قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع عشر

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع عشر

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع عشر

الحياة ليست عادلة ياصديقي، هُناك من يعيشون الحرمان من أشياء تملكها أنت، بينما تظن إنك التعيس الوحيد في الدنيا لفقدانك أشياء أخرى.
إنما هي المعادلة العادلة التي تؤتي كُلٌ ميراثه من الدنيا، ف لن يكون الكمال والإكتمال من نصيبك أبدًا أو من نصيبهم، والسعادة والحزن گالأرزاق، على البشر مُقسمة.

غادر ظافر مقر الوحدة العسكرية عقب أن تلقى خبر نقله إلى مصر في الفترة الراهنة للإحتياج له، بدا على وجهه الإمتعاض وبشرته توهجت ب حُمرة غاضبة، فقد أحس بوجود أصبع ل أبيه في الأمر لا محاله، فهو ترك الخدمة العسكرية ولكن ما زالت يداه تطول كل ما يريد.
ماذا سيفعل الآن؟، حتى لم يكن أمامه فرصة للأختيار، فقد تم الإختيار وقُضي الأمر.

تجول قليلًا وهو يمنع نفسه من رغبته الجامحة في مواجهة والده كي لا ينفجر البركان المدفون ب أغواره، ورغم محاولاته الجمّة إلا إنه رضخ في الأخير لرغبته في التحدث إليه.
عاد لمنزله وقد تحدث لوالده كي لا يغادر قبل وصوله، واجتهد كي يكون على هذه الوتيرة الهادئة التي كلفته الكثير من العناء.

في الأصل كان رستم ينتظر هذه المواجهة منذ الأمس وها قد حان موعدها، كان مقتضبًا عابس الوجه، حتى أن ظافر تراجع عما كان سيقوله وتسائل: - مالك يابابا؟
كان رستم يعقد ذراعيه خلف ظهره وهو يقف مستقيمًا شامخًا گعادته وهو يتسائل: - إيه اللي عملته في الرحلة ده ياظافر؟ إزاي تدّعي إن البنت اللي كل ما تشوفها تسويّ بيها الأرض تبقى خطيبتك!

نفخ ظافر ب قنوط و: - هي جت اشتكيتلك كمان؟! أنا غلطان إني كنت بحميها وأحسّن موقفها
- واللي عملته في الفرح كنت بتحسن موقفها برضو!
- أنا...
قاطعه رستم بجدية مبالغ فيها متعمدًا إظهار غضبه الشديد له: - أنت إيه؟ انت بتلعب بمستقبل بنت مبقاش في غير سيرتها على كل لسان!
سحب ظافر شهيقًا مختنقًا لصدره بينما كان رستم يتابع: - أنا مقبلش كده على بنات الناس ياظافر، والغلط اللي بدأته هتكمله للآخر.

تنغض جبينه وهو يتسائل ب حِدة: - يعني؟
فقالها بقطعية: - يعني هتخطب البنت دي
- إيه!
- زي ما سمعت، أنا مش هقبل أي تجاوز منك تاني في الموضوع ده
وكأنه قد بدأ يعقد الخيوط سويًا ليتفهم ما كان يحدث بالبداية: - يعني تدخلت في نقلي للقاهرة ودلوقتي عايزني اتجوز اللي اخترتها، هي دي خطتك!
تحرك رستم من مكانه و: - الكلام خلص، وحضر نفسك على الأساس ده
قبل أن يخرج رستم من الغرفة كانت زينب تدلف إليها: - بتزعق ليه يارستم؟

- عقلي ابنك يازينب عشان مش عايز اقلب عليه
وخرج..
صفع الباب من خلفه بينما اقتربت منه والدته وربتت على كتفه و: - ياحبيبي انت مكبر الموضوع ومزعل أبوك ليه؟ كده كده هييجي يوم وتتجوز
ف صاح ظافر وكأنه شعر بقلة الحيلة: - بس مش بالطريقة دي، ومش دي الإنسانة اللي عايز أكون معاها
حاولت زينب أن تراضيه قدر المستطاع لعل غضبه يهدأ: - خلاص، نعمل خطوبة وبعدين نفضها، حتى نلاقي سبب ساعتها نقوله ويبقى وضع البنت اتحسن.

فقال مغتاظًا: - ده انا هخليها تكره نفسها مش تكرهني انا بس، بس اصبروا
وغادر هو الآخر..
بقيت زينب محشورة بالمنتصف، بين رغبة ابنها الوحيد وبين رغبتها هي في أن تراه يعيش حياة عادية بعيدة عن التعقيدات والحزن، ومن جهه أخرى تلك الفتاه التي لم ترى سوى صورة لها ولا تدري لماذا زوجها مُصّر هكذا عليها تحديدًا!
نفخت زينب ب انزعاج وهي تجلس على الأريكة و: - اعمل إيه ياربي!

كانت تُعد الطعام في المطبخ كي يتناول صغارها وجبة العشاء قبل النوم، سكبت الحليب وصنعت شطائر الجُبن والبيض المقلي، ولم تنسى إعداد وجبة سيريلاك شهية للصغير يَزِن.
وضعت الطعام على الحامل وكادت تخرج وهي تحمله، لولا إنها استمعت لصوت عمر وهو يقترب من المطبخ ويصيح: - بابا جه ياماما، بابا جه.

سرعان ما تركت كل شئ وركضت لتخرج وهي تبحث بعيناها، ولكن لم يكن موجودًا، فسألت الصغير وقد عبس وجهها من جديد: - فين ياعمر؟
- دخل جوه
وكاد يدخل من خلفه، ولكنها استوقفته و: - استنى انت ياحبيبي، هتكلم مع بابا وبعدها تقعد معاه براحتك ماشي؟
- ماشي.

ودخلت بخطوات مترددة، تتوق للحظة المواجهة ولكنها تهابها، فتحت الباب ودلفت لتجده يحمل الصغير يَزِن ويداعبه، حافظت على وجود مسافة واسعة كي يكون مرتاحًا مع ولده قليلًا.
تركه علي على فراشه الصغير والتفت ليراها أمامه، كانت ترتدي مريول مريلة المطبخ ومُشمرة عن ساعديها، تفحصها بنظرات قانطة، ثم انتقل نحو الخزانة وبدأ يلملم بعض من ثيابه، ف أوفضت نحوه تسأله: - كنت فين ياعلي؟
- مش مهم.

قالها بفتور، وقد بدأت هي للتو تدرك إنه يجمع ثيابه في حقيبة سفر، ف استوقفته ونظرت لداخل عيناه وهي تسأل بتوجس: - انت بتعمل إيه؟
لم يستطع الإفصاح عما سيفعل، كيف يعترف لها إنه قرر وبدون مشاورتها حتى في الإنفصال عنها وهي البريئة الوحيدة في هذه القصة، أجفل نظراته وهو يقول بدون ذرة شفقة واحدة: - إحنا مش هينفع نكمل مع بعض، هتفضلي أم ولادي وفوق دماغي، لكن مش هينفع نكون زوجين تاني.

تصلبت في مكانها، وتجمدت عروقها وقد تحجرت الدموع في عيناها وأبت الخضوع لرغبتها الجامحة في الصراخ، وبثبات صعب للغاية تسائلت بصوت متحشرج: - عايز تطلقني!، طب ليه؟ أنا غلطت معاك في إيه؟
رغمًا عن ضميره الذي أسكته تحدث بجبروت مؤلم: - مغلطيش، لكن انا إنسان ومحتاج أعيش مع الإنسانة اللي هتقدر تسعدني وأكون أنا أول حاجه في حياتها، انا مبقتش في حساباتك ياچيهان.

وكأنها تلوم نفسها وحدها وهي تجيب ب: - أنا!، أنا حياتي كلها للولاد وليك و...
- بالظبط، انتي حياتك كلها للولاد، أنا فين؟
سحبها نحو المرآه وأشار لها لتنظر لحالها: - بصي على نفسك في المراية، انتي آخر مرة روحتي عملتي شعرك عند الكوافير كنتي حامل في يَزِن.

ثم أشار لثيابها و: - انتي ناقص تنامي جمبي ب مريلة المطبخ، بصي جسمك بقى شكله إيه!
ثم مد يده وأزال عنها المريول و: - انتي عندك كرش كأنك لسه حامل في السابع
رمقته ب استغراب من نظرته السطحية لها ولمظهرها، بينما تابع هو حديثه القاسي و: - حتى البيچامة اللي لابساها تحت المريلة متفرقش عنها، انتي نسيتي إنك ست من زمان ياچيهان، ونستيني أنا كمان إني متجوز ولسه في شبابي.

ف خرجت عن صمتها و: - أنا أهملت في نفسي عشانكم، بصحى 7 الصبح عشان مدرسة عمر وبفضل صاحية بقيت اليوم عشان يزن، بقعد في المطبخ بالساعات عشان تاكل الأكل اللي بتحبه، ولما يرجع عمر بفرغ نفسي ليه عشان نقعد نذاكر ويبقى من المتفوقين، يزن مش بيسيبني أنام حتى ربع ساعة طول اليوم، ولازم يكون بيتي متروق دايمًا وولادي في أحسن شكل وهيئة وامارس واجباتي ناحية أهلي وناحيتك انت كمان.

تحسست بطنها وهي تقترب منه وذكّرته بتلك الأيام الصعبة التي عايشتها: - فاكر لما كنت حامل في عمر وجالي نزيف في الشهر السابع وكان لازم الدكتور يولدني قيصري! ساعتها عمر قعد 14 يوم في الحضّانة، انت كنت جمبي، بس مكنتش حاسس بيا ولا بالوجع والألم اللي كنت فيه، معشتش على المسكنات زيي، أنا اللي ولدت وانا اللي رضعت وانا اللي سهرت، لما كنت في شغلك وعمر عنده حمّى أنا اللي نزلت بيه المستشفى، أنا اللي شيلت كل حاجه، انا اللي اتحملت، أنا اللي روحت قدمت لعمر في المدرسة وانت مكنتش فاضي.

ورمقته ب استنكار و: - انت كنت فين؟ أنا عمري ما اشتكيت إن الحمل تقيل عليا، عمري ما جيت قولتلك نفسي أنام ساعة واحدة، وانت جاي تقولي بصي في المراية! جبت الأنانية دي منين!

فتابع بدون أدنى شعور بما قالت: - أنا أناني فعلًا، عشان كده هخفف عنك حملي وهسيبلك الولاد بس
وقبل أن يتحرك كانت تقبض على ذراعه وهي تردف بنبرة راجية: - علي متسبناش، أنا والولاد محتاجينك، أنا بحبك وانت كمان بتحبني إيه اللي حصل!

ف أردف بكلمات قاسية للغاية: - اكتشفت إني بحب نفسي أكتر، ومش لايق عليا دور المُضحي، متقلقيش، كل المصاريف والإحتياجات اللي عايزاها هتجيلك لحد عندك ومش هسيب الولاد محتاجين حاجه.

ف صرخت فيه وقد هطلت الدموع من بين عينيها: - مش محتاجة غير وجودك جمبنا، ليه عايز تهد البيت ياعلي؟ للدرجة دي أنا هينّة عليك!
- ياريت متصعبيش الموضوع ياچيهان، أنا خلاص...
انقطع عن الحديث لحظات ثم تابع: - اتجوزت امبارح.

برودة قارصة كانت تحيط بها گالغيوم مع سماع هذا الإعتراف الشديد الخطورة، تركت ذراعه، وكادت تترك جسدها يهوى على الأرض، ولكن هذا التماسك ظل مرافقًا إياها لا تعلم كيف، توقف سيل الدموع وحدقت فيه بنظرات مذهولة، بينما كان هو يجمع ما بقى له من أشياء مهمة.

سحب حقيبته بصمت وخرج، بينما هي عالقة على الفراغ، ما زالت تسأل نفسها نفس السؤال الأبله: - ماذا فعلت حتى تستحق كل هذا؟، ماذا كان أثمها!؟، ما ذنب أطفالهم الذي لم يفكر في صالحهم للحظة واحدة!
خطت بصعوبة وكأن ساقيها ثقلتا أكثر، انحنت تتحسس فراشهما ثم جلست عليه، وتركت نفسها تجهش ببكاء مرير، حتى كرامتها التي فرطت بها من أجل تصالحهم دهسها الآن ومرّ.

كتمت شهقاتها قدر المستطاع، ولكن صوتها مازال واضحًا حتى جاء الصغير عمر على أثره، ارتمى في أحضانها وهو يمسح على ظهرها بيداه الصغيرتين و: - ماما بتعيطي ليه؟ هو بابا زعلك؟
وكأنها تحتمي بعناق صغيرها، ضمته إليها ولم تتوقف عن البكاء الذي خرج من صميم فؤادها المنكسر، كانت بمفردها دائمًا، ولكن الفارق الآن إنها لن ترى زوجها ثانية، سترى أب أبنائها فقط، فقد سرق منها هذا الحبيب التي تعهدت يومًا إنها لن تتركه.

خرج ظافر مستوفضًا من المقهى وهو يتحدث هاتفيًا مع شقيقته، اعترته الصدمة مما سردته هي، وفاق الأمر قدرته على التصديق والإستيعاب، لقد كان علي خير مُحب لها، ماذا حدث؟!
أسرع ظافر نحو سيارته و: - كفاية عياط وانا جايلك، أهدي بس شوية ياچيهان
وإذ بها فجأة تفف أمامه لتسلب تركيزه گالعادة، أغلق المكالمة ونظر إليها بنظرات فاترة، بينما بادرت هايدي: - لو كنت اتصلت بيك مكنتش رديت عليا، قولت أكيد هتكون هنا.

أغلق ظافر باب السيارة و: - عايزة إيه ياهايدي؟ إيه السبب اللي خلاكي تيجي لحد هنا؟، مش ده المكان اللي عمرك ما حبتيه ولا حسيتي إنه شبهك؟

ف تهربت من سؤاله بسؤال آخر و: - رايح عندها؟
- هي مين؟
- اللي كدبت عشان تنقذها مني
قالتها بصدق جعله يستشيط أكثر، هذه العجرفة التي يكرهها فيها، والتي كانت أحد أسباب افتراقهم، رمقها ب استهجان و: - خليكي عايشة في وهم إني بموت من غيرك لحد ما تصحي يوم تلاقيني في حضن واحدة تانية ياهايدي.

فقالت بثقة صاحبتها ابتسامة مستفزة: - مش هيحصل ياظافر، عشان مش انت اللي يربط نفسه بواحدة مش من مستواه، ولا حتى عيلتها تشرف، إيه الميزة اللي هتلاقيها في بنت مامتها عندها سابقة!

وكأنه لم يصدق ما قالت، فصاح فيها: - انتي بتخرفي تقولي إيه؟
- لو مش مصدقني خلي أونكل رستم يتأكد بنفسه، بالمرة يدور هي كانت مسجونة في إيه، سرقة ولا نصب! ويمكن حاجه أكبر.

تناسى للحظة كل شئ وبقى في عقله أمرًا واحدًا، أن يتأكد من صحة هذا الأمر الذي أثار الجنون في رأسه، رماها بنظرة حامية أكدت لها إنه لن يتجاوز الأمر، ثم استقل سيارته وبدأ في قيادتها على وجه السرعة، بينما هي تقف بمحلها والبسمة المنتصرة على ثغرها.

كان رستم قد اجتمع ب ابنته الصغيرة كي يفتح معها أمر الزواج من مروان، وشاركتهم زينب هذه الجلسة الهامة.
وزعت تمارا نظراتها الخبيرة عليهم قبل أن تترك الكعك من يدها وتتسائل بمكر: - أنا برضو قولت الحلويات والكحك وكل ده وراه حاجه
فأردف رستم وهو يربت على ساقها: - كل خير ياحببتي، في عريس، وبصراحة أنا موافق عليه وأمك كمان.

ف قضمت من الكعك وكأنها لم تستمع لهم، ثم قالت: - ألف مبروك يابابا، قررتوا الفرح أمتى؟ بما انكوا موافقين وقررتوا من نفسكوا
وتغيرت ملامحها فجأة: - ماانا شفافة في البيت ده!، نرمين وچيهان يتجوزوا حب عمرهم وانا عايزين تقلبوني مع أي حد!

فتدخلت زينب قائلة بلطف: - ليه ياحببتي، لما تعرفي هو مين هتتبسطي أوي، وبعدين الخطوبة هتخليكي تاخدي عليه وتحبيه براحتك.

أمسكت بكأس العصير وقبل أن ترتشف سألت بفضول: - مين بقى؟
فأجاب رستم على الفور وبحماسة: - مروان
بصقت المشروب على الفور وسعلت، أحمرّ وجهها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة و: - مين؟! مروان صاحب ظافر أخويا؟
فأومأت زينب برأسها، بينما انتفضت هي من جلستها وأعلنت رفضها القاطع: - مستحيل، ده آخر بني آدم ممكن افكر فيه
ف اعترضت زينب وهي تضرب كفيها ببعضهما البعض: - ياختي بس هو يوافق عليكي! ده انتي هطلعي عينه.

- هو اللي يوافق! كمان عايزين تلزقوني فيه! للدرجادي؟
حاول رستم نفي ما فكرت فيه ولكنها كانت منفعلة بشكل كبير: - لأ يابنتي، مروان آ...
- لأ لأ لأ، مش موافقة
وخطت متعجلة للخروج من غرفة المعيشة وهي تتحدث لنفسها: - قال مروان قال! ده انا وهو زي البنزين والنار، ولا بنطيق بعض أساسًا
رمق رستم زوجته مستنكرًا و: - إيه اللي قولتيه ده يازينب، افتكرت إني هلزقها ليه مش هو اللي طالب إيدها!

ف قوست زينب شفتيها و: - كنت أقصد تحمد ربنا إنه موافق على دلعها وجنانها
دلف ظافر في نفس اللحظة من باب الشُقة مستوفضًا نحو غرفة المعيشة، هذا الخبر الذي علم به مؤخرًا سيكون طوق النجاة له من هذه الخِطبة التي اعتقد إنه أُجبر عليها، وبالرغم من يقينه بإنه تخلص منها للأبد إلا إنه كان متضايقًا من اكتشاف أمر گهذا..
سحب شهيقًا لصدره وهو يقف أمام والده وسأل: - حضرتك عارف إن أثير مامتها كانت مسجونة؟

كتمت زينب شهقتها بينما اتسعت عينا رستم بذهول، ونهض عن مجلسه وهو يتسائل: - جبت الكلام ده منين! مستحيل يكون صحيح
- لأ صحيح، تقدر تتحرى بنفسك
ف تدخلت زينب في الأمر و: - لو الحكاية كده يبقى ننسى الموضوع ده خالص يارستم، الجواز مش زوج وزوجة بس، دي عيلة بتناسب عيلة.

ف تقلصت تعابير وجهه و: - استني انتي يازينب، أنا عايز اعرف المعلومة دي جت منين؟
جاهد ظافر كي لا يذكر اسمها حتى يسعى والده في الأمر على الأقل، ف ادعى: - نقدر نقول صدفة، أكيد رستم حربي مش هيناسب عيلة فيها حد عنده سابقة
أومأ رستم بتفهم و: - لما افهم واتأكد من الموضوع نتكلم وقتها
ثم حذره: - ومن هنا لحد ماانا اتأكد إياك تجيب سيرة بحاجه زي دي ولا حتى لأثير نفسها، مش ناقصين شوشرة على البنت.

وهمّ ليخرج و: - أنا هعمل تليفون مهم وهرجع تاني
في هذه اللحظة التي اهتم فيها الجميع بهذا الأمر، كانت تمارا تهتم بأمر نفسها، عليها تدبير شئ ما للقضاء على هذه الفكرة التي تولدت لدى والديها، معتقدة أن مروان هو أول من سيدعم رأيها ويساعدها، فلم تتردد في الإتصال به.

كان حينها في أحد صالات البولينج، نظر للهدف جيدًا قبل يقذف بالكرة، ف إذ بهاتفه يرسل اهتزازات عديدة بجيب بنطاله، قذف الكرة أولًا، ثم أخرجه ونظر لشاشة الهاتف بتعجب، لاحت ابتسامة على محياه وهو يجيب: - ألو
- أيوة يامروان، أنا لازم اشوفك ضروري
انعقد حاجبيه بتعجب وقد طال صمته، فسألت: - مروان انت سامعني!
- آه، بس مستغرب شوية، انتي عايزة تشوفيني أنا؟

- آه، في موضوع مهم جدًا لازم نتكلم فيه، نتقابل بكرة الساعة 10 قدام الجامعة، مناسب؟
- مناسب
نظرت لساعة الحائط وتابعت: - تمام، هبقى اكلمك، سلام دلوقتي
وأغلقت..
دسّ مروان الهاتف في جيب بنطاله وعاد ينظر للعبته، لقد أحرز هدفًا جيدًا هذه المرة، ولكنه لم يسعد بذلك، فقد انشغل باله بما ستتحدث عنه تلك المشاغبة التي يعشقها رغم كل شئ.

مرت ساعات الليل بصعوبة، قضى أغلبها نائمًا حتى تمر بسرعة، ومنذ البكور كان يقظًا نشيطًا متأهبًا للقاء اليوم، حرص على أن يكون وسيمًا أنيقًا أكثر من العادة، وأن يكون مميزًا قليلًا.

ومن ثم قطع طريقه طائرًا إليها، حتى إنه وصل قبيل وصولها بأكثر من خمسة عشر دقيقة، وعندما لمحها تأتي من بعيد، ترجل عن سيارته ووقف ينتظرها، لم تلاحظ هي ما كان عليه من أناقة شديدة، ولكنها لاحظت تلكما الفتاتين اللاتي ينظرن إليه بنظرات تحمل مغزى تعرفه جيدًا، امتعضت وهي ترمقهن ب ضيق، وأسرعت الخطى نحوه، حيث صافحته بتودد كي ترسل إليهن مضمونًا معين، ثم: - يلا نبعد شوية من هنا
- اللي يريحك.

فتح لها باب السيارة ف استقرت بمحلها، ثم التفت مستعدًا للقيادة، تلك الرائحة النفاذة التي تعبأت بها السيارة قد أثارت أعجابها، حتى إنها تسائلت: - حلوة أوي ريحة ال perfume دي، أسمها إيه
فتح لها خزانة صغيرة أمامها وأخرج قنينة العطر خاصته و: - أهي.

نثرت منها على طرف يدها ف انتشرت الرائحة أكثر وأكثر، ثم أعادتها بمحلها وقد تناست أصل الموضوع الذي طلبت لقائه من أجله، بينما سألها هو بفضول: - كنتي عايزاني في موضوع مهم!
- آه
ثم أشارت: - أقف على جمب
- طب ما نروح أي كافيه أفضل، في واحد قريب من هنا
- ماشي
وقادها نحو المقهى المشهور حيث ينفرد بالجلوس معها بعض الوقت.
وضع النادل زجاجات المياه وتلقى طلبهم: - حاجه تانية؟
- اتنين كابتشينو
- تحت أمرك.

وأنصرف، ف نظرت هي له ودنت قليلًا من الطاولة لتستند عليها وهي تقول: - أنا وأنت داخلين على تدبيسة كبيرة أوي، لازم نمنعها
ارتفع حاجبيه كأنه مندهش و: - بجد؟ تدبيسة إيه بقى؟
نفخت ب انزعاج و: - بابا هيفاتحك في موضوع جواز وكلام فاضي كده، سيبك من الكلام ده، المهم انت هترد تقول إيه.

حاول أن يمنع نفسه قدر الإمكان من الضحك وسار على نهجها و: - ها، وبعدين، هقول إيه؟
- هتقول لأ طبعًا
- أمممم
لم تشعر هي بوجود شئ غريب، كانت تتحدث بتلقائية وكأنها آمنت إنه لا يعلم شيئًا عن الأمر: - هتقول لبابا إنك بتحب بنت تانية ووعدتها بالجواز، بكده هتقدر تخلع بسهولة
ف لم يطيق مروان صبرًا أكثر من ذلك وقال مبتسمًا: - مين قالك إني عايز أخلع؟
لم تفهم في البداية وكأن الأمور اختلطت بعقلها: - يعني إيه؟

توًا أضاء عقلها بالحقيقة، وراجعت في عقلها ردود فعله الهادئة المستكينة والتي يختبئ خلفها هذا الإحتمال الذي ورد على ذهنها وسرعان ما قالت: - أنت آ..!، عارف!؟
ف ابتسم ابتسامة عريضة وداعب وجنتها وهو يقول: - ده انا اللي طالب ياتوته..
فضربت على الطاولة بيد وبالأخرى دفعت ذراعه بعنف و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة