تودع صديقتها وعندما ألتفتت لتدخل وجدت بوابة الحديقة مفتوحة، سارت بداخلها حتى وصلت إلى باب فناء المنزل والذي كان مفتوحا أيضا والمكان مظلم جدا، لا يوجد إلا شعاع ضوء بسيط يأتى من أعمدة الإنارة في الحديقة.

تحسست مريم طريقها في قلق وظنت أنهم عادوا من المطار، نظرًا لوجود البوابة مفتوحة أخرجت هاتفها واتصلت على عمها حسين تسأله:
أيوا يا عمى انتوا في البيت ولا فين، لا مجتش معاكوا أنا كنت مع سلمى صاحبتى، لا انا عند البيت دلوقتى. ها كنت. كنا بنتمشى بعربيتها شوية آسفه يا عمى متزعلش مني. خلاص انا هطلع استناكوا فوق. اه معايا مفتاح شقتنا. مع السلامة.

تحسست الجدران في بطء لعلها تجد طريقها إلى مفتاح الكهرباء، وبعد ثوان سمعت صوت باب الشقة الكائنة في الدور الأرضى والتي يستخدمونها كمخزن للأشياء المهملة والمحطمة. توترت وتحركت في سرعة بحثا عن مفتاح الكهرباء وهي تقول بخوف:
مين. مين؟
وأخيراً سمعت صوته وهو يقول: - تعالى يا مريم متخافيش. ده أنا
وضعت مريم يدها على صدرها وهي تهدىء روعها وتقول: - أوف، رعبتنى بتعمل أيه عندك؟
بصلح الكهربا. تعالى نوريلى بالتليفون.

تقدمت نحو مصدر الصوت حتى وجدته، وشرعت في أخراج الهاتف مرة أخرى ولكنه جذبها داخل الشقة وأغلق الباب بقدمه في عنف، وبعد لحظات من المقاومة والصراخ المتقطع والعنف والاستجداء والإصرار، أرتطمت رأسها بأحد قطع الأثاث المركونة ووقعت فوق بعض قطع الزجاج المحطم على الأرض مغشيا عليها. وسالت دمائها في لحظة غدر دون أدنى مقاومة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة