قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الأربعون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الأربعون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الأربعون

لم يكن حلم، لم تستيقظ گعادتها لتنظر إلى السماء من نافذة غرفتها بوجهٍ عابس متنهدة بقنوط، إنها حقيقة، الحقيقة الوحيدة في حياتها الآن.

بين ذراعيه وعلى صدره، تطوقه بذراعها لتطفئ شوق الأيام الغابرة والأعوام الماضية التي طال فيها الإنتظار، سحبت شهيقًا عميقًا ذفرته على مهل، ثم رفعت بصرها نحوه، كان مغمض العينين وفتحها مع شعوره بحركة رأسها، وعندما تجلّى الحُب في نظراتها ابتسم بجاذبية تُؤسر وأردف: - نظراتك بتحسسني بالندم
فتنغض جبينها متسائلة: - ليه؟
- عشان بعدت عنك اليومين اللي فاتوا.

ولكنه تراجع لتصحيح هذا الخطأ اللغوي البليغ و: - قصدي بعدت عنك طول الفترة اللي فاتت
ثم مسح على شعرها و: - عملتي إيه وانا مش موجود؟
ثم أشار بعينيه نحو باقات الزهور التي اعتنت بها جيدًا وتابع: - شايفك اهتميتي بالورد أوي
ف نظرت هي الأخرى نحوهن وقالت بصوت مشرق: - عشان منك، كأني كنت بهتم بيك انت
ثم نظرت إليه من جديد و: - ظافر، أنا وحشتك؟
أومأ برأسه و: - جدًا، مكنتش أعرف إن وجودك سايب أثر كبير كده.

وتقلصت تعابير وجهه وهو يستطرد: - أنا كنت بضرب ضربتي ووشك قدام عيني، وانتي بتحاولي تمنعيني من الخروج، حسيت إن في سبب يستاهل أكافح عشان أرجع، في حد مينفعش يعيش من غيري ولازم أوفي بوعدي ليه.

كانت نظراتها تحمل الذهول المصحوب بالسرور وهي تقول بتعجب: - مكنتش متخيله إنك هترجع متغير بالشكل ده
- أنا متغير من قبل ما اسافر، كل تفكيري وانتقادي كان مركز معاكي، وجودك جمب تمارا طول الوقت ووقفتك معايا وكأنك نسيتي كل حاجه في اللحظة دي وقررتي تكوني في ضهري، حجات كتير، حسيت إني لو ضيعت لحظة كمان ممكن اندم عليها.

وبتلك النظرة العاشقة التي احتفظت بها أردفت بنبرة سعيدة: - عمرك ما هتندم، مش هتندم غير على الأيام اللي مكنتش فيها معايا
ودفنت رأسها في صدره تستنشق عطره، بينما التصقت شفاهه برأسها ولامست أنفه شعرها الناعم، ليُخلد لحظتهم تلك بعض الوقت، محتفظًا بها بين أحضانه.

لم يزول غضبه، ولكن نيرانه المُسعّرة هدأت قليلًا، وكأن زيارة ظافر له فور عودته گالثلج الذي وضع على جرحه الملتهب ف هدءهُ، كان ينظر للفراغ وعيناه عالقة بالأعلى، لا يشعر بالألم الذي تسرب لكل بدنه بعد انتهاء مفعول المُسكنات، فهناك ألم أعظم وأقوى ينهش في غرف عقله التي لم تتوقف عن تخيل وتذكر صورة رفيقه الذي توفى بين ذراعيه، زفر قبل أن يقبض أصابعه مستعيدًا لقاء ظافر القصير معه...

(عودة بالوقت للسابق)
- ارتاح، المكان كله اتنسف يامروان، كأن في نيزك وقع على الأرض وشال أي أثر للمنطقة من على الخريطة.

وأخيرًا تنفس صدره وكأنه قد حرّم الراحة على نفسه إلا بعد الثأر، ازدرد ريقه وهو يهمس: - الحمد لله
ثم نظر نحوه يسأل بتوجس: - شوفت مرات معاذ وولاده؟
ف ربت على ذراعه يهون عليه و: - متقلقش عليهم يامروان، القوات المسلحة متكفلة بيهم مش هتسيبهم أبدًا، انت ملكش ذنب في كل اللي حصل
- أنا اللي اتأخرت، لولا آ...

فقاطعه: - لأ متأخرتش، ربنا كتبلهم الشهادة ودي نهاية كلنا بنتمناها يامروان، مش انا اللي هفهمك حاجه زي دي، ده انت عيلتك كلها أبطال وشهداء!

(عودة للوقت الحالي)
فتحت تمارا باب الغرفة وهي تحمل كوب من مشروب عُشبي دافئ، لاحظ مروان إنها بدلّت ثيابها وتهذب شعرها وكأنها عادت في استراحة قصيرة للمنزل، دنت منه وكانت عيناه قد ابتعدت عنها، ثم أردفت بصوت ناعم: - جيبالك حاجه سُخنة تشربها
استند بمرفقه على الفراش كي يعتدل، ف همّت لتساعده بينما رفض هو مساعدتها: - شكرًا متتعبيش نفسك، أنا هعرف أقوم.

ابتعدت قليلًا وهي تحاول تفسير ابتعاده عنها وإقامة الحدود بينهما منذ أن أفاق، ولكنها ترفض الوصول للسبب الحقيقي، وضعت الكوب جانبًا، ف إذ بها تتفاجئ به قد نزع خاتمه ووضعه على الكومود، بقيت مرتكزة بصرها عليه حتى لاحظ هو، ولكنه تجاهل ذلك و: - تمارا!
التفتت تنظر إليه، ف رفع حاجبيه بتعجب و: - مستنيكي.

فناولته الكوب ليبدأ ب ارتشافه على جرعات أكبر، فكرت هل تتحدث عن اعتراضها الآن أم تنتظر؟، ولكن تعابير وجهه تنبئ إنه لن يتحمل أي ضغط بين الظروف الراهنة التي يعيشها، ف صمتت، بل وسحبت نفسها خارجه من هنا كي لا يفضح وجهها عن ضيقها.
ترك مروان الكوب وهو ينظر لذلك الخاتم الذي تركه بين يديها منذ فترة، كان صعبًا أن ينزعه بنفسه للمرة الثانية، ولكنه أحس بهوانهِ عليها، حتى وإن بادرت هي وألبسته إياه.

كانت المشفى هادئة عن الأيام السابقة بسبب إفراغ معظم الطوابق من أجل زيارة السيد رئيس الجمهورية للمصابين وعلى رأسهم مروان، وما أن انصرف حتى بدأت الأجواء تعود لطبيعتها.
وفي أحد زوايا الإستقبال كانوا يجلسون بشكل متقارب ويتحدثن بشكل ودي يخطف الأنظار، حتى أن زينب انتبهت لذلك وتراقص قلبها بسعادة وهي ترى حالتهم تلك.

راقبهم رستم من زوايا مختلفة، تلك الضحكة التي تُزين ثغر ظافر لم يراها على وجهه منذ وقت طويل، لقد نجح الأمر بالفعل وتم ما سعى إليه، ها هو يرى ظافر بالقرب من الإنسانة التي تستحقه..
دنى رستم منهم ف انتبهوا له بينما كان يقول: - هتسافروا أمتى ياولاد؟
- مجرد ما يرجع مروان لبيته هنتحرك بعدها
أومأ رستم برأسه وبرزت ابتسامته وهو يفصح ب: - فرحتوني بقراركم.

ثم نظر ب اتجاه تمارا التي كانت تتحدث في هاتفها بعيدًا عنهم وتابع: - عقبال ما قلبي يطمن على الجنب التاني
نظرت أثير نحوها وقد تفهمت وجود شئ ما يزعجها بالرغم من سعادتها بعد إفاقة مروان، يبدو إنه ثمة أمر آخر.
نهضت من مكانها وراحت تخطو نحوها بينما كانت تنهي هي مكالمتها، ثم سألتها بلطف: - مالك ياتوته؟

تنهدت تمارا وهي تفرك رأسها بأظافرها و: - مروان بيبعد عني ياأثير، ملحقتش افرح برجوعه واتفاجئت بمعاملة ناشفة منه، مش ده اللي كنت مستنياه.

ف حاولت أثير تبرير ذلك لصالحه و: - اللي حصل كان أقوى من قدرة تحمله ياتمارا
فهزت رأسها بالسلب و: - لأ، هو بيعاملني كده بالعمد
نظرت في ساعة يدها قبل أن تستأذنها و: - أنا هطلع اشوفه عشان معاد المضاد الحيوي بتاعه
وانصرفت من أمامها كأنها تتهرب منها، كان أمرها مفضوحًا بشكل كبير، لقد وقعت في الفخ، سقطت عاشقة وقد اصطدمت عجرفتها بالأرض، فلم يعد لها رجوع من هنا.

كانت چيهان منهمكة في عملها منذ البكور، حيث كانت ضمن طاقم المُعلمين الذي أُسند لهم تصحيح أوراق الأجابة للطلاب بالمرحلة الإبتدائية، بدأ ظهرها يؤلمها قليلًا ف رفعت رأسها لتعطيه بعض المرونة، لتجد أحد الزملاء المعلمين قد وقف أمامها ووضع كوب من الشاي وهو يردف: - أتفضلي يامس چيهان، أفصلي شوية عشان تقدري تكملي
ف ابتسمت بمجاملة وتناولته: - شكرًا يامستر محمد.

جلس على الجانب الآخر وهو ينظر للأوراق التي أنهاها و: - فاضل شوية صغيرين ونبقى خلصنا، طمنيني عمر عامل إيه؟
- من ساعة ما حضرتك شرحتله math وهو مصمم إنك تدرس له بنفسك
ف ضحك محمد متباهيًا و: - عيوني طبعًا، ان شاء الله السنة الدراسية الجديدة انا ههتم بيه بنفسي
تردد قبل أن يتسائل، ولكنه في النهاية خضع لفضوله المسيطر عليه و: - هو عمر وحيد ولا ليه أخوات تاني؟
- عندي يَزن، عمره سبع شهور.

ف انبعج فمه و: - ما شاء الله، أنا عندي مرام 10 سنين
وعبس عندما كان يكمل: - والدتها متوفية من سنتين، عشان كده عايشين مع والدتي وهي مهتمة بيها
تأثرت چيهان وهي تواسيه: - آسفه جدًا، ربنا يرحمها ويقدرك على تربيتها
ثم تركت الكوب خاصتها ونظرت للأوراق من أمامها، وبدأت تستكمل ما تركته ناقصًا.

دخلت تمارا بعد أن طرقت طرقة واحدة، ف وجدته يستند على الممرضة وهو ينهض عن الفراش، شهقت بصوت مسموع وهي تهرع نحوه و: - مروان!
وأسرعت نحوه وهي تنظر لها بنظرات ممتعضة، وبحركة منفعلة سحبت ذراعه من يدها ليصيح هو متأوهًا: - آآآآه
- سوري ياحبيبي
ثم نظرت نحو الممرضة التي كانت ترمقها بحنق وتابعت: - شكرًا أنا هساعده
عاونته ليجلس مرة أخرى، ثم أشارت لها: - أتفضلي انتي وانا موجودة.

وقادتها نحو الباب بينما كانت الممرضة تحاول التكلم: - أنا آ...
- أيوة أيوة عارفه، أنا هتصرف
لم تترك لها فرصة للتحدث، حيث أخرجتها وأوصدت الباب من خلفها والتفتت له تنظر إليه بغلظة وهي تردف بصوت مرتفع: - سيبتك 10 دقايق بس مش قادر تستنى لما ارجع!
ف حدجها مغتاظًا و: - محدش قالي إنك شغاله نبطشية هنا بعد الضهر!

دنت منه بشكل مقرب جدًا، وانحنت عليه لتقول بنبرة محذرة: - بلاش يابيبي تعصبني، أنا كل ده خايفة على جرحك
ثم دفعته ليستلقي على الفراش وسحبت العكاز الطبي و: - أتفضل ارتاح
تأوه بصوت مكتوم وهو يتحسس كتفه و: - ده انتي آ...
عادت تنحني عليه من جديد وقد تأثر بنظرات عينيها القريبتين منه وصمت فجأة بينما كانت تبادر هي متسائلة: - دبلتك فين؟
- أفندم؟

فهمست بينما كانت عيناه تراقب شفتيها اللاتي تُثيره نحوها: - دبلتك، فين؟
أخرج خاتمه من جيب بنطاله القماشي، فتناولته منه على حين غرة، وفي خلال ثلاث ثوانٍ كانت تزرعه في أصبعه وعادت تنظر إليه لتقول بتحدٍ وهي تمسح على وجهه: - أوعى يقع في جيبك تاني يابيبي، ماشي؟
ارتفع حاجبيه وهو يعيد اللفظ على لسانه: - بيبي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة