قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل السادس

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل السادس

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل السادس

ممكن افهم ايه اللي بيحصل هنا بالظبط؟
قاطع نزالهم وتراشقهم بالكلمات صوته الصارم وهو يقف بشموخ يضع يده بجيب بنطاله بهيبة لا يضاهيه أحد بها
فقد وترهم حضوره بشدة ولجم ألسنتهم، لحين بادر أكرم بتلعثم وعيون زائغة: ولا حاجة يا صقر دول بيهزروا
لم يقنعه حديث اكرم وتسائل بنفاذ صبر وصوت صارم اجفلهم: بتتخانقوا ليه؟

ابتسم أكمل ساخرًا من كذبة صديقه الواهية وهدر بتهكم: أهو شرف صقر باشا العزازى وبيسألك بنفسه قوله يا هاشم كنا بنتخانق ليه؟
لتلتمع عينه ويضيف ببسمة مُستفزة حاقدة لم تفارق فمه: ولا تحب اقوله انا!
لعنه هاشم بصوت مسموع وساد صمت مريب بعدها فكانوا يتبادلون نظرات غريبة لم تعجبه بالمرة لذلك هدر بصوت نافذ زاد من ارتباك الموقف:
اتكلم يا هاشم.

دلك هاشم رقبته وهو يزجر أكمل التي مازالت تلك البسمة المستفزة تعلو ثغر بنظرات محذرة فيما معناه أن يكف عن حماقته، ثم نطق بضيق وهو يتحاشى النظر لعيون صقر الثاقبة:
محصلش حاجة إحنا كنا بنهزر بس هزار تقيل حبتين
ابتسم أكرم ببلاهة وحاول تخفيف حدة الموقف: شوفت طلعوا بيهزروا و شكلهم شاربين وبيطلعوه علينا.

ضيق عينه بتشكيك وعدم تصديق لحديثهم فصياحهم قد التقطه وهو في غرفته بالأعلى اثناء تغير ملابسه المبتلة بأخرى ليهدر بحزم موجه حديثه لأكمل:
عمري ما هِنت حد في بيتي قبل كده طول عمري فاتح بابي وعمري ما قفلته في وش حد حتى لو الحد ده مش مرحب بيه بس انا من حقي اعرف سبب وجودك؟
انا يا صقر
هدر بها أكرم وهو مطرق
رأسه بالأرض بخزي أثر فعلته فهو من دعاه قاصدًا أن يقربهم من جديد ويلم شمل أصدقاء طفولته.

هز صقر رأسه بملامح جامدة بينما احتل الضيق معالم أكرم وأطرق رأسه بحرج حين استأنف صقر موجه حديثه للجميع:
البيت ده بيت محترم واللي يجي هنا يبقى باحترامه
رد هاشم بحرج: ملوش لزوم الكلام ده يا صقر انا اصلًا كنت ماشي مش مستنيك تطردني
ليعقب صقر بحدة: هاشم، انا مبتطردش حد انا بس بعرفكم.

ضحك أكمل باستفزاز وقال ببرود وهو يضع يده على منكب هاشم: يا عم هو يقصدني انا واحب اقوله الرسالة وصلت شكرًا يا عم صقر ليرشقه بنظرة حاقدة مشتعلة و يهم بالانصراف وهو يطوي الأرض تحت خطواته.

بينما انسحب خلفه هاشم مغادرًا أيضا وهو يتناول هاتفه و يبعث رسالة مقتضبة لزوجته بأنه ينتظرها بالسيارة، تطلع لآثارهم بريبة لأمرهم ولسبب شجارهم المزعوم ليرمق اكرم بنظرات نارية ويصيح بحدة الى رئيس الحرس خاصته ويدعي فضل الذي اتى مهرول اليه:
تحت امرك يا بيه
تسائل صقر بعصبية مفرطة: كنت فين جنابك ورجالتك فين انا مش قايل مش عايز شبر من غير حراسة، وحمام السباحة مش منبه يبقى في حد هناك.

انا آسف يا صقر بيه بس هند هانم أمرت رجلتي يبقوا جوة في القصر
صاح صقر بنفاذ صبر وجسد متشنج: انت بتاخد أوامرك مني انا وبس، انا كان ممكن اقطع عيشك انت و رجالتك بس ده هيكون اخر انذار ليك مش عايز استهتار، و اتفضل على شغلك أومأ له بطاعة وانصرف لينظر ل أكرم ويهدر بقوة:
ورايا يا زفت وحسابك بعدين هز أكرم رأسه وتتبعه بطاعة واوصاله ترتجف من تبعات فعلته.

توقف بسيارته أمام البناية التي تقطن بها بعدما تجرع قنينتين من المشروب بشره داخل سيارته حتى يلهي عقله من التفكير بكل ما مر به فرغم ذلك كان يعاند ويكابر حتى يتم انتقامه
ظن انه بما فعل قد يوجع قلب صقر عليها ولكن كان هو الخاسر الأكبر في معركتهم فقد سلب صقر منه قطعتين من قلبه.

ابتسم بقهر وهو يتذكر شقيقته الصغرى وكم كان متعلق بها حتى أنه كان يشعر أنها ابنته فبعد وفاة أبيه هو من رعاها في كل شيء نظرًا لانشغال امه الدائم.

الى انه اضطر للسفر لاستكمال دراسته بالخارج وكانت شقيقته تأتي إليه في كل أجازة صيف، تنهد بحزن وهو يتذكر كيف كانت مختلفة في زيارتها الأخيرة وكانت دائمة الشرود حاول كثيرًا معرفة سبب تغيرها لكن هي أصرت على أنها بخير وعندما تذكر تلك المذكرات القاتمة التي نستها بمرتها الأخيرة فرت دمعة حارقة من عينه عندما تذمرت عليه وهي تهاتفه وتلح عليه بعدم تصفحها وتصريحها له أنها تحتوي على كلمات شديدة الخصوصية بالنسبة لها وهو لا يحق له انتهاك خصوصيتها، فظل محتفظ بها دون أن يمسسها محافظًا على وعده لها وانتظار عودتها إليه في الاجازة المقبلة الى أن بعد اقل من ثلاثة اشهر جائه الخبر المشؤوم بأنتحارها وحينها سيطر عليه الحزن كثيرًا لولآ تهوين فدوة له وهذا ما زاده إصرار على تقوية الرابط بينهم هو عشقه لها اثناء دراستهم سويًا في الخارج فكانت تشاركه كل شيء ولم يفترقا إلا وقت النوم تذهب هي الى مسكن الطالبات وهو يقطن بشقته الصغيرة بالقرب من جامعتهم وعندما انتهو من دراستهم وعادو الى أرض الوطن أصر أن يقوم بخطبتها رسميًا، رحب صقر برباطهم بينما أعترضت خالتها المتذمرة دائمًا لولآ دعم صقر لهما وفي اليوم الذي سيتم به عقد قرانهم كان يعبث بمحتوياته القديمة الخاصة بشقته الذي كان يقطن بها في الخارج ليقع تحت يده مذكرات شقيقته الراحلة دفعه فضوله أن يتصفحها لعله يشعر بها ترافقه.

وإن قام بفتحها انتابه مشاعر مختلطة لا تفسر يبكي تارة لأشتياقه لها ويضحك تارة على سخافتها إلى أن مرت عيناه على تلك الكلمات الطاعنة التي خطتها هي لتكون سهام مسمومة غرست بقلبه وسارت بسمها إلى أفكاره فدنثتها وغمرتها سوداوية ليكسر قلب من لا ذنب لها ويهدم صداقة عمره ويشعل فتيل الحرب الضارية التي سيستميت للفوز بها.

فكان ملتزم بجموده وكبريائه ولكن عندما استمع الى خبر زفافها تناسى كل شيء. وضرب بكل شيء عرض الحائط إلا هي من مدته بالحياة يقسم انه يشعر بالاختناق ويكاد يحتضر دونها زفر بسأم و
يتدلى بخطوات مترنحة الى الداخل قاصدًا شقتها التي استأجرها لها، لا يعلم لمَ اتي إليها ولكن ربما لكونها هي من ستساعده باسترداد معشوقته والإطاحة بمن سلبه إياها
أما في الداخل فقد.

استلقت بالفراش بعد مابدلت ملابسها بمنامه قطنية ثقيلة لعلها تمدها بالدفء ثم تكورت في فراشها تتذكر كلمات ذلك المغرور المتكبر لها، تسللت بسمة هادئة على ثغرها وهي تتذكر تشبثها به واحتمائها بأحضانه وتلك الرائحة الرجولية النفاذة التي تسللت لحواسها حتى أنها تقسم أن رائحته ما زالت تشتمها إلى الآن وأنها التصقت بأنفها، تنهدت بخفوت وهي ترمق سترته بجانبها ثم سحبتها بتمهل ورفعتها لأنفها وهي تتذكر نبرتة صوته فرغم حدته وكلماته الصارمة إلا أنها اشعرتها بألفة غريبة تقسم أنها استمعت لتلك النبرة من قبل وهنا عقدت حاجبيها وتسائلت أيمكن أن تكون صادفته سابقًا هزت رأسها باستسلام ونفضت افكارها جانبًا وهي تنهر نفسها لتقوم بتعليق سترته بخزانتها وتجلس تفكر في كيفية صياغة الأمر ل أكمل تجنبًا لغضبه طرقات واهنة على باب المنزل قاطعت تفكيرها تطلعت الى الوقت بفزع فهي الثانية بعد منتصف الليل، خطت بخطوات مهزوزة إلى الباب وتسائلت بنبرة حازمة:.

مين بيخبط؟
ليأتيها صوت ضعيف من الخارج مجيب لها: انا أكمل افتحي
شهقت وقامت بفتح الباب بأيدي مرتعشة وان تقدم هو خطوة واحدة للداخل استند عليها بترنح لتقول هي:
يا لهوي مالك شكلك سكران طب جيت ليه هنا كنت روحت ارتحت
ليهذي أكمل بعدم اتزان وعيون شبه مغلقة: اشششش اخرسي بقى انتِ رغاية ليه.

اوصلته الى الاريكة ليرتمي هو بثقله عليها ساحبها معه ليسقط وتسقط هي بجانبه شهقت بذعر ونفضته وإن همت بالوقوف سحب يدها بتوسل وبنبرة يشوبها الألم:
انا اسف مكنش قصدي اخوفك متسبنيش خليكِ معايا مش عايز ابقى لوحدي
اتسعت عيناها بعدم استيعاب هل اعتذر لتوه منها أيعقل! هو بتسلطه وجبروته يتوسلها، هزت رأسها مستنكرة فيبدو أن هذا أثر المشروب ليس أكثر لتهمهم:
انت مش في وعيك الله يخليك قوم رَوح.

رد أكمل منهزم بحروف ثقيلة تقطر بالألم: بتكرشيني انتِ كمان مش كفاية هما كرهوني وبقيت منبوذ كل ده علشان بحبها ومش عايزه ياخدها مني
لا تعلم لما تعاطفت معه فحديثه يبدو صادق وهيئته المزرية انبأتها أنه خاض معركة ضارية تنهدت بضيق وهي تجلس بالأرض مقابل له وردت:
أمري لله هفضل جنبك لغاية ما تفوق
ابتسم بأرتياح وترك يدها واستلقى بأهمال على الأريكة يهمهم بأسم مُعذبته إلى أن.

شعرت هي بانتظام أنفاسه فقد نهضت بخطوات حثيثة واحضرت علبة الاسعافات لتداوي جرح يده النازفة وهي تتمتم بخفوت مستغربة:
اللي يشوفك وانت نايم ميعرفكش لما تصحي يا ساتر بحس انك شبه التنين المجنح وهتطلع نار من بوقك لوت فمها بتهكم بعد انتهائها من تضميد يده مستنفرة فعلتها ونهرت نفسها:.

هو ايه اللي انا بعمله ده ما اسيبه يولع بجاز مش كفاية انه عايز يسجني ومن ساعة ما شوفته والمصايب عمالة ترف على دماغي افففف غبية انا والله
رمقته مرة أخيرة ودلفت الى غرفتها واوصدتها بالمفتاح حتى يطمئن قلبها وخلدت للنوم بعد يوم مليء بالاحداث الكارثية.

في صباح اليوم التالي تململت هي بكسل بالفراش يستولى عليها شعورها بالنعاس مرة أخرى الى أن داعبت أنفها رائحة تعشقها حد الجنون وتستلذ بها فتحت أهدابها لتكشف عن زيتونتها الناعسة لتلقى ذلك العاشق يداعب خصلاتها بخفة ويهمهم بخفوت أمام شفاهها:
صباح الخير كل ده نوم يا كسلانة وحشتيني.

همهمت مي بنبرة ناعسة متحشرجة: طول عمرك بتصحي قبلي ايه اللي اتغير اقترب أكثر من شفتاها وتحدث بهمس: وحشتيني مش كفاية امبارح كنت مش في المود ومقربتلكيش
قلبت عيناه بسأم وهي تدفعه من منكبيه برفق وتعدل جلستها وقالت بملل: هو ده طبيعي يا هاشم يعني كل يوم كده!

استند بكفيه بجانبها يحاوطها وعينه تلمع بعشقها قائلًا: اه طبيعي يا قلب هاشم انتِ بتوحشيني وانتِ معايا وبحس اني عايز احطك بين ضلوعي جنب قلبي وما أخدتش نفس غير وتكوني مشاركاني فيه
ابتسمت بعد ما احتلت حمرة الخجل وجنتيها فهو دائمًا يجيد إرضاء غرورها كأنثى تنهدت وهي تسحب كوب النسكافيه خاصتها من فوق الكمود بجانبها وارتشفت منه بتلذذ وأردفت مغيرة مجرى الحديث:.

انت بتحطلي ايه في النسكافيه علشان ابقى مدمناه اوي كده ومعرفش اشربه غير من ايدك
رفع حاجبه بثقة وهمس أمام شفاهها: كل حاجة بتتعمل بحب بتبقى حلوة
مدوقيني بقى حبة ده انا زي جوزك برضو
هااا يعني أي، ابتلع باقي كلماتها بجوفه بقبلة حنونة بث بها عشقه الجامح لها ليتأوه من بين التحام شفاههم:
بحبك يا مي، بحبك.

بعد وقت قليل قطع قبلته بعدما شعر بأختناقها الوشيك ثم وضع جبهته على خاصتها وتحدث بتحشرج وهو يمرر لسانه على شفته السفلية بتلذذ:
تصدقي صح طعمه حلو اوي تسلم ايدى، ضربته بخفة في ذراعه وهدرت بسأم: انت غلس اوعى
قالتها وهي تزيحه وتضع الكوب من يدها وتنهض قاصدة المرحاض
ليقول هو بخفة ونبرة عابثة: انا غلس الله يسامحك طب ايه رأيك اجي معاكِ اونسك وادفيلك الميا.

ضحكت هي بدلال وهي تغلق باب المرحاض قبل أن يلحق بها: ده بعينك يا غلس
بقى كده بتهربي طب لما ارجعلك تحبي استناكِ نروح المستشفى مع بعض
اتاه صوتها من خلف الباب: انا هروح النادي مش هاجي المستشفى النهاردة
اللي يريحك يا حبي بس متتأخريش عايز ارجع القيكِ في البيت
حاضر.
وهنا هم للمغادرة لعمله وهو يمني نفسه بأن عند عودته سينهال منها كيفما شاء ويعوض جفاء ليلة أمس.

فتون
هدر بها بعصبية بعد استيقاظه من نومته الغير مريحة بالمرة وأخذ يدلك جبهته لعله يخفف حدة صداع رأسه لكن دون جدوى
لترد هي بطاعة تجنبًا لغضبه: نعم بتنادي عليا
تسائل وهو يعتصر ذاكرته: ايه اللي حصل بليل مش فاكر حاجة ومين اللي ربط ايدي كده
انت كنت سكران ونمت وانا اللي ربطلك ايدك
أومأ لها ببرود وهدر بتسائل: عملتي ايه امبارح؟
زاغت نظراتها وتلعثمت بتوجس: هااا، هو، اصل، يعني اللي حصل.

انطقي بسرعة انتِ لسه بتقتقي
هدر بجملته بعصبية وصياح نفضها وجعل الحديث يخرج منها: مقابلتوش ومدخلتش اصلًا
هب من جلسته وتقدم منها بخطوات بطيئة أرعبتها وجعلتها تتراجع تغمغم بخفوت: انا قولت تنين مجنح محدش صدقني
جذبها من رسغها بقوة وتحدث والشرار يتطاير من عينه: نعم ياختي بتقولي ايه؟
مقولتش، والله ده اللي حصل بس النهاردة هتلكك بأي حاجة واروحله مكتبه اهدى كده وانا هتصرف.

ليرد أكمل بتحذير: لما اشوف، وحياة ابوكِ الغالي لو ما نفذتي المطلوب لأكون بعتك ليه
أومأت له بطاعة بعدما تركها وجلس على الاريكة واستمر بتدليك جبهته وأمرها بحدة: اعمليلي قهوة ولو عندك مسكن هاتيه
إنصاعت له واحضرتله القهوة والمسكن، وبعد أن ارتشف هو أخر رشفة بفنجانه رمقها بترقب وهدر:
عملتي ايه في التقرير اللي اديتهولك تقدميه.

قدمته بعد ما حفظت كل كلمة فيه زى ما قولتلي ده حتى رئيس القسم مبسوط مني جدًا وعمال يمجد فيا قدام الموظفين وقال انه هيعرضها على مستر صقر بس انا مش فاهمة ليه اللفة الطويلة دي
ابتسم أكمل بخبث وأردف: صقر مش غبي ومش عايزه يشك في حاجة وعايز تلفتي نظره بطريقة غير مباشرة علشان البت اللي زقتها عليه قبلك نقلها من مكتبه في نفس اليوم اللي شافها فيه
لوت فمها بامتعاض وهمهمت: هو كان في قبلي ده شكل صقر ده مش سهل.

ابتسم ساخرًا على حديثها وهدر بوعيد: مش عليا انا هعرف اجيب مناخيره الأرض. لتلتمع عينه كون كل شيء يسير كما خطط له، ليأمرها قائلًا:
يلا اجهزي علشان متتأخريش على الشغل قوليلي بتكلمي اختك؟
اه بتكلمني لما بتاخد الأذن من المشرفين عليها في المدرسة أومأ لها ببرود وانصرف بعدها دون إضافة المزيد، تاركها تهم بانتقاء ملابس محتشمة تناسبها مما احضرهم لها وتستعد للذهاب للعمل.

داخل شركة العزازي كان يجلس يباشر عمله على اللوح الألكتروني بتركيز مبالغ به الى أن دلف إليه اكرم وهو يحمل ملف بيده ومطرق رأسه بخزي، لمحه صقر بطرف عينه ولكن لم يعيره انتباه وظل يباشر عمله تحمحم الآخر قائلًا بعد مرور بضع دقائق قاصدًا الاستحواذ على انتباهه:.

انا جبتلك التقارير اللي طلبتها وكمان نزلت اعلان علشان Assistant اللي انت طلبه بس مفيش حد جه لغاية دلوقتي تحب اجبلك حد من المتعينين جداد مؤقتًا انا ممكن اجيب حد من قسم التسويق علشان انا نقلت لمار هناك ايه رأيك؟
رمقه بلا مبالاه وبملامح جامدة ثم أشار له أن يضع ما بيده على المكتب
تأفف أكرم من معاملته له وقال يستعطفه: بلاش تعاملني كده ده انا حبيبك وبعدين اعتبرني عيل وغلط ده انت الكبير.

أسند صقر ظهره على مقعده بأريحية وهو يفرك ذقنه النامية بتريث محاولة منه التغاضي عن اقتلاع رأس أكرم الذي برر قائلًا:
انا كان قصدي نلم شملنا من تاني ياصقر إحنا الأربعة كنا مبنفارقش بعض واللي حصل ده نصيب ملناش فيه
زفر صقر بعصبية وهدر: اكرم، انت عارف اني مبحبش المبررات وان اللي عمله أكمل ملوش مبرر عندي ومستحيل نرجع زي الأول ومتحاولش تاني وإلا قسم بالله لأكون قاطع علاقتي بيك انت كمان.

اطرق رأسه بخذلان ونطق يطصنع الحزن فهو يعلم ان صديقه رغم حدته المبالغ بها لكنه حنون ولا يرضى بحزن أحد:
عايز تقاطعني يا صقر بعد العِشرة دي كلها الله يسامحك
قالها وهو يضع ما بيده على المكتب واستدار ليغادر
ليستوقفه صقر وهو يشعر يتقريع الضمير: استنى يا زفت أنا أمرتك تمشي
كادت بسمة ماكرة أن تتسلسل إلى ثغر أكرم على نجاح حيلته ولكن جاهد على كبتها والتفت اليه ينظر إليه بترقب.

ليهتف صقر بنفاذ صبر: الشويتين بتوعك دول مدخلوش عليا بطل تتفرج على دراما كتير انا حفظك...
رد اكرم يستسمحه: انت عارف أن إحنا مش اصحاب بس إحنا اكتر من الاخوات وأخوك الصغيرغلط وبيقولك حقك عليا
قال صقر بحزم: أخر مرة تحاول تفتح الموضوع ده معايا
رد اكرم بطاعة: والنعمة أخر مرة ما انا قولتلك اعتبرني عيل وغلط.

ابتسم صقر بتهكم ورد: ماشي يا عيل روح شوفلي موضوع Assistant ده علشان الشغل متراكم وزهقت خلي رئيس القسم يرشحلك حد كويس
حاضر هبعتلك حد حالًا، بس يعني لازم يكون Assistant راجل
تنهد صقر بعمق ورد بنفاذ صبر: مش ضرورى بس خلصني
أومأ له بتفهم وإن هم كاد يخرج استوقفه صقر بسؤاله: استني عايز اسألك على حاجة؟
تحمحم بتردد فهو من ليلة أمس لا يكف عن التفكير بصاحبة اللألئ الفضية.

ولا يعلم ما سر فضوله نحوها لهذه الدرجة ليهمهم بتردد: انت متأكد أن كل الحضور اللي كانوا في الحفلة من موظفين الشركة بس!
اه انا نفذت أوامرك بحذافيرها
أومأ له بتفهم وكاد ان يسأله عنها ولكن تلجم لسانه وعقله يصرخ به عن عدم الانصياع لترهات قلبه، فذلك ليست طبيعته وعكس طباعه
لينفض افكاره فهو لايريد التشتت أكثر فقد طالع أكرم الذي ينظر له باهتمام وهدر: خلاص بعدين روح يا أكرم.

انصرف اكرم وترك صديقه شارد لايعلم سر تخبط افكاره.

بعد وقت قليل دلفت هي الى مكتبه بخطوات مهزوزة فقد أمرها رئيسها بالعمل انه رشحها لمساعدة رئيس عملهم بشكل مؤقت لنشاطها وسرعة بديهتها فهي في وقت قليل اكتسبت ود وثقة كل من حولها حين علمت بالأمر تراقصت دقات قلبها وظنت أن القدر قد خدمها تلك المرة حتى تحقق ما اتت من اجله.

تحمحمت بخفوت وهي تطالع ظهر مقعده الدوار الذي يجلس عليه بأريحية وتلك الغيمة الرمادية الصاعدة من دخان سيجاره شوشت رؤيتها ولكن ليس ذلك ما شغلها بل رائحة ذلك المغرور التي يخيل لها أنها ملتصقة بأنفها ومازالت تشتمها الى الآن حتى أنها طغت على رائحة الدخان، أغمضت عيناها وتناولت نفس عميق تشجع به ذاتها ثم قالت بعملية:
رشحوني ابقى المساعدة بتاعة حضرتك تأمرني بحاجة معينة قبل ما ابدأ.

دار بمقعده والتفت لها بدهشة فعندما سمع صوتها انتابته قشعريرة لا يعلم سببها ليهمس بتفاجئ:
انتِ!
هوى قلبها ولا تعلم لمَ فور رؤيته وتلعثمت بصدمة عارمة: يا نهار ابيض انت!

ابتسم صقر بهدوء والتزم بشموخه ورسميته وهو يستند على مقعده يفرك ذقنه بهدوء و يشملها بنظراته المبهمة فكانت ترتدي حلة رسمية مكونة من بلوزة بيضاء ويعتليها بليزر اسود وجيب يلامس ركبتيها من نفس اللون وتلك الخصلات العسلية اللامعة تسقط على ظهرها بانسيابية مبالغ بها وما زاد اشراقها؛ وجها فكان خالي من مستحضرات التجميل فقط يطغو عليه حمرة لا يعلم سببها أهي خجل أَم غضب
لتباغته هي: صورتني كام صورة.

هدرت بها بشراسة و بتلقائية شديدة بعد ما التقطت نظراته المتفحصة له...
لم يعطي لكلماتها الفجة أهمية وتسأل بحدة: اسمك ايه؟
ردت هي بملل: فتون
شبح بسمة ظهرت على جانب فمه قبل أن
يسترد جموده ويتحدث بنبرة صارمة: انا مبحبش حد يتعدى حدوده معايا ياريت تبقى عارفة اني مبتهونش ابدًا في الشغل لازم تبقي ملتزمة وتنفذي اوامري من غير نقاش فاهمة
عقدت حاجبيها بتذمر من لهجته الآمرة واردفت بملامح منكمشة: حاضر أي اوامر تانية.

ليستأنف هو بحزم: لأ روحي على مكتبك وخلي اكرم يفهمك مطلوب منك ايه.
أومأت له وانصرفت بتعجل من أمامه حتى لاينفلت لسانها وتوبخه على غروره وغطرسته لتحدث نفسها بخفوت متهكمة:
ده مغرور اوي، وده انا هعرف اجر رجله أزاي إن شاء الله، ده جد اوي ومش شبه الرجالة الزبالة اللي عرفتها لترد على شخصها بتبرير:
شكله صعب ومش سهل ابدًا افففف خلاص هتعامل بطبيعتي وزي ما تيجي بقى انا مش هعمل حاجة وربنا يستر.

أما في احد النوادي الضخمة الخاصة بالطبقة المخملية كانت تجلس على احدى الطاولات المنعزلة بسأم متأففة تشعر بالضجر من ذلك الكتاب اللعين الذي بين يدها وأصابها بالملل أغلقته بأهمال وظلت تجول المكان بزيتونيتها بشرود نقرة خفيفة أعلى كتفها أخرجتها من شرودها مشدوهة مما رأت أنه هو من أرغمها القدر على مفارقته لتهمس بأسمه بذهول:
مازن.

ابتسمت بعدم تصديق وهو يمد يده لها مصافحًا، و تطلعت لهيئته الجديدة بانبهار شديد فقد تغير كثيرًا عما سبق فقد اشتدت بنيته بتناسق اظهرته تلك الطلة العصرية التي زادته جاذبية أما عن عيناه فقد التمعت بغرور وثقة عن السابق:
مش هتسلمي عليا يا مي
هدر بجملته بتهكم بعد ما التقط نظرات الاعجاب الواضحة بعيناها
انتبهت على نفسها وصافحته متسائلة: انت رجعت امتى؟

ابتسم وأردف وقال وهو يجلس مقابل لها: نزلت اجازة بقالي كذا يوم وبصراحة بفكر اقطعها وارجع تاني
ليه هو انت لحقت؟
زهقت ماليش حد هنا بعد امي الله يرحمها
ردت مي بأسف: الله يرحمها انا اسفة مقدرتش اعزيك وقتها وملحقتكش قبل ما تسافر
تنهد بهدوء وقال: ولا يهمك قوليلي انتِ اخبارك ايه وحشتيني، ابتلع كلمته الاخيرة ولعن تسرعه
ابتسمت هي بارتباك بعد ما ألتقطت حروفه وردت: انا الحمد لله كويسة
انت اخبارك ايه اتجوزت؟

أجابها مازن بعيون غائمة بالمشاعر: لأ لسه ملقيتش حد يشبهك
ابتلعت ريقها بتوتر فالحديث سوف يأخذ مجرى آخر هي لا تحبذه تعلم أن مازن احتل كثيرًا من ذكرياتها ولكن هي امرأة متزوجة ويجب أن تحترم غيبة زوجها فهذا ما نشأت عليه لتحمحم بحرج:
ربنا يكرمك ببنت الحلال عن اذنك انا اتأخرت لازم امشي
وان استقامت وكادت أن تهم بالمغادرة وقف هو مواجه لها بخفة وامسك كفها بتوسل وهمس:
هشوفك تاني.

سحبت مي كفها من بين يده بسرعة وهدرت بشيء من الحدة: مازن لو سمحت انا واحدة متجوزة دلوقتي واللي بيحصل ده مينفعش عن اذنك
قال هو راجيًا: استني يا مي انا عمري ما نسيتك ولسه عندي أمل نبقى لبعض
رغم أن تلك كانت رغبة كامنة بداخلها إلا أنها ردت نافرة: انت بتقول ايه؟
ابعد لو سمحت عن طريقي
وإن قامت بأزاحته وقعت عيناها على هاشم يطالعها بملامح لا تفسر
وقفت ترتجف من الذعر خشية منها أنه قد يكون استمع لحديث الآخر.

تابع مازن نظراتها المذعورة ليرى هاشم يقترب منهم بخطوات غاضبة هاتفًا: فيه ايه؟ مين الاستاذ هو بيضايقك ولا ايه؟
زفرت بارتياح فهو يبدو لم يستمع لحديثهم وأجابت وهي تبتسم بتوتر: ده مازن كان زميلنا زمان في الجامعة ولسه راجع من السفر
قيمه مازن وشمله بنظراته وقام بمصافحته قائلًا: اهلًا بيك يا دكتور هاشم انا مازن العدوي
استراب هاشم من نظراته وصافحة ببرود: اهلًا، واستكمل موجه حديثه لها.

ممكن يلا يا حبيبتي علشان اروحك هدر بها متجاهل الآخر تمامًا
بينما ردت هي بطاعة وهي تتناوب نظراتها بينهم: حاضر انا اصلًا كنت ماشية
ليقول مازن وهو ينوي المغادرة: طب فرصة سعيدة يا جماعة عن اذنكم
ابتسم هاشم مجاملًا اياه ببرود وهم بسحبها الى الخارج
ليتطلع مازن لآثارهم وهمس لنفسه: هرجعك يا مي ليا تاني وهثبت لأهلك اللي كسروني زمان واستكتروكي عليا اني احق حد بيكِ.

اصطحبها الى المنزل دون التفوه ببنت شفة الى أن وصلوا إلى شقتهم وما أن اغلق الباب دفعها برفق امامه وتحدث وهو يكتف يديه على صدره:
مين بقى الاستاذ اللي كنتِ واقفة معاه ده
ردت مي مبررة: قولتلك كان زميلي زمان وكان مسافر وشافني حب يسلم عليا فيها ايه يعني! اجرمت انا؟
هدر هاشم بحدة: لما تبقي متجوزة وتقفي مع واحد غريب عايزة الناس تقول ايه
ردت هي بشراسة: مسمحلكش يا دكتور قصدك ايه؟

مقصديش حاجة انتِ عارفة اني بثق فيكِ اكتر من نفسي بس ده مش هيمنع كلام الناس
هتفت هي بتبجح: والله بقى انا ميفرقش معايا
ليباغتها هاشم بصرامة: مفيش مرواح النادي تاني لوحدك مفهوم
ردت هي بتذمر: بطل بقى تلغيني وتحبس حريتي حتى النادي هتمنعني منه دى مبقتش عيشة
أجابها هو بتبرير ظنًا منه أنه سيتشفعله عندها: انا بغير عليكِ من الهوا الطاير عايزاني اشوفك واقفة مع واحد ومتجننش.

لاحت بسمة ساخرة على ثغرها وتسائلت متهكمة: انت معندكش ثقة في نفسك للدرجة دي!
صرح هو بنكبة قلبه بنبرة حزينة متألمة: انا معنديش ثقة في حبك ليا، عمري ما شوفت نفسي في عينك، عمري ما حسيت انك مستعدة تتمسكِ بيا وعندي احساس ديمًا انك هتسبيني علشان كده ببقى متشعلق فيكِ حتى الخلفة طاوعتك وانا عارف انك مش عايزة حاجة تربطني بيكِ.

هتفت بعصبية واندفاع كعادتها: اه قول بقى انك بتلف وتدور علشان تفتح موضوع الخِلفة تاني
ريح نفسك مش هجيب ولاد منك يا هاشم، صرخ بها بعصبية وهو يقبض على رسغها: ليه ناقصني ايه قوليلي مش مالي عينك للدرجادي.

هدر بجملته بعدما تفاقم غضبه من تلك المتمردة التي سحقت كبريائه كرجل تحت كلماتها اللاذعة فما ينقصه هو حتى لاتريد أن تجلب له طفل يحمل اسمه، انتظر ردها لكن لم يحصل عليه وكأنها تؤكد على كلامه قبض يده بقوة ليكبح غضبه فهذه المرة الأولى التي يشعر انه لم يتماك غضبه أمامها واستدار ينوي المغادرة لتصرخ هي بشراسة بعدما تملك منها كبريائها:
طلقني يا هاشم.

التفت لها نصف التفاتة وهو مصدوم مما تفوهت به لينظر لها نظرة عتاب طويلة وينصرف دون أن ينبت ببنت شفه تاركها خلفه تلعن تسرعها الدائم واندفاعها ولكن كعادتها قررت أن لا تخضع له والتزمت بكبريائها الأعمى و استعادت ثباتها و نهضت تلملم ملابسها عازمة الذهاب لمنزل والدتها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة