قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع

يجلس الى الأريكة الجلدية السوداء يستند بظهره الى مسندها بينما يُمسك في يده بملف كان مساعده الأيمن قد أتاه به في وقت سابق من هذا اليوم، بناءا على طلب منه هو، ليكسو وجهه نظرة تفكير عميقة فيما اسم يطالعه تتراقص حروفه أمامه، بينما يعمل عقله سريعا محاولا الربط بين هذا الاسم وصاحب هذا الملف والتي تدور أوراقه حوله!..

دقات بسيطة أيقظته من شروده ليجيب بصوته الرخيم داعيا الطارق الى الدخول، والذي ما أن أبصره حتى انفرجت أسارير وجهه، وأشرق بابتسامة واسعة، وهو يشير الى الوالج اليه قائلا:
- تصدقي أني محتاج لفنجان القهوة دا فعلا، بئالي زمان ما شربناش القهوة كدا على رواقة، ادهم الصغير واخدك من أدهم الكبير خالص!

مالت ريتاج لتضع الصينية الخزفية التي تحمل قدحي القهوة التركي فوق الطاولة الزجاجية الدائرية أمامه، قبل أن تعتدل فتمد يدها لتمسك بيده الممدودة لها ليسحبها للجلوس بجواره ليطوّقها بذراعه بحب بينما أجابته برقة وابتسامة ناعمة تحتل ثغرها الوردي فيما لمعت عيناها كالمعتاد دائما عندما تقع نظراتهما على معشوقهما. أدهم:
- حرام عليك، دا دومي دا كيوت وطيوب خالص!

قلب أدهم بشفتيه في اعتراض وقال: - آه، خلاص، سحب مني كل حاجة حتى الدلع، يعني عمرك ما قلتيلي دومي خالص!
تاج بضحكة صافية: - عشان أنت كبير أقولك دومي أزاي بس؟ وبعدين تنكر أني مش بقولك غير حبيبي؟ وحشة الكلمة؟!

أدهم ببساطة: - مين قال وحشة؟ لكن أنت بردو مش بتعدلي بيننا، دا غير غيرته الشديدة مني، مش عاوزني أقرب منك خالص، ولو شافني جنبك لأي سبب، يبتدي بقه في الزعيق (الصراخ) واللسان الطويل!
ريتاج بلوم رقيق: - حرام عليك يا حبيبي. دا مجرد طفل ومتعلق بيّا زيادة زي أي طفل في سنه بيتعلق بمامته!

أدهم وهو يميل عليها متسائلا: - انما صحيح هو فين؟ مالوش حس خالص؟
تاج بطبيعية: - أبدا شمس كانت هنا شبط في نادرين بنتها وراح معها.
أدهم بغموض: - يعني هو مش موجود؟
أومأت ريتاج بنعم ليهمس أدهم بمكر: - يبقى لازم نستغل الظروف!
لم تكد تفتح ريتاج فمها لتسأل حتى غيبها أدهم في عناق قوي، حنون شغوف، ضاعت فيه ومعه، حتى أطلق سراحها بعد برهة وهو يقول هامسا بحب:
- وحشتيني بجد...
ريتاج بنعومة: - وأنت كمان.

لتبتعد عنه معتدلة في جلستها، قبل أن تشير الى صينية القهوة قائلة: - القهوة هتبرد.
همس أدهم بحب: - تسلم ايديك.
قالت ريتاج بدفء: - لاقيتك قافل على نفسك بئالك أكتر من تلات ساعات قلت تاخد بريك شوية، ونشرب القهوة سوا، وبالمرة أشوف ايه اللي واخدك مننا أوي كدا؟..

شدّ أدهم على كتفيها وأجابها بابتسامة مماثلة: - أنا ما فيش حد يقدر ياخدني منك أبدا يا تاجي.
ريتاج باهتمام: - بس أنا حاسة أنك مش طبيعي اليومين دول؟
أدهم وهو يرفع ذراعه من عليها ويميل ليتناول قدح قهوته متعمدا كي لا ينظر اليها فمتمردته الحسناء تستطيع سبر أغواره بمجرد النظر إليه:.

- انت عارفة يا تاج، هيكون فيه أكتر من موضوع مهدي ولبنى؟ لغاية دلوقتي لبنى متعرفش، ونزار لسّه قافل معايا من شوية وبيقول أنه مهدي مأكد عليه ما يقولش ل رندا...

قطبت ريتاج وأجابت: - طيب لبنى متعرفش أقدر أعذر مهدي فيها، أكيد خايف من رد فعلها، لكن ليه مش عاوز رندا تعرف؟

أدهم وهو يلتفت بوجهه لينظر اليها: - ما أنت عارفة أنه رندا كان ليها تحفظات على جواز مهدي و...

قاطعته ريتاج بجدية: - في الأول بس، وكان حقّها كأم انها تخاف أنه ابنها يتجوز واحدة مطلقة وعندها ابن يعني لسّه فيه صلة بطليقها. ومن وجهة نظرها دا شيء ممكن يسبب مشاكل بينهم في المستقبل، دا غير أنها زي أي أُم عاوزة ابنها يكون أول راجل في حياة مراته، لكن لما قعدت مع لبنى واتقربت منها رفضها دا ابتدا يتراجع، وشوية فشوية رحبّت بجوازهم، وما أعتقدش أبدا أنه رندا بالسطحية دي أنها تفرح في مهدي عشان مش سمع كلامها وصمم على لبنى!..

أعاد أدهم قدحه بعد أن احتسى بضعة رشفات منه فوق الطاولة قبل أن يعتدل ويلتفت بكليّته إليها قائلا بابتسامة صغيرة:
- محدش (لا أحد) قال طبعا أنه رندا هتفرح في اللي حصل، ما فيش أم بتشمت في ابنها أو بنتها، كل الموضوع أنه مهدي خايف تغلط بكلمة كدا أو كدا قودام لبنى، قلقان أنها تقولها حاجة تزعّلها ولو غصب عنها حتى!

ريتاج باستفهام حائر: - اللي أنا عاوزة أفهمه، مهدي ليه لغاة دلوقتي ما صارحش لبنى؟ لازم مراته تعرف، دا ابنها هي اللي طليقها بيهدد أنه ياخده، لازم يقولها، مينفعش يفضل مخبِّي عليها كل الوقت دا.

تنهد أدهم مطوّلا قبل أن يقول: - مهدي رافض تماما أنها تعرف إلا لما نلاقي حل الأول. مرعوب من أنها تفكر أنها تحاول تتكلم مع اللي اسمه شريف دا عشان تحل مسألة أحمد.

ريتاج وهي تحرك كتفيها وبغير فهم: - طب ما هي لازم تتكلم مع طليقها، في الأول ولآخر احمد يبقى ابنهم هما الاتنين. ولو فيه حد المفروض يتدخل عشان الوضع دا يتحل يبقى لبنى هي ال حد دا!

أدهم بجدية: - مهدي مش ممكن يوافق بكدا، وعنده حق بصراحة، شريف دا انسان عديم الأخلاق، متعرفيش هو ممكن يعمل إيه او يقول ايه لو لبنى دخلت في الموضوع.

ريتاج بتركيز: - نفس اللي هيعمله حتى إذا لبنى معرفتش (لم تعلم)!
قطب أدهم قائلا: - انتي تقصدي...

وسكت لتكمل ريتاج عبارته: - أيوة، ممكن جدا بل احتمال اكتر من 90% أنه يحاول يوصلها عشان يعرّفها أنه عاوز أحمد، ومش بس كدا لا، دا كلّم مهدي فعلا في الموضوع دا من فترة، يعني لبنى مش بس هيبقى حكاية الحضانة اللي البيه عاوزه لا. وكمان أنه مهدي خبّى عليها أنه طليقها اتكلم معه فعلا بخصوص كدا، بيتهيألي مهدي وقتها موقفه هيكون صعب قودامها. خصوصا أنها هتكون مش في حالة طبيعية يخليها تهدى وتفكر، دي أم وبتتهدد أنه ابنها يروح منها...

أدهم باهتمام: - وافرضي بعد ما تعرف صممت أنها تقابله وتتكلم معه؟
ريتاج ببساطة: - طيب ما هو طبيعي أنها تشوفه وتتكلم معه. مش ابنها دا؟

ادهم باستنكار: - انتي بتقولي إيه يا تاج؟ يشوفها ازاي؟ دا بني آدم معندوش ضمير، الحاجات اللي انا عرفتها عنه بتقول انه واحد ميعرفش يعني إيه أخلاق ولا مبادئ، لما لاقى نفسه مش هنيفع يكون أب لابن من مراته بنت الحسب والنسب دوّر في دفاتره القديمة، افتكر أنه له ابن حتى لو كان اتنكّر له زمان بمنتهى الندالة، لكنه محتاج ولد يشيل اسمه دلوقتي، خصوصا وانه ميقدرش يتجوز على مراته حماه يودّيه (يذهب به) ورا الشمس...

رفع أدهم حاجبه مكملا بسخرية: - ولو أنه حماه ممنعوش (لم يمنعه) أنه يتجوز في السرّ على ربّة الصون والعفاف!

ريتاج بدهشة: - متجوز!، طيب وطالما أنه متجوز عاوز يحرم لبنى من ابنها ليه؟ ما هو ممكن جدا ييجي له أولاد من جوازه التاني.

أدهم ساخرا: - جرى ايه يا تاجي، فين ذكائك؟ شريف المسيري مش ممكن يخلّف من واحدة تانية غير شهرت الرازي، لأنه ببساطة حكاية أحمد ولبنى هتتكرر تاني ومش هيعترف بالطفل دا، لأنه ميقدرش على غضب فضل الرازي حوت السياسة المعروف، بس الشيء المذهل بقه لما تعرفي هو اتجوز مين؟، المعلومات اللي عرفتها قبل كدا كان ناقصها اسم الزوجة التانية، وانهرده بس عرفته.

ريتاج بتقطيبة استفهام: - مين؟!
أدهم بعينين تلمعان بقوة وابتسامة قسوة ترتسم على فمه القوي: - سماح، سماح صفوان!..

هتفت نجوان تخاطب صديقتها العنيدة في الهاتف قائلة: - يا ريما بلاش تنشفي دماغك (العناد الشديد). فيها ايه لما السواق هو اللي يوصّلك الشغل ويرجّعك، افرضي اللي اسمه ممدوح دا طلع لك تاني؟

أجابت ريما بقوة وهي تشد على هاتفها فيما شعرت بالراحة لخلو المكتب إلا منها: - وأنا مش هفضل خايفة ومرعوبة يا نجوان وأتلفّت حواليا، لو المفروض أنه حد يخاف يبقى هو، لأنه هربان من المستشفى والدنيا مقلوبة عليه، ويبقى يفكّر بس أنه يتعرّض لي وهو يشوف أنا هعمل فيه إيه؟ أنا لما سكت المرة اللي فاتت كان من الخضة أنه واحد ميّت فجأة ألاقيه قودامي، لدرجة أني افتكرته شبح، لكن بعد ما عرفت أنه موجود وأنه دي ما كانتش تهيؤات خلاص، مش هيقدر يهز في شعرة، كفاية أوي الخوف اللي كبّلني بيه شهور وأنا خايفة أني أتفاجئ بيه قودامي في أي وقت لغاية ما فهموني أنه مات عشان أقدر أعيش حياتي من تاني، أنا. مش جبانة. ولا ضعيفة...

نجوان بتعاطف: - يا حبيبتي ومين قال بس أنك جبانة أو ضعيفة، كل الحكاية أني خايفة عليكي يا ريما.

قاطعتها ريما بنية تغيير الموضوع لتفتعل مرحا زائف في صوتها شعرت به توأمة روحها: - بقولك إيه سيبك مني أنا وقولي لي، عملتي إيه مع بابا؟

زفرة طويلة كانت أبلغ جواب على سؤال ريما لتجيب بعدها نجوان بيأس: - مش راضي يقتنع بأي كلام خالص يا ريما، أقوله يا بابا حمزة دا أخويا الكبير، يقول لي لا. حمزة ابن عمك مش أخوك! أقوله يا بابا إذا كان صاحب الشأن نفسه ما كانش يعرف وعمي هو اللي فاتح حضرتك يضحك ويقول لي بقه دا اللي مضايقك أنه مش هو بنفسه اللي طلبك مني!، أبقى عاوزة أشد شعري وأنا بقوله لا. معنى كدا انه كمان مش موافق!

ريما باهتمام: - ها. ورد عليكي قال إيه؟
نجوان بضيق: - قال لي ومين قال لك؟ حمزة موافق وكتب كتابكم مع عمرو وسلمى بعد أسبوع!
هتفت ريما بذهول: - إيه؟! انتي بتقولي إيه يا نجوان؟..

نجوان بتعب: - بقول أنه خلاص، بابا قفلها بالضبّة والمفتاح، وعذره أننا بنات وأنه مش هيلاقي أحسن من ولاد أخوه عشان يستأمنهم على بناته، وأنه ما صدق عمي يفاتحه في موضوعي أنا وحمزة كمان لأنه ما كانش عارف هيجوّز الصغيرة ازاي قبل الكبيرة!

ريما باستهجان: - ايه دا يا نونة؟ اسمحي لي يعني. عمي ازاي يفكر كدا؟ مافيش حد دلوقتي بيفكر بالشكل دا. انه الكبيرة لازم تتجوز الاول. دا كان زمان، انهرده خلاص الزمن اتغير.

نجوان بسخرية مرّة: - لا، أنا بابا لسّه عايش في زمان، أنا أنا حاسة كأنه بابا بيعاقبنا أننا طلعنا بنات!

هتفت ريما باعتراض: - أستغفر الله العظيم. استغفري ربك يا نونة، مش ممكن عمي عبد الحميد مش ممكن يفكّر كدا، كل الموضوع أنه حاسس بالخوف عليكم زيادة خصوصا أنه.

قاطعتها نجوان بحرقة: - خصوصا أننا بنات بس معندناش أخ، حفظتها من كُتر ما قالها لي الفترة اللي فاتت دي وهو بيكلمني عن حمزة...

ريما بحنان فطري: - يا حبيبتي باباك خايف عليكي أنتي وسلمى، و زيْ أي أب عاوز يطمن عليكم، ومش هيلاقي أحسن من ولاد أخوه يستاهلكم...

نجوان بقهر: - يقوم يوافق ويقرا الفاتحة من غير حتى ما يقول أشور بنتي؟ على الأقل أقدر أرفع راسي قودام حمزة، مش أحس أنه ما صدق ورماني!

ريما بعتاب: - رماكي يا نجوان؟
نجوان بحنق ودموعها تهدد بالسقوط: - أيوة طبعا، طيب عمرو وهو اللي عاوز سلمى وكلن عارفين من زمان أنه فيه تفاهم بينهم، لكن حمزة! عمر ما كان فيه أي تلميح لأي حاجة لا من ناحيته ولا من ناحيتي، والمفروض لما عمي شوكت كلّم بابا كان قاله أنه عاوز ياخد رأيي الأول، لكن بابا مش بس وافق لا، وقرا الفاتحة كمان!

ريما بشفقة: - معلهش، هرجع وأقول لك أنه حمزة مش طفل صغير وأنه لو رافض فعلا هيتمسك برفضه دا، لكن من اللي انتي بتقوليه أنه حمزة موافق.

نجوان بصوت مخنوق: - ما أنا قلت لك يا ريما، مش اتخانق مع عمي عشان الموضوع دا، لكن عمي شوكت شخصيته أقوى من بابا، بابا مهما كان حنون علينا جدا، لكن عمي كلمته عي اللي تمشي، ومن غير نقاش، عشان كدا حمزة راح ولا جِه مش هيقدر يعمل حاجة وكلمة عمي اللي هتمشي، دا غير أني مكسوفة منه!
ريما باستهجان: - نعم! مكسوفة منه ليه ان شاء الله؟

نجوان بيأس: - يا ريما أنا كنت قريبة من حمزة جدا، كل حاجة بنحكيها لبعض، وموضوع مايا زميلته من أيام الجامعة أنا الوحيدة اللي أعرفه، دا عرفني عليها كمان.

ريما بتساؤل: - صحيح يا نجوان، طالما ابن عمك بيحب زميلته دي وهما لسّه زملا، ما اتجوزهاش ليه؟ ابن عمك متخرّج من تلات سنين تقريبا من كلية الآداب، وبيشتغل في مدرسة لغات بمرتب كويّس بما أنه مدرّس انجليزي شاطر، وبما أنها زميلته يعني هي كمان متخرجة، يبقى ايه اللي منعه انه يتقدم لها؟ خصوصا وأنه عمك ما شاء الله مرتاح ماديا.

نجوان بتنهيدة عميقة: - معرفش يا ريما، أنا مش بكلمه في الموضوع دا، خصوصا أنه من بعد ما اتخرج واشتغل وأنا قليل لما بشوفه، وحتى لما بنتقابل مش بنعرف نتكلم زي زمان.

ريما بجدية: - يبقى تقعدي معه وتتكلموا في كل حاجة بصراحة، انتي دلوقتي مش بنت عمه وهتتكسفي تكلميه في حاجة خاصة بيه، لا!، أنتي دلوقتي خطيبته بما أنه اتقرت فاتحتكم. يبقى ما فيش حاجة اسمها حاجات خصوصية بالذات لو الحاجات دي ليها علاقة مباشرة بيك بعد ما اتحدد كتب الكتاب!

أنهت نجوان محادثتها الهاتفية مع صديقتها وهي تفكّر بأن مع ريما كامل الحق، فهي لا بد لها من جلسة مصارحة مع حمزة لتعلم موضع قدميها!

صوت سلمى شقيقتها أيقظها من شرودها وهي تخبرها بأن تتجهز فعمرو وحمزة على وشك الوصول فقد دعاهما أبيها لتناول طعام الغذاء!

طوال فترة الطعام كان حمزة يتعامل بطبيعية وحدها نجوان من لمست بعض الجمود الذي يشوب تصرفاته، وفيما كان عمرو وسلمى أبلغ مثال عن سعادة اثنين مقبلين على الزواج، كانت هي وحمزة وكأن على رؤوسهم الطير إذا ما تلاقت الأعين، فبينما تعمد عمرو تبادل المزاح مع سلمى ليصدح صوت ضحكات والديْها، كان حمزة يتعمد التحدث ببساطة مع نجوان وكأنها فدوى. شقيقته الصغيرة!

دلفت تحمل صينية الشاي حيث يجلس حمزة في الشرفة المطلة على ذلك الشارع الحيوي في ذلك الحي المكتظ بالسكان والذي كان قديما يعد من أرقى أحياء القاهرة، بينما الآن ومع انتشار ورش النجارة وميكانيكا السيارات، وكثرة الباعة الجائلين، تحوّلت منطقة الحلمية إلى منطقة شعبية ومن الطراز الأول!

وضعت الصينية فوق المائدة الصغيرة البلاستيكية التي تنتصف الشرفة، فيما حولها يقبع كرسيين خشبيين، ليشغل حمزة أحدهما فيما استقرت نجوان فوق الآخر بعد أن ناولته كوب الشاي الخاص به، وكان قد جلس عمرو وسلمى في غرفة الجلوس بينما فضّل حمزة الخروج الى الشرفة لتلحق به نجوان فيما استقر والديهما في الصالة التي تكشف وبوضوح الغرفة حيث ابنتيهما وخطيبيهما.

قالت له وهي تشير الى صحن الكعك البيتي: - انا عارفة انك بتحب الكيك مع الشاي، وخصوصا كيكة البرتقال.
حمزة بابتسامة وهو يتناول قطعة يضعها في صحن صغير: - تصدقي من مدة مش أكلت كيكة البرتقال، مرات عمك مش بتعملها كتير عشان بابا ما أنتي عارفة أنه عنده السكر وممنوع من الحلويات.

نجوان بصدق: - ربنا يشفيه يا رب، وطنط رباب عاملة إيه؟ فدوى مش جات معكم ليه؟
أعاد الصحن فوق الطاولة قبل أن يرفع عينيه إليها مجيبا في هدوء: - ماما بخير الحمد لله، فدوى يا ستي عندها امتحانات ال ميد تيرم في الكلية دلوقتي، فمعرفتش، انتي عارفاها عاوزة تجيب تقدير السنة دي كمان عشان تبقى معيدة في الجامعة...

نجوان بهدوء وهي تميل لرفع كوب الشاي الى فمها: - ربنا يوفقها، فدوى من زمان وهي نفسها تبقى معيدة في الجامعة، ومع ان التخصص اللي هي اختارته صعب لكن ما شاء الله بتجيب كل سنة تقدير عالي، رياضة وإحصاء مهما كان فرع تقيل في كلية العلوم مش سهل.

حمزة وهو ينظر اليها: - فدوى عارفة هي عاوزة إيه، واللي بيحدد هدفه أكيد هيقدر يحققه في يوم بإذن الله، المهم، أنه يكون عارف هو عاوز إيه...

لا تعلم نجوان لما شعرت وكأن هناك معنى آخر مستتر وراء كلماته، ولكن على أية حال فهو قد سهّل لها الدخول الى صلب الموضوع، لترفع عينيها تطالعه بعسليتيها وهي تسأل في هدوء يخالف دقات قلبها المتواثبة ترقبا للاجابة:
- كلامك دا هيشجعني أني أتكلم معاك في موضوع أنت أكيد عارفه كويس.
حمزة ببساطة: - جوازنا، مش كدا؟!

لون أحمر زحف الى بشرتها الذهبية ليخضب وجنتيها بدماء الخجل بينما لمعة سريعة مرقت عبر فحم عينيه قبل أن تنتبه لها، ليسمعها وهي تقول بصوت متحشرج وقد تعمدت الهروب بنظراتها منه:
- وهو فيه موضوع غيره؟..
رفع ذراعه يرتكز بمرفقه فوق سور الشرفة الحديدي وقال بهدوء: - سامعك يا نجوان، اتفضلي...
بللت شفتيها بطرف لسانها الوردي قبل أن تقول: - أنت ليه ما صممتش على رفضك؟
قطب حمزة وأجاب: - مين اللي قال لك أني رفضت؟

رفعت عينيها تطالعه فأردف مغمغما بلفظ نابية: - غبية!
فتحت نجوان عينيها واسعا ليرفع حمزة راحته في استسلام قائلا: - مش قصدي عليكِ والله. انا بتكلم على الغبية التانية اللي راحت تحكي لك اللي حصل بكل هبل وهي مش فاهمه أنها بكدا أكيد اتضايقتي لأنه مهما كان رفضي دا في نظرك منطقي لكن أنت الطرف التاني في الموضوع دا.

ابتسمت نجوان بسخرية طفيفة وقالت: - بصرف النظر عن مراعاتك لمشاعري، ودا طبعا شيء أشكرك عليه، لكن أنا عندي استفسار صغير، مممكن؟

أشار حمزة اليها بالمتابعة فواصلت بجدية: - يا ترى مايا عرفت باللي حصل؟..
غموض تام سكن نظراته لثوان أجاب بعدها بهدوء: - مايا خارج علاقتنا ببعض!
استنكرت نجوان وهتفت: - يعني ايه مايا خارج علاتنا ببعض دي أن شاء الله؟ مش دي البنت اللي أنت بتحبها وكنت مخطط أنك تتجوزها؟ أقدر أعرف ايه اللي حصل في موضوعكم وليه ما اتقدمتش ليها لغاية دلوقتي؟ على الاقل ما كانش كل دا حصل!

صمت دام لثوان تحدث حمزة بعدها ببرود: - غريبة، أنتي تعرفي عن مايا من خمس سنين تقريبا، من وأنا في تالتة كلية، وقتها انتي كنتي في تانية ثانوي، جاية تفتكري دلوقتي تسأليني عنها؟

نجوان بحدة: - لأنه وقتها كان الموضوع خاص بيك أنت، وأنا مش حبيت أحرجك، عشان عارفة أنك زي ما حكيتي لي من نفسك عنها أنت كمان هتقولي آخر التطورات بينكم، ولما ما جبتش سيرة أنا احترمت دا، لكن دلوقتي غصب عني بئيت معكم في برواز واحد، وأنا ما أحبش أكون السبب في هدم حلمكم ببعض، عشان كدا أنا بسألك، لو فعلا مايا مستنياك أنا بقول لك أهو. فاتح عمي في موضوعك معها، وأنا من ناحيتي لما بابا هيعرف هيرجع في كلامه لأنه مهما كان بابا عاوز يطمن علينا مش ممكن هيوافق أنه سعادة بنته تبقى على تعاسة غيرها، فأرجوك يا حمزة. أنت تقدر تحلّها، قول لباباك أنك عاوز مايا ومش موافق على موضوع جوازنا دا عشان كدا!

اكتفى حمزة بالنظر اليها لثوان في سكون تم، بينما شعرت بجفاف حلقها فرفعت كوب الشاي لتحتسي منه بضع رشفات كي تبل ريقها عندما سمعته وهو يقول بهدوء شديد:
- ومين قال أني عاوز مايا؟!
غصّت نجوان بالشراب لتبعد الكوب سريعا عن فمها وهي تسعل بشدة فقطب حمزة ونهض ليقف بجانبها ويميل عليها يضرب بخفة على ظهرها وهو يتساءل بقلق فيما وجهها قد غدا شديد الاحمرار لنوبة السعال القوية التي داهمتها:.

- نجوان. أنتِ كويسة؟ أجيب لك كوباية ماية طيب؟
وسريعا قبل أن تجيب كانت يده تمتد لتناول كوب الماء من أمامه ليرفعه الى شفتيها لتمد يديها بغرض تناولها منه محيطة الكوب بيديها وبدلا من أن يزيح يده ظلّ ممسكا بالكوب ليسقيها منه وبعد أن احتست رشفة كبيرة، أنزل حمزة الكوب يسألها باهتمام:
- أحسن؟!

هزت برأسها إيجابا لتفاجأ بأن يديها كانتا تحيط بيده وليس بالكوب ذاته!، لتشهق بنعومة مزيحة يديها سريعا وقد انقلب لون وجهها الى أحمر بسبب الخجل وليس السعال!

راعى حمزة خجلها ليعود الى مكانه ثانية، وبعد أن هدأت نوبة السعال التي ألمّت بها. قالت بصوت خافت متسائل:
- مش. مش فاهمه!
حمزة بهدوء بينما تعبيرات وجهه منغلقة: - للأسف، موضوعي أنا ومايا ما كملش...
نجوان بصدق واهتمام ظهر في عينيها وغلف نبرة صوتها الناعمة: - غريبة؟ وليه ما قولتليش؟ وإيه السبب؟

حمزة بنصف ابتسامة ساخرة: - ما قولتش لأنك ما سألتيش، أما عن السبب فهي مجموعة أسباب مش سبب واحد، لكن تقدري تقولي. النصيب!

قطبت نجوان وأجابت بغير فهم: - بس مش غريبة أنك واخد الموضوع بهدوء زيادة عن اللزوم؟
حمزة ببرود وهو يسلط نظراته عليها: - عاوزاني أعمل إيه يعني؟ ثم. الكلام دا من زمان، فأكيد احساسي دلوقتي غير وقتها خالص، عامة، أنا شايف أننا ما نزعلش بابا وعمِّي.

نجوان بتقطيبة متشككة: - يعني إيه؟
مال حمزة مستندا بمرفقيه الى ركبتيه: - يعني أنا شايف أننا نكتب الكتاب في المعاد اللي حددوه، مع عمرو وسلمى!
شهقت نجوان بنعومة وهمست قائلة: - إيه؟ أزاي؟ عاوز تقول أنك موافقة اننا نتمم الجواز؟ مش معقولة مشاعرك تكون اتغيرت 180 درجة بالشكل دا، يعني حتى لو حكايتك مع مايا مش كملت، فما تقنعنيش أنك أمبارح كنت عاوز تتجوز مايا أنهرده عاوز تتجوزني أنا؟!

ما أن نطقت بكلمة زواج وأقرنتها بهما حتى شهرت بانتفاضة غريبة في صدرها، أوعزتها الى حرجها منه، بينما سكت هو تماما ليتحدث بعدها بهدوء ظاهري:
- ممكن أعرف أنتي ليه معترضة بالشكل دا على جوازنا؟
هتفت نجوان بغير تصديق: - انت إلى بتقول كدا يا حمزة؟ عموما هجاوبك. سبب اعتراضي هو نفسه سبب رفضك اللي عشانه اتخانقت (تشاجرت) مع عمي، وأنه مينفعش أننا نتجوز، عشان ما فيش واحدة بتتجوز أخوها يا حمزة.

حمزة بجمود: - بصرف النظر عن أننا، مش أخوات – وضغط على مخارج أحرف كلمته قبل أن يتابع – وأنه حسابي مع فدوى اللي نقلت الصورة غلط، لكن ما علينا، أنا عندي اقتراح اعتقد انك هتوافقي عليه؟

نظرت باستفهام صامت ليردف: - احنا هنكتب الكتاب فعلا – شهقت فأكمل بعينين تلمعان بغموض – لكن مش هنتمم الجواز!..

ليرفع طرف فمه في نصف ابتسامة ساخرة بينما عمل عقلها كالمكوك، فهي لأول مرة تكتشف أن هناك جوانب خفيّة في ابن عمها لا تعلم عنها شيئا!

أغلقت الهاتف بعد أن أنهت محادثتها مع نجوان، لتشرد لدقيقة رفعت رأسها بعدها وقد لاحت أمارات العزم على وجهها لتضغط بضعة أرقام على هاتفها وتتحدث لدقائق قبل أن تسارع بلم حاجياتها والنهوض من خلف مكتبها متجهة الى الخارج لتصادفها زميلتها فتبدي دهشتها لانصراف ريما المبكر فتجيبه الأخيرة أن أمرا ما طرأ وعليها الذهاب حالا!

بعد نصف ساعة كان عصام يجلس متجهما فقد أبلغته سكرتيرته الخاصة أن ريما قد غادرت الشركة منذ ما يزيد عن النصف ساعة، دون إبداء أي أسباب!

نفخ بضيق ليتراجع على عجلات مقعده الجلدي الفخم قبل أن ينهض ويتجول في غرف مكتبه ذهابا وإيابا وسؤال ملح يطن في رأسه كالنحلة. ماذا حدث منذ أسبوع؟ بل وعلى وجه الدقة منذ دعوة الطعم تلك؟ فمن يومها وريما قد أغلقت على نفسها، وبعد هدنتهما الغير معلنة والتي ظنّ أنها ستمنحه الفرصة للتقرب منها يفاجأ بنفسه وهو يبتعد أميالا وأميالا عنها!

شتيمة خافتة انطلقت منه رغما عنها بينما يمرر أصابعه السمراء القوية بين خصلات شعره الفحمي نافخا بضيق جمّ، ثم توقف عن الحركة، واضعا يده اليسرى في منتصف خاصرته وجاذبا باليمنى خصلاته بقوة إلى الأسفل متمتما بغيظ:
- يعني إيه؟ هتفضل زي الزيبق كدا!، كل ما أمسكها تهرب مني!

وشرد للحظات لترتسم ابتسامة حانية على وجهه الساخر دوما، وهو يعود بذاكرته الى الوراء لسنتين ونصف السنة تقريبا، وتحديدا ليلة سفره الى ايطاليا. حيث هاتفته وبينما أجابها بسخريته منها المعهودة بلقبها الذي دأب على مناداتها به آخر العنقود، فاجأته ساعتها باعتراف كان وقعه عليه كوقع الصاعقة، فابنة عمته الصغرى، تحبّه بل وترجوه ألا يسافر ويتركها!

لم يعلم حينها كيف هو التصرف الأمثل، بل أنه قد فقد النطق للحظات، وما أن سمع همسها الخجل وهي تناديه بنعومة دغدغت أوتار قلبه حتى تحدث بكل برود صقيعي يخبرها في بضع كلمات جوفاء أنه سيتظاهر أنها لم تقل شيئا، فهي لا تزال في أولى سنواتها الجامعية، كما أنها لم تتخط بعد أعتاب المراهقة، وغير هذا وذاك فهي في نظره ريما آخر العنقود. أخته الثانية!

كاذب. كانت همسة من داخله، فأبدا احساسه بها ليس كشعور الأخ بأخته، سروره لمرآها، ميله الشديد لإغاظتها حتى يرى حجري الزمرد خاصتها وهما تصفعانه بشرارات غاضبة، زمّة شفتيها الحانقة، والتي تجعله يرغب بمداعبة ثغرها الصغير تماما كما يداعب شهد صغيرة شقيقته حينما تغضب كي تحل عقدة فمها!، كل هذه الأشياء لا تعني سوى شيئا واحدا فقط، وهو أن شعوره تجاه ريما لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون شعورا أخويًّا!..

صوت نهنهتها جعله ينتبه الى أنها لا تزال معه على الهاتف، ليحاول التحدث اليها بلهجة الناصح، فهو يكبرها بستة أعوام كما أنه لا يفكّر في موضوع الارتباط حاليا، كما أنه على يقين أن شعورها ناحيته ما هو إلا افتتان مراهقة ليس أكثر، لتصرخ ساعتها بغضب تخبره أنه لا حق له أن يحكم على مشاعرها، فهي وحدها منْ تعلم ماهيّتها، مكررة بعناد وصلف أنها تحبه، وأن شعورها هذا ليس وليد اللحظة، بل وكأن أمها قد أرضعتها حبه منذ لحظة أن تفتحت عينيها على الدنيا، لينفجر غضبه بصورة قاسية، ينهرها. يعنفها، يحذرها من تكرار هذه التفاهات ثانية، ليصمت هو و، تسكت هي!..

سكووون تام دام لثوان وما أن شرع بالكلام حتى بادرته هي بصوت ميت لا حياة فيه تخبره أنها ستنسى، بل ستنساه هو نفسه، فهو منذ اللحظة ليس بالنسبة لها سوى اسم في شجرة العائلة، صادف أن يكون أبوه هو شقيق والدتها، وتحمد الله أنهما لا يشتركان في نفس اللقب العائلي، ففي حين هو عصام محمود شمس الدين، تحمل هي كنية العايدي، ريما نزار العايدي، وأنهت حديثها بوعدها له أنها ستدقق في من يختاره قلبها المرة المقبلة، فكما قال هو. هي لا تزال صغيرة ومن المؤكد أن الفرص الأكثر من مناسبة لا تزال كثيرة أمامها، لتغلق الهاتف بكل هدوء دون أن تسمع منه تعليقا على كلامها!..

كاد يومها أن يهشّم الهاتف في أقرب جدار أمامه، ولكنه تمالك نفسه جيدا، وسافر كما هو مخطط، وان كان قد افتقد وجودها فالعائلة جميعها قد ذهبت اليه تودعه قبيل سفره إلا هي حيث اعتذرت عمتها عن عدم حضورها لانشغالها بالمذاكرة...

وتمر الأيام عليه في غربته، وطيفها يسكن مخيلته، ليفاجأ بنفسه وهو يقوم برسمها في أكثر من مرة وعلى أوضاع عدة، كان كلما حادث إسلام أو أحد من والديه يتعمد التطرق للسؤال عن عمته وأحوال ابنتيها، حتى يسمع ولو خبرا عرضا عنها، ولكن الاجابات كانت مختصرة وعادية وعبارة واحدة لا تتغير. جميعهم بخير...

وتغيرت الأحوال، وقام بتمديد مدة اقامته في ايطاليا، وانتهت السنة وأقبلت أخرى، وركضت الأيام بأحداثها الغريبة، والتي سحبته لخضمها، فانزوت ذكرى ريما في الركن القصي من عقله الباطن، لتعود وتطفو وبقوة في مكالمة عادية لإسلام يسأل فيها عن أحواله قائلا له بمرح أنه سيصبح عازب العائلة الوحيد، فآخر العنقود قد، خطبت!

لا يعلم كيف سارت المحادثة الهاتفية مع أخيه يومها، ولكن ما يتذكره جيدا أن إعصار غضبه حلّ بالمكان، ليشيع الفوضى في المكان حوله، من تكسير لكل ما يقع تحت يداه، وعبارة واحدة تتكرر في ذهنه أنها أصبحت لغيره!..

مذاق صدأ مر شعر به في جوفه، ليتعاظم ويتفاقم بينما دمه يفور كمرجل، وصوت ساخر يهتف به. ألم تتشدق دائما بأنها ليست سوى أخت ثانية لك؟ إذن فيما ثورتك الهوجاء هذه؟ لقد فعلت كما طلبت منها تماما، ألم تأمرها بنسيانك وأن تنتظر فرصتها الحقيقية والتي لا بد ستظهر في يوم من الأيام، ولكن وقتها ستكون أكبر وأنضج؟ وها هي قد أخذت بمشورتك، ففيما غضبك وتلك النار التي تخرج من جوفك؟..

ليجيب هاتفا بأنه لم يكن يقصد غيره، بل كان يقصد نفسه هو!، نعم! لقد أيقن هذا حينما لم يراها وهو يغادر مودعا عائلته، بينما ليلتها لم تذق جفناه طعم النوم وتصريحها بحبه يحتل عقله مشعلا كيانه بهمستها الرقيقة الناعمة!، ليقسم في سرّه أنه بعد عودته سيبدأ في التقرب منها من جديد، وسيعمل على محو كل كلمة منه تسببت في حزنها، بل سيرسم بسمتها من جديد، فقط. ليعد وحينها سيكون للحديث بينهما شئنا آخر!

ولكنه لم يعود، لتجرفه الأيام في دوامة أحداثه المتلاحقة، حتى فوجئ بخبر خطبتها لآخر، ليعلم ولأول مرة معنى الخسارة حقا، بينما شعر بألم شديد ينغز صدره، وكأن هناك من يطعنه مرارا وتكرارا بسكين صدأ صلد، ولم ينجو شيء من عواقب غضبه حتى ولا، هي!

استند بظهره الى حافة مكتبه ووجه على شكل قلب ببشرة بيضاء شفافة بينما تتراقص حول صاحبته خصلات شقراء طويلة تجعلها أشبه بالدمية. باربي!..

لمحة سريعة عبرت ذهنه كضوء سطع للحظات ثم خبا! مشهد لشابة تضحك وهي تملس براحتها بنعومة وحنان على بطنها البارز بشكل طفيف فهي على أعتاب الشهر الخامس، وهي تخبره بصوتها الناعم ان ابنه سيكون لاعبا لكرة القدم ولا ريب كما انها تعتقد انه سيكون هدّاف فريقه فهو لا يكف عن تسديد الأهداف داخل بطنها! ابتسامة شاردة شقت طريقها الى فمه لتمر بباله ذكرى اخرى لتلك الشابة وقد تشاجر معها رؤيته لها وهي تتحدث بطلاقة الى زميلها ليفاجأ بها وهي تعانقه مودعة قبل ان تراه امامها لتتجه اليه وتتحدث معه بمنتهى البساطة!

لا يعلم كيف استطاع تمالك نفسه حتى عادا إلى منزلهما وهناك. انهال عليها بسياط لسانه اللاذع ينعتها بالفسق وبأنها لا ترقى لأن تكون زوجة محترمة له، ويتركها ويغادر البيت بأكمله ليعود بعد ساعات طويلة وهو على يقين من أنه لن يجدها بالمنزل. فهو قد اسمعها ما لا تطيق، او اضعف الايمان من المؤكد انها ستلومه وتعاتبه بل وستتشاجر معه على كلماته الموجعة لها. ليفاجأ ما ان دلف بعاصفة شقراء ترتمي عليه تحيط عنقه بذراعيه وهي تجهش ببكاء مرير ووسط شهقات بكائها الحارة سمع ما جعله يفتح عينيه واسعا فهي كانت تعتذر منه وتخبره برعبها عليه عندما خرج غاضبا بهذه الصورة وغاب لساعات طوال، ليكتشف انه لم يعرفها حق المعرفة، وعندما سألها في وقت لاحق لما لم تغضب منه او تعاتبه اخبرته ببساطة انها. تحبه. وانها هي المخطئة! فمن المفترض بها انها تعلم دمه الحامي ودمائه العربية الحارة فلم يكن من الواجب ان تتصرف كما فعلت ولكنها فعلت ما فعلته بحكم العادة ليس الا!

ومشهد ثالث يمر بخاطره، ليمحو بسمة المشهد الاول وشجن الثاني ويحل غضب مستطير على وجهه وهو يتذكر تلك الشابة وهي. غارقة في دمائها، وقد خضبت الارض أسفلها بدمائها القانية او بمعنى أدق بدمائها هي وابنه! فقد تم ذبحها بأبشع الطرق لترتمي كطير مذبوح لم يتثنى له حتى الرفرفة بجناحيه بعيدا عن سكين نحره وبكل وحشية!

عاد من ذكرياته المؤلمة، ليتحرك سريعا متناولا أغراضه الشخصية، ليندفع خارجا من مكتبه ويلقي بأوامره لسكرتيرته الخاصة بإلغاء كافة المواعيد اليوم، بينما لم يحتل عقله سوى فكرة واحدة، أن ريما ومنذ عودته، وما أن وقعت عيناه عليه، قد عادت ثانية إلى حياته وبقوة. وسيعلم أجوبة الأسئلة التي تجول بباله حولها، فهو لن يسمح لها باقصائه من حياتها، يكفيه المرة الأولى والتي أوشك على خسارته لآخر، ليعلم بعد فترة أنها قد فسخت ارتباطها به، وحينما سأل كانت الاجابة. القسمة والنصيب!..

والآن وبعد أن عاد و وسواء رضيت ابنة عمته أو لا، فسيعمل على أن تتأكد تماما أنها هي. قسمته. أما هو ف، نصيبها. شاءت أم. أبت!

زفرت همس بضيق ومالت على مراد تحاول ايقاظه للمرة العاشرة تقريبا وهي شبه تتوسل: - مراد حبيبي، عشان خاطري، قوم بقه، مش ممكن يا مراد نومة أهل الكهف! ساعة بصحِّي فيك لغاية دلوقتي؟

سكتت تطالعه بغيظ فيما هو مغمضا عينيه غاطًّا في النوم لتنفخ بقهر متمتة: - ما هي بنتك طالعالك بالظبط، بتوريني الويل وأنا بصحيها الصبح للحضانة، وللي عليها خمثة بث (خمس دقائق بس) خمثة بث. أنا أعرف جابت منين خمسة دي؟!

أعادت نظرها اليه لتزفر بضيق واضح هاتفة: - يا مراد مش معقول هتأخر كدا!
وكأنها نطقت بكلمة السر إذ سرعان ما فتح عينيه وهبّ بجذعه العلوي الأسمر العار يقبض على رسغها وهو يتساءل بخشونة عاقدا حاجبيه:
- هتتأخري؟! هتتأخري على إيه؟..
صعقت همس وأجابته بتردد: - أنت، أنت مش المفروض كنت نايم وفي سابع نومة كمان؟ قمت اتنطرت كدا مرة واحدة وعينيك مفنجلين (مفتوحين) على آخرهم، ولا كأنك كنت نايم أساسا!

مراد بابتسامة ساخرة: - أنتي عارفة يا حبيبتي، معاكي بنام مغمض عين ومفتّح عين، لازم أحرسك يا روحي!
همس بحنق: - يا سلام، قصدك زي التعلب هو اللي بينام مغمض عين ومفتّح عين.
مراد وهو يسحبها اليه بابتسامة عابثة: - مش بحرس ممتلكاتي؟ تعلب وأسد وكل المفترسين. عشان محدش يقرب منك خالص...

همس وهي تحاول تخليص معصمها من قبضته بدون نجاح: - تمام يا سي تعلب، اتنورت المحكمة، ممكن بقه تقوم لأني بجد كدا هتأخر عن معادي!
اعتدل جالسا لينحسر الغطاء عنه فيظهر جذعه العلوي الأسمر كاملا، بينما مال ناحيتها وهو يسأل بعقدة جبين عميقة:
- دي تاني مرة تقولي لي فيها أنك هتتأخري. عن إيه بالظبط؟
زفرت همس وأجابت بغيظ: - أولا اسمها عن مين. مش عن إيه؟

مراد فاتحا عينيه بذهول: - نعم؟! مين! ويطلع سي مين دا أن شاء الله؟
همس بعد أن أعيتها السبل في استرجاع يدها لتزفر بيأس قائلة: - يارا. ارتحت!
هتف مراد باندفاع: - طبعا لأ!
قطبت همس متسائلة في ريبة: - وطبعا لأ. ليه؟!
مراد ببساطة زائفة: - عادي يعني. كل الحكاية أني مستغرب. بئالك مدة طويلة ما شوفتيهاش، إيه اللي جابها على بالك فجأة كدا؟

ابتسمت همس وقد قررت أن تلاعبه بلعبته فهي تعلم جيدا أنها ليست يارا من أثارت قلقه. بل، الطرف الآخر ليارا، هو من يثير جنونه وأن كان يحاول التحكم في غيرته المتملكة تلك بصعوبة، ولكن يحدث وأن تفلت منه بعض اللمحات التي تعبر عمّا يجيش في صدره من نار مستعرة!، فقالت همس بابتسامة تتراقص فوق ثغرها المكتنز أسرت نظرات مراد:.

- عدي يا ميرو، لاقيتها بتكلمني انهرده وعاوزاني في موضوع مهم، اتفقنا نتقابل في كافيه، وبما أن الآنسة ريتال دا معاد صحيانها، والمربية اجازتها انهرده، فحضرتك اللي هتقعد بيها، تعمل معها ال h. w الأول قبل ما تتفرج على كارتون أو أي حاجة...

قاطعها مراد: - ايه. حيلك حيلك. انتى بتتكلمي زي ما تكوني هتغيبي الليلة بحالها! هي كبيرك ساعتين بالكتير وتكوني هنا...

استنكرت همس قائلة: - نعم! ساعتين؟ اذا كانت السكة لوحدها ممكن تاخد لها ساعة وأكتر رايح جاي، أعمل أنا ايه في الساعة إلى فاضلة دي؟

مراد باستهجان وهو يضغط على يدها ليقربها منه: - وأنت عاوزة تعملي ايه يعني؟ هتسلموا على بعض وتقعدوا ترغوا شوية وتنمُّوا شويتين ودمتم...

همس بقهر: - آي ايدي يا مراد...
وعندما وجدت أنه لن يدعها تفلت منه بسهولة أردفت باستفزاز وتحد: - نرغي إيه وننم إيه؟، أنا معادي معها معاد شغل!
خفّت قبضة مراد ليردد مقطبا: - شغل؟..
استطاعت همس افلات رسغها والذي كانت آثار أصابع مراد واضحة وبقوة فعمدت الى فركه، لتجيب بغيظ:
- آه. شغل!
مراد بهدوء ينذر بهبوب العاصفة: - شغل إيه ومع مين؟

همس وقد ضاق ذرعها بأسئلته الكثيرة وكأنه يحقق في قضية قتل: - هيكون شغل ايه يعني يا مراد؟، انت ناسي أن أنا مذيعة؟ وأنها مخرجة هي و...

وسكتت!، ليفتح مراد عينيه واسعا ويهتف بدون وعي منه: - انت مش كنتي سيبتي (تركتِ) القناة بتاعتهم؟ هترجعي تاني ليه؟
همس بإغاظة وابتسامة ملتوية: - والله هما الاتنين أساميهم دلوقتي بئيت (أصبحت) أشهر من نار على علم، وأي مذيع يتمنى يشتغل معهم. آآآآآه!

صاحت بألم بعد أن باغتها مراد بالقبض على خصرها بيديه وتقريبها منه وهو يقول بينما يغرز أنامله في وسطها بقوة وبابتسامة شريرة:
- تشتغلي مع مين؟، احنا مش قلنا شغل تاني معهم لأ؟
همس ودموعها تكاد تطفر من عينيها محاولة دفعه بعيدا عنها ولكنه كانت كمن يحاول زحزحة حائطا صلبا:
- لعلمك يارا من مدة طويلة وهي بتشتغل لوحدها، وبتخرج برامج خاصة بيها هي، والشغل اللي هتعرضه عليّ هيكون بيني أنا وهي بس، ارتحت؟!

لتنظر اليه بعينين متألمتين فخفف من ضغط يديه على خصرها، وجذبها بحنان الى ذراعيه وهو يقول بخشونة:
- وما قولتيش كدا ليه من الأول؟ لازم تلعبي بأعصابي؟
همس بسخط: - أعصاب إيه؟ أنا عاوزة أفهم. هتبطّل (توقف) غيرتك دي أمتى يا مراد؟

مراد هاتفا بقوة: - ولا عمرها هتبطّل ولا تقل حتى، وخصوصا منه هو، أنت شايفة بنفسك أنا على أد ما أقدر بحاول ما امسك نفسي، لكن عمري ما هقدر أنسى أنك فضلتيه عليا في يوم، واخترتيه هو، وقتها كنت بموت فعلا يا همس، ولغاية دلوقتي مجرد أني أسمع اسمه أو اسم أي حد على علاقة بيه بحس بنار بتمسك فيا، فعشان كدا أنا اللي برجوك. ارحميني يا همس!

همس بعتاب: - غيرتك دي قبل كدا كانت هتخسرنا بعض. فاكر؟ ووعدتني أنك هتتحكم فيها. نسيت؟!

مارد وهو يحتويها بين ذراعيه بقوة مقربا وجهه منها حتى كادت أرنبتيْ أنفهما أن تتلامسا:
- عمري ما أقدر أنسى الفترة دي، بس ما تنكريش أني بحاول على قد ما أقدر أن أتحكم فيها، لكن حبي ليك هو اللي مقدرش أتحكم فيه يا همسي!

ياء الملكية جعلت حنقها يبدأ في الخفوت، لتهمس بحنق مفتعل: - يا سلام.
مال بها في غفلة منها لتستند بظهرها الى الوسائد القطنية خلفها بينما همس يجيبها بغمزة ماكرة:
- يا سلام على أحلى همس...
رسمت باصبعها البض دوائر وهمية حول تفاحة آدم تلك التي تجذبها بقوة وهي تقول بخفوت فتلفح أنفاسها وجهه لتزيد من اضطرام النار بداخله:
- أيوة. كُل أنت عقلي بكلمتين، لكن أنا بردو مش هلغي المعاد يا مراد...

مراد وهو يلثم جانب وجهها برقة: - ومين قال لك تلغيه؟
همس وقد بدأت بالذوبان تحت أصابعه الخبيرة: - امممممم.
فأجاب بصوت خشن بينما يديه فتعتصرانها عصرا اليه: - أجّليه!
همس مرددة بتفكير: - أأجله...

ليصل مراد الى فمها فيقتنصه في قبلة رقيقة أول الأمر لم تلبث أن تحولت لأخرى متملكة، قبل أن يرمي بها إلى أتون حبه الملتهب، وهو يبثها عشقه بهمسات رقيقة، بينما لمساته فانها تشي بشوقه إلى محبوبته، فطفق ينهل من حلاوتها علّ نار شوقه اليها تخبو، ولكن كانت للمساتها تأثير مدمر على حواسه، فبدلا من أن يطفأ نيران شوقه، أشعلت هي بأناملها التي مررتها بين خصلاته القصيرة بركانا من نيران مشتعلة داخل أعماقه، لم يهدأ إلا بعد أن رمى بها وسط عالمه الساحر المتقلب، حيث هي همسه العذب وهو مرادها الأوحد، وكان على موعد يارا أن يؤجل إلى يوم لاحق!

دفعت عربة المشتريات أمامها بخفة وهي تقلب عينيها بين البضائع المرصوصة فوق الأرفف، لتمد يدها تمسك بعلبة حليب تطالع تاريخ الصلاحية عندما رن هاتفها الشخصي، فأخرجته من حقيبته ليطالعه رقما غريبا، وكعادتها فهي لا تتلقى مكالمات من رقم غير بغير مسجل لديها فتجاهلته، ليعود ويصدح برنينه، وهي تتجاهله، ليتكرر نفس الاتصال، فارتابت أنها قد تكون المدرسة عند أحمد تحدثها بشأنه، خاصة وأن خاصية معرفة اسم المتصل لم تعلم، لترفع الهاتف مقررة الاجابة على المتصل، وما أن همست ب آلو. حتى فوجئت بالصمت من الطرف الآخر، فكررت همستها، حتى سمعت صوت تنهيدة عالية، لتقطب هاتفة بحدة وقد انزوت في ركن حتى لا تكون قِبلة للناظرين:.

- مين؟!
ليجيب الصوت بحنان: - وحشتيني يا بُلبُلتي!
شهقت برعب فهذا اللقب شخص واحد فقط من كان يدللها به! لا، لا يعقل!، لقد جنّت أكيد أو أن هناك سوء فهم، قالت وقد تعثرت الكلمات على لسانها:
- م. مي. مين؟!
شريف بطقطقة لسان عاليا تنمّ عن اعتراضه: - تؤ تؤ تؤ. معقولة نسيتيني؟، حتى لو، أنا بقه مش ممكن أنساكِ...
لبنى بقوة مشددة على مخارج الحروف: - أنت عاوز مني إيه؟ وراجع بعد السنين دي كلها ليه؟

شريف ببراءة مفتعلة: - اللاه، هو. جوزك – وشدد عليها وهو يتلفظها كمن يبصقها تماما ثم أكمل – ما قالكيش ولا إيه؟

قطبت لبنى متسائلة بخشونة: - قال لي إيه؟
شريف ببراءة مصطنعة: - أني كلمته من مدة...
لبنى بريبة: - كلمته ليه؟
شريف ببطء وتؤدة وهو يسلط عينيه على أطفال تجري أمامه: - إيه للي ليه دي؟ أنتي ناسية أنه فيه حاجة تخصني أنا، سايبها لكم بئالي كتير؟!

ازداد قلق لبنى من معنى تلميحاته لتهتف فيه بقوة: - هي إيه الحاجة دي أن شاء الله؟
شريف بطبيعية: - أحمد. ابني!
شهقت لبنى هاتفة في صدمة: - إيه؟..
شريف بجدية: - اللي سمعتيه يا لبنى، أحمد ابني ولازم أشوفه، مهدي بيه بيسوّف فيّا من زمان، ولسّه ما إدانيش (أعطاني) الرد النهائي على طلبي...

لبنى بترقب: - وإيه هو طلبك؟
شريف واحساسه أنه قد اقترب كثيرا من الفوز بالوحيدة التي استطاعت أن تحفر ذكراها وبقوة بداخله رغما عن ظروفها البسيطة:
- حضانة أحمد!
لبنى بهلع: - إيه؟..
شريف ببراءة مزيفة: - اللاه. شكل جوزك كدا ما قالكيش أي حاجة عن الموضوع دا. مع انى روحت له أول مرة من اسبوعين تقريبا واتكلمت معه وفهّمته أنا عاوز إيه. لكن واضح كدا أنه خبّى (أخفى) عليكي.

شردت لبنى وعقلها يعمل سريعا لحل السؤال. ترى لما أخفى عليها مهدي ما كان من طليقها معه؟ ، انتبهت على صوت شريف يقول:
- بس تصدقي أنه كبر أوي!
لبنى بتوجس وقلق: - أنت شوفته؟
شريف وهو يراقب طفلا بعينه وهو يجري مع رفاقه: - كتير، أقربها انهرده، دلوقتي بالتحديد. عمّال يجري ويلعب مع أصحابه في المدرسة قودامي!..

لبنى بحدة: - إياك تقرّب من ابني يا شريف. سامع؟..
تأوه بصوت عال وهمس بعدها بنشوة: - ياااااااه. لو تتصوري وحشني اسمي منك أزاي يا بلبلتي؟
لبنى بجنون: - انت اتجننت أكيد! أنا متجوزة وبحب جوزي و...
هدر فيها شريف فقد اشتعلت فيه النيران ما أن سمع اعترافها بحبّها لزوجها: - يبقى تنسي أحمد نهائي، وحضانته من أول جلسة هيتحكم لي فيها!
لبنى بحيرة بينما عقلها يكاد يجن: - قص. قصدك إيه؟

شريف بابتسامة قاسية: - قصدي، تطلقي من مهدي بيه، وقتها محدش هيقدر يبعده عنك ولو ليوم واحد...
هتفت بجنون: - أنت أكيد مجن...
قاطعها بحزم: - ما تستعجليش، إدي لنفسك فرصة تفكري كويس، ابنك ولّا، جوزك!، وزي ما قلت لك، لو اخترتي ابنك. ساعتها اضمني أنه هيكون في حضنك ومش هيسيبك، أنا هقفل دلوقتي، لكن هتصل تاني عشان أعرف ردّك، سلام يا بلبلتي!

وأنهى المكالمة لتطالع لبنى الهاتف في يدها بوجوم وتهديده يتردد في ذهنها، بينما شدد هو قبضته على الهاتف في يده وهو يهمس بقسم غليظ:
- ابنك هيكون في حضنك. وانتي هترجعي حضني تاني. والمرة دي مش هسيبك تفلتي مني مهما كان!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة