قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع والعشرون

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع والعشرون

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع والعشرون

كومة القلق الراقد تحت أتربة اللامبالاة الخفيفة بدأت تتطلع لظهور قريب، قد يكون حان، وقد يتأخر قليلاً، ولكنه يحمل وعد الإنتشار القريب!
سألته بلهفة تقدمت حروفها الواهنة:
-هو مين يا عمر؟
إبتلع ريقه بتردد، أصبح يخشى عليها من كثرة الصدمات، تقريبًا يشعر أنها مُغيبة تمامًا عن نقاء العالم الهادئ!
دائمًا قلقة، متوترة او حتى مضطربة، وكأن حُرم عليها أن تحيى تلك الحياة بوجهها الهادئ قليلاً، قليلاً فقط؟!

بينما هي كررت سؤالها المتوجس مرة اخرى:
-قول يا عمر؟ خلاص أنا خدت مضاد حيوي من كتر الصدمات
أجاب بجمود متوجس:
-عمك، ابو مصطفى!
ليس كل ما يتمناه المرء حقيقة، السلام النفسي لم تشتمله الرغبات السهلة تحقيقها...
حاولت خلق بعض الحجج لكره المبطن لها، ولكنها فاشلة في خلق سطرًا جديدًا عندما تُوضع نقطة النهاية!
أمسك عمر بها يسألها بقلق:
-شهد، إنتِ كويسة؟
إبتعدت منتفضة عنه تصرخ بهيسترية:.

-ابعد عني ماتقربش مني، مش بعيد أتصدم فيك أنت كمان!
وكأنها أصابت نقطة ما مغمومة داخله بالفعل!؟
هو لم يُوقي نفسه من فكرة إنفصالها عنه إذا علمت ب عمله الأجباري الذي اضطر له!
لم يضع حدًا لقلقه من الفراق الصادم حينها، سيخبرها، سيخبرها حتمًا ولكن ليس الان، في طراز خفيف يٌقلل من حدة الصدمة حينها..!
إبتلع ريقه بازدراء ليهمس بتنهيدة عميقة:
-طب ممكن تهدي الاول..

وبالفعل بدأت تأخذ نفسًا عميقًا وتزفره ببطئ حتى سمعته يكمل بجدية:
-اللي يخليه عايز يقتلك ويدمر حياتك، هاتستبعدي إنه يكون كبير المافيا!
عضت على شفتاها تمنع نفسها من البكاء، لترد بعد صمت دقيقة متابعة بحروف شبه متقطعة:
-لأ، هو ممكن يكون كرهني عشان أبنه، يمكن نلاقي مبرر ولو ضعيف، إنما المتجارة ب أروح الناس ملهاش مبرر، ابدًا!

اومأ مؤكدًا على كلامها، بينما كادت تتجه هي للأعلى، ولكنه أمسك بذراعها برفق هامسًا بنبرة كادت تنتمي للتوسل:
-شهد، مش ناوية تنهي عقابك ده؟
رفعت حاجبها الأيسر مستنهية بعقاب لا تراه من الأساس، ولا يصح إلا الصحيح!
ابعدت ذراعها عنه وهي تقول مستنكرة:
-وهو ده عقاب كدة؟
اومأ مؤكدًا بسرعة، ثم تابع يحاول التأثير في جمودها اللامتناهي ذاك:
-شهدي، بُعدك عني أقسى عقاب، أنا أسف، بس لازم تقتنعي إنه غصب عني يعني!

هزت رأسها نافية وهي تغادر وكأنها تنفض كلماته المُلحة على قلبٍ مُهيم به:
-عمر، لو سمحت دماغي مصدعة جدًا وحاسه إني هاطق، سبني اطلع انام
زفر بيأس وهو يراها تختفي من امام عينيه، صدق من قال رأسها كالحجر تمامًا !
همس لنفسه يبحث عن مخرج من دائرة قاسية ومُغلقة كتلك:
-اعمل اية طب عشان ترضى عني!
إتسع ابتسامته بخبث وهو يستدرك الحيلة الجديدة في أولى خطوات الصُلح، حيلة العشق!؟

دلف كلاً من أسيل وجاسر مندفعين نحو ذاك الشالية ، وبالطبع لم تبخل أسيل على حالها فأصبحت تذرف الدموع بلا توقف، تُلحنها شهقات متتالية ومتقطعة!
إلى أن قاطعها جاسر وهو يحتضنها بحنان مغمغمًا:
-ما خلاص بقا يا حبيبتي، هتفضلي تعيطي لحد امتى كدة!؟
عضت على شفاهها بقوة علها تتوقف، ولكن باءت بالفشل!

لأول مرة تشعر أن بالفعل بدأت تتعرج في طريق العشق، العشق الأسر، بزوابعه، بمراحله المذبذبة، بالخوف الذي يحاوطها مكممًا كل ثقب للهروب!
إبتلعت ريقها تحاول النطق متشبثه بيداه التي تحاوطها:
-كنت خايفة أوي يا جاسر، اول مرة اخاف كدة بجد!
ابتسم بحنو وكأنه يُحاكي طفلة تتمرد على تدخلات قدر مُفاجئ، ليهتف بعدها بهدوء حاني:
-حبيبتي مفيش حاجة تخافي منها، ده يعتبر شيئ طبيعي في حياتي معرض له في أي وقت!

مطت شفتاها بحركة إمتعاضية ساخرة على إطار الخطر الذي يستسلم لإحاطته هكذا!
لتردف متفحصة ذراعه الذي من المفترض أن يُصاب:
-طب وريني دراعك كدة لو سمحت، هو إزاي مابينزفش والرصاصة مفروض جات فيه!؟
نظر للأعلى وكأنه يفكر في حل اللغز، بينما كاد داخله يسقط ارضًا ضاحكًا على براءتها الغير معهودة..
ف تأففت هي بغيظ:
-فهمت، أنت لابس واقي الرصاص، بس دي مش عادتك يعني عشان كدة إستغربت في البداية!

نظر لها يتابع بنبرة ضاحكة:
-يعني عارف إنهم ممكن يتعرضولي في أي لحظة، وممكن أموت فيها وهاخرج من غير حاجة وكأني بقولهم يلا تعالوا أعملوا زي ما اتأمرتوا!
إلتفتت وكادت تغادر ولكنه أمسكها فجأة يجذبها نحوه لتصطدم بصدره العريض..
رفعت حاجبها الايسر متمتة:
-اممم وده أسمه اية بقا؟ سبني عايزة اروح اشوف الحاجات اللي هنا
هز رأسه نافيًا، قبل ان يخبرها هامسًا بخبث:.

-اسيبك إيه بس ده انا جايبك هنا عشان أستفرد بيكِ اصلًا!
حاولت التملص برقة من بين يديه تردد بخوف مصطنع:
-اوعى اوعى احسن العصابة دي تهجم علينا تاني
هز رأسه نفيًا:
-تؤ تؤ، انا كدة ادامهم اتصابت، هما عايزين قرصة ودن بس
هبطت ذراعها لجوارها وهي تهمس يائسة بصورة كوميدية:
-يعني مفيش أمل؟

صدح صوت ضحكاته المرح تملأ ارجاء المكان، بينما هي تتأمله بشغف، وبريقًا خاصًا في عيناها يرجوه ايتها الضحكات امطريني بالأمل، فقد ماتت السعادة داخلي !
جذب رأسها نحوه بحركة مباغتة ليلصق شفاهه على شفتاها قبل أن يهمس:
-لا مفيش يا زوجتي العزيزة، إنتِ مش هاتقومي من حضني النهاردة اصلًا!
اومأت مبتسمة بدلال:
-وأنا معنديش مانع يا زوجي العزيز.

مال ليُعانق شفتيها في قبلة وادعة تسحب كلاهما لعالم وردي منفصل عن نزاعات الواقع..
إلا أن خط الواقع صُك وهو يسمع هاتفه يرن، فتأفف مبتعدًا وهو يشتم المتصل بغيظ، ليجد أنه صديقه المقرب، فتح الهاتف ليجيب:
-أيوة يا كريم؟
-جاسر، وصلت مطروح؟
-اه لسة داخلين
-طيب القوات زمانها على وصول ليك، وزي ما اتفقنا هيبقوا بعيد عنك بس عشان تبقى ف امان لحد ما يتهدوا هنا شوية
-تمام، في حاجة تاني ولا إيه؟

-اه، أنا لسة داخل مكتبك بشوف ورق، لقيت ظرف حد بعته لك العسكري قالي لما سألته إنه جه بالبريد بقاله كتير جدًا من ساعة ما سافرت تقريبًا
-وياترى ظرف إيه ده!؟
-اعتقد دي صور، السُمك باين
-اممم طب افتحها يا كريم، لاتكون حاجة عن القضية!
-مش عارف هاشوف
صمت برهه يفتح ما بيده، وبعد صمت دام دقائق قطعه كريم وهو يخبره بنبرة مترددة:
-لا اما تيجي أنت تشوف بقا.

-لية يا كريم طلع إيه؟! اكيد ماحدش هيبعت لي حاجة على شغلي إلا لو خاصة بالشغل!
-لا لا، ملهاش علاقة بالشغل، ليها بحياتك الشخصية، اما تيجي بقا احسن، يلا سلام دلوقتي
-كريم! ك...
ولكن إخترق اذنيه صوت صفير الهاتف يعلن إنتهاء تلك المكالمة التي أثارت شكوكه منغمسة بالقلق...
فيما سألته أسيل مستفسرة:
-في إيه يا جاسر؟ ظرف إيه!؟
رفع كتفيه مجيبًا بتفكير:.

-مش عارف، هو صور، حد جابه من بعد ما سافرنا وحاجة عن حياتي الشخصية، وكريم لما فتحه سكت شوية وقالي اما تيجي تشوفه بنفسك احسن!
ثم حملها فجأة بين ذراعيه متجهًا نحو الغرفة، اما هي فكانت روحها المبتسمة قد غادرت تطير بين ضبابات الماضي و تتساءل
هل الصور تتعلق بي!؟

كانت رودينا تقف في احد الفنادق، تحديدًا امام موظفة الاستقبال، إنتهت اموالها تمامًا، أصبحت بلا قيمة!
نعم فالاموال هي من كانت تزيد من رونقها الظاهري...
بينما الروح تتعفن بين جدران الخبث..
وها هي، شريد!
تائهة!
محتاجة وخائفة، وحدها!؟
لم تنفعها أم، أو اب، كلاً يبحث عن رغباته راكضًا دون أن ينظروا خلفهم لها ولو للحظة!
لتُغطيها هي فراشات الكتمان، حتى تبتلعها ارض الموت...!
نظرت للموظفة تحاول إقناعها وهي تهتف:.

-طب لو سمحتي مش ممكن اقعد بس ليلة كمان عقبال ما الاقي شغل وهدفع حقها!؟
هزت رأسها نافية بجدية بلا شفقة:
-للأسف لا يا مدام، القوانين هنا بتدفعي الاول وبعدين بتقعدي، لكن غير كدة أسفة جدًا!
نظرت حولها تتحسر، يلتف حول مراكز عقلها ذكراها وهي ترجو والدتها أن تعود، أن تبعث لها وتأخذها معها..!
واخيرًا تتوسل أحمد ليعطيها اموالاً اخرى، ولكن كل الأبواب تفتح جزءًا جديدًا من غزارة الجحيم ليس اكثر!

ليس كل نصر بداية، بل نصرها هي كان كغير كل بداية، كان مجرد بداية للنهاية...
إنتبهت لصوت الموظفة وهي تسألها بهدوء جاد:
-عندك إستعداد تشتغلي هنا يا مدام؟
اومأت مسرعة بلهفة:
-ايوة طبعًا ياريت
اومأت موافقة تشرح لها:
-تمام، هما محتاجين موظفة، هتقعد هنا وأكلها هيبقى تبع الفندق، بس مرتبها 900 جنية لإن الاكل من هنا وكمان الإقامة!
سألتها بضعف:
-طب هشتغل إيه؟
اجابتها الاخرى مباشرةً:
-هتنضفي الحمامات!

شهقت رودينا مصعوقة وهي تهمس داخل صدى الصدمة:
-نعممم! حمامات، هنضف الحمامات!؟
اومأت الاخرى ببساطة:
-ايوة، دي الوظيفة الوحيدة المتاحة حاليًا، هتقعدي ادام الحمامات وتنضفيها، ووقت شغلك من 7 الصبح ل 9 بليل..
ظلت محدقة امامها، كم هو قاسي ذاك القدر، يُمنيها بمقتطفات حياتية ليست من حقها، ثم يسقطها في قاع لم تره يومًا!؟
إنتبهت لصوت الموظفة تسألها:
-ها يا مدام قولتي إيه؟
تنهدت بكسرة مغمغمة:.

-موافقة، أحسن ما اشحت..!
وهكذا إنتهى بها الحال، من رودينا المرفهه، تحيا بسعادة متكبرة على من هم اقل، لمجرد عاملة نظافة في المرحاض العام!
وفعليًا - الدنيا دوارة -!

خرجت رضوى من غرفتها على صوت عبدالرحمن وهي يُحادث نفسه بقهر، منذ ذاك الوقت وهي لا تحادثه ابدًا إلا في المواقف الضرورية..
منذ أن أتت من عند والدتها ثم مها، ورأت أحمد هناك، لم تصدق اذنيها وهي تسمعه يقص عليها ما دار بينه وبين عبدالرحمن في المستشفى ذاك اليوم...
وتقريبًا هذا ما أكد لها عودة عبدالرحمن ل الشيزوفرينيا بعد تكرار رؤية تلك!
ولكن هناك نقطة مفقودة، كمثل أنه لم يكتمل علاجه من الاساس!؟

وهو كان وكأنه يحتاج للعزلة ليُصنف حياته من البداية حتى النهاية!
وجدته يدور في أرجاء المنزل يهمس لنفسه بغيظ، قطعت عزلته بصوتها الهادئ تسأله:
-في إيه يا عبدالرحمن؟
ظل يمسح على شعره عدة مرات يحاول تنظيم الحروف الصارخة التي ترغب في التدفق، ليرد بخشونة:
-بابا لسة قافل معايا، هايطلق أمي، وهايسيب لها البيت إكرامًا للعشرة، وهو هيأجر له أي شقة!

نسبةً لها كان ذاك التصرف مُحتمل، ولكن ما لم يكن محتمل أن يتمحور رد فعل عبدالرحمن حول نقطة القلق على والدته فقط!
القلق بعد كل النقاط التي احرزتها في الشر بين ثنايا حياتهم!؟.
ولكن ولِمَ لا، هو شعوره فطري بالقلق على والدته وإن تعاهدت على حرقه حيًا...!
إستفاقت من شرودها على صوت يردف بتوتر:
-أنا عمري ما هسامحها على اللي عملته، لكن كدة هي ممكن يجرالها حاجة لوحدها!

كادت تُصفق لنفسها على براعتها في الهدوء وهي تسأله:
-اممم امال هتعمل إيه يعني يا عبدالرحمن؟ لاتكون عايز تجيبها تعيش معانا!؟
هز رأسه نافيًا بضعف:
-مش عارف، أنا تعبت من كل حاجة!
لم تتردد وهي تهتف بصلابة قاسية بعض الشيئ:
-عبدالرحمن والدتك لو جات البيت ده أنا مش هاتردد لحظة إني أرفع قضية خلع، ده انا سبحان ما مصبرني عليها وماروحتش رفعت قضية وسجنتها عشانك أنت بس وعشان سُمعة حمايا اللي اعتبرني بنته الصغيرة!

ولم يكن منه إلا أن تركها وغادر هكذا دون ظهور رد فعل، وكأنه قد قارب أن يكون مختل عقليًا من كثرة الضغوط النفسية!

ﺍﻻْنثى ﻛﺎﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ..
ﻻ ﺗُﻌﻄﻲ ﺃﻟﺤﺎﻧﻬﺎ ﺇﻻ ﻟِﻤَﻦْ ﻳُﺘﻘﻦ ﺍﻟﻌﺰﻑ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﺗﺎﺭﻫﺎ! ...
كانت شهد تجلس في الحديقة، وبيدها خيط الكروشية تصنع أحب الأشياء إلى قلبها..
عيناها هنا، وجسدها هنا ايضًا، ولكن الروح هائمة متلاطمة بين امواج الحياة!
جالسة هكذا منذ أن أتى ذاك الضابط يتحدث مع عمر، فاستغلت هي الفرصة تنفرد بنفسها في الحديقة...
صار لهم ساعتان تقريباً ولم ينته ذلك الحوار؟!

تأففت أكثر من مرة قبل أن تنهض متجهة للداخل بخطوات هادئة..
حتى اصبحت على مقربة من الباب، وكادت تطرق الباب وهي تدلف ببطئ إلا أنها تسمرت مكانها من الصدمة التي سقطت على اذنيها كالرعد لتترنج مكانها تسقط متأوهه بصوت عالي و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة