قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الأول

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الأول

رواية أربعة شكلوا حياتها (سنابل الحب ج2) للكاتبة منال سالم الفصل الأول

كان عامها الجامعي الأخير - في كلية التربية النوعية - حيث استعدت لمار لهذا العام الحافل منذ بدايته، فقد كان شاغلها الأكبر هو كيفية الانتهاء من متطلبات الدراسة، وبدء التفرغ لسوق العمل واحتياجاته.
هي تعلم أن تخصصها في مجال الحاسب الآلي مطلوب، ولكن عليها أن تثبت جدارتها حتى تنال أفضل الوظائف.

دلفت لمار عصام الحسيني إلى داخل الحرم الجامعي بجامعة الإسكندرية وهي غير متكلفة في زينتها أو حتى في ثيابها البسيطة. فهي تلك الشابة المحجبة التي لا تضاهي الجميلات في حسنهن، ولا الرشيقات في إبراز مفاتن أجسادهن وقوامهن المتناسق. وإنما هي فتاة بسيطة ترتدي الحجاب والملابس العادية أو ما يطلق عليه ال ( كاجوال )، ولكن لديها ذوق عام في انتقاء ما يناسبها.

تخطت هي حاجز العشرين عاما بقليل، وهي وحيدة والديها، فأبيها متقاعد، ووالدتها تعمل موظفة بإحدى الدوائر الحكومية. تمتلك بشرة قمحية، وعينين بنيتين ضيقتين، وشعرا عاديا طويلا، وهو ليس بالحريري، ولكنه ملائم لها. أما جسدها فهو رفيع، ولديها خصر رشيق. كذلك هي متوسطة الطول.

عدلت لمار من وضع حجابها الذي يغطي رأسها، ودلفت إلى القاعة الخاصة بالمحاضرات وهي تلوح لرفيقتها منى – والتي كانت قد حجزت لها مقعدا شاغرا مجاورا لها – وعلى وجهها ابتسامة رقيقة.
أسندت لمار حقيبتها على حجرها، ثم مالت برأسها على منى، و...
-لمار بخفوت: مرحبا
-منى متسائلة بنبرة أقرب للهمس: لماذا تأخرتي؟
-لمار بهدوء: كنت أعيد ترتيب غرفتي، فلم تتركني أمي إلا بعد ما انتهيت منها.

-منى بسخرية: أنت حقا مهملة
-لمار بنرة محتجة: لا والله، ولكني لا أحبذ القيام بمهام التنظيف في غير وقتها
-منى مبتسمة برقة: أعلم هذا.
-لمار بنبرة متحمسة: هو وصلتك أي اخبار عن مشروع التخرج؟
-منى بإهتمام: نعم وآآ...
ولكن توقفت منى فجأة عن الحديث حينما رأت الأستاذ الجامعي يمرق إلى داخل القاعة، و...
-منى بنبرة هامسة: سأتحدث معك بعد انتهاء المحاضرة، فالأستاذ قد دلف
-لمار مبتسما بعذوبة: حسنا، لا بأس.!

حياة لمار كانت عادية للغاية، ليس بها من المغامرات العاطفية والمآثر ما يجعلها تتباهى به أمام رفيقاتها، ولكنها كانت تضع لنفسها خططا مستقبلية من أجل الظفر بزوج مناسب يحبها وتحبه بعيدا عن قصص المراهقين الفارغة، بالإضافة إلى فرصة الحصول على وظيفة مرموقة تثبت فيها براعتها...

مر العام الدراسي ولا جديد يذكر في حياتها الروتينية العادية إلى أن عادت هي يوما إلى منزلها ذات يوم بعد انتهاء أخر يوم لإمتحانات الفصل الدراسي الثاني، وقابلت رفيقة والدتها السيدة هند.
نهضت هند عن الأريكة، ورمقت لمار بنظرات دافئة، ثم فتحت ذراعيها لكي تحتضنها، و.
-هند بإهتمام: مرحبا بك لمار
-لمار بنبرة رقيقة: أهلا بك خالة هند
-سمية بنبرة متشوقة: ابنتي، اجلسي إلى جوار خالتك، فهي لديها أخبار سارة من أجلك.

عقدت لمار حاجبيها في استغراب، وقطبت جبينها في حيرة، و...
-لمار بإهتمام جلي: حقا! ما الأمر خالتي؟
جلست لمار إلى جوار الخالة هند، ثم ضيقت عينيها، وأصغت لما تقوم بإهتمام، فأردفت هند ب...
-هند بحماس: لدي عمل من أجلك، وظيفة إن أثبت نفسك فيها ستحصلين على راتب مجز
أطرقت لمار رأسها للأسفل، ونظرت إلى ساقيها، و.
-لمار بخفوت: ولكني أريد أن أكمل دراستي العليا
-هند بجدية: أعلم هذا، ولكنها فرصة مناسبة لك.

ترددت لمار في قبول عرض رفيقة والدتها، فهي لا تريد إضاعة وقتها في شيء لن يفيدها حاليا، وهي أيضا ترغب في التركيز على دراستها، لذا رفعت رأسها، ونظرت إلى والدتها و.
-لمار بحيرة: ما رأيك أمي؟
ابتسمت لها سمية في حماس، ووضعت يدها على ورك ابنتها، وربتت عليه في حنو و.
-سمية بتشوق: إنها فرصة كبيرة، نصيحتي لك ألا تضيعيها
-لمار بإعتراض: ولكن أمي أنا آآ.

-سمية مقاطعة بجدية: أنت الآن في عطلة حبيبتي، استغليها وأربحي منها القليل
تنهدت لمار بإرهاق وهي غير مقتنعة بما قالته والدتها، ولكن أردفت أمها ب.
-سمية بإصرار: خوضي التجربة صغيرتي، لن تخسري أي شيء
-لمار وهي تعض على شفتيها في تعب: وأين مكان تلك الوظيفة؟
-هند بنبرة عازمة: إنها في معمل تحاليل، مهمتك إدخال بيانات المرضى على الحاسوب، وطباعتها، وتسليم تقارير التحاليل إلى العملاء.

-سمية بنبرة داعمة: إنها مهمة عادية للغاية، لن تبذلي فيها أي مجهود، وأنت صغيرتي تجيدين استخدام الحاسوب، إذن لن تحتاجي لمجهود يذكر
-لمار متسائلة بجدية: هل هذه فقط هي مهام وظيفتي؟
-هند وهي توميء برأسها إيماءة خفيفة: نعم. فهل أنت موافقة؟
-لمار بتنهيدة تعب: حسنا
وبالفعل توجهت لمار إلى ذلك العمل الجديد الذي كان يبعد عن منزلها عدة بنايات، ورحب بها الطبيب عبد الوهاب في معمله، وأملى عليها مهام وظيفتها.

جلست لمار على المقعد المخصص لها في الاستقبال الملحق بالمعمل، وبدأت في تنفيذ المطلوب منها بتركيز شديد حتى لا ترتكب أي أخطاء.
وخلال الأيام اللاحقة، اجتهدت كثيرا في تلك الوظيفة لتثبت جدارتها، واستوعبت المطلوب منها بسهولة، ونفذته كما ينبغي. فتلقت الاستحسان والثناء من الطبيب.
وفي صباح اليوم السادس لها من العمل، جاءت امرأة ما تبدو أكبر منها سنا، و جلست إلى جوارها بعد أن رمقتها بنظرات متأففة.

-غادة لنفسها وهي تلوي فمها في امتعاض: من هذه؟
كانت غادة هي الموظفة الأقدم في المعمل، شهدت على تأسيسه، وعملت مع الطبيب عبد الوهاب في معمله القديم من قبل، وانتقلت للعمل في هذا المعمل الجديد لتصبح المسئولة عنه.
كانت تهتم بمظهرها الخارجي كثيرا. وتنفق كل ما معها لتبدو صاحبة ذوق رفيع في انتقاء الثياب الغريبة والعجيبة.

لم تلتفت إليها لمار، أو حتى تتحدث معها، مما جعل غادة تشعر بالضيق وهي تنظر إليها، ثم حدجتها بنظرات متفرسة قبل أن تردف ب.
-غادة بنبرة متأففة تحمل الإهانة: أنت الموظفة الجديدة؟!
استدارت لمار في اتجاهها، ورمقتها بنظرات أكثر حدة، و.
-لمار بجدية: نعم، أنا هي
-غادة بنبرة متعالية: وأنا غادة، أعمل هنا منذ خمس سنوات، وأعتبر الأقدم في ذلك المعمل، ومن قبله كنت مع الطبيب عبد الوهاب في معمله القديم.

-لمار بعدم اكتراث: أها
-غادة بنبرة مراوغة: وإلى حد ما أنا كلمتي مسموعة عند الطبيب عبد الوهاب، فخذي حذرك
-لمار بنظرات قوية، ونبرة هادئة: حسنا، هل هناك أمر ما مطلوب مني؟
-غادة بنبرة متصلبة: أريدك أن تعرفي حدود عملك منذ البداية، وتعرفي من أنا كي تظلي آآ.
-لمار مقاطعة بحدة: أنا متدربة جديدة، ولست منافسة لك، فأرجوك دعيني في شأني لأكمل عملي
اغتاظت غادة من رد لمار القوي عليها، فتوعدت لها بالرد قريبا، و...

-غادة لنفسها بنبرة محتقنة: والله لأرد لك الصاع صاعين، نعم، سأجعل أيامك هنا معدودة، وسترين.!

خلال الأيام اللاحقة عكفت غادة على التخطيط لإفساد عمل لمار الورقي، ولكن كان مسعاها دون جدوى، فدائما كانت واعية لكل ما تقوم به، بالإضافة إلى ثناء الطبيب الدائم على اجتهادها مما زاد من نار الغيرة لديها، فقد شعرت غادة أنها على وشك خسارة مكانتها التي اكتسبتها بسبب تلك المتدربة، لذا قررت أن تتخلص منها نهائيا.

راقبت غادة لمار وهي مندمجة في طباعة بعض التحاليل، واستغلت الفرصة في سرقة بعض نتائج التحاليل الهامة الخاصة بببعض المرضى ذوي الحالات الخاصة، ثم قامت بتمزيقها وإلقائها في سلة القمامة.
لاحقا حضر أحد المرضى لاستلام نتيجة التحاليل الخاصة به، فتفاجئت لمار بعدم وجودها، فإنتابها القلق، وبحثت في كل أرجاء مكتبها، ولكن للأسف دون جدوى، و.

-المريض بنبرة جادة: هل هناك خطب ما؟ أليس من المفترض أن تكون النتائج بحوزتك؟
-لمار بنبرة قلقة، ونظرات حائرة: بالفعل كانت هنا، وأنا أبحث عنها
-المريض بنبرة شبه منفعلة: هل ضاعت؟ أخبريني من فضلك!
-لمار بنبرة متوترة: من فضلك إهدأ، ولا داعي للإنفعال، فأنا سوف أجدها لك
-المريض بعصبية: كيف وهي ليست أمامك.

اعتلى وجه غادة ابتسامة لئيمة وهي ترى المأزق الذي وقعت فيه لمار، لذا نهضت عن مقعدها، وسارت في اتجاه لمار والمريض، و.
-غادة متسائلة بخبث: ما الأمر
-لمار بضيق: لا شيء
-المريض بحدة وهو يشير بإصبعه: بل يوجد كارثة، فقد أضاعت تلك الموظفة نتائج التحاليل الخاصة بي
-غادة بإندهاش زائف: ماذا؟
-لمار بنبرة شبه مختنقة: أنا واثقة أنها كانت هنا، فقد وضعتها بيدي.

-غادة بنبرة استهجان، ونظرات اشمئزاز: أين؟ فأنا لا أرى أي شيء أمامك
-المريض بنبرة منفعلة: أريد نتائج التحاليل، فأنا لم أحضر لكي أسمع ثرثرة فارغة
-غادة بنبرة هادئة: لا داعي للعصبية سيدي، سوف أتصرف وأحضر لك نسخة بديلة، فقط اجلس هناك
ثم أشارت له بيدها لكي يجلس على المقعد القريب، فزفر المريض في ضيق، ثم سار إلى حيث يوجد المقعد وجلس عليه وهو يغمغم بخفوت.

نظرت غادة إلى لمار شزرا، ثم توجهت إلى داخل غرفة الطبيب، وظلت ماكثة بالداخل لفترة ثم عادت بعد برهة وعلى وجها ابتسامة متشفية، وتحمل في يدها ملفا ما.
-غادة بنظرات شامتة، ونبرة حاقدة: الآن ستنالين ما تستحقين
لم تفهم لمار ما الذي تقصده تلك المرأة بكلماتها المقتضبة، ولكنها لم تعرها الانتباه، وعكفت على اكمال عملها المتبقي ومحاولة التصرف وحل تلك المشكلة.

توجهت غادة إلى المريض ووقفت قبالته، ثم مدت يدها إليه ببعض الأوراق، وظلت تتهامس معه، فابتسم لها المريض، ومد يده ليصافحها، ثم انصرف خارج المعمل. فعادت غادة للجلوس على مكتبها ولم تختف تلك الابتسامة الشيطانية عن وجهها.

بعد لحظات رن الهاتف الداخلي الموضوع أمام طاولة الاستقبال الرخامية، فمدت لمار يدها لتمسك بالسماعة وتجيب عليه، و.
-لمار هاتفيا بنبرة هادئة: السلام عليكم، معمل الأمل للتحاليل
-عبد الوهاب بجدية: أنا الطبيب عبد الوهاب، تعالي إلى مكتبي فورا لمار
-لمار بتوجس: حاضر
أسندت هي سماعة الهاتف في مكانها، ثم توجهت إلى غرفة الطبيب، وطرقت على الباب بطرقات خفيفة قبل أن تدلف للداخل.

سارت هي بخطوات واثقة في اتجاه المكتب الجالس عليه الطبيب، ثم رفع هو رأسه للأعلى ليحدجها بنظرات قوية من أسفل نظارته الطبية و.
-عبد الوهاب بجدية: لمار، اجلسي من فضلك
-لمار بحرج: لا داعي
-عبد الوهاب بلهجة آمرة وهو يشير بيده: من فضلك
-لمار وهي تتنحنح في خجل: شكرا
جلست هي على المقعد المقابل له، وأجفلت عينيها للأسفل ونظرت إلى أصابع يدها المتشابكة، و.
-عبد الوهاب بهدوء رزين: هناك شكوى مقدمة ضدك.

اتسعت مقلتي عينيها في صدمة، ونظرت إلى الطبيب بنظرات مصدومة قبل أن تتشدق ب.
-لمار بذهول: شكوى؟ كيف هذا؟
-عبد الوهاب بجمود: أعلم أنك تجتهدين في عملك، ولكن هذا لا يعطيكي الحق لتتعالي على غيرك وترفضي مساعدته خاصة إن كنت أنت المخطئة
عقدت هي ما بين حاجبيها، وعبست ملامح وجهها، و...
-لمار بنظرات جاحظة، ونبرة مشدوهة: أنا؟ لا يمكن
-عبد الوهاب بضيق: لمار، لا داعي للمراوغة، أنا أعلم كل شيء يدور هنا.

-لمار وهي تصر على أسنانها في ضيق: أهذا بسبب المدعوة غادة؟
-عبد الوهاب بنبرة متصلبة: نعم
-لمار بتهكم: وهل فعلت ما يسيء إلى شخصها الكريم
-عبد الوهاب بنبرة محذرة وهو يشير بإصبعه: تحدثي عنها بأدب، هي تكبرك بسنوات، وأقدم منك هنا، وأنا أثق بها ثقة عمياء
-لمار بنبرة واثقة: ولكني لم أفعل لها أي شيء.

-عبد الوهاب بحدة: أنت كاذبة، لقد تعمدت اهانتها أمام أحد المرضى، وتسببتي في إحراجها رغم إصرارها على مساعدتك، وهي بحنكة تخطت المسألة كي لا يتطور الوضع، وساعدت المريض وأعطته النتائج التي أضعتيها
نهضت هي عن مقعدها، واشتعلت وجنتيها بالغضب، و...
-لمار بنبرة متشنجة، ونظرات مشتعلة: هذا افتراء، أنا لم أفعل أي شيء، لقد كنت جالسة أمام حاسوبي أنهي آآ.

-عبد الوهاب مقاطعا بصرامة: أنا أحذرك يا لمار، إن تكرر الأمر مجددا لن أتركه يمر على خير
-لمار بتنهيدة مغتاظة: الآن فهمت، لا داعي للتوبيخ، أنا مستقيلة
-عبد الوهاب بنبرة مصدومة: ماذا؟
-لمار بنبرة تحمل الكبرياء: لقد وافقت على تلك الوظيفة فقط لأشغل وقت فراغي ريثما أجد ما يناسب مؤهلي، وليس لكي أتلقى الإهانة من أي أحد، أو أن يفترى علي بالكذب.!
-عبد الوهاب بإندهاش: انتظري، أنا لم أكمل حديثي.

-لمار بنبرة تحمل الكبرياء: ولكني انتهيت.!
ثم تركته دون أن تنتظر منه أي رد، وانصرفت بخطوات راكضة خارج المكتب وهي تحاول كبح دموعها كي لا تنهمر أمامه أو أمام تلك البغيضة...
جذبت لمار حقيبتها من على الطاولة الرخامية، وحدجت غادة بنظرات نارية، و.
-لمار بزمجرة: استريحي الآن، فأنا استقلت
ارتسمت ابتسامة الانتصار الممزوجة بالنشوة على ثغر غادة، و.

-غادة ببرود مستفز وهي تلوح لها بإصبعيها: خير ما فعلت، ولا تنسي أن تغلقي الباب خلفك
كورت لمار قبضة يدها في حنق ورمقتها بنظرات مستشاطة، ثم ضربت الأرض بقدمها، واستدارت بجسدها لتخرج من ذلك المعمل وهي تسب من فيه.
وعلى الرغم من أنها قد عملت لأيام، إلا أنها للأسف لم تتلق أي أجر من ذلك الطبيب، فتسبب هذا في إغاظتها أكثر.

حزنت سمية كثيرا على خسارة ابنتها لوظيفتها المؤقتة، بينما لم تكترث لمار بما حدث، وقررت أن تمحو تلك الأيام من ذاكرتها، وتركز فقط على ما هو قادم فهي قد استراحت من عبء العمل، وها قد جاء الوقت لكي تريح جسدها من إرهاق العمل وقبله إرهاق الدراسة. لذا قضت الأيام التالية وهي تتجول بصحبة رفيقاتها، وكذلك في التسوق...

أوشكت العطلة على الانتهاء، وبدأت لمار في تجهيز الأوراق المطلوبة لإكمال دراستها العليا. وفي نفس الوقت كانت تبحث عن فرصة عمل مناسبة، لكنها لم توفق، فقررت أن تركز فقط على تعليمها.
وفي أحد الأيام، بعد أن أوشكت الشمس على المغيب، دلفت سمية إلى غرفة ابنتها لتجدها غافلة على فراشها، فجلست على طرفه، ومدت يدها لتزيح الغطاء عنها، و...
-سمية بنبرة صافية: غاليتي، استيقظي
-لمار بصوت ناعس: أمي، دعيني أنام قليلا.

ثم أمسكت بالغطاء ووضعته على رأسها لتكمل غفوتها، فأصرت والدتها على إيقاظها، و...
-سمية بنبرة مرحة: كفى عنادا بنيتي
زفرت لمار في انزعاج، ثم اعتدلت في نومتها، وأمعنت النظر إلى والدتها بعينيها الناعستين و.
-لمار بنبرة متحشرجة: ما الأمر أمي؟
-سمية بنبرة متحمسة: اتصلت خالتك إيمان قبل قليل وأخبرتني أنها ستيقم حفل عيد مولد ابنتها رنا في النادي، وتريدك معها.

-لمار بإنزعاج زائف: ولكني لا أريد الذهاب، فأنا أكره ذلك النوع من الحفلات
-سمية بإصرار: لمار، أنت ستذهبين شئت أم أبيت، فأنا لن أرفض دعوة خالتك، فانهض عن الفراش واستعد للذهاب.
تمتمت هي بكلمات غير مفهومة، في حين توجهت سمية ناحية خزانة الملابس، وقامت بفتحها، وانتقت لإبنتها فستانا مناسبا لها من اللون البني، ثم أسندته على مقدمة الفراش و.
-سمية مبتسمة ابتسامة رقيقة: هذا سيليق بك، فأنا أراه مناسبا.

نهضت لمار عن الفراش، وتوجهت إلى المرحاض لتغتسل، ثم عادت لغرفتها، ونظرت إلى الفستان بنظرات غريبة و...
-لمار بإمتعاض: أبغض هذا اللون، فهو يجعلني أكثر إسمرارا، ماذا أفعل الآن؟ إن لم أرتديه ستحزن أمي، وإن ارتديته سأبدو كالسوداء، يا الله، ساعدني!

رغم كون الفستان بسيطا إلا أن لونه البني كان مستفزا للعين، فهو يسمر الفتاة ذات البشرة البيضاء، فما بالك بصاحبة البشرة القمحية، بالإضافة إلى تلك الفصوص اللامعة المتناثرة على غالبيته، فيجعلها تبدو مبهرجة للغاية.
عادت والدتها مرة أخرى إلى الغرفة، و.
-سمية بجدية: هيا يا لمار، ليس أمامنا وقتا كثيرا
-لمار بإعتراض: أمي، أنا لا أحب هذا الفستان.

-سمية بنبرة حاسمة: هذا الفستان قيم، ومكانه على جسدك، وليس خزانة الملابس، فأسرعي
-لمار بتذمر: هناك أشياء أفضل منه، وآآ...
-سمية بنبرة قاطعة: ارتديه يا لمار، هذا أمر نهائي
اضطرت لمار أن تمتثل لأوامر والدتها فهي تعلم أن الجدال معها سيصل حتما إلى طريق مسدود، ولهذا وافقت على أن ترتدي هذا الفستان – الذي لا يناسبها – على مضض فقط إرضاءا لها...

لاحقا. استقلت الاثنتين سيارة الأجرة وتوجهتا إلى النادي المقام به حفل عيد الميلاد.

رحبت الخالة إيمان بأختها وابنتها، وضمتهما إلى حضنها حينما رأتهما يعبران بوابة حديقة النادي، و.
-إيمان بنبرة متلهفة: أخيرا. حمدلله أنكما استطعتما المجيء بعد كل هذا التأخير
-سمية مبتسمة في هدوء: اللوم يقع على السائق الذي أقلنا، فقد كان بطيئا بدرجة مستفزة
-إيمان مبتسمة ابتسامة سخيفة: لا عليك أختي، المهم أنكما هنا الآن.
ثم استدارت برأسها في اتجاه لمار، ورمقتها بنظرات متفحصة لهيئتها، و...

-إيمان بإهتمام: كيف حالك لمار؟
-لمار بإقتضاب: بخير
-إيمان بنظرات متفرسة، ونبرة تحمل السخرية: مظهرك اليوم مختلف و. ومميز، حقا أثرت إعجابي
شعرت لمار بالحرج من كلمات خالتها التي تحمل الإستهزاء في طياتها، فابتسمت لها ابتسامة مصطنعة، ثم أشاحت بوجهها للناحية الأخرى.
بينما وضعت إيمان يدها على ظهر أختها، وربتت عليه، ثم.
-إيمان متابعة بنبرة عازمة: هيا إلى الداخل، رنا ستفرح لوجودكما، وستنبهر حقا بأناقتك لمار.

عقدت هي حاجبيها، وتنهدت على عجالة، و...
-لمار وهي تزم شفتيها في امتعاض: هذا واضح
-سمية بنبرة متشوقة: وأنا أريد رؤيتها لأعطيها هديتها
-لمار بهدوء: نعم، لقد اشترت لها أمي شيئا جميلا نتمنى أن يعجبها
-إيمان بإعتراض زائف: لا داعي لذلك
-سمية بإصرار: إنها هدية بسيطة، أريني أين ابنتك
-إيمان مبتسمة ابتسامة عريضة: حسنا.

توجه الجميع ناحية الطاولة الموجودة في منتصف حديقة النادي حيث قالب الحلوى الكبير الذي يزينها، والصحون المليئة بالحلويات الشهية، بالإضافة إلى المشروبات الباردة والغازية...
كان الحفل مليئا بالكثير من الأقارب والمعارف، وكذلك الأطفال. صافحت سمية كل من قابلته في طريقها، وسألت عنه وعن أخر أخباره. فجمعت الكثير من الأخبار العائلية المثيرة والمملة.

سادت الموسيقى الصاخبة الأجواء، وتجمع المدعون حول الطاولة ليبدأ حفل عيد الميلاد.
شعرت لمار بالضجر من وجودها، فهي ليست على وفاق مع خالتها، ودائما ما تكون في موضع مقارنة مع بناتها اللاتي تصغرهن، لذا كانت تفضل عدم الإختلاط معهن في أي مناسبة حتى تتجنب نظرات الاستعلاء والتكبر عليها.

لمحت هي من زاوية عينها رشا – أخت رنا الصغرى – وهي تنظر إليها بإحتقار، فأيقنت أنها تتحدث عنها وعن فستانها المحرج، فشعرت بالضيق من نفسها، لأن والدتها هي التي وضعتها في هذا الموقف المخزي بإصرارها على إرتداء هذا الفستان سيء المظهر.
لم تكف رشا عن التحديق بلمار ولا عن التمتمة بكلمات غير مفهومة، فلاحظت رفيقتها شذى هذا، و.
-شذى متسائلة بفضول وهي ترفع أحد حاجبيها: بمن تحدقين رشا؟

انتبهت لها رشا، ثم أشارت بعينيها الحانقتين نحو لمار، و...
-رشا بنظرات متعالية، ونبرة فجة: بتلك الفتاة، يالها من عديمة الذوق
-شذى بنبرة جادة: عندك حق، فهي لا تمتلك حتى المعيار الأدنى من الذوق العام، كيف يمكنك تحملها؟!
-رشا وهي تتنهد بإنزعاج: لأنها فقط ابنة خالتي، ليس أكثر
استمعت لمار إلى جزء من حديثها الذي بدى مسموعا للغاية، فشعرت بالضيق أكثر من حالها، وقررت أن تسير مبتعدة عنهما.

وبالفعل بدأت تتجول في الحديقة التابعة للنادي، وجابت بعينيها الناعستين وجوه الجميع، وعلى شفتيها المكتنزتين ابتسامة مجاملة. ولكن سرعان ما تلاشت تلك الإبتسامة، وحل مكانها علامات الإندهاش الممزوجة الذهول حينما رأته واقفا على مقربة منها بصحبة بعض الأشخاص، و...
-لمار بنظرات مصدومة، وهي فاغرة شفتيها: لا يمكن، نادر هنا، كيف هذا،؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة