قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والأربعون

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والأربعون

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والأربعون

حاولت إيمان الفكاك بينهم وهي تصيح في رائد كي يفلته: سيبه يارائد، إيه اللي بتعمله دا، احترم وقفتي بينكوا شوية
لم يكن أحدهما يستمع لها، فوجهت حديثها ل طارق: - ياطارق كفاية كدا يابني
بينما رفيف لم تستطع التدخل بعد أن دفعها رائد بعيدًا محذرًا إياها من الإقتراب.

كان صوت اصطدام جسمها بثقلهِ على الدرج مُسببًا لصوت عنيف آثار انتباههم وكل منهم في واديهِ، وصوت صرختها أيقظ رائد الذي فقد سيطرته على عقله مع أول ضغط عصبي عليه بعد كل ما عايشهُ، حانت التفاته سريعة من رأسه ليبصر بكارثة سقوط فريدة، ف صرخ صرخة نبعت من قلبه وهو يركض مبتلعًا الطريق إليها: - ماما!، أمي.

ولحقت به رفيف بسرعة وقد خارت قواها من فرط الأثارة التي تعيشها في هذا القصر منذ أن وطأتهِ لا وجود ليوم هادئ، بينما تطلعت إيمان لما يحدث بتخوف وهي تردد بصوت خافت: - أهو ده اللي كان ناقص، عارف لو فريدة جرالها حاجه؟، رائد مش هيكفيه راسك وراسي
مسح طارق على فمه الذي ينسال منه خيط الدماء بظهر يده، ثم بصق على الأرضية قبل أن يشرع بالخروج من القصر: - إبن ال خدني على خوانه.

كانت ثقيلة للغاية خاصة عقب فقدانها وعيها، ولكنه جاهد ليحملها عن سقطتها وهو يردد باكيًا: - إيه اللي طلعك بس!
وبعد مجهود شاق، استطاع أن يقلها على مقعدها ويدلف بها حيث غرفتها.

على هذه الحالة ظلت ساكنة غير شاعرة بما يدور من حولها، حتى أتى الطبيب الذي كان متابعًا لحالتها سابقًا عقب إتصالات عديدة من رائد، حاول إفاقتها أولًا، ثم ضمد جرح رأسها نتيجة إصطدام جبهتها بالدرج، ومن بعدها عمل على استكشاف مواضع الكدمات المتفرقة بالجسم، تأوهت فريدة وهو يلثم ساعدها برباط ضاغط، وفتحت عيناها وهي تتمتم: - رائد؟
- أنا أهو، جمبك متقلقيش.

واحتضن كفها بقوة بينما يفحصها الطبيب: - ليه الحركات المفاجئة دي يامدام فريدة، أفرضي كان جسمك ادحرج على السلم كله؟
لم تعقب، حتى لم تشكو آلامها العنيفة التي تضرب بأنحاء جسمها كله، نهض الطبيب وبدأ يفحص ساقيها، فإذ بإحداهم متورمة تورم بيّن ذا لون أزرق متوهج، تحسسها فصرخت فريدة فجأة: - أأأأأه.

كانت رفيف تنتظر بالخارج بناء على رغبة رائد المتشددة، وعندما استمعت لصرختها انقبض قلبها وهي تدعو الله: - يارب استرها يارب، يارب
اعتدل الطبيب في وقفته وهو ينظر إليها بنظرات مبهمة، وعينا رائد القلقة عليه وهو يسأله: - في إيه يادكتور؟
فسألها الطبيب بترقب: - مدام فريدة!، انتي حسيتي بأيدي؟
فأجابت ومازال تأثير الألم يطغى على ملامحها: - آه
فضحك الطبيب ببلاهه و: - انتي بتهزري، آ، أقصد معقول!، حسيتي بيا فعلًا.

بدأت فريدة تدرك مقصده، ف تركت آلمها جانبًا وكافحت لتعتدل في جلستها، حاولت تحريك مفصل قدميها، كانت عملية غاية في الصعوبة بالبداية، ولكن مع المحاولة والضغط تحركت، انتاب الطبيب هستيريا ضحك غير طبيعية عقب يأس سنوات من شفاء حالتها، ثم قال بابتهاج: - انتي معجزة جديدة في الطب، ان، انتي حركتي رجلك فعلًا!

كان عيون رائد الجاحظة على قدم والدته التي تحركت توًا، ومازال تحت تأثير الصدمة، ازدرد ريقهِ وهو يحاول التحدث: - ي، يعني ه، مش...
وبدا كلامه غير مفهوم بفعل الصدمة، رمش عدة مرات و: - هتمشي! ماما هتمشي؟
حاول الطبيب مساندتها و: - حاولي تقفي معايا يامدام فريدة، هاتي إيدك من فضلك.

وبالفعل استندت على ذراعيه وبكل طاقتها حاولت النهوض على ساقيها، واجهت ألم شديد في مفاصل ركبتيها وقدميها نتيجة عدم الحركة لسنوات، ولكنها كتمت آنين تألمها وضغطت على أسنانها وأعصابها وهي تردد: - يارب
وبالفعل وقفت من جديد، ولكن جسدها ترنح وكادت تسقط للخلف لولا الطبيب الذي أجلسها من جديد وهو يقول: - بس ارتاحي، أنا مش عايز أكتر من كدا.

ثم أخرج هاتفه من جيب بنطاله و: - أنا هكلم المساعدة بتاعتي تجهزلك جدول علاج طبيعي حالًا عشان نبدأ فيه بأسرع وقت، مش هضيع فرصة زي دي.

وأخيرًا شئ ما يرد في صدره الروح بعد كل ما عاناه الأيام الماضية من نوائب، ابتهج بشدة وهو يتطلع إليها غير مصدقًا إنه سيرى هذا اليوم الذي ستقف فيه من جديد، أدمعت عيناه من شدة الفرح، حتى إنه خرّ ساجدًا في الأرض ولامست دموعه البساط، ثم اعتدل وقد صدر عنه صوت بكاء، وهو يضع جبهته على ساقها قائلًا بصوت متأثر: - هشوفك ماشية تاني، مش مصدق نفسي آآآآآه.

كان هذا المشهد المعبر من المسلسل العربي القديم يجذب انتباه رغم مشاهدته له عشرات المرات، ورغم ذلك لم يسئم، تابع عماد التلفاز بتشوق شديد عندما كانت دريّة تتحدث إليه بعدم رضا: - يعني حتى حتة المحل اللي حيلتها باعته!
فبادرت ندى بالتدخل في الحديث معارضة رأي والدتها: - بصراحة رفيف طلعت جدعة أوي في موقفها، أنا لو مكانها مكنتش هتردد
تلوت شفتيها بعدم اقتناع و: - آه وماله.

ثم نظرت بإتجاه عماد وسألته بفضول: - عماد، هو انت لسه موافق على العريس اللي أتقدم لبنتك؟
تفهم عماد إلام ترمي، ف اعتدل في جلسته ليكون في مواجهتها وترك مشاهدة التلفاز وأجاب بثبات: - لو هو لسه عايز بنتي أنا موافق عليه، وموقفي مش هيتغير عشان شوية شكليات
كانت تستمع لكلمات والدها وهي في حالة حبور شديد، ولكنها تصنعت اهتمامها بمشاهدة التلفاز، بينما تابع هو: - ربنا يكون في عونهم، اللي هما فيه مش شوية.

استمعوا لصوت إغلاق الباب، ف نهضت دريّة وهي تردد: - مروة جت، الوحيدة اللي نصفاني في البيت دا
ثم خرجت من غرفة الجلوس لتذهب إليها، ف اقتربت ندى من والدها وتمتمت: - مش ملاحظ إن مروة اتغيرت من ساعة ما رجعت من السفر يابابا
أومأ عماد رأسه مؤيدًا رأيها و: - فعلًا، ودي حاجه مفرحاني، ربنا يهدي أحوالها يارب
- يارب.

لم تفارق الإبتسامة مبسمة منذ أن علم بأن نتاج صبر السنوات سيجنيه أخيرًا، ستقف على قدميها من جديد، ياللهول! بعد عجز سنوات ورحلة فشل طويلة عايشتها، الآن وبدون مقدمات أو ترتيب ستستعيد نفسها من جديد.

ممدًا جسده على الفراش بأريحية شديدة بعد عناء طويل الأيام الماضية، حتى لم يشعر بها تراقبه وهي تجلس بجواره، مدت أصابعها تتحسس لحيته التي طالت كثيرًا عن المعتاد، ف انتبه لها و: - رفيف
ابتسمت وهي تشاركه سعادته: - مش قولتلك كل حاجه وحشة وراها حاجه حلوة، أهو لولا اللي حصل مكنتش ماما فريدة وقفت على رجليها من جديد.

تنهد بارتياح وهو يتحسس ملمس كفها، ثم قربه من فمه يُقبله و: - الحمد لله، أنا مش مصدق! بعد كل السنين دي معقولة، أنا عايز أعمل حاجه، حاسس إني فرحان أوي ولازم استغل فرحتي دي.

فشاركته برأيها السديد: - إيه رأيك تدبح وتفرق لله؟
- صح، هعمل كدا، أول ما ترجع بيتها هنعمل كدا بأذن الله
أعتدل في جلسته، ثم اقترب منها قليلًا و: - لو مكنتيش معايا كنت هواجه كل دا لوحدي ازاي؟!
ثم مسح على بشرتها مسحة أقشعر لها جسمها: - ربنا يخليكي ليا، أنا مقدرش أستغنى عنك أبدًا.

وجذبها لتكون رأسها على صدره، معانقًا إياها عناقًا جميلًا أدفأ صدرها وبث فيها أمانًا، لحظات ناعمة مرت بينهما، أنهاها رائد برغبة نجمت عن فؤاده: - أنا هقوم أصلي ركعتين لله، تيجي معايا
ف ابتهجت وهي تبتعد عنه و: - موافقة
ثم تلمست شعيرات ذقنه و: - وبالمرة تحلق دقنك أحسن طالت أوي
نهضا سويًا، منتوين على أداء إحدى الفرائض سويًا لأول مرة، كان شعورًا غريبًا ورائعًا في آنٍ، وكأنك تتمسك بقطعة من السماء في يدك..

إنما يختار الله لك الأفضل، قد تظن إنها أيام شاقة لا تمر، ولكنك تنسى، تعتقد أن الله قد نساك، ولكنه سبحانه يخفي لك ما هو أطيب مما تريد.
أختيارات الله لك هي الأفضل على الإطلاق، فلا يرضى لك بالسوء وإن كنت الأسوأ.
كانت مروة تنتظر هذه الجلسة العلاجية الجماعية بحماسة شديدة للغاية، أعتبرتها تجربة جديدة ستخوضها وتتعرف خلالها على أناس قد عايشوا بعضًا مما عايشت هي.

وصلت للمكان المتفق عليه مبكرًا، لتجد طبيبها قد استبق الجميع إلى هناك، شاركته جلسته حتى يجتمع باقي الفريق، فوجدته يسألها: - مستعدة لجلسة النهاردة!؟ خلي بالك لازم يكون عندك إرادة وشجاعة إنك تحكي تجربتك على الملأ وكأن شيئًا لم يكن
- أيوة فاهمة، ومعنديش مانع في ده
- صباح الخير.

التفتت رأسها لا تلقائياً لترى صاحب الصوت الواقف أمامها، فإذ بها ترى محمود، زميل عملها الجديد والذي اعتادت تواجده بالفترة الأخيرة أكثر من أي شئ، حملقت بعيناها مندهشة وهي تسأله: - بتعمل إيه هنا يامحمود؟
فأجاب الطبيب النفسي نيابة عنه: - محمود كمان بيتعالج عندي بقاله 8 شهور، وحالته شوية قريبة منك.

تذكرت مروة المرة التي تصادفا بها على الدرج، ولكن لم يخطر على بالها إنه يزور نفس الطبيب الذي تتردد عليه للعلاج النفسي، حينما تابع الطبيب كانت عيونهما عالقة ببعضها البعض: - أول مرة شافك فيها في العمارة عندي سألني عنك، ومن ساعتها وهو مصمم مقولكيش حاجه عنه لحد ما تشوفيه بنفسك.

ثم أشار له بالجلوس: - أقعد يامحمود
فسألته بفضول: - يعني..! انت كمان كنت بتتعالج؟
- حاجه زي كدا
وقف الطبيب عن جلسته و: - فاضل نص ساعة وبقيت الشباب ييجوا، هسيبكوا مع بعض لحد ما نتجمع كلنا وبعدها نقعد.

وتركهم منفردين، عساه يجمع بين قلبين كلاهما عانى ويلات الحب والفراق والألم، تعمد جمعهم بعد إلحاح شديد من محمود الذي استشعر فيها شيئًا يفتقده في أي أنثى قابلها، لم يهتم بأي ماضي عايشته، فهو ليس ضمنه كي يهتم، ولكن شغفه بها دفعه لطلب المزيد: - نفسي تكلمي عنك، من غير رسميات ولا علاقة شغل، إعتبرينا دلوقتي صحاب، ماشي؟
فهزت رأسها بالإيجاب، لتنير الإبتسامة وجهه: - جميل، نشرب حاجه الأول بقى.

كان الطبيب يتابع تناغمهم سويًا بتشوق، اعتراه شعور النجاح والظفر، ف ابتسم وعاد ينظر للكتاب الذي يقرأه كي لا يلفت أنظارهم لعيونه المراقبة.

كان الظلام الدامس يعم المكان وقد انقطعت عنه الكهرباء لمدة من الوقت، فتح الباب بصعوبة شديدة في هذه الأجواء السوداء وهو يردد: - يعني دا وقت النور يقطع فيه؟
فتح كشاف هاتفه، ودخل للمطبخ الصغير، حاول العثور على أي وسيلة إنارة، ولكنه لم يجد، حتى لا وجود الشموع هنا في هذا المنزل..

تأفف عادل بإنزعاج، وخرج قاصدًا أحد الغرف الجانبية، فتح الباب ليجده جالسًا على المقعد معتمدًا على الإضاءة الخافتة الآتية من النافذة المفتوحة، ف دنى منه وهو يسأل: - مساء الخير، هو النور قاطع بقاله كتير؟!
حانت رأسه بنصف التفاته وهو يجيبه: - يعني، تعالى ياعادل
اقترب منه، وانحنى ليوازيه وهو يقول: - طمني عنك يابابا، انت كويس هنا ولا محتاج حاجه؟
فربت فاروق على كتفه و: - الحمد لله يابني، أنا بخير.

ثم تنهد وهو يتحسس موضع قلبه قائلًا: - الموت دا طلع بيخوف صحيح ياعادل، أنا خوفت أوي يابني
- معلش، الحمد لله إنك بخير ولسه معانا
وانحنى يُقبل ظهر كفه المجعد و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة