قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الحادي عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الحادي عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الحادي عشر

طوال رحلة العودة إلى منزلهم وهو لم يفلت يدها، تجلس بجواره في السيارة تكاد تلتصق به بينما أناملها فهي تعانق أصابعه، تتشبث بها بقوة وكأنها تخشى أن أفلتتها أن يبعد عنها لتصطلي بنيران فراقه ثانية!

نظرة فابتسامة مع وعد غير منطوق بأن يعوّضها ويعوّض نفسه قبلها عذاب الفترة السابقة، فهو كاد يجن وهي بعيدة عنه، وأكثر ما كان يثير قلقه هو معرفته جيدا بمتمردته العنيدة. وأنها لن تتوانى عن فعل أي شيء كي تثبت براءته، الأمر الذي كان يقض مضجعه خاصة أنه لا يعلم من هو المجرم الحقيقي؟!

بالطبع كان شريف هو المتهم الأول عنده ولكن هناك من يساعده في الخفاء، أو بمعنى أوضح هناك من قام بالأمر كله، ولكنه يجهل هويّته! فكان الأمر بالنسبة له في غاية الصعوبة ولكنه ليس بمستحيل، ليقبض على طرف الخيط المسمى شريف. ليتتبعوه، فتنكشف الحقائق واحدة تلو الأخرى ويتساقط المجرمون الحقيقيُّون. وتتضح رأس الأفعى الحقيقية، سماح صفوان!

مالت عليه تخرجه من شروده بهمستها الخفيفة فيما ابتسامة ناعمة تظلل ثغرها الوردي: - مش مسموح أنك تسرح وأنا جنبك. أنت حضرتك رهن الاعتقال الفترة اللي جاية. مش هتبعد عني خطوة واحدة. عندك اعتراض؟!
ابتسم ابتسامة مائلة وقال بصوته الرجولي الواثق بهمس مماثل: - اممم. دا يتوقف على مين اللي هيعتقلني؟ لو حد حيلوة كدا وشعره طويل وعينيه متوهاني من أكتر من تمانية وعشرين سنة يبقى أكيد موافق!

مالت على كتفه تحتضن ذراعه بينما الزجاج الفاصل بينهما وبين السائق مرفوع ليضمن خصويتهما، وأجابت بحب يتدفق من مقلتيها الزمردتين:
- ال حد أنت أغلى عنده من عمره كله، كان زي الطفل التايه من غيرك، أنت أمانه وحمايته، والحضن الدافي اللي مش ممكن يتعوّض. أنت حبيبي يا أدهم.

قبلة خفيفة حطّت على مقدمة رأسها همس بعدها وأصابعه تشتد على أناملها: - وأنتِ حياتي يا تاجي، أنا كنت هتجنن الفترة اللي فاتت دي كلها، خايف منك وخايف عليكِ!

قطبت ورفعت رأسها تطالعه بتساؤلوهي تتساءل: - طيب خايف عليّا. مفهومه، لكن خايف منِّي؟!
أدهم وهو يضم رأسها إلى كتفه بيده الحرة: - خايف من عنادك وجرأتك، عارف أنك مش هتسكتي، خايف من غضبك اللي عارف أنه هيبقى زي الاعصار، وخايف تأذي نفسك وسط الاعصار دا.

رفعت ريتاج وجهها لتطبع قبلة خفيفة على ذقنه التي نبتت لها لحية خفيفة كان قد شذّبها قبيل خروجه، لتقول بعدها:
- أنت قوّتي يا أدهم، حبك هو اللي بيمدني بالجرأة أني أقف وأواجه، وبعدين أنا كنت بدافع عن روحي، عمرك سمعت عن حد بيحاولوا يقتلوه وهو بيستسلم من غير مقاومة؟

تنهد أدهم عميقا وقال وهو يتكأ برأسه إلى رأسها: - وأنتِ أغلى من روحي، بالمناسبة.
همهمت ريتاج بوداعة: - امممم.
أدهم بتساؤل: - مراد قالي عاملين لي مفاجأة في البيت؟ إيه. جايبين لي مزيكا حسب الله؟
ضحكة رقيقة أفلتت منها قالت بعدها بنعومة: - معلهش يا حبيبي. مفاجأة ابنك مقدرش أحرقها. عموما كلها دقايق ونوصل بالسلامة وساعتها هتشوفها بنفسك.

وقفت السيارات تباعا خلف بعضها في الساحة المخصصة لايقاف السيارات الملحقة بقصر أدهم شمس الدين، ليترجل الجميع ويندفع العاملون جميعا للترحيب بسيدهم، والسلام عليه، ليدلف أفراد العائلة جميعها الى الداخل، وما أن وطئت أقدام أدهم حتى فوجئ بأصدقائه ورفاقه واللذين اندفعوا يهنئونه بعودته سالما الى حضن عائلته، وكان مراد قد منع أي صحفي أو مصور من اقتحام اللحظات الخاصة لأدهم شمس الدين مع عائلته وقت الافراج عنه، ليقف الحرس الخاص بأدهم كحائط سد أمامهم، ولكن بعضهم أبى إلا أن يقوم بتصوير هذه اللقطات. فهي سبق صحافي، ضاربين بعرض الحائط برغبة الشخص المعني بالأمر نفسه، معللين ذلك أن حياته ليست ملكا خالصا له، فهو شخصية عامة، ناسين أو متناسين أن هناك ما يُدعى ب. الخصوصية، والواجب احترامها!

مال أدهم على أذن ريتاج هامسا بسخرية: - هي دي المفاجأة؟ ابنك عازم لي مصر كلها؟
ريتاج بفخر: - مصر كلها اللي عاوزة تحتفل بيك وبرجوعك لينا بالسلامة.
صوت صغير قطع استرسالهم لتندفع بعدها كتلة صغيرة باتجاهه، فنظر باتجاه الصوت ليترك ذراع ريتاج ويميل متلقفا تلك الكتلة المتوهجة وهو يهتف بفرحه بينما يرفعه بين يديه إلى الأعلى:
- أدهم!

ليحتضنه بعدها بشوق عظيم ويقبله بلفهة، بينما طوق الصغير عنقه بذراعيه النحيلين وهو يقول بعتاب طفولي:
- زحلان منك خالث أنا!
أبعده أدهم عنه قليلا ليطالع وجهه وقال بابتسامة بينما دموع مكتومة سبحت بين دخانيّ عينيه:
- وأنا مقدرش على زعلك يا أدهم يا صغير. أنا آسف بجد لو كنت زعلتك، بس ممكن أعرف ليه؟

أدهم الصغير لاويا شفتيه بحزن طفولي أثار حنان ريتاج الأمومية فسبحت عينيها بغلالة من الدموع:
- عثان ثبتنا ومثيت. وماما تول يوم اثألها بابا كاي أمتى تِتُّولي بكرة. وبردو مث بتيجي! (عشان سبتنا ومشيت، وماما كل يوم أسألها بابا جاي امتى تقولي بكرة وبردو مش بتيجي)!

احتضنه أدهم بقوة حانية وهو يقول بابتسامة صغيرة بينما أفلتت دمعة خائنة من مقلتي ريتاج لتسارع بمسحها:
- وأنا جيت وأن شاء الله مش همشي أبدا تاني، بس لازم تعرف انه كان غصب عني، مش ماما قالت لك كدا؟

أدهم الصغير بايماءة خفيفة من رأسه: - آه. تالت (قالت).
أدهم بابتسامة واسعة: - وعشان حبيب بابا يرضى على بابا ليه عندي مفاجأة كبيييرة اوي.
أدهم الصغير بتكشيرة طفولية متسائلا: - إيه مُكفْكَا دي؟..
أطلقت ريتاج ضحكة ناعمة فيما صدحت ضحكة أدهم الرجولية ليقول بعدها وهو يرفعه الى الاعلى عاليا:
- أحلى مُكفكا. هنروح يورو زيزني، ملاهي كبييرة أووي. إيه رأيك؟..

صاح أدهم الصغير بفرحة عارمة، ليقذف به أدهم في الهواء ويتناوله بين يديه ثانية قبل أن يحتضنه بشوق مقبلا جبينه، ثم مال هامسا لريتاج بابتسامته الخلّابة:
- نضرب عصفورين بحجر واحد، أدهم الصغير يلعب في يورو ديزني، وأدهم الكبير يلعب بعروسته هناك في باريس. بلد الحب والجمال!..

شهقت ريتاج ما أن فهمت تلميحاته المبطنة والتي قرنها بغمزة من عينه اليمنى، لتبتسم بعذوبة تمتمت بعدها بشفتيها والحنين يطل من عينيها:
- بحبك.
أدهم بحنين مضاعف وشوق كبير: - بحبك.
وأمسك بيدها يرفعها ليقبّل ظاهرها، وتتولى الأعين لغة لا يفهمها سواهما، أنتبها بعدها على صوت صغيرهما وهو يهتف بفرحة:
- مراد، بابا وديني ملاهي كبيرة.
أجاب مرادج بضحكة وهو يتناول شقيقه الصغير من فوق ذراع والده: - يا راجل. بجد؟

هز شقيقه الصغير رأسه بجدية تامة بالايجاب وهو يقول: - بِكَدْ! (بجد).
استرعى انتباههه همس وهي تقترب بصحبة يارا وأسامة واللذان دعتهما لوليمة الغذاء المقامة بمناسبة براءة أدهم، لتهدأ ضحكته بينما يصافح أدهم وريتاج أسامة ويارا، وتقول ريتاج لأدهم:.

- بصراحة يا أدهم أنا مش هنسى أبدا وقفة يارا والاستاذ أسامة معنا، البرنامج اللي عملته يارا وهمس كان له دور قوي جدا في كسب الرأي العام، بعد ما بعض البرامج والجرايد المغرضة اللي للأسف بتسعى ورا الشهرة مش الحقيقة كانت هتنجح انها تشوّه صورتنا.

يارا بنفي قاطع: - مافيش حاجة تستحق الشكر، دا دورنا كاعلاميين. أننا نظهر الحقايق، ونقف مع الحق مهما كان لغاية ما يثبت نفسه، وبعدين بصراحة الفكرة. فكرة أسامة، هو اللي قاللي ليه مش نستفيد من شعبية همس كمذيعة لها جمهورها، ومن نجاحي كمخرجة، ونعمل برنامج الحقيقة. ومستمرين فيه ان شاء الله، مش هنوقّفه!

أدهم بابتسامة: - بصراحة بحييك على فكرتك يا أسامة. فعلا أنت أعلامي رائع. وتستحق حب الناس ليك.

قالت همس بحماس وهي تنظر الى أسامة: - بصراحة يا خالو لما أسامة طرح الفكرة ما كنتش أظن أنها هتنجح بالشكل دا، لكن فريق الاعداد اللي اختاره أسامة بصراحة كان أكتر من موهوب، دا غير طبعا أنه يارا مخرجة موهوبة وفعلا الشغل معهم هما الاتنين أكتر من ممتع!

ضحكت يارا وتبدلت الحديث مع ريتاج ليميل مراد على أذن همس متمتما من بين أسنانه الظاهرة من خلف ابتسامته المرسومة:
- مش كفاية تمجيد في الكابتن ولا إيه؟ هو ساعدنا ما فيش كلام، وشكرناه، سيبي بابا بقه هو اللي يتكلم معه. ممكن؟

نظرت إليه همس بغرابة، وهي تفكر في داخلها أنه ولا ريب زوجها العزيز يشكو من خطب ما! أيُعقل أن يغار من مدحها لأسامة وهي لم تقل سوى كلمات عادية توفيه بها حقه من الشكر!، لتحرك رأسها من اليسار الى اليمين بيأس منه وهي تهمس بدون تعبير:
- ربنا يهديك.

ثم همّت بالابتعاد عندما ناداها أدهم الصغير يسألها عن ريتال فأخبرته أنها بصحبة باقي الاطفال مع المربية، ليضعه مراد أرضا فيتناول يدها كي تذهب به اليهم ولم تلقِ الى مراد بنظرة واحدة...

وفيما انخرط أدهم بالحديث مع محمود ونزار، كانت ريما على الجهة الأخرى تقف مع هنا تهمس لها وهي تشير برأسها الى ريتاج وأدهم:
- طنط تاج كان هيجرالها حاجة من خوفها على خالو، تصدقي أننا كلنا كنا خايفين عليها يمكن أكتر من خوفنا عليه؟

هنا بابتسامة صغيرة تحمل أسى في طيّاتها وكلمات تخفي حزنا دفينا داخل معانيها: - حب عمره ما هيتكرر، ومش بنسمع عنه إلا في الروايات وبس.

ريما بنفي: - يا سلام! وماما وبابا؟ ماما اللي صممت تتجوز بابا رغم فرق السن الرهيب اللي بينهم! وطنط مها وعمو محمود؟ وهمس ومراد؟ شمس وإسلام؟ لبنى والمجنون أخويا اللي عينيه ما اتشالتش من عليها انهرده والاسم غضبان لكن هو في الحقيقة عشقان؟ ولّا أسلام وشمس؟ أسامة ويارا؟! هَنا حبيبتي مينفعش تستسلمي لليأس بالشكل دا! مش كل واحدة اتخانقت مع جوزها تسيب له البيت وتطلب الطلاق ومش بس كدا لا. وتنكر أنه فيه حاجة اسمها حب من الأساس!

هنا رافعة طرف شفتها العليا في شبح ابتسامة ساخرة: - يبقى ما فيش غير أنه فيه ناس تصلح للحب، وناس مينفعش تحب، وأنا جربت ولاقيتني أني من النوع التاني دا!

ريما هاتفة بهمس وغير تصديق: - نعم؟! أنت مينفعش تحبي؟ وكان إيه اللي خلّاكي توافقي تتجوزي وانت لسّه عندك 18 سنة وتسافري معه؟ إيه اللي خلّاكي تخاصمي طنط مها وقفلتي ودانك عن كلام خالو محمود حتى طنط تاج وخالو أدهم وماما مقدروش عليكي؟! دا انتي يا بنتي اللي كان يقول لك فكري دا جواز وانتي سنّك صغير. كنت بتقاطعيه! حتى أخواتك ما سلموش منك!

هنا بابتسامة مريرة: - عشان كنت مغفلة!

رينا بهزة نفي قوية من رأسها: - لا، عشان كنتي بتحبيه، وأوي كمان! وهو بصراحة مافيش عليه أي كومنت غير أنه عاوز يتجوز وياخدك ويسافر عشان شغله اللي ف الخارجية، ووقتها اقترح خالو محمود خطوبة وتتجوزوا بعد ما تخلصي كلية هو رفض لانه اربع سنين كتير وانتي رفضت اكتر، وقتها ياهنا أنا كنت شايفة قودامي واحدة روحها ف حاجة اسمها طارق، مع اني كنت صغيرة، بس 14 سنة تقريبا لكن انا فاكرة كويس اوي انت كانت حالتك ازاي، زي ما يكونوا رافضينه هو شخصيا مش بس عاوزين الجواز يتأجل شوية! وما حاسيتش انك شميتي نفسك الا لما خالو أدهم أقنع خالو محمود أنه يوافق، وانك هتكملي دراستك برّه، وانتي وعدتيهم بكدا، وفعلا خلصتي دراستك وبعدين حملتي ف شهد، وطول الوقت وانت بتحكي ازاي هو وقف جنبك، وكان أكتر منك حرص انه ما يحصلش حمل عشان مش تتعطلي او تتعبي ما بين دراسة وبيت وحمل. قصة حب بجد ماليانة معاني جميلة، إيه اللي حصل يخليها توصل لكدا؟ لكلمة النهاية وبالطريقة دي؟

هنا بجمود: - اللي حصل مش هقدر أحكيه، لكن يكفي أني أقولك أنه مش هينفع نكمل تاني، ممكن يكون فيه حب أنا مش بنكر، لكن اللي ضاع أهم من الحب!

ريما بتقطيبة: - أهم من الحب؟ إيه هو اللي ضاع وأهم من الحب كمان؟
هنا بدون تعبير وهي تنظر اليها بحزن مكتوم داخل بندقتيها: - الاحساس بالأمان!
ثم أردفت وهي تستعد للابتعاد: - عن إذتك يا ريما. هروح أشوف شهد، تلاقيها مغلبة البيبي – سيتر!

وابتعدت لتنفخ ريما في ضيق فهي لم تستطع جعلها تتكلم، منذ أن قدومها وابنة خالها تلتزم الصمت التام، وحدها همس من انفردت بها في جلسة مغلقة بينهما فقط، لتخرج بعدها وهي تبدو كمن استعاد بعضا من قواه، ومع عودة خالها أدهم. اندمجت بعض الشيء ف الاستعداد للاحتفال بعودته اليهم لتنسى أو تتناسى بعضا من همومها الشخصية، ولكن من يدقق النظر جيدا يجد أنثى مجروحة وبعمق. والأنكى أن الجاني، هو حبيبها!

انتبهت ريما من شرودها على تلويح شمس لها، لتتجه اليها فأشارت الأخيرة الى نجوان صديقتها تلفت انتباهها الى حضورها فتوجهت للترحيب بها وهي تبتسم بسعادة، فهي قد اشتاقت لها بحق حيث لم ترها في الآونة الأخيرة الا بضعة مرات قليلة يعدوُّا على أصابع اليد الواحدة.

قالت ريما وهي ترحب بنجوان: - أهلا نونتي. وحشتيني، كدا يا وحشة تتأخري؟ مش كفاية أنه حضرتك ما كونتيش معايا من الصبح؟

تحدث حمزة بصوته الرخيم بابتسامة صغيرة: - معلهش يا ريما، عندي أنا دي. هي كانت عاوزة تيجي من بدري بس كان عندي حصص كتير انهرده معرفتش أستأذن.

ريما ببساطة: - ولا يهمك يا حمزة، أنا بهزر، عارفة طبعا انه نجوان مش ممكن تتأخر عليّا. وأن جيت للحق لو حد مقصّر يبقى أنا. بس أنتم عارفين الظروف و.

قاطعتها نجوان بعتاب: - إيه يا ريما؟ من امتى واحنابيننا تبرير وأصل وفصل؟ احنا مش هنعرف بعض من انهرده، وحمد لله على سلامة عمو أدهم.

ريما بابتسامة: - الله يسلمك يا نونتي، وأكيد أنتى عارفة مكانتك عندنا كلنا، يا بنتي انتى واحدة من عيلة شمس الدين، طيب تصدقي أنه خالو سألني عليكي؟

قطب حمزة ف حين تساءلت نجوان: - سألك عليّا؟
هزت ريما رأسها بالموافقة وأجابت: - طبعا يا بنتي، أنتي ناسية أنك اتخطبتي وهو ما كانش موجود!
لتوجه باقي حديثها الى حمزة قائلة بتهديد مرح: - خلي بالك يا حمزة، البوس هيعملك مقابلة شخصية، لازم تاخد الموافقة بتاعته، هو بيعتبر نجوان زيي بالظبط.

بترت عبارتها وهي تردف في حين تعلقت نظراتها بنقطة أمامها: - سوري يا نونتي، شمس بتشاور لي، هروح أشوفها وآجي لك.
وابتعدت ليسود الصمت بينهما، هو بتفكير عميق وهي تتذكر ما حدث قبيل خروجها سوية!

كانت قد أنهت استعدادها للخروج عندما أتتها سلمى تخبرها أنه في انتظارها بغرفة الصالون حيث يجلس معه والدها، ولأنها نجوان تلك الفتاة التي لا تقضي ساعات أمام المرآة في التزيّن كدأب غيرها خاصة إن كنّ مدعوات الى حفل ضخم كحالها اليوم، فقد كانت مستعدة تماما، لتوافيه حيث ينتظرها، ومنذ أن وطئت قدميها الغرفة شعرت بوجود شيء ما خطأ خاصة عدما نهض والدها وتركهما وهو يخبر حمزة أنه سينتظره حال عودتهما كي يأخذ بثأره منه في عشرة طاولة (لعبة الطاولة). بدلا من التي خسرها أمامه آخر مرة...

نهض حمزة احتراما لوالدها الذي انصرف بعد أن منحها ابتسامة حنون وهو يشاكسها بمرح:
- إيه الحلاوة دي؟
وانصرف وسط ابتسامتها الخجلى والتي تحولت لنظرات حائرة وهي ترى خطيبها واقفا أمامها يطالعها بانشداه وحاجبان مرفوعان لأعلى، فتقدمت منه تمشي على استحياء وقد شعرت بأنوثتها من نظراته المنصبة عليها، لتقف على بعد خطوات بسيطة منه وتقول بابتسامة صغيرة:
- أنا جاهزة، اتأخرت عليك؟
حمزة بذهول: - امممم!

ضحكت ضحة صغيرة بنعومة جعلت حدقتاه تتسعان وكررت سؤالها لينتبه من شروده في هيئتها التي فتنته ما أن وقع ناظريّه عليها، فقال وهو يشير إلى ثيابها بسبابته:
- أنت قصدك أنك هتروحي كدا؟
لتتطلع الى فستانها ثم إليه ثانية وهي تبتسم قائلة: - آه، ليه مش حلو؟
صرخ حمزة باستهجان: - مش حلو؟ لا وانتي الصادقة دا حلو بزيادة!

قطبت نجوان بغير فهم قبل أن تقول بتساؤل: - مش فاهمة يا حمزة!، إيه المشكلة أنه حلو بزيادة على كلامك؟
حمزة وقد استعاد طبيعته الجادة وبمنتهى الحزم مشيرا لها: - ما فيش مشكلة يا نجوان، لكن للأسف أنتي مش هينفع تروحي بيه، اتفضلي غيريه!
حدقت فيه بقوة وقد انفرجت بؤبؤيها واسعا وهي تردد بذهول: - أغيّره!
حمزة بتأييد: - أيوة، تغيريه، بس بسرعة عشان منتأخرش أكتر من كدا!

قطبت نجوان عاقدة ساعديها أمامها لتبدو بمظهر طفولي غاضب قبل أن تقول برفض قاطع: - وأنا آسفة يا حمزة، مش هغيّره!
قطب حمزة مكررا بذهول غاضب: - مش هتغيريه؟!
أومأت بالايجاب قائلة بتأكيد: - أيوة. مش هغيّره!
انتفخت أوداج حمزة غيظا ودنا منها حتى وقف على بعد خطوتين وقال بتهديد خفي: - نجوان بلاش عناد، أنا مشة هسمح أنه مراتي تمشي بفستان عريان في الشارع والرايح والجاي يبص عليها!

نظرت إليه نجوان بعينين واسعتين قبل أن تنقل عينيها إلى فستانها تطالعه بتفحص، لترى أين هو العُري؟ هو فستان غاية في البساطة، محكم على جذعها العلوي وينزل باتساع حتى منتصف الساق بمزين بوردة جورية حمراء على الخصر من الناحية اليسرى، وأكمامه قصيرة للغاية، باللونين الأبيض والأسود، وانتعلت حذاء أحمر ذو كعب مرتفع، بينما حملت حقيبة يد صغيرة باللون الأحمر تماشيا مع الوردة الحمراء التي تزين خصرها. أما شعرها فقد رفعت جانبيه بمشبكين صغيرين من الالماس الاصطناعي وتركت الباقي منسدل حتى منتصف ظهرها، واكتفت لزينة الوجه بالكحل العربي الذي أضفى وسعا إلى عينيها مبرزا لونهما العسلي، مع طلاء شفاه باللون الأحمر الوردي...

هتفت بذهول واضح بعد أن انتهت من تفحّص نفسها: - فستان عريان! فين الفستان العريان دا؟ وبعدين تفتكر لو الفستان فيه حاجة كان بابا سمح لي أخرج بيه كدا؟ بقولك إيه يا حمزة واضح كدا أنك مش عاوز تروح، الاول رفضت أني أروح لوحدي، وبعدين جاي متأخر، ودلوقتي بتحجج بهدومي، قول انه المشوار مش على مزاجك، لكن انا عموما مش ضربتك على ايدك انت اللي صممت تيجي.

صمتت فيما التزم هو السكون التام لتردف وهي تهز كتفيها بلا مبالاة: - عموما احنا لسه فيها، أنا ممكن آخد أوبر وأكيد ريما هترجعني بالليل مش هتسيبني أرجع لوحدي.

حمزة ببرود: - خلصتي؟
قطبت بينما تابع وقد اصطبغ صوته بنبرة حازمة قلّما سمعتها منه فيما مال برأسه ناحيتها مسلطا عيناه على بركتيها العسليتين:.

- أولا أظن أنه من حقي ارفض أن مراتي تروح أي مكان من غيري، فما بالك أنها حفلة؟ أكيد لازم أكون معها، ثانيا. لو أنا رافض أنا مش محتاج أتحجج بأي حاجة، هقولك أني رافض في وقتها، حتى لو كانت عزومة ريما صاحبتك اللي انا عارف كويس أنها أكتر من اختك سلمى بالنسبة لك فبالتالي مش ممكن أرفض. لكن أنا بقولك لو عاوز أرفض مافيش حاجة هتمنعني. تالت حاجة ودي الاهم. من حقي أنى أرفض أنه مراتي تلبس حاجة تخلي الكل يتفرج عليها، مش غلط أنى أطلب منها أنها تخلي بالها من لبسها!

هتفت نجوان بيأس: - فين العريان دا عاوزة أفهم؟
لتمتد يديه تقبضان على ذراعيها وهو يجيبها بغضب مكتوم من بين أسنان مطبقة: - والدراعات دي؟ مش عريان أهو!
نظرت نجوان إلى ذراعيها لترفع عينيها إليه قائلة بدهشة: - الفستانى أكمامه جابونيز. هو موديله كدا، مش من غير خالص ولا حاجة!

حمزة بحنق فقد طفح الكيل عنده من هذه اللا مبالية والتي ستصيبه بجلطة عن قريب: - جابونيز. مايونيز. ماليش فيه! الدراعات دي يا تتغطى يا الفستان يتغيّر، ويا ريت لو تغيريه يبقى أحسن!

طالعته نجوان بدهشة قبل أن تطلق ضحكة عالية لم تستطع حبسها، فنظر اليها حمزة بانشداه وقد خفت قبضتيه، لتسحب ذراعيها وهي ترفع يديها لتمسح عينيها والتي أدمعت من فرط الضحك، قالت بعدها بصوت يحمل أثرا من ضحكاتها:
- مايونيز! أنت مش ممكن يا حمزة! عموما ولا تزعل، لا مايونيز ولا كاتشاب. أنا هخبي لك الدراعات خالص يا عم هارديز!

وانصرفت من أمامه دون أن تمنحه فرصة للد بينما وقف هو يطالع ابتعادها بفم بذهول، متمتما:
- هارديز!
لترتسم ابتسامة حانية على فمه المظلل بشارب ولحية خفيفين وهو يتذكر ضحكتها الشبيهة بانسياب جدول مياه رقراقة...

عادت نجوان وقد ارتدت سترة قصيرة تصل الى حدود الصدر، ذات أكمام طويلة، تصل إلى أعلى الرسغ، باللون الأحمر القاني، لتقف أمامه وتتنظر أليه وهي تشير الى نفسها:
- ها. إيه رأيك؟ أظن حشمة أهو!
حمزة بغيظ وقهر متمتما بسخط: - زفت!
فتحت نجوان عينيها على وسعهما متسائلة بدهشة: - نعم! أنت قلت حاجة؟
حمزة بتقطيبة: - بقول إيه. ما تغيريه خالص وتريحيني؟

نجوان ساخرة: - بقول أنا إيه يا حمزة، إيه رأيك ألبس عباية سودة من عبايات ماما؟
حمزة بيأس هامسا بصوت لم تسمعه: - المصيبة أنها بردو هتبقى حلوة عليكي!
رفعت نجوان صوتها وقالت بتهديد: - حمزة. انت بتقول حاجة؟
حمزة بغيظ وهو يشير اليها لتتقدمه: - بقول. حلو، كويس، يقرف، ياللا بقه اتأخرنا!
نجوان وهي تتقدمه وباستغراب: - يقرف؟ أنا مش عارفة مالك انهرده؟! عموما ياللا عشان احنا فعلا اتأخرنا!

وسبقته بينما لحق هو بها وهو يخاطب نفسه فيما عيناه تدققان في هيئتها الفاتنة: - أبو شكل حلاوتك يا شيخه، أوووف – وتخلل بسبابته ياقة قميصه متابعا – صبرني يا رب...

عادت نجوان من شرودها على صوت حمزة وهو يقول لها بينما يرسم على وجهه ابتسامة صغيرة:
- افردي وشّك (وجهك). ممكن؟
نجوان بهمس حانق: - أعمل لك إيه يا حمزة، ما أنت اللي من ساعة ما دخلنا زي ما تكون حارس عيّلة صغيرة خايف تضيع منك! ناقص تجيب حبل وتربطني بيك!

حمزة ببرود: - أنت اللي مزوّدة المواضيع.
نظرت اليه نجوان بنصف عين وهمست بتحد: - أنا اللي مزوّداها؟ ماشي يا حمزة. عن إذنك هروح أسلم على عمو أدهم وطنط تاج، لو عوز تيجي معايا براحتك، مش عاوز وحابب تفضل هنا، أحسن لو مشيت حد ييجي يركن مكانك زي ما تحب!

نظر اليها حمزة وهي تبتعد وقد ظهر غضبها في خطواتها القوية وردد بذهول: - يركن؟!
وما لبث أن لحق بها وهو يكاد يهدر غاضبا فيها ألا تبتعد، ونعم. هو يخاف. ضياعها منه!

وقفت نجوان تصافح تاج وأدهم وهي تتحمد للأخير لعودته سالما الى بيته وعائلته، لتنتبه الى وقوف حمزة بجوارها والذي رفع يده مصافحا أدهم وهو يقول بابتسامة:
- حمد لله على السلامة يا أدهم بيه.

أدهم وهو يصافحه بقوة وبابتسامة واسعة: - لا بيه إيه، أنت خطيب نجوان بنتي دلوقتي، يعني في مقام مراد ابني، تقولي يا عمي. بس بقولك إيه – ورفع سبابته مهددا بمرح – خلي بالك من نونة، اوعى تزعلها، ساعتها أنا هزعل. وزعلي وحش أوي!

امتعض حمزة من لفظ التحبب الذي أطلقه أدهم على نجوان، ولكن ولأنه يعلم تماما أن الاخيرة بمثابة ابنة أخرى لهذه العائلة افتعل ابتسامة وهو يقول:
- لا احنا مش قد زعلك حضرتك. اطمن. نجوان – ونظر اليها مردفا بابتسامة صادقة – في عينيا!..

لتحمر وجنتيها خجلا وهربت بعينيها من نظراته الغامضة، قبل أن تستأذن من تاج وتتجه الى شمس، بينما تلاحقها نظرات حمزة والذي انتبه لها أدهم، ليبتسم بغموض، ثم عمد إلى فتح أحاديث معه تتناول طبيعة عمله وخططه المستقبلية.

- إيه يا بنتي، هتفضلي واقفة كدا؟
تنهدت لبنى وهي تلاحقه بعينيها بينما الآخر لا يلقي بالا إليها، لتقول بعدها بهمس حزين:.

- يعني عاوزاني أعمل إيه يا همس؟ أخوك من ساعتها ما كلمنيش كلمة واحدة، من بعد ما رجع يومها بالليل وهو مقاطعني، دا انا بيتهيالي انه عشان أحمد ما ياخدش باله ما سابش أوضتنا، لكن بينام على الكنبة، ومافيش ما بيننا أي كلام، لو عاوز حاجة بيطلبها من علية، حاولت مرة واتنين وعشرة وما فيش فايدة.

سكتت تتنهد بيأس قبل أن تردف بتعب: - أنا عارفة أني غلطت لما روحت من وراه، بس ما كنتش لوحدي طنط تاج كانت معايا دا غير أنه ماما راندا كمان تعرف، وبعدين هو أنا روحت له؟ مش عشان خالي أدهم؟ مش رايحه واحشني يعني وعاوزة أشوفه!

كانت همس تطالعها وهي تزم شفتيها مشيرة بعينيها إلى الخلف ولكن لبنى لم تنتبه لاشاراتها لتباغت بصوت يندفع من ورائها يقول صاحبه بغضب مكتوم:
- هو مين دا اللي واحشك (تشتاقين إليه) وعاوزة تشوفيه يا مدام؟!

نظرت لبنى ألى همس بعنين جاحظتين تتساءل بنظراتها أن كان حدسها صائب وهي تومأ برأسها في استفهام، لتهز همس برأسها بالايجاب بدورها وهي تسدل أهدابها علامة الموافقة، قبل أن تخرق الصمت السائد بعد عبارة مهدي الغاضبة وهي تفتعل ابتسامة قائلة:
- إيه يا بني فينك؟
مهدي وعيناه لا تزالان تجلدان لبنى بسياط غضب ناري: - هنا. هكون فين.
همس وهي تتأهب للابتعاد: - طيب عن إذنكم أنا. هروح أشوف البوفيه.

كادت لبنى أن تتمسك بيد همس لتبقيها أو تذهب معها، ولكن همس مالت على أذن مهدي وقالت بتمتمة خافتة:
- بالراحة يامهدي مش كدا، ما تخليهاش تجيب آخرها. خفّ شوية.
ثم انصرفت وما ان همّت لبنى باللحاق بها حتى أعاقتها قبضته التي أمسكت بمرفقها بينما مال عليها هامسا من بين هسيس أنفاسه الساخنة:.

- حسابنا على الكلام اللي قلتيه مش هنا، وأحسن لك اسمه ما تنطقيش بيه تاني، ماذا وإلا أنا مش هكون مسئول وقتها عن اللي هيحصل...

ثم نظر اليها مليا ليرى انعكاس صورته في بركتها الزيتونية قبل أن يردف بحزم: - مفهوم؟!
فكتفت لبنى بهز رأسها بالايجاب، ليعتدل واقفا تاركا مرفقها، فهمت بالابتعاد ليوقفها صوته متسائلا أين ستذهب فأخبرته ببرود دون أن تلتفت إليه أنها ستصعد للاطمئنان على صغيرتها نهاوند، وأحمد.

كان يتابعها بعينيه عندما سمع صوت والده وهو يقول له بهدوء: - لو مراتك غلطت، العقاب يبقى على أد الغلط، ومش قودام حد كمان، وقبل ما تعاقبها تفكر ياترى هي غلطت عن قصد ولا لأ، ويا ترى نيّتها كانت إيه قبل ما تعمل الحاجة اللي ضايقتك؟

نظر مهدي إلى نزار وقال بعد أن زفر بعمق: - لبنى وجعتني أوي يا بابا، حاسيت أن زعلي مش فارق معها، هي عارفة كويسة أوي أني رافض أي كلام بينها وبين الراجل دا، يبقى لمّا تكسّر كلمتي معنى كدا أنها مش بتحترمني، ومش أنا الراجل اللي يسكت على عدم احترام مراته ليه، حتى لو كانت متقصدش!

ربت نزار على كتفه وقال بصبر: - مهدي يا ابني، مراتك بنت ناس فعلا، كلامك كان ممكن يبقى صح لو كانت راحت لوحدها أو حتى عشان قضية الحضانة بتاعت ابنها، لكن هي راحت بناء على اتفاق بينها وبين مرات خالك، دا غير أنه مامتك شجّعتها، مراتك بنت أصول. ما نسيتش جميل أدهم في وقفته جنبها أيام مرض ابنها، وبعدين هي ما كانتش لوحدها. كان معها تاج ودخل معها ابنها، ولو كنت متفهّم شوية كانت أكيد هتقولك، لكن هي خافت تقول لك كنت أكيد هترفض، وأنت عارف أنه قضية أدهم ما كانتش سهلة، يبقى لما يكون فيه أي احتمال أنه ممكن يطلع منها، لازم نمسك فيه بكل قوتنا، فكّر في كلامي تاني يا مهدي، وخلّي بالك. مراتك زعّلتك وعاوز تقوّمها. تمام. حقك، بس باللين يا بني، قوّمها، بس من غير ما تكسرها!

وانصرف نزار تاركا ابنه يفكر بعمق في كلماته، ليقع نظره عليها، من سلبت لبّه منذ زمن، ويكاد يجن كل ليلة وهو يسمع همس أنفاسها وهي نائمة غير واعية له، بينما هو فكمن يتقلب على جمر من نار، لا يغمض له جفن، وكيف يفعل وهو محروم من وسادته الناعمة التي كان يحتضنها بين ذراعيه ليغرق في نوم عميق بلا أحلام.

نظرت اليه بلوم تنهره برقة هامسة وهي تسترق النظر من حولهما: - ادهم ما تهزرش، احنا مش صغيرين لكدا، حد يشوفنا دلوقتي يقول ايه؟
نظر اليها مليا وكأنه يفكر في كلامها قبل ان يقول بتساؤل عميق: - اممممم. يعني هي المشكلة عندك دلوقتي في المكان ولّا الزمان ولّا انه حد يشوفنا؟

زفرت ريتاج بيأٍس وهتفت بهمس: - كله يا ادهم، كله يا بابا جدو!
وكأنها تذكره بأنه جدًّا بالفعل، لينظر اليها قائلا ببساطة: - بسيطة يا تاجي!
قطبت تطالعه بشك وحيرة وقبل ان تتساءل عن معنى كلمته بسيطة، اذ به يحيط خصرها بذراعه يدفعها امامه وبينما هي تتساءل بذهول عما يفعل، كان هو يدفعها امامه، ليقابل همس وهي تتجه الى المطبخ بينما كانا هما في طريقهما خارجا لتقف قائلة بدهشة:.

- خالي فيه ايه؟، ماما تاج شكلها مخضوض كدا ليه؟ وواخدها بتجري بيها على فين؟ والحفلة اللي معموله دي؟ والناس الموجودين عشانك!

ادهم بجدية زائفة: - موضوع مهم جدا للأسف يا همس يا بنتي، مش ممكن يتأجّل، اعتذري لي من مراد، وهو هيتصرّف مع الناس، وان شاء الله نكلمكم بعدين!

ركضت همس خلفهما لتفاجأ به وهو يتجه الى الباب الخلفي ثم التفت اليها مردفا: - همس روحي أنتي لضيوفك يا حبيبتي، ولو سألوكي قولي مشوار ضروري ولازم انا وتاج نعمله سوا!

راقبت همس انصرافهما بعينين مشدوهتين وهي تتمتم مع نفسها في ذهول تام: - هو فيه ايه بالظبط؟ موضوع ايه ومشوار ايه دا اللي جالهم فجأة؟ وماما تاج زي ما تكون مخطوفة!

بينما بالخارج هتفت تاج في أدهم باعتراض بعد ان دفعها لداخل سيارته الكلاسيكية قبل ان يصعد هو الى مقعد السائق والذي صرفه ثم ينطلق بالسيارة حيث قالت:
- أنت اتجننت رسمي يا ادهم! تقدر تقول لي مرات ابنك هتقول ايه علينا دلوقتي؟

طالعها بنظرة جانبية قبل ان يعيد انتباهه الى الطريق مجيبا باستخفاف: - لو عرفت بجد اللي فيها انا متأكد انها هتغِير منك وهتقول لجوزها يعمل زي باباه!

ريتاج بنظرات تلمع بالحب: - أنت ما فيش حد زيّك أبدا يا حبيبي، ولا حتى ابنك!
رمقها أدهم بطرف عينه وهو منشغل بالطريق وقال بعدها بينما قبض على يدها ورفعها الى فمه يقبل باطنها وهو يهمس لها بشغف لم يقل رغم مرور السنوات على زواجهما:
- أنتي اللي كنز ربنا وهبه ليا، وأنا مش ممكن أفرّط فيه أبدا. انتي. دنيتي يا تاجي، دنيتي اللي مش ممكن أتخلى عنها أبدا، دنيتي اللي مش هتروح الا بموتي أنا!

فهتفت تاج بلوم: - بعد الشر عليك، ادهم انت عارف اني مش بحب الكلام دا، ربنا ما يحرمني منك ابدا يارب، لو كنت انا دنيتك فانت دنيتي وعمري كله، أنت متتصورش حالتي كانت شكلها إيه الفترة اللي كنت غايب فيها عني، كنت حاسة أني زي الطفلة اللي تايهة من أهلها، لأنك أنت كل أهلي يا أدهم. أنا من غيرك ضايعة، أوعدني يا أدهم أنك متسيبنيش تاني!

ادهم بزفرة حارة: - أوعدك يا تاجي، وعموما الكلام دا مينفعش هنا، اصبري لغاية ما نوصل يا حبيبتي. تمام؟!

أومأت ريتاج بالايجاب ليتابع أدهم طريقهما قطبت ريتاج وقد تذكرت انها لا تعلم إلى الآن وجهتهما، وقبل أن يتثنى لها السؤال غمزها قائلا بمكر وكأنه يقرأ أفكارها:
- مفاجأة!

وكانت بالفعل مفاجأة لها، فبعد برهة من الوقت، فوجئت به وهو يوقف السيارة امام فندق من فنادق الخمس نجوم، ليترجل من السيارة بينما فتح لها احدى حرس بوابة الفندق الباب فترجلت بدورها، أعطى ادهم الحارس المفتاح ليصف السيارة في الموقف، ودفع بها امامه دون ان يجيبى على تساؤلات عينيها، وأمام موظف الاستقبال طلب منه حجز الجناح الملكي، وحانت منه لحظتها التفاتة لها فغمزها بطرف عين في غفلة عمن حولهم، ليمتقع وجهها خجلا، وبعد ان أنهى اجراءات الدخول، ناوله الموظف البطاقة الممغنطة الخاصة بدخول الجناح، بينما تسير معه كالتائهة وهي تتطلع حولها في شكّ وتساؤل، حتى اذا ما أغلق عليهما باب الجناح نظرت حولها بذهول لتهمس بغير تصديق:.

- نفس ال...
ادهم بابتسامة حب: - نفس الفندق، ونفس الجناح. فاكرة؟ بس انهرده مش هنام بحسرتي وانتي قودام عيني ومحروم منك!

ريتاج بدموع تترقرق في زمردي عينيها: - معقولة يا أدهم؟ لسه فاكر؟!
أدهم بهمس حان وهو يقبض على كتفيها برقة: - وعمري ما هنسى، اي حاجة مرت بينا ذكريات محفورة جوايا، من لحظة ما شوفتك وكل دقيقة مرت علينا سوا عمري ما بنساها، حد ينسى أيام عمره؟ انتي عمري كله يا تاجي!

لترتمي بين ذراعيه هامسة بحب قوي!
- أنا بحبك أوي يا أدهم، أوي.
ادهم بعشق سرمدي: - وانا مش بس بحبك لا، أنا بعشقك، ولو فيه حاجة اكبر من العشق يبقى انا يا تاج أدهم.

و، سكت الكلام المباح، تاركا لعشقهما المساحة ليفرد جناحيه فوقهما يطويهما تحته، فيحملهما فوق غيمة ساحرة، إلى عالمهما الخاص. مَنْ اتخذ من عشقهما اللامعقول له. عنوان!

دلفت تسير بخطوات غاضبة متجهة الى غرفتهما ما أن فتح باب المنزل، ليلحق بها، حيث وقفت هي أمام مرآة الزينة تخلع مجوهراتها القليلة التي تزينت بها في الحفل، بينما جلس هو على طرف الفراش يخلع حذائه بكل هدوء، ثم وضعه جانبا ووقف، يسحب ربطة عنقه ليلقيها جانبا، وشرع بعدها في فك أزرار قميصه، كل هذا ويارا تقف تطالع صورته المنعكسة في المرآة خلفها وعلامات الغضب تبدو جلية على وجهها، حيث لا تزال صورته وهو يتحدث ويمازح جميع من حضر الحفل من الاناث بذهنها، بينما تعمد تجاهلها، اللهم إذا تواجدت همس أو أحد من عائلتها معهما فساعتها يقوم بالتصرف بطبيعية متقنة، ومن يراهما لا يظن أنه نفسه ذلك الزوج الذي هدد امرأته بالزواج بأخرى، ومن وقتها وهو يختار عروس الشؤم تلك!

نزعت دبابيس شعرها، ثم توجهت إلى الخزانة لتتناول منامتها، تحدثت ببرود تطلب من أسامة الواقف بدوره أمام الخزانة يخرج ثيابا للنوم له:
- ممكن تبعد شوية؟
نظر اليها ببرود، ثم ابتعد قليلا. بل أقل من القليل. مساحة صغيرة لا تستطيع فيها أن تفتح حتى باب الخزانة الذي أغلقه بعد أن تناول ثيابه، زفرت بضيق وطالعته قائلة بابتسامة صفراء:
- ابعد شوية يا أسامة.
أسامة ببساطة: - أبعد أكتر من كدا إيه؟

يارا هاتفة بحنق: - أنت هتستعبط؟ ابعد خليني أفتح الدولاب، مالك واقف كدا ليه مش عارفة أعدِّي!
أسامة ساخرا وهو يطالعها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها: - امممم. قولي كدا بقه.
قطبت يارا مستفهمة: - أقول إيه؟
أسامة ببراءة زائفة: - أنك تخنتي، وعشان كدا مش عارفة تعدي!
يارا بصدمة وهي تفتح عينيها على وسعهما: - ت. إيه؟! تخنت!

أسامة وهو يستدير مبتعدا وببرود تام: - يا ريت تاخدي بالك من نفسك يا يارا، أنتي لسّه صغيرة على التّخن دا!
هتفت يارا وهي تلحقه: - تخن إيه؟
التفت اليها يشير لها بسبابته وهو يقول بسخرية أوجعتها: - أنتى مش شايفة نفسك ولّا إيه؟ عشان ما تزعليش لما أقول أني هتجوز!

برود تام احتل أطرافها لتطالعه بنظرة خاوية قالت بعدها بجمود: - انت مش محتاج تكرهني في نفسي عشان تلاقي لك مبرر انك تتجوز، وعموما طالما أنا خلاص مش عجباك أوي كدا، ولا أي حاجة فيّا بئيت بتعجبك. صابر عليّا ليه؟!

قطب أسامة وتقدم منها بينما أزرار قميصه محلولة جميعها لتظهر عضلات صدره الأسمر القوية فأشاحت بوجهها بعيدا لا تريد أن تضعف أمامه، فشوقها إليه يكاد يقتلها، وقف أمامها متسائلا بريبة:
- قصدك إيه؟
نفخت يارا بضيق ثم قالت بسخرية: - يعني شيل دا من دا. يرتاح دا عن دا!
أسامة بهدوء يشبه السكون ما قبل العاصفة والتي بدأت تلوح بين دخان عينيه: - بتلمحي لإيه عاشر يا يارا؟ الطلاق؟! انت لسّه محرمتيش؟

هتفت يارا فيه وهو ترفع يدها في وجهه: - هو إيه أصله دا؟ مش أنت اللي نازل فيا تريقة (سخرية)؟، بريّحك يا أسامة.
ثم ورغبة منها في اغاظته فهو قد تفنن في قهرها، فقررت أن ترد له ولو جزءا يسيرا مما فعله بها لتقول بغرور أنثوي:
- وبعدين يا سيدي اللي ميعجبكش أنت، يعجب غيرك!
وتركته وعادت للخزانة تتناول منامتها ثم اتجهت الى الحمام الملحق بغرفتهما عندما انتبه أسامة من ذهوله فأسرع يناديها:.

- انتي بتقولي إيه؟ مين يعجب إيه؟ ليلتك مش فايتة انهرده. خدي هنا!

ولكنها سبقته ودلفت الى دورة المياه وأوصدتها خلفها لتستند بكتفها الى الباب حيث قالت بصوت عال وصله وابتسامة عريضة احتلت شفتيها فها هي قد نجحت مبدئيا في استفزازه، ولن تكون يارا أن لم تجعله يصل إلى أعلى درجات القهر والغيظ. فقد صدقت همس. هي من أبعدته، وهي من ستعيده إليها، ولكن قبلا ستجعله يدفع ثمن الكلمات الرعناء التي رماها بها! لتقف أمام مرآة الحمام تنظر الى نفسها من جميع الزوايا وهي تردد في دهشة وحنق:.

- أنا تخينة! ماشي يا ابن حماتي. جبته لنفسك، استلقى وعدك بقه من التخينة يا. زوجي العزيز.

وبرقت عيناها بشقاوة وهي تنظر الى المنامة التي جلبتها والتي اختارتها في آخر لحظة، فها هو العقاب الثاني. في الطريق إليك. مخرجي الكبير!

دلفت يارا خارج الحمام وهي تجفف شعرها بالمنشفة الصغيرة، وما أن لمحها أسامة حتى قفز واقفا ولم يكن يرتدي سوى سروال منامته فقط، ليدنو منها وهو يهتف بقهر:
- انتي يا مدام، معنى إيه الكلام اللي قلتيه من شوية؟
أزاحت المنشفة جانبا لتنظر اليه، ثم ألقت بها بعيدا قبل أن تتجه إلى منضدة الزينة لتتناول فرشاة الشعر وتقول ببرود وهي تحرك كتفيها بلا مبالاة:.

- والله الكلام مفسّر نفسه، ولا أكون أنا تخنت في جسمي، وأنت. تخنت في عقلك!

فتح أسامة عينيه واسعا وقطع الخطوات الفاصلة بينهما في خطوتين اثنين ليقبض على مرفقها ويديرها اليه هادرا فيه بذهول غاضب:
- يارا. انتي اتهبلتي؟ من امتى وانتي بتكمليني بالاسلوب دا؟
يارا وهي تحاول سحب مرفقها من يده: - من ساعة ما سمحت لنفسك تكلمني بنفس الاسلوب، ولّا هو حلال عليك وحرام عليّا؟ واوعى بقه عاوزة أسرّح شعري وأنام، تعبانة...

لتجذب ذراعها بقوة من قبضته، وتلتفت تتابع تمشيط خصلاتها السوداء المموجة، ثم وضعت بضع قطرات من عطرها الخاص، قبل أن تلتفت وتخلع مئزرها دون أن تلقي له بالا، وما أن ظهر ما ترتديه أسفل روبها، حتى سمعت صوت شهقة مكتومة، وبصعوبة كتمت ابتسامة كادت تفضحها وهي تتجه الى الفراش، لتحين منها نظرة الى نفسها في المرآة، فترى جسدها وتلك المنامة تبرز مفاتنه بصورة بريئة ولكنها غاية في. الاغواء!

كانت المنامة عبارة عن شورت قصير يصل الى أعلى الفخذين، وبلوزة بحمالات رفيعة، تصل الى أسفل الصدر، بينما خصرها فهو عار، وكلا من الشورت والبلوزة يلتصق بجسدها وكأنه جلدا ثانيا لها بلونهما الأبيض الذي يبرز جمال بشرتها الذهبية.

رفعت طرف الغطاء ودخلت الى الفراش، ليتمالك أسامة نفسه ويقول بصوت خرج رغما عنه مهزوزا بشكل طفيف:
- أنتى هتنامي قبل ما نكمل كلامنا؟
رفعت نفسها على ذراعها وقالت ببراءة: - أسامة أنا بجد تعبانة، دا غير أنى عندي تصوير خارجي بكرة الصبح ان شاء الله، فلازم أكون فايقة، عموما لو اتضايقت أوي من عقلك تخين. ولا تزعل، أنا اللي تخينة يا سيدي. تمام كدا؟ تصبح على خير.

ونامت تشد الغطاء فوقها، وما هي إلا دقائق حتى سمعت صوته قريبا جدا منها، فأزاحت الغطاء وما أن همّت بالاعتدال حتى فوجئت به يجلس بجانبها يكاد يلتصق بها فشهقت من المفاجأة قبل أن تتراجع إلى الخلف وهي تنفخ قائلة بضيق:
- فيه إيه تاني بقه؟

أسامة وعيناه تلتهمان ما ظهر من مفاتنها، فهو بعيد عنها منذ شجارهما الأخير بعد زيارة والديه وما كان وقتها، ليكتشف أن بعده هذا ما هو إلا عقابا له هو قبلها، أجابها وعيناه مسلطتان على فتحة عنقها الواسعة:
- عندك تصوير فين؟
يارا بتنهيدة عميقة وهي تنظر أمامها: - لقاء مع هيثم نور. في ال location اللي بيصوّر فيه آخر أفلامه، وهو بنفسه اللي محدد المعاد، فمش هينفع أتأخر.

قطب أسامة وقد بدأت تسترعي انتابهه وقال: - وليه مش في الاستديو؟
يارا ببساطة: - عاملها كادو (هدية) لينا، احنا أول ناس يصور معهم ويعرض لقطات حية من فيلمه الجديد، أنت عارفه مش بيحب يتكلم خالص عن أي عمل ليه إلا بعد ما يخلص ويتعرض فعلا.

أسامة بتركيز: - امممم، كادو ليكم؟ غريبة!
زفرت يارا بقوة والتفتت اليه قائلة: - ولا غريبة ولا حاجة، أحنا عرضنا عليه نستضيفه وهو عرض المكان، وطبعا أنت عارف البرنامج بتاعي ناجح إزاي، وسبق واستضفنا فنانين كبار. حكاية نجم. بقه من أشهر برامج النجوم. وطبعا رحّبنا جدا، ومعادي بكرة 9 الصبح، ومش هينفع أتأخر ثانية واحدة، أساسا مش هيبدأ تصوير من غيري.

أسامة بشكّ: - ايش معنى يعني؟ مش فيه مساعد إخراج، ممكن لأي ظرف هو يكون موجود لغاية أنت ما تحصليهم.

يارا ببساطة: - أيوة بس أنا مش المخرج بس، أنا هبقى المذيعة كمان، دا كان شرطه عشان يصوّر معنا!

هدر أسامة بقوة وهو يرتفع في مكانه يطالعها من أعلى: - مين يا ختي؟!
يارا وقد بدأت تتوجس من هيئته الضخمة وعيناه اللتان تطلقان شرار تكاد تشعر بحرارته:
- إيه يا أسامة مالك بس؟
صاح أسامة بذهول غاضب: - وكمان بتقولي مالك؟ هيثم نور! أنتي عارفة هيثم نور دا سمعته عاملة إزاي؟ وبعدين ليه يختارك أنت؟ ايش معنى يعني؟ لالالا أنا مش موافق على الموضوع دا.

قاطعته يارا وقد نست خوفها لتنتصب فوق الفراش على ركبتيها تشيح بيدها في وجهه وهي تهتف بسخط:
- إيه إيه إيه. حيلك حيلك. يعني إيه مش موافق؟ دا شغل، هو كان جاي يخطبني وأنت بتقولي مش موافق؟!

أخطأت، نعم أخطأت وخطئا فادحا أيضا، لقد نصحتها همس بأن تشعل غيرته كي يعود إليها، ولكنه الآن. سيحرقها هي شخصيا بشعلة غيرته التي تتراقص بين فحم عينيه المشتعل.

حاولت استدراك كلماتها حينما قبض بقوة على أعلى ذراعها ومال عليها لتضطر إلى التراجع إلى الخلف لتسقط على الوسائد خلفها، فدنا منها يقول بصوت منخفض ينذر بالشر:
- أنتي قلتي إيه؟ أنت شكلك أكيد اتجننتي! الاول تلميح أني أسيبك للي تعجبيه، ودلوقتي بتقولي عريس وجاي يطلب ايدك مني!

يارا بصبر: - معقول هيطلبني من جوزي بردو؟ وبعدين مين قال عريس؟ أنا بقولك أنت زي ما تكون هو جاي لك يخط.

صرخ بها بعنف: - هسسسس. ما تكرريهاش! شكل الواد الملزق دا عجبك صح؟ اتبسطت عشان اختارك انتي بالذات تعملي معاه اللقاء مش كدا؟ طيب إيه رأيك بقه يارا، ما فيش برنامج مع الواد هيتصور، ولو حصل واتواصلت معه بأي طريقة حسابك معايا هيكون عسير جدا.

حاولت مقاطعته فأردف بقوة أسكتتها: - وكلمة زيادة هيبقى ما فيش شغل من أصله يا يارا. إيه رأيك بقه؟
يارا بدهشة: - إيه؟ إزاي ما فيش شغل؟ مش من حقك...
ليهدر فيها بغضب ناري وهو يقبض على كتفيها يهزها بقوة: - أومال حق مين يا يارا؟ أنتي كلك على بعضك حقي. حقي أنا يا يارا. أنا.
يارا بهتاف باكي: - خلاص. خلاص. حقك حقك. سيبني بقه، أنا تعبت!

ولكنه لم يتركها، بل سرعان ما دفع بها بين أحضانه وهو يهتف بحرقة بالغة: - مش هسيبك يا يارا، ولا ساعة ولا يوم، أنتي ليا لآخر يوم في عمري، تمام زي ما أنا ليكي.

يارا ودموعها تنساب تغرق وجنتيها الناعمتين: - ليا أنا وبس يا أسامة؟
أسامة بتأكيد: - أنتي وبس يا يارا. زي ما أنتي مراتي أنا وبس، مش كدا يا يارا؟ صح؟
هزت رأسها تجيبه بهمس مختنق وسط بكائها الحار الذي لم يترك لها المجال لتتحدث: - صح يا أسامة. صح!
ليضمها أقوى إليه بينما يدفن أنامله بين طيات شعرها، ليبعدها قليلا عنه ويحتوي وجهها بين راحتيه، ينظر الى بندقتيها اللامعتين بدموعها وهو يهتف بحرارة:.

- وحشتيني أوي يا حبيبتي. أوي.
ومال عليها يمسح دموعها بشفتيه، حتى وصل الى ثغرها الناعم ليخطفه في قبلة عميقة. بعمق البحر، هادرة. كأمواجه. ناعمة كسطحه الأملس، ولكنها أيضا لا تروي. كمياهه!، فكلما نهل من عذب شفتيها صرخ قلبه مطالبا بالمزيد والمزيد...

همست يارا من بين قبلاته الساخنة: - أنا وبس يا حبيبي صح؟
أسامة بصوت متحشرج وهو يدفن وجهه بين طيات شعرها يستنشق عبيره الذي طال اشتياقه له:
- أنت وبس حبيبتي. أنت وبس.
ليثبت لها بالفعل أنها هي حبيبته الوحيدة. من ملكت عليه قلبه بل وحياته كلها!

أوقف السيارة لتترجل منها يتبعها هو، ثم أحمد الجالس في المقعد الخلفي، توجهت الى المنزل وهي تحمل صغيرتها، ليتناولها منها وهو يقول ببرود:
- هاتيها.
فتح الباب ليدلف أحمد سريعا، تبعته هي، قال مهدي وهو يتجه بنهاوند ابنتهما الى غرفتها:
- هحطها في سريرها.
تنهدت بتعب، قبل أن تلحق بأحمد لتساعده في الاستعداد للنوم، وجلست بجواره كما كل ليلة تقرأ على مسامعه بعض الحكايات، عندما قال أحمد ببراءة طفولية:.

- ماما. يعني أنا دلوقتي عندي اتنين بابا؟
سكتت لبنى تنظر اليه بابتسامة صغيرة قالت بعدها وهي تحيط وجهه بيدها: - تقريبا يا حبيبي، بابا مهدي وبابا.
أحمد مقاطعا: - شريف. بابا شريف، ماما أنا سمعته وهو بيقول أنه ما كانش يعرف أني تعبان، أنا كنت معاكي يومها فاكرة؟

لبنى وهي تلاعب خصلاته السوداء: - طبعا يا حبيبي فاكرة.
أحمد بحيرة: - معنى كدا أنه مش وحش زي ما كنت متصوّر، وأنه بيحبني وعاوزني أكون ابنه فعلا؟
تنفست لبنى بعمق وقالت محاولة رسم ابتسامتها: - أكيد يا حبيبي، مش بابا، ازاي مش هيحبك؟
أحمد بترقّب: - طيب. هو أنا هبقى أروح عنده زي ما قالي؟

لبنى بجدية: - هتروح بس زيارة يا أحمد، وترجع بيتك هنا تاني، لأنه بيت بابا مهدي هو دا بيتك الاصلي، أنا مش بقول حاجة عن والدك الحقيقي، لكن بيت بابا مهدي دا بيتنا احنا، أنا وانت ونهاوند وبابا مهدي. عايشين كلنا فيه سوا. صح يا حبيبي؟

أحمد بابتسامة وهو يحتضن أمه: - صح يا ماما، انا أساسا كنت خايف أسيبكم وأروح أعيش هناك، وأنا بحب بابا مهدي أوي يا ماما. أوي.

لبنى وهي تنظر الى البعيد بينما تربت على رأس ابنها: - كلنا يا حبيبي بنحبه اوي، اوي.

دلفت الى غرفتهما، لتجده وقد جهز منامته كما كل ليلة فوق الاريكة، لتزفر بتعب، ثم اتجهت اليه وقد قررت أنها لا بد أن تحسم هذا الخلاف والليلة.

وقفت بجواره وهو يجلس فوق الاريكة يتحضر للنوم: - هتفضل غضبان كدا كتير؟
رفع رأسه اليها بقوة فقالت وقد بدأت ثقتها تتراجع: - أيه. أيوة. مش كفاية الايام إلى فاتت؟ انا غلطت وانت عندك حق، بس مش غلطة تستاهل زعلك دا كله، وبعدين 100 مرة أقولك أنا ما كنتش لوحدي، ومامتك عارفة، دا غير أننا قدرنا الحمد لله نثبت براءة خالي أدهم، يبقى ايه بقه؟

نهض مهدي فجأة لتميل الى الخلف بعيدا عنه بينما هتف في وجها بغضب: - يبقى أن مراتي ما احترمتش كلمتي، يبقى أضمن منين هي بتعمل إيه من ورايا؟ أعرف منين انه الحاجة اللي بقول عليها بتتعمل؟

لبنى بعتاب: - بقه كدا يا مهدي؟ هي حصلت أنك تشك فيا؟ بعمل إيه من وراك؟ كل دا عشان روحت لشريف.

قاطعها صارخا بقوة: - ما تجيبيش سيرة زفت على لسانك!
سكتت واكتفت بهز رأسها ألى أعلى وأسفل بالايجاب فتابع هو بتهديد واضح: - عارفة لو سمعت اسمه منك تاني هعمل فيكي إيه؟ ها؟!
طرقات تعالت على باب غرفتهما ليهدر بعنف وهو ينظر الى الباب: - مين؟!
علية ببساطة وكأن الصراخ الذي سمعته لم يثر فضولها أو تساؤلها: - فيه ضيف في الصالون.
استفهم مهدي بغلظة: - ضيف؟ الساعة دي؟

وطالع ساعته وجدها تقترب من التاسعة مساءا ليردف بسخط: - مين دا، وعاوز إيه؟
علية بكل هدوء: - بيقول أسمه الاستاذ شريف، وجاي في موضوع مهم، بخصوص مدام لبنى وأحمد.
كتمت لبنى شهقتها براحتها بينما طالعها مهدي بعينين جاحظتين مرعبتين لتهز رأسها نفيا وهي تقول:
- والله العظيم ما أعرف أنه جاي.
مهدي بابتسامة شريرة: - ماشي يا لبنى، أنا بقه هتصرف. وهو اللي جالي برجليه، يعني لعب في عداد عمره...

لبنى بذهول: - يعني إيه؟
مهدي وهو يهم بالابتعاد ناحية الباب: - يعني موته حلال!
وانصرف بخطوات قوية تكاد تحفر الارض أسفلها من قوة غضب صاحبها، فيما وقفت لبنى تكرر ببلاهة:
- موته حلال؟!
لتفيق من ذهولها وتسرع في اللحاق به وهي تنادي برجاء: - مهدي. استنى بس!
ولكن مهدي لم يكن لينتظر، فهو قد اتخذ قراره. وقُضيَ الأمر!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة