قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني والثلاثون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني والثلاثون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني والثلاثون

تعالى رنين جرس الباب لتقبل صباح الخادمة وهي تهتف عاليا بطريقتها المندفعة: - حاضر. حاضر ثواني، يا ختي هو في ايه، هو أنا قاعده ورا الباب!
في حين أقبل كل من أدهم وريتاج من الداخل على صوت الرنين المتسارع المتعالي يطالعان صباح وهي تفتح الباب بينما لسانها لا يكف عن التذمر!

قالت ريتاج بقلق: - يا ترى مين؟
ما أن فتحت صباح الباب حتى اندفعت كتلة بشرية كطلقة المدفع الى الداخل، لتهتف ريتاج بعينين متسعتين دهشة فيما قطب أدهم ترقبا وريبة:
- ريما!
أدهم وهو يندفع ناحية ابنة شقيقته الصغرى بقلق ظاهر: - مالك يا ريما؟ ايه اللي حصل؟

وقفت ريما بينه وبين تاج تقول ووجهها أحمر من شدة الغضب وأنفاسها تتلاحق: - لو سمحت يا خالو، حُط حد للتهريج اللي بيحصل دا؟ أنا حاسة زي ما أكون عروسة ماريونت بيحركها هو زي ما هو عاوز!

تبادل أدهم وريتاج نظرة معرفة لتقول ريتاج التي اقتربت منها تحتضن كتفيها بحنان: - عصام؟!
هزت ريما رأسها بالايجاب وقالت وهي ترغي وتزبد: - هيكون مين غيره؟! أنا خلاص تعبت!
نظرت ريتاج الى أدهم قبل أن تعيد عينيها اليها وهي تقول محاولة تهدئتها: - طيب تعالي يا حبيبتي ندخل جوّة واحكي لنا اللي حصل.

سارت مع ريتاج وأدهم الى غرفة الجلوس وما ان خطت خطوتين حتى توقفت مكانها ورفعت عينيها الى خالها وهي تقول بتصميم:
- خالي. أنا مش هتجوز عصام...
تعالى رنين جرس الباب ثانية لتقبل صباح التي لم تكد تبتعد لتعود مرة أخرى وهي تتذمر مدمدمة بسخط:
- هو فيه ايه انهرده؟ كله جاي يحطه ايده ع الجرس يحلف ما هو ما نزلها!، أنا هجيب كرسي وأقعد جنب الباب أحسن!

وما أن فتحت الباب حتى اندفع عصام الى الداخل ليبصر ريما وهي تقف بين خالها وزوجته فاتجه اليهم وهو يهتف فيها حانقا:
- انتي أد اللي عملتيه دا؟
تقدم أدهم من ابن أخيه فهو يعلم جيدا أنه ما أن تفلت أعصابه من عقالها فغضبه يعميه فتخرج تصرفاته طائشة لا يحكمها عقل أو منطق! قال أدهم ما أن وقف أمامه بهدوء:
- اهدى يا عصام وفهمونا فيه ايه؟

تقدمت ريما من عصام وهي تقول بسخرية قوية: - اتفضل احكي لخالو يا أستاذ، يا ترى عارفين بالخبر السعيد ولّا أدتني أنا الشرف أني أعرف الاول؟

نفخ عصام بضيق وقال بغضب مكبوت: - ريما اقصري الشر، أنا لغاية دلوقتي ماسك أعصابي ومش عاوز أتهوّر، ما تخلنيش أزعّلِك!

تخصّرت ريما وهي تكشّر بوجهها وتصيح قائلة بتحد صارخ: - نعم! تتهوّر؟ وتزعلّني؟ أكتر من كدا تهوّر وزعل؟ كفاية اللي انت عملته انهرده، ولو افتكرت أني هسمح لك انك تتهور معايا وأسكت لك تبقى غلطان يا أستاذ، أنا مش لعبة في ايدك تحطها هنا وترجع تشيلها تحطها هناك!

ريتاج بعقدة جبين عميقة: - أظن الكلام مش بالاسلوب دا يا عصام، خصوصا وأنت هنا في بيتنا وقودام عمها!
زفر عصام بضيق وقال محاولا التحكم في أعصابه المنفلتة بسبب كتلة التحدّ والعناد الواقفة تطالعه بزمردتيها تتحداه الاعتراض:
- أنا آسف يا طنط تاج، آسف يا عمي، ما كانش ينفع أني أدخل بالصورة دي، بس هي اللي استفزتني وخلّت أعصابي تفلت.

ادهم بهدوء: - ليه؟ ايه اللي حصل يا عصام؟

نظر عصام مشيرا الى ريما وأجاب ساخرا: - أبدا. كل اللي عملته أني حددت معاد الفرح! مش المفروض اللي اتكتب كتابهم دول يعملوا فرح؟ وأظن أني مش محتاج وقت أكوّن نفسي ولا عشان نتعرف على بعض، يبقى التأجيل لزومه إيه؟ كل الهيصة والخناق دا عشان قلت لها الفرح بعد شهر، دا جزائي أني فكرت فيها وما رضيتش أعمله بعد أسبوعين؟ قلت شهر عشان تكمل اللي ناقصها ولو عليا عاوزها بشنطة هدومها بس!

نظرت ريتاج بجبين معقود الى ريما وقالت: - هو دا اللي مزعلّك يا ريما؟

أومأت ريما وهي تقف شامخة برأسها تقول بتحد: - أيوة طبعا! البيه كالعادة بسّط الموضوع جدا وطالعني واحدة تافهة عاوزة تعمل مشكلة من لا شيء، لكن أحب أقولك يا عصام بيه أنه أي اتنين مخطوبين أو مكتوبين كتابهم أو حتى ماشيين مع بعض بيتناقشوا في كل خطوة في علاقتهم وبيحددوا سوا الخطوة الجاية امتى وفين، لكن اللي بيحصل معنا العكس، من أول ارتباطنا وأنا بتحط قودام الامر الواقع، وتقنعوني وأقول أوكي لكن لغاية الفرح و. ستوب! – رفعت يدها باسطة راحتها أمامه مردفة بحزم – أنا مش عروسة فاترينة هتلبسوها فستان الفرح وتقولوا لها قومي احضري فرحك! لازم تسألني وتاخد رأيي مش تأمرني. وكأني بشنغل عندك أو لعبة في ايدك!

وسكتت تنهج من شدة انفعالها محاولة التقاط أنفاسها الثائرة فيما احاطت ريتاج بكتفيها وهي تقول لعصام بتأنيب:
- ريما عندها حق يا عصام، المفروض معاد الفرح دا يخصكم انتم الاتنين، يعني تحددوه سوا، مش واحد يقرر والتاني عليه التنفيذ!

عصام وهو يقبض على يديه بقوة قائلا وقد برزت عروق رقبته واضحة محاولا كبت غضبه الوحشي وبصوت ساخر يغلي:
- طب ليه ما قولتيش سبب اني حددت الفرح؟ واحنا كنا متفقين أننا هنقرر مع بعض؟
أدهم بتقطيبة: - وايه هو السبب يا عصام؟
وفي حين شدت ريما قامتها رافعة رأسها تطالعه بإباء وتحدّ فهي لم تفعل ما يستوجب عليها الخجل منه، أشار اليها عصام قائلا بتهكّم:.

- الهانم ما اتعظتش من اللي حصلها زمان، وبتكرر حكاية ممدوح تاني!
شهقت ريتاج بذهول في حين لمعت عيانه بخطورة وهو يقول: - ازاي؟..

عصام بحدة: - بترفع الحواجز بينها وبين أي حد، وعذرها في كدا أنه أبن زميلة بابا – قال كلمته الاخيرة مقلدا صوتها بسخرية قبل ان يواصل بغضب – وأنا راجل بيجري في عروقي دم مش ماية، ما ينفعش أشوف نظراته ليها وأسكت، وحذرتها ونبهتها بدل المرة ألف وهي واخداها عناد وتحدي، واللي طالع عليها بابا مش معترض، أنت مالكش حكم عليا. قلت خلاص بسيطة، أبطّلها حجّتها، كدا أو كدا مسيرنا هنتجوز في الآخر، مش هنفرض مخطوبين العمر كله. يبقى فين المشكلة؟

هتفت ريما بحدة: - المشكلة أنك لاغيني خالص من حساباتك، فاكرني بنت هبلة مش فاهمه اللي قودامها، أنا ماليش دعوة إلى قودامي بيفكر فيا ازاي، أنا اللي يهمني تصرفاته ناحيتي، لو اتجاوز أنا أكتر من قادرة أني أوقفه عند حده، لكن طالما ما اتجوزش حدوده معايا مش هحاسبه على اللي جوّاه، لانه مش بيسيء لي أو بيجرحني بأي طريقة لا تلميح ولا تصريح، وتعبت أفهّمك كدا لكن انت عنيد واللي في دماغك مش بيتغيرّ!

همّت ريتاج بالحديث عندما أحاط أدهم بساعد ريما وقال بحزم: - معلهش. بس أنا محتاج أقعد مع بنت أختي لوحدينا شوية!

أغلق باب المكتب الجرار خلفهما وكان آخر ما رآه وجه ريتاج المتحفّز ليمنحها غمزة عابثة قبل أن يغلق الباب دونهما، اقترب من ريما التي وقفت في منتصف الغرفة، ليدفعها بخفة في ظهرها يقول وهو يوجهها ناحية الاريكة السوداء العريضة:
- تعالي يا ستي. أنا وأنت بس اللي هنتكلم وهسمعك وتسمعيني!

بعدما جلسا قالت ريما بتوتر ورجاء: - يا خالو الموضوع مش محتاج كلام كتير، عصام لازم يتعلم أني شريكته مش موظفة عنده برتبة زوجة! لازم ياخد رأيي في كل حاجة تخص حياتنا سوا، أذا كان من دلوقتي وأبسط حاجة هو اللي بيقررها ومستني مني التنفيذ، لو حضرتك فكرت شوية من أول ما جِه يخطبني رسمي ويومها الفاتحة اتقرت بعد ما حطينا قودام الامر الواقع، كتابنا اتكتب بالأمر الواقع في فرح نجوان صاحبتي، حاسة اني زي المتغمي عينيها وهو بيسحبني، لا بياخد رأيي ولا بيناقشني، أومال بعدين لما نبقى في مركب واحد فعلا، هيعمل ايه؟ كل حاجة هتبقى بسياسة الامر الواقع، عصام لازم يتعلم ازاي يسأل ويناقش ويقنعني أو أقنعه، لازم يحترمني كانسانة ولها كيان وعقل!

أدهم وهو يطالعها بهدوء قائلا ببرود: - مش لمّا تحترمي أنتي الاول كرامته. كزوج!
شهقت ريما واتسعت عيناها في ذهول وتساءلت في صدمة بالغة: - إيه؟ أنت بتقول ايه يا خالو؟ أنا مش بحترم كرامة عصام؟
هز أدهم رأسه قائلا بأسف: - للأسف يا ريما يا بنتي. اللي أنا شايفه بيقول كدا!
اندفعت قائلة بانكار قوي: - لا يا خالو...

تكلم أدهم بهدوء وثقة: - اسمعيني يا رسما للأخر، أنا اديتك فرصة تتكلمي، وقلت لك هسمعك وتسمعيني.
أومأت ريما بالايجاب قائلة: - آسفة، اتفضل يا خالو.

أدهم بجدية: - تفتكري يا ريما، لو عكسنا الموضوع، يعني لاحظتي أنه فيه زميلة لعصام عينها منه، والحاجات دي الطرف التاني اللي بيلاحظها، بمعنى انت تلاحظي المعجبات بيه وهو نفس الشيء بالنسبة لك، في حين أنك لو واجهتيه مش هيصدقك ويفتكرك بتبالغي تمام زي ما ما انتي عملتي دلوقتي، سؤالي لو دا حصل وحاسيت مجرد احساس أنه فيه واحدة بتحوم حواليه، بنظراتها بس، ومن غير تلميح، لكن لما بتكون موجودة عينيها ووشّها كله بينطق بأنها حاطة الراجل دا في دماغها، لو دا حصل هتعملي ايه؟

ريما باندفاع أهوج: - هفتح لها دماغها دي!
ضحك أدهم ضحكة رجولية جذابة وقال: - طيب شوفتي ازاي عصام بيحاول يتحكم في أعصابه عشانك وإلا كان زمانه عمل اللي أنت قلتيه دا؟!

همّت ريما بالكلام عندما قاطعها أدهم بحنان وصبر: - يا حبيبتي العلاقة مش بتتجزأ، مينفعش تقولي له مالكش دعوة بتصرفاتي أو بحياتي وهو نفس الشيء، لأنكم من يوم ما قررتم تربطوا حياتكم ببعض أصبحتم كيان واحد، بعد كدا خطوات علاقتكم دي كلها رسميات، لكن أنتم حسمتوا الموضوع من ساعة ما اتقدم لك كزوج ليكي وأنت وافقتي عليه كزوجة ليه، هتقوليلي بيتسرع في علاقتكم هقولك انت السبب!

هتفت ريما بدهشة: - أنا!

أدهم بتأكيد بهزة من رأسه: - أيوة أنتي!، أبسط حاجة موضوع زي موضوع معتز دا، انتي اللي استفزتيه وقلتي له كلام ينطّق الحجر، يعني ايه مالكش دعوة وبابا مش معترض؟ معلهش يا ريما لا بابا ولا أنا ولا خالك محمود ولا حتى اخوكي مهدي له أنه يوافق أو يعترض بعد ما أصبحتي زوجة لعصام، وأنا متأكد أنه نزار لو عرف أن عصام متضايق من اللي اسمه معتز دا هينقله بعيد عنك أو يمكن ينهي تدريبه خالص!

هتفت ريما برجاء وهي تضع يدها على ساعد خالها: - لا يا خالو بليز، أرجوك مش عاوزة أكون السبب في أي حاجة وحشة لمعتز، جايز يكون اللي حضرتك قلت عليه صح لكن عصام مأفورها (أعطى الموضوع أكبر من حجمه) أوي! معتز أنسان طيب جدا وبسيط، تحس أنه لسّه طفل، أبسط حاجة بتفرّحه، دا غير أنه شغله معنا كان علاج ليه لأنه مرّ بتجربة قاسية جدا اتعالج فيها عند طبيب نفسي، ووالدته بنفسها في آخر مرة شوفتها في الشركة قالت لي أنه الدكتور بتاعه مبسوط جدا من التحسن في حالته، وبتشكرني أنه ثقته ابتدت ترجع له في الناس وابتدى يخرج من العزلة اللي كان فارضها على نفسه!

أدهم بتقطيبة خفيفة: - هي قالت لك كدا؟
أجابت ريما باندفاع قائلة: - أيوة، حتى اترجتني أني أفضل جنبه عشان يكمل علاجه، لأنه يعتبر في مرحلة نقاهة، لو اتعرض لأي ظرف يأثر على نفسيته في الوقت دا ممكن يسبب انتكاسة ليه، وجودي جنبه بيخليه في حالة توازن.

أدهم بغموض: - بس انتي مش هتفضلي جنبه على طول؟ هيعمل ايه بعدها؟
ريما هاتفة برجاء: - عارفة يا خالو، الموضوع ان شاء الله مش هيطوّل، الدكتور بتاعه متفائل جدا، وبيقول أنه قريب أوي هيرجع طبيعي وهيستعيد ثقته في نفسه وفي اللي حواليه وهيعيش حياته من تاني!

أدهم بهدوء بينما عقله يعمل بلا هوادة دون أن يظهر أيّ مما يجول في خاطره على وجهه:
- أنت قلتيلي أنه مامته تبقى زميلة نزار؟
ريما ببساطة: - أه، كانت دكتورة معه في الجامعه، الدكتور سهام، دي حتى ماما عارفاها.
سكت أدهم لثوان قبل أن يقول وهو يرسم ابتسامة خفيفة على وجهه محيطا كتفيها بذراعه وبحان أبوي:.

- تمام يا ريما، أنا هكلم عصام في الموضوع دا، لكن بالنسبة للفرح، أنا بردو مش شايف وجه اعتراض، بالعكس انت المفروض تفرحي.

ريما باستغراب: - أفرح!

أدهم بتأكيد: - أكيد! عصام ملهوف عليكي، نفسه تتجوزوا انهرده قبل بكرة، السرعة اللي اتي بتقولي عليها المفروض تخليكي متأكدة عصام أد ايه بيحبك، ونفسه تتجمعوا سوا في أقرب وقت، عصام حاسس أنه ضاع منك سنين كنتوا الفمروض تعيشوها سوا، ومش عاوز يضيع أكتر من اللي ضاع، فكل مرة بيقرر خطوة جديدة في علاقتكم أنتي بترفضي وهو بيصر وفي الاخر بتوافقي يا ريما، بتوافقي لأنه بيرضي فيكي الأنثى واحساسها أنه الرجل اللي اختارته متمسك بيها، تقدري تقوليلي لو فرضا كنت فضتي يوم كتب الكتاب اللي حصل في فرح نجوان حد كان هيجبرك؟ – نظرت اليه وشرعت بالحديث عندما أردف بحزم – ما تقوليش كسفك أو حاصرك، لو كنتي مثلا اتكلمتي مع والدك بهدوء وقلتي له رأيك أنا متأكد أنه نزار ما كانش هيتمم الموضوع، لكن انتي وافقتي يا ريما، وهنا سؤالي، عصام في كل خطوة بتتقدموها في علاقتكم بيثبت لك انه متمسك بيكي، وملهوف عليكي، لكن أنت لأ!

ريما باستنكار: - يا خالو بس...

أدهم بصبر: - يا حبيبتي افهميني، أنا مش في صفّه ولا حاجة، هي مش مباراه وأنا بشجّع واحد فيكم، لكن أنت أمتى حاسيستيه أنك عاوزاه فعلا؟ كل مرحلة قطعتوها في علاقتكم كانت بدفع منه هو، وصد منك انتي؟، مع أني متأكد أنك بتحبيه، وعاوزاه، لكن عنادك مش عاوزة تتراجعي عنه، ريما أنا بنصحك أنتي في معزة شمس بالظبط، الراجل زي ما بيكون ملهوف على حبيبته بيبقى عاوز يحس أنه هي كمان ملهوفة عليه، بتبادله مشاعره، ماذا وإلا اللهفة هتتحول لبرود، وبعد كدا لو عملتي أي حاجة مش هتبقى ليها طعم لأنها جات بعد طلب وإلحاح منه، لازم تفاجئيه، دا حقه عليكي، الحب والجواز هات وخد، اللي بيفضل يدّي (يعطي) على طول من غير ما يلاقي مقابل بييجي عليه وقت ويزهق ويحس انه خلاص مافيش حاجة يديها، واللي اتعود انه ياخد مبيقدرش يقدم مقابل، بتكون النتيجة انا نسمع انه اتنين بيجبوا بعض جدا واتجوزوا بعد قصة حب عنيفة لكن انفصلوا في الآخر، رصيد كل واحد عند التاني بيقل، وبالتالي في وقت هيوصل للصفر!

ريما باضطراب وتشتت: - خالو أنا. أنا هتكلم معاك بصراحة، حضرتك طول عمرك أنت وطنط تاج قريبين مننا، أصحابنا مش مجرد خال أو عم وبس، وأنا بحس أنه حضرتك صاحبي يمكن بتكلم معاك بصراحة أكتر من ماما وبابا، هما بتكسف منهم لكن معك بحس أني بتكلم مع نفسي، أنا فعلا بحب عصام، لكن خايفة!

أدهم باهتمام: - خايفة؟ من ايه يا ريما؟

ريما بعينين تعبران عما تشعر به من تشتت: - يا خالو من ساعة ما عصام رجع وحاسة زي ما يكون بيجري بيا، بيستعجل علاقتنا سوا، وبالتحديد من ساعة ما عرف عن موضوع ممدوح، بقه عامل زي اللي خطف حاجة بيجري بيها خايف من حد يجري وراه يخطفها منه! خطوبتنا وكتب الكتاب، غضبه من موضوع معتز، تحديد الفرح، مش هنكر أني مش ببقى مبسوطة من جوايا وأنا بحس لهفته واصراره اننا نكون مع بعض انهرده قبل بكرة، لكن فرحتي بتكون مبتورة، بالظبط زي اللي عمل تورتة تحفة وفي الاخر رش عليها شوية ملح!

ضحك أدهم بفكاهة قائلا: - ملح! أعتقد أنه عصام مش هيحب التشبيه دا يا ريما!

ليستأنف حديثه بجدية قائلا: - شوفي يا حبيبتي، أنتو علاقتكم ما ابتديتش من دلوقتي، ولو عاوزانا نحدد يبقى من حوالي تلات سنين، تحديدا ليلة سفره، من وقتها وكل حاجة اتلخبطت، وافترقتم، وكل واحد فيكم ارتبط بشخص تاني، عشان القدر يقول كلمته ويرجعكم لبعض تاني بعد ما كل واحد فيكم شاف معاناة ومر بتجربة مريرة جدا مع اختياره الاول، وهو مش عاوز يجازف تاني، مش عاوز يخسرك يا ريما، سؤال وجاوبي عليه وكوني صريحة مع نفسك زي ما اتعودتي دايما. انتي عندك استعداد انك تخسريه؟ تخسري حب زي اللي بينكم؟ حب مر بكتير أوي وتحديات لغاية ما في الآخر أثبت نفسه، وأصبحتم لبعض، حب زي دا مستعدة تتمسكي بيه بكل قوتك ولا هتخسريه عشان فورة عناد وتحدي؟

هتفت ريما باندفاع: - أنا مش ممكن أخسر عصام!
لتتسع ابتسامة أدهم ويميل عليها مقبلا جبهتها قبل أن يقول ببساطة: - مبروك!

ونهض يتجه الى الباب يفتحه فيبصر ذلك الذي يقطع المكان أمام غرفة المكتب جيئة وذهابا بقلق ونزق، حيث وقف عصام أمامه، ينقل نظراته بتساؤل ولهفة بينه وبين ريما التي لحقت بخالها تقف بجانبه تعض على باطن شفتها بتوتر، بينما تلاقت نظرات ريتاج وأدهم لتهز برأسها في يأس مفتعل وهي تخفي ابتسامة صغيرة، وقطع أدهم الصمت السائد وهو يقول ببساطة بينما يتقدم من عصام يفتح ذراعيه على آخرهما:
- مبروك يا ابن أخويا!

واحتواه بين ذراعيه ثوان بينما وقف عصام متيبس كمن تخشبت أطرافه قبل أن يهتف غير مصدق:
- دا بجد؟
ابتعد عن خاله يسأله بنظراته ليومأ أدهم بالموافقة قائلا: - ريما وافقت، ياللا. شوف القاعة اللي عاوزينها ودي هديتي ليكم عشان الفرح.
ليرتمي عصام في حضن عمه يهتف بسعادة: - ربنا يخليك لينا يا كبير!
همس أدهم في أذن عصام بينما اتجهت ريتاج الى ريما تبارك لها محتضنة اياها: - عشان تعرف أنه تخطيط عمك مينزلش الأرض أبدا!

عصام بسعادة: - الكبير كبير بردو يا بوس!

لينظر الى وجه ريما الظاهر من خلف كتف ريتاج التي تحتضنها فيرمي اليها بقبلة هوائية مقترنة بغمزة عابثة من عينه، جعلت وجهها يسوده الاحمرار فأضحت أشهى وأنضج في عينيه ليسدل جفنيه متضرعا لله أن يلهمه الصبر حتى تنقضي الثلاثون يوما القادمة. فهو يشعر بأن صبره قد أوشك على النفااااذ، وليكن الله في عونها في نهاية الشهر، فهو يقسم أنه لن، يرحمها، فبينهما فاتورة طويلة ستقوم حبيبته المتمردة بتسديد حسابها بالكامل ومن أول ليلة!

أوقف سيارته أمام الفيلا وهبط من سيارته متجها اليها حيث ألقى السلام على الحارس، وهو يدلف الى الداخل، سأل عنها فأشار له أحد العمال ناحيتها، فاتجه وعيناه تغطيهما نظارة الشمس السوداء، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة مترقبة، فما أن علم وهو يهاتف والدته أنها قد قدمت الى هنا لترى العمل في الفيلا التي أوصت لها بها عمة رياض، وقد قررت هي أن تفتحها قسم دار للأيتام وآخر للمسنين، حتى حسم أمره واتجه الى هنا محاولا كسر البرود الذي يسود علاقتهما، فمنذ أن واجهها بأنه لن يقبل أن تعيش بمفردها وأعطاها كلمته أنها لن تشعر بأي تغيير عن ذي قبل في علاقتهما، وهي تلتزم الصمت التام معه، بل لعلها كانت تتحدث اليه أكثر من الآن في السابق وقت أن كان عم ابنها فقط!

لا تعلم حجم الصبر الذي يفرضه على نفسه، ناصحا نفسه بالتروّي، فليس سهلا عليه أن تتقبل علاقتهما كزوجين، لسببين، أولهما الظروف التي تم فيها زواجهما، ثانيا أنه شقيق زوجها الراحل، والذي جمع بينهما علاقة حب طاهرة كللت بالزواج، ولم يمهله القدر ليمكث معها كثيرا، ويعلم الله أنه حاول أن يحجم نفسه من الاندفاع نحوها، ولكنه لم يستطع! ببساطة فشل وبجدارة! أخفق أمام رقتها وهدوئها وصدقها الذي يشع به عينيهان وآآآآه من عينيها!

لن ينسى تلك اللحظة أبدا وهو يراها مقيدة فوق كرسي خشبي وهؤلاء الاوغاد يحيطان بها كالضباع تحيط بفريستها، وقتها وما أن حطت نظراتها عليه حتى تبدلت نظرة الترقب والقلق الى أخرى. واثقة، متلهفة، تطلب حمايته هو. ليذود عنها بنفسه مقدما روحه فداءا له، فما أن رأى تلك النظرة حتى علِم. علم أن بعد تلك اللحظة لن تعود علاقتهما الى ما كانت عليه، واعترف بمُسمّى ذلك الشعور الذي كان يخالجه كل فينة وأخرى، خاصة منذ عقد قرآنه عليها، ذلك الاحساس لم يكن سوى، الحب. وفقط!

وحده الحب من جعله يعرض عليها اسمه لتكون في حماه، والحب فقط من جعله يتلقى رصاصة الغدر من ذلك المجرم رياض، والحب أيضا ما جعله يتشبث بالحياة وهو يسمع تمتماتها بجانبه وقت أن كان في المشفى، وهي تعتذر له بأنها منذ أن دخلت حياته وقد قلبتها أعلى وأسفل، ولم تعرف أن العكس هو الصحيح، فهي قد وضعت الأشياء في نصابها الصحيح، فكانت كالميزان الذي ظبط ايقاع حياته الرتيبة المملة، لأخرى مليئة بالتحدِّي والجدال اللذيذ، والحب وحده من جعله يكاد يقفز من فراش المرض هلعا وهو يسمعها تخبره وبكل هدوء أنها ستعود الى منزلها الأولي مع فريد ابنها، ليحاول جهده ثنيها عن قرارها، وقد قرر أن يتهمل في الاقتراب منها كي لا تفر مذعورة منه، تماما كالصياد الذي يحاور ويناور، يقترب ويبتعد، قبل أن ينقض بشباكه على غزال فاتن بجماله وحشي بعنفوانه وكبريائه يأسره اليه، فلا يوجد مهرب له من شباكه!

مع كل خطوة يقطعها ناحيتها كان يمني نفسه بأنه سينجح، فهو لم يصبح من أنجح رجال الأمن في مهنته بل ويصل الى تلك الرتبة في هذا السن الصغير من فراغ، ولكن. مع كل خطوة أيضا كانت رؤيتها اليه تتضح، لتتباطئ الخطوات وتنكمش الابتسامة، وتشتد النظرات!

كانت تقف تتحدث الى المهندس المشرف على التغيرات بالمبني عندما شعرت بظل يسقط فوقهما فرفعت عينيها لتتسع حدقتيها في أقل من لمحة دليلا على مفاجئتها لوجوده بجانبها، لتقول وقد شاب بعض القلق صوتها:
- أهلا يا هشام، خير فيه حاجة؟
هشام ببرود وهو يرفع نظراته الشمسية الى مقدمة رأسه: - لا أبدا عادي، كنت قريب من هنا قلت آجي وأشوف الدنيا ماشية ازاي.

تنفست منال بعمق فما أن شاهدت هشام حتى طاف بعقلها مختلف الهواجس والظنون فمنذ اختطافها وابنها وهي لا تزال تشعر بقلق لا ارادي على الرغم من انتهاء مصدر الخطر، قالت منال وهي ترسم ابتسامة صغيرة:
- الحمد لله، التغييرات اللي طلبتها خلاص قربت تخلص، وهنعمل حفل افتتاح قريب جدا ان شاء الله، لدار الايتام ودار المسنين.

هشام بهزة رأس بسيطة: - على خيرة الله.
وسكت لثوان قبل أن يقول فهو لم يعد يستطيع الصمت أكثر من هذا: - مش تعرفينا؟
تفاجئت منال لوهلة قبل أن تقول وهي تشير الى الرجل المجاور لها: - آه. مهندس مصعب، المسئول عن شغل الفيلا. – أشارت لهشام بالمِثل قائلة بابتسامة موجهة لمصعب – هشام بيه، مباحث وعم فريد ابني!

و، سكتت!، لم يستطع منع نفسه من النظر اليها بذهول وغضب ورغبة في الصراخ بها واعلانها مدوية أمام الجميع، هذه السيدة. زوجتي أنا! ولكنه كالعادة تحامل على نفسه واستغفر في سرّه قبل أن ينظر الى مصعب الذي ابتسم له ابتسامة كانت في نظره كلها سماجة كيف لا وهو يرنو الى تلك الهادئة كبركة مياه راكدة بنظرات اعجاب واضحة، واثق هو أنها لم تنتبه اليها فمن المدة التي عاشاها معا تحت سقف واحد علم أنها أبدا لا تنظر الى رجل في عينيه، وأن إذا حدث وصادف ذلك فهي تسارع الى الاشاحة جانبا ما أن تنتبه! ليكتم زفرة قوية فهي لم تنجح في سلبه قلبه من قليل!..

مصعب بابتسامة هادئة: - اتشرفنا يا هشام بيه، ان شاء الله الشغل يعجب حضرتك ونكون عند حسن ظن الاستاذة منال!

منال بابتسامة صغيرة أظهرت نغزة خدها الايمن ما جعل هشام يقطب في ريبة وتوجس وشعور حارق يتصاعد بداخله:
- أكيد يا باش مهندس، حضرتك عامل شغل ما شاء الله، والعمال بصراحة بيشتغلوا بمنتهى الذمة والاخلاص.

تسمّر مصعب بابتسامته الواسعة وهو لا يستطيع الاشاحة بعيدا عن وجهها الوضّاء الذي زاده حجابها الوردي جمالا فوق جمالها بينما ابتسامتها جعلته لا يستطيع ازاحة وجهه بعيدا عنها بل لا يدري لما هذا الاحساس الذي يخالجه من أنه على استعداد لفعل أي شيء شرط ألّا تحرمه من تلك الابتسامة التي اكتسبت من الشمس دفئها ومن القمر نوره وضياه!

قال مصعب بلهفة حاول التحكم فيها ولكن أذن هشام الحساسة استطاع التقاطها في نغمة صوته الحماسية:
- احنا عينينا (عيوننا) ليكي. أي حاجة تطلبيها ولو فيه حاجة عاوزة تغيريها، أو جات في دماغك فكرة معينة في أي وقت بس قولي مصعب أنا عاوزة كدا، هتلاقي اللي أنتي عاوزاه وأكتر كمان!

كان هشام من علّق على كلامه حيث كرر باستنكار ودهشة: - نعم!، مصعب! وهي لما عاوزة تغيّر حاجة تكلمك ليه؟ ما هي بتشوفك هنا كل يوم تقريبا؟..

عقد مصعب جبينه وهو يقول: - أنا مش قصدي، أنا بس بوضّح للأستاذة أني أو يعني أننا تحت أمرها في كل اللي تطلبه عشان الشغل يطلع زي ما هي عاوزه!
حدجت منال ذلك الواقف بجانبها تكاد تشعر بألسنة من اللهب تتصاعد من بين فحم عينيه المشتعل، قبل أن تقول راسمة ابتسامة مهذبة:
- شكرا يا باش مهندس، وأكيد لو فيه أي حاجة افتكرتها هبلغك بيها فورا!

لتسقط نظراتها المتحدية على نظرات هشام التي اختلط فيها الذهول بالغضب، فيما ابتسمت ابتسامة نصر صغيرة على شفتيها جعلته يود سحقها، بشفتيه!

انصرف مصعب واتجهت هي الى الداخل ليلحق بها هشام حيث سارع الى الامساك بمرفقها للحظة فقط قبل أن يتركها وقد شعر بتيبسها، فحاول استجماع نفسه، وقد قرر ألا يخوض معركة كلامية معها حتى لا يحيد عن هدفه، ليقول محاولا الهدوء:
- لو خلصتي ممكن نروّح سوا.
نظرت اليه منال في صمت لثوان قبل أن تومأ برأسها ببطء وهي تقول بهدوء: - ثواني أبلغهم أني ماشية وأجيب شنطتي!

شهيق. زفير. ينظم أنفاسه علّ تلك العواصف الهوجاء بداخله تهدأ، منذ أن رأى ذلك المهندس السمج وهو لا يدري ماذا أصابه؟ فكلّ ما يعلمه أن نار حارقة تتصاعد في جوفه منذ رأى نظراته الولهى اليها وابتسامته البلهاء وهي تنظر اليه! هو رجل ويستطيع قراءة نظرات الاعجاب وبسهولة في أعين الرجال الآخرين خاصة إذا كانت موجّهة الى شيء يخصّه هو. بل هي أهم شيء يخصّه، ويجب أن يسرع باعلان زواجهما للناس أجمع، فكثير بعد انتهاء القضية لم يعلموا بارتباطهم خاصة وأن معارفهم محدودين جدا، ولكن كيف يقوم بذلك وهي تتعمد التعامل معه وكأنه لا شيء تغير بينهما!

كاد يعض على لسانه ليقطعه عقابا له على تلفظه بتلك الكلمات الحمقاء من أنه لا شيء سيتغير وأن علاقتهما ستظل كما هي! ولكنه لم يكن يعلم أنه سيظهر له غريم سريعا هكذا؟ وإلا كيف يفسر مكالمة ذلك الاحمق الذي بررها بأنه يطمئن على صحة معاليه!، وكأنه فتى غرّ يحاول التودد الى والد زميلته المعجب بها! والآن لا يعلم ما العمل؟، يريد دفع علاقتهما خطوة الى الامام، يرغب بأن تنظر اليه بمنظار آخر غير عم ولدها ولكن. كيف؟

لتلمع عيناه وتفترش ابتسامة كبيرة وجهه وهو يهتف قائلا: - بس هي دي. وجدتها!
وبرقت عيناه بظفر، فإن كانت تتهرب من تغيير نظرتها اليه، فهو سيعمل على ذلك ورغما عن أنفها، ليس بالقوة ولكن بالحيلة والدهاء!

نظرت اليه وكأنها ترى أمامها كائن فضائي قد برز له سبعة أرجل وثمانية أيدي!، قالت بذهول وعينيها محدقتين فيه بصدمة: - نعم! مين يعمل ايه؟
ضحك ضحك رجولية خشنة جعلتها تقطب حاجبيها وقال بهدوء: - أعيد تاني؟ احنا هنسافر يومين الساحل. أظن واضحة ومفهومة؟!
منال وهي بذات دهشتها التي زادت ولم تقل: - مين اللي يسافر مع مين؟

هشام الذي عقد جبينه في ريبة بدوره قائلا: - جرى ايه يا منال؟ ايه اللي مش مفهوم في كلامي؟ انا وانتي هنسافر يومين الساحل.
منال وقد ارتفعت حاجبيها حتى كادا يلامسان طرف حجابها: - نسافر ازاي بردو مش فاهمه؟
هشام بصبر: - بالعربية!
منال بدون تعبير: - دا اللي هو ازاي بردو؟
هشام وقد بدأ يفقد صبره: - جرى ايه يا منال؟ ايه الصعب في الموضوع؟ بالعربية وانا اللي هسوق، عرفتي ازاي!

منال بهزة كتف: - اه. لا كدا فعلا عرفت وارتحت، بس فيه حاجة بسيطة جدا. - تابعت باستخفاف - يعني هي حاجة تافهة وبسيطة بس انا بسأل بس.
هشام زافرا بضيق: - قولي يا ستي. حاجة ايه دي؟
منال ببساطة: - هنسافر انا وانت ازاي؟ تيجي منين يعني؟
هشام وهو يحرك كتفيه بلا مبالاة: - هي ايه اللي تيجي ازاي؟ عادي. هنسافر زي اي اتنين متجوزين ما بيسافروا!

كادت منال تصاب بالسكتة القلبية لحظتها حيث هربت دمائها وغدا في شحوب الموتى، ليقطب هشام وقتها ويقول: - ايه يا منال، انتي ناسية انك مراتي؟!

لتفاجأ منال أن الظروف التي عقد فيها قرآنها عليه وما تبعه من أحداث جعلتها تركن في زاوية عقلها الباطن زواجها من شقيق زوجها، فهي بالفعل قد نست تماما هذا الامر، وهو لم يبدر عنه ما ينبأ بأي تغيير في حياتهما، لتجد نفسها تهتف ببكاء: - لا وانت الصادق. انا نسيت انك انت اللي جوزي؟!

وفي حين ارتسم تعبير الرغبة في البكاء على وجهها أخفى هو وبصعوبة ابتسامة النصر، فها هو قد حقق أول خطوة في خطته بنجاح، حيث قبل دعوة زميله لحضور فرحه والذي سيقيمه في منتجع شهير بالساحل الشمالي، وكان قبلا ينوي الرفض ولكن بعد المستجدات التي طرأت وظهور ذلك الأبله قرر قبول الدعوة، مخبرا زميله أنه سيصطحب زوجته معه، ليغمز اليه زميله بعبث قائلا أنه سيتولى أمر حجز مكان خاص جدا بهما، ليستطيعا قضاء شهر عسل ولو ليومين فقط، ليفكر متفكها أنه يخشى أن يكون ذلك العسل، أسودا كسواد الليل!

وما أن أبلغ والدته مدعيا البراءة وهو يخبرها مستغلا فرحتها بنبأ سفره ومنال - فهو يعلم جيدا أنها تريد دفع علاقتهما الى الامام – أنه من الصعب اصطحاب فريد معهما حتى سارعت بالقول ألّا يقلق فهي ستنتبه اليه جيدا، وتستطيع أن تطلب من جارتها في البناية القديمة أن تقضي معها هاتين اليومين حيث تعيش بمفردها لا زوج ولا ولد، فرحب هشام بالفكرة وقد ارتاح من ناحية فريد وأمه، يبقى تلك العنيدة وكيفية الوصول الى قلبها المحاط بالاغلال والمتاريس ولكنه لن يستعصي عليه قفل أو مزلاج، فسيكسرهم جميعهم، وسيحطم أي أسوار تتحصن بها منه، وسيغزو قلبها ليسبيه تماما كما أسرت قلبه وتملكته!

جلس بجانب جدته بعد انتهائها من صلاتها، وهي قابعة فوق كرسيها المفضل، فآلآم مفاصلها تمنعها القيام والسجود، قال بهدوء:
- تقبل الله يا حاجة.
الجدة بابتسامة: - منّأ ومنكم يا حبيبي.
لتسأله بعدها: - تسنيم لسّه ما رجعتش من الجامعة، كنت عاوزاك تاخدها بالراحة يا فواز و...
ربت على يدها وقال وهو يتهرب بعينيه منها: - بعدين يا حاجة، هنتكلم في موضوع تسنيم دا بعدين، دلوقتي أنا عاوزك في حاجة تانية خالص.

قطبت الجدة بينما لم تغب ابتسامتها وهي تقول بطيبة: - خير يا بني، في ايه؟
فواز وهو يزفر بعمق قبل أن ينظر اليها محتويا يديها المغضنتين بين راحتيه القويتين:
- ا. البقاء. البقاء لله!
هتفت الجدة في لوعة: - ايه؟، في مين؟!
هرب فواز بعينيه ولكنها هتفت قائلة بقلق: - مين يا فواز؟
رفع عيناه اليها يهمس بخشونة: - س. سماح!

شهقة مكتومة صدرت عنها تيبست نظراتها بعدها فيما تابع فواز بتعب: - لاقوها من يومين ميتة في الزنزانة، المحامي بلغني، ما رضيتش أقولك قبل ما أطمن. كانوا. كانوا شاكين أنه فيه شبهة جنائية ورا موتها!

الجدة بجمود: - وطلع ايه؟
زفر فواز بقهر وهو يقول بصوت مكتوم: - جرعة هيروين زايدة!
الجدة بصوت ميت: - يعني عاشت عاصية ربها وماتت وهو غضبان عليها!
فواز وهو يشد على يديها: - لسه بيحققوا المخدرات جات لها ازاي، في الغالب من السجن، حد من المسجونين هناك اللي بيروج السموم دي بين المساجين.

الجدة ببرود: - ما يجوزش عليها الا الرحمة.
فواز بتلكؤ: - أظن مينفعش نتمم جوازي من تسنيم و...
لتقاطعه الجدة بنظرات شرسة وهي تهدر بصلابة: - وجوازك بتسنيم ماله ومال اللي حصل؟
فواز بذهول بالغ: - ازاي يا حاجة نقول للناس على موتة سماح انهرده يلاقونا بعد تلات ايام بنعمل فرح انا وتسنيم؟

الجدة بحزم: - ومين قال اننا هنجيب سيرة سماح من أصله؟
قطب فواز بغير فهم: - يعني أيه؟ مش فاهم؟

الجدة بصلابة ولهجة لا تقبل النقاش: - يعني احنا ما صدقنا الناس نسيت حكاية سماح، هنرجع نفكرهم بيها تاني؟ دا غير أنهم هيسألوا ماتت ازاي وقتها هنقول ايه؟ مدمنة مخدرات!، فواز أنا ما صدقت موضوعها اتقفل مش هنفتحه تاني. – لتسكت للحظات تابعت بصرامة بعدها – سماح ماتت وسيرتها ماتت قبلها، وفرحك انت وتسنيم في معاده، مش هيتأخر يوم واحد!

وبرقت عيناها ليقول فواز بقلة حيلة وهو يزفر بتعب: - اللي تشوفيه يا ستي، بس أنا خايف عليكي، ما تكتميش جواكي يا ستي!
الجدة وغلالة محبوسة داخل عينيها من الدموع وابتسامة مرتعشة فوق وجهها بعلاماته المغضنة:
- ما تقلقش يا بني، أنا مؤمنة، الأغلى منها راح، ومحدش يغلى على اللي خلقه، أنا بس اللي مزعلني أنها خسرت حياتها وماتت بالشكل دا، هدعي لها بالرحمة، مافيش في ايدي غير كدا.

فواز بايماءة بسيطة: - ربنا يرحمها. ويغفر لها.

وفي الخارج وقفت تلك العروس المنتظرة، وعينيها تذرفان الدموع الصامتة، وهي تهتف بداخلها في صمت بألم ووجع. ألم تكتف بعد من إيلامي مرة بعد مرة أيها الحبيب الجلف الخشن؟ حزين على فراقها ولا تريد اتمام زفافنا!، تتذرع بها بينما من الواضح أنك قد انتبهت لما أوشكنا عليه، وأنه قد ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، وتحديك الذي ألقيته في وجهي من أيام وأنت تعلن موافقتك على رغبة الجدة باتمام الزواج قد اكتشفت تسرّعك فيه، ولكن كلا!

اعتدلت في وقفتها تمسح دموعها بقوة وعينيها تبرقان باشعاع غريب وهي تواصل هاتفة بداخلها. أقسم لأذيقنك من كأس حبي قطرة قطرة فرشفة رشفة حتى تتجرعها عن آخرها، فأسري في دمك تماما كالادمان، لأصبح أنا أفيونتك. التي لا تستطيع العيش بَلاها (بدونها)، فأتملك عليك حتى أنفاسك. وسأبرّ بقسمي قريبا. قريبا جدا. والايام بيننا يا، زوجي العزيز!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة