قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وواحد وثلاثون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وواحد وثلاثون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وواحد وثلاثون

عندما حاولت أن اصف حبى لك
تعذبت كثيرا، ما وجدت غير
خاطر مكسور وقلب مفتور
أحلامي تحطمت على صخرة صماء
وليت لى قلب مثل هذه الصخرة
قريب على بعد، بعيد على قرب
فما أنت بقريب وما أنت ببعيد
أ ح ب ك
لم تستطع أن تتهجاها، أم لم تتعلم حروفها
كثيرة إن طلبتها، ثقيلة لو قلتها!
ولم لا وأنت الذي تنهى وتبدأ، تأمر تطاع
أصبحت الآن حرة، وأنت مقيد بحبى
سأقولها لك مرة واحدة،
لن أتسول منك الحب،
ومافائدة الاهتمام بعد الطلب.

أن أكون كل شئ فى حياتك
أو لن أترك فى حياتك أثر
الخاطرة بقلم الجميلة: آية عادل
دفعت فرح باب المكتبة الخشبي ليصدر اصوات اجراس منبهًا لقدوم الزبائن، ابتسمت فرح وهى تجد الرجل القابع على كرسي مكتبه يكتب خواطره اليومية، تعترف أن الرجل له خواطر تصيب سهامها لعليل القلب، تنحنحت جاذبة اهتمامه
-ازيك ياراجل يا طيب
رفع الرجل العجوز عيناه من على الورقة وقد توقف عن كتابة خواطره لترتسم ابتسامة واسعة على شفتيه قائلا.

-اهلا، اهلا يا فرح تعالي اقعدي
ابتسمت فرح بغبطة وهى تجلس على المقعد الخشبي لتراه يجلس قبالتها وهو يقول بعتاب
-مالك كدا بقالك فترة مش بتيجي المكتبة، ولا شهرة السوشيال خليتك تقصري في زيارتي
زمت فرح شفتيها وهى لا تنكر أن شهرتها الوليدة على المنصات التواصل الأجتماعي بمحض الصدفة، حتى أنها باتت تعرف بأسم البنت صاحبة الحكايات، أثارت زوبعة كارثية خاصة للرجال الذين ينتقدونها وتعاطف وتشجيع كبير من السيدات.

وكل ما تقوم به هو وضع مستحضرات تجميل على وجهها وتسرد قصص وهمية لها عبرة بالنهاية، مدافعة عن مغبة السقوط فى وهم الحب!
لكن هل يتركونها صنف الرجال! لكنها لم تكترث اطلاقا، هى تقدم نصائح للسيدات وما زالت ستقوم بفعلها، غمغمت بصراحة تجاه الرجل الذي بدأ يلفها بطوق من الأمان الذي تنشده
-الصراحة كدا كنت مخنوقة، وحسيت ان دي فرصة أعيد عليك
عقد الرجل العجوز حاجبيه العرضين بوجوم ليجيبها بتفكه قائلا.

-تعيدي عليا في نص رمضان، ماشي يا ستي مقبولة منك
صمت الرجل وهو يلاحظ تشنج ملامحها وشرودها ليتنهد بثقل وهو يعلم تلك النظرة التائهة في عيونها
رغم أنه تعرف عليها عن طريق الصدفة حينما أتت لزيارة سريعة باحثة عن عدة كتب لدراستها، وبدأت زيارتها تتكرر، يعترف أن الشباب أصبحوا يهملون المكتبات وقراءة الكتب، ما أثار انتباهه هو شرودها وحزنها الدائم رغم كونها فى زهرة شبابها!

اقترب منها بدافع الفضول والقلق الأبوي، وهي كانت فى بداية الأمر تفاجئت من عرضه لها للشاي والقهوة حينما تمكث بالساعات فى المكتب، لا ينكر انها كانت تنظر اليه بريبة، لكن نظراته الأبوية أسكن خوفها، لتبدأ هى فى جلب قوالب كعك صحية ثم بدأ يتسامران حتى أصبحا صديقين، سألها بنبرة هادئة
-مالك
مررت أناملها فى خصلات شعرها وهي تهمس بحنق
-انا تعبت.

ابتسم الرجل ورغم مسامرتهما، إلا أنه لم يعرف أدق تفاصيل حياتها، وتفهم هو رغبتها، لكن صرحت بهدوء أنها مرت بتجربة سيئة، لكن اليوم شجعه على هدم أول جدار
-مشكلة حب مش كدا
لوت فرح شفتيها ساخرة لتجيبه بتهكم
-ياريت مشكلة حب، علاقتي كانت سامة للأسف
اتسعت عيناه دهشة ليسألها باهتمام
-يا ساتر يارب، احكيلي
نقرت بأناملها على مكتبه الخشبي ونظرت اليه لثواني
تختبر اقتراب شخص عجوز مثله فى حياتها.

رغم أن الرجل أخبره بقصة حبه الاسطورية بزوجته وتركته الان وحيدا مع فتاة وولد أصبحا ملك حياته، زفرت بيأس و لقائها الأخير مع نضال حفزها لتسأل رجل مثله، خبير بالعلاقات وله خبرة واسعة فى المسائل الحياتية
-الست تقدر ترجع لطليقها في حالة ايه
ابتسم الرجل بدفء وهو يجيبها بنبرة رزينة.

-انه يكون مقدرها، غالية في عنيه، ندمان على طلاقه منها، والاهم من كل ده التغير، الانسان يا بنتي صعب يتغير دلوقتي عشان حد، نقدر نتلون، نلبس قناع نخدع بيه اللي قدامنا بس يتغير لأ ابدا
لاحظ الجمود الذى سيطر على ملامحها، لتعلم أن الاجابة النهائية هي لا
هي احتاجت لحافز ليزيد من عزيمة اصرارها للرفض، لن تنكر أن بداية طلاقها كان أمر لا يطاق، والالام وجروح لم تبرأ.

لكن بدأت تعتاد علي عدم وجوده، مصيبتها انها جعلته كل حياتها
هي من تلجأ إليه فى كل مصابها
صبت كل مشاعرها لشخص لم يستحق ذرة واحدة من امضاء وقته معها
لكنها عاندت، زادت اصرارا لتغيره
والرجل قال، الانسان لا يتغير، من الصعب أن يتغير
كأنه اقتحم دهاليز عقلها
علم علة قلبها
صمت لبرهة من الوقت ثم تساءل
-كنتي بتحبيه مش كدا؟
غمر وجهها الضيق وذكراه او مجرد التذكر بأسمه تنفر منه، لتقول.

-كنت، بس لما عرفت انى باخد أذي وقلة قيمة بعدت
ابتسم بتفهم ليقول بنصيحة أبوية يقدمها لتلك الحزينة
-صدقيني البداية صعبة، بس بعد كده هتتعودي وهتعيشي، اوعي تفتكري انك عايشة في الكون ده لوحدك، او حتى أنه لما مشي من حياتك مش هتقدري تعيشي من غيره، عقلك مدي سيطرة علي قلبك بالكلام ده، عيشي لنفسك عشان نفسك هي حياة واحدة بس اللي بنعيشها
هزت رأسها والحنق يعتريها ليتابع بابتسامة مشجعة.

-الجواز مش نهاية العالم، عدم وجود الحب مش أزمة لو مجربنهوش، الاطفال مش مشكلة لو مقدرناش نجيبهم، ساعات يا بنتي عدم وجود اطفال نعمة على حياة الأب والأم، انتي تضمني منين هو ده الابن البار بيكي، عايزك تعرفي ان الكون مش ماشي بطريقة عبثية، كل ده بحكمة وتدبر ربنا عز وجل
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تهمس بتحشرج
-ونعم بالله
قرر أن يرأف بحالها، ليقول بابتسامة شاردة.

-الحب حلاوته فى وجعه مع الشخص الصح، الشخص الغلط ده مكنش تعلقنا بيه حب ابدا
بادلته الابتسامة بابتسامة هادئة وهى تزيل دموعها المعلقة فى رموشها قائلة
-كنت فينك من زمان يا عمو صلاح
ابتسم الكهل المدعو بصلاح ليجيبها فاتحا ذراعيه لارجاء مكتبته العتيقى
-موجود في المكتبة هكون موجود فين
اتسعت ابتسامة فرح وهى تشعر بالغبطة لابنائه لأنهم حظوا برجل مثله، حاولت أن تنزع نفسها من دوامة الكآبة لتخبره.

-بالمناسبة، عايزاك تفرح طلعت الاولى على الدفعة السنة دي
التمعت عينا الرجل سعادة، وهو يلاحظها حاجتها للاهتمام ليقول بابتسامة مرحة
-لا بالمناسبة الحلوة دي هتفطري معايا
اتسعت عيناها وهي تجيبه
-لا افطر فين انا مقدرش، اعذرني يا عمو صلاح
التمعت عيناه بتسلية ليقول بفكاهة
-متخافيش مراتي توفت، يعني احنا في الأمان
انفجرت ضاحكة وهى تهز رأسها بيأس، ليقتحم صوت انثوي ماكر حديثهما.

-الله الله يا عم صلاح، في رمضان ياراجل يا عجوز، طب حرام عليك حتى الشعر الشايب ده
رفعت فرح عينيها لتقع عينيها على امرأة سمراء بملامح هادئة ليقول صلاح ببؤس
-اهو اتقفشنا دلوقتي
اقتربت المرأة تجاه صلاح لتحتضنه قائلا هو معرفًا بالزائرة
-احب اعرفك ببنتي الغالية
ابتسمت المرأة ولا تنكر أن الأخري تتفحصها ببعض الاهتمام لتميل برأسها على جسد العجوز قائلة بمشاكسة
-حبيبي ربنا ما يحرمني منك، مقولتش مين القمر دي.

عرف صلاح عن فرح التى تلونت وجنتيها بحمرة الخجل
-دي يا ستي فرح، اللي حكيتلك عنها
مدت المرأة يدها قائلة بنفس الابتسامة المريحة على شفتي العجوز صلاح
-اهلا بيكي يا فرح، انا غالية
وضعت فرح يدها فى يد غالية، كبداية صداقة جديدة! ربما!
-وحشتنا يا جدووو.

انتفضت فرح فجأة من صوت طفلين صغيرين لم يكاد يصلون خصرها ينقضون كنمر على غزالة، والغزال هنا صلاح ليخرج قهقهة مرحة من شفتي غالية وهي تمرر اصابعها في شعر يحيى بمشاغبة لتقول
-ودول القردين بتوعي، يحيى ويوسف
اتسعت ابتسامة فرح وهى تشعر بحاجتها الماسة الآن إلى البكاء والانزواء بمفردها، لم تنتبه الى صوت غالية وهى تطلب من طفليها أن يكونا مهذبين وهم يتعرفن على فرح.

- روحوا سلموا على طنط فرح، مش عايزة أي حركات بتاعتكم دي
ابتسم يحيى بخبث ليرفع بصره تجاه توأمه يوسف الذى علم ما يدور فى خلده، لينظر بوداعة تجاه والدته قبل ان ينقضا بشقاوة على جسد فرح التي ارتدت بجسدها عدة خطوات للخلف، محاولة توازن جسدها، استمعت إلى زمجرة غالية وقهقهة صلاح الذى سمع تمتمة غالية الحانقة
-مفيش فايدة فيهم، طالع زي ابوهم.

مالت تطبع فرح قبلة على وجنتي التوأمين المشاغبين، لتربتهم على ظهرهم وهي تشعر بغصة فى حلقها لتهمس
-ربنا يحفظهملك ومتشوفيش فيهم شر ابدا
ألقت نظرة أخرى على الطفلين اللذان هجموا على والدتهم بعنف أشد منها، محاولين مصالحتها لكن يبدو أن صرامتها لم يجدي معهم ليعودا صاغرين أمامها واحد منهما يهمس بأدب
-احنا اسفين، مش هنعمل كده تانى.

رق قلبها من رؤية عيني الطفل المستعطفة لسماحها وهى ينظر إلى أمه برجاء، ليكون رد الأم هو صرامة عنيدة جعل فرح تقول
- يا قلبي انت، انا مش زعلانة، اسمع كلام ماما متزعلهاش.

أومأ الطفلين بإيجاب ليعودا مرة أخرى فى أحضان والدتهما التي استقبلتهما بحنان شديد تلك المرة، ابتسمت فرح بشرود وضربة مؤلمة اتتها اسفل بطنها، تكاد تسمع صراخ فى رحمها لحاجة ماسة الى طفل، استغفرت ربها سريعا لتنظر الى الطفلين بشرود، لتتصالح مع ذاتها الجديدة فوريًا، متذكرة كلام العم صلاح، لتستأذن مغادرة رغم إصرار صلاح وغالية لكنها حاولت أن تجعلها فى يوم اخر بحجة دعوة صديقتها للإفطار في منزلها.

خرجت من المكتبة تكاد تلتقط أنفاسها، محاولة التركيز على أهدافها القادمة
تبث فى روحها بسالة الفارس، وقوة شكيمته، واصراره على الظفر
لترفع رأسها بايباء وهى تستقل سيارة أجرة إلى منزلها الخاص، الذي بدأت تحوله الى مملكة صغيرة الخاصة بها قبل وصول مارية بطفلتها التي بدأت تنتقل بين احضان الاب والام بالتبادل، متناسية صورة الاب وابنته وأحفاده الرائعين!
ولكن لم تكن تعلم أنها كانت بداية صفحاتها الجديدة!

في قرية الغانم،
وتحديدًا داخل قصر الغانم..
سكنت أسيل ذات العينين الزرقاوين فى حضن شادية بعد استيقاظها البكاء، طبعت شادية عدة قبلات على جبهة الصغيرة، تمتم ببعض الآيات التي كانت تواظب والدتها على قراءتها وقت النوم، طرفت الدموع سريعا من مقلتي شادية وذلك الجرح لا سبيل له للشفاء!
لا جرح أقوى من فقد الأم.

ولا شخص قد يعوض الأم وحنانها، وكانت والدتها مثال للعطاء والحب اللذان لا ينبضان تمامًا، ابتسمت لذكراها لتفيق نفسها من ماضيها، لترفع رأسها حينما اقبلت فريال نحوها لتحمل رضيعتها بتلهف شديد لتجدها نائمة بعمق عكس ما سمعته فى الجهاز حينما كانت فى المطبخ تساعد رهف على إعداد الإفطار...

ابتسمت فريال وهي تشاهد الحجاب الذي زين رأس شادية مرة أخرى مع فستانها المحتشم ذو اكمام واسعة والوانه المبهجة من اللون الأصفر الهادئ، لتغمغم شادية
-كبرت اسيل يا فريال من اخرة مرة شوفتها
اومأت فريال متنهدة بتعب وهي تكاد تسب زوجها وعم اسيل ورهف عن اشباع الصغيرة دلالا يأتي فوق رأسها فى النهاية
-مغلباني فى النوم ومن كتر ما بيشلوها وهي نايمة، بقت مبتنمش غير وهي فى حضن حد
ابتسمت شادية ابتسامة لطيفة لتهمس.

-تتربى فى عزكم
وضعت فريال الصغيرة في مهدها ثم سحبت شادية ليجلسان فى الشرفة وتقول فريال باهتمام
-عارفاكي مش بتيجي غير وقت ما تحسي انك عايزة تفضفض، هو الإيطالي مش كدا
اشاحت شادية وجهها وفضلت النظر الي البقع الخضراء الشاسعة امامها عن الرد عليها، منذ لقائها الكارثي معه لم تحاول حتى معرفة ما وصل إليه
ألم يخبرها انه لن يتعالج
فليحترق هو بعيدا عنها، لما يلزمها بقيد خفي يعلم كيفية استخدامه فى صالحه مرارا!

لا تعلم ماذا فعل ماهر به؟! تقسم ان ماهر أن يدع الأمر يمر مرور الكرام
وها قد مر ثلاثة أسابيع، وبداية العد التنازلي لنهاية الشهر المبارك وهي كما هي، برغم اهتمامها بعملها الذي بدأ ينفلت منها خاصة نانسي التي تتصيد أخطائها
قررت وضع حد للغباء الذي فيه، لكن تلك الغصة؟!
كيف تنهيها؟!
استمعت إلى نبرة فريال الهادئة
-على فكرة لو عايزة تروحيله روحيله.

رفعت شادية عينيها عن البقعة الخضراء لتلتف الي عيني فريال الماكرتين لتقول بحدة
-مش هروح
امسكتها فريال من عضديها لتقول بحدة
-ما انتي لازم تفهميني يا شادية انتي عايزاه ولا لأ
مالت شادية برأسها لتجيبها بصراحة
-مش عارفة يا فريال، كل حاجة وكل تفكيري مشوش
اقتربت فريال مؤازرة لتسألها بهدوء
-طب والدكتورة قالت ايه
عضت شادية علي باطن خدها وهي تتذكر نصيحة الطبيبة لتقول.

-ولا حاجة، قالت ان كل انسان لما بياخد قرار في حياته لازم يحسب هو هيكسب ايه وهيخسر ايه، ولما حسبتها لقيت نفسي ضايعة
استفحل الألم لينتشر فى عروقها، مسببا الشعور بالحرقة والوجع، لترفع رأسها قائلة بغضب من حال نفسها
-بعيدة عنه وبعده قاتلني، لدرجة فكرت اني مجنونة لأني بجر نفسي لطريق غلط
اقتربت فريال بقلق لتمسك ساعد شادية التي نفضت يدها بعنف، لتقول بقلق حقيقي
-شادية اهدي.

انتبهت إلى وضعها الحالي لتكتفي باعتذار صامت، أكثر ما تكرهه هو النظرة المؤلمة في عيني شقيقها ووالدها
هي لا تستطيع أن تتركه فى منتصف الطريق، تقسم أن الأمر ليس بيدها، حتى عرضها بالزواج له رفضه ذلك الأحمق
سألتها فريال باهتمام معرفة تغير دوافعها لسرمد من الكره الشديد إلى الألم والبكاء
-لسه حقدك بنفس القوة ولا اتغير
غمغمت شادية بصراحة مجيبة على سؤالها
-اتغير يا فريال، اتغير بس بحس اني برمي نفسي في حلقة نار.

ضيقت فريال عينيها متشككة لتقول
-يعني عايزاه
تنهدت بحرارة وهى تهمس بتيه شديد من تخبط افكارها
-ومش عايزاه برضو، مش عارفة ايه اللي هيحصل بعد كدا
امسكت فريال بيد شادية وقالت بجدية تامة
-حاولي تتخطى الموضوع ده، اتعرفي علي حد غيره يمكن شخص إيطالي زيه تأثيره لسه مسيطر عليكي ولما يختفي هترجعي لطبيعتك تاني
فغرت شفتي شادية صدمة، لتدارك صدمتها سريعا وهي تهمس بحدة.

-انتي عايزاني ارمي نفسي لراجل تاني عشان المرة دي يقتلني
زفرت فريال بحدة لتمسكها من مرفقيها بقوة قائلة
-بطلي غباء، فيه رجالة كتير كويسين
ان كانت فريال ذبحت مرة، فهي ذبحت على مرتين، لكن شتان ما بين فريال السابقة والحالية
ابتسمت تخبرها بغبطة
-زي جوزك مثلا، تعرفي ربنا كان كريم اووي انه بعتلك وقاص في حياتك
واستها فريال بأن تعانقها لتقول بحيرة تفوق حيرة شادية.

-صدقيني يمكن مجرد تأثير وتكتشفي انه مش حب يعني تعلق فى الأخر
رفعت شادية راسها لتواجه فريال قائلة بعصبية، وقد اكتفت منهم ومن متطلباتهم التي تشق عليها
لما لا يفهمون أن الأمر ليس بإرادتها الحرة، لو كان عليها لنفذت طلبهم بصدر رحب
لكنها تخادع نفسها أولهم قبل الجميع!
-وتفتكري اقدر انسي شخص عرض حياته للخطر مرة في غيبوبة ومرة تانية أنهى حياته و شغله وغروره عشاني وانهي كل حاجة ببساطة عشان اسامحه.

زمجرت فريال بعصبية لتقول
- روحيله وخليكي جمبه اذا مش قادرة تنسي كل ده، بس صدقيني لو كان مجرد انك تسددي دينك ليه الافضل متروحيش
دلكت شادية صدغيها بتعب لتهمس بصوت متحشرج
-قالي انه مش هيتعالج
اتسعت عينا فريال بذعر شديد لتزمجر بعصبية
-بيساومك القذر
لكن شادية كانت بعيدة كل البعد عن الزمجرات الغاضبة، والوعيد الناري.

لم تجد سوي فريال لتحكي لها كامل آلامها، لم تحتمل أن تدفن سرها بمفردها، وأكثر الأشخاص حفظا للسرية هي ابنة عمتها، غمغمت بتعب انهك جسدها
-انا مش عارفة هو بيعمل معايا كدا ليه؟ يمكن من غضبه قال كدا، اكيد هو مش هيقطع امل علاج حتى لو طال لسنين
لوت فريال شفتيها ساخرة لتجيبها بجفاء قائلة
-شخصية زيه انتي ادري بيه يا شادية مش احنا.

عادت للصمت والشرود مرة أخرى، محاولة معرفة إذا كان يساومها حقًا أم نطقها علي غضب منه
انزعجت من صياح فريال الحاد
-هاااا، قولي
لم تملك سوى أن تهمس بيأس
- عايز يقيدني جمبه حتى لو هو بعيد عني، عارف اني مش هقدر اتخطاه بسهولة
همست فريال تلك المرة بعصبية وقد سئمت من هذا الوضع واجوبة شادية المتناقضة
- شادية
انتبهت شادية لتنظر اليها بيأس وتيه شديدين جعل فريال تقول بصرامة
- لو اتجوزتيه تفتكري السبب اللي.

خلاكي تنفري منه هيقدر يصلحه؟!، فكري في ده وردي عليا
كان هذا أكثر سؤال تتفاداه حتى من ترديده لنفسها، هي لا تعلم
إذا عادت له كيف سيستقبلها؟
وكيف سيكون صورتها الحالية؟! أستكون مختلة؟ مريضة عقلية؟
ربما، بل أكيد ستكون مختلة عقلية
زفرت بيأس، هي لن تتذلل له، ألم يخبرها أن بعدهما أرحم، وأن قربهما يزيد من جراحهما
رن هاتفها فى ذلك الوقت، لتنسل الهاتف من حقيبتها لتجحظ حينما رات رقمه.

توترت شفتيها وارتعش جسدها وهي تشعر بتسابق نبضات قلبها لدرجة انه يكاد يقفز من ضلوعها، ابتعدت عن مرمى بصر فريال لتجيب على الاتصال وهي تضع الهاتف في اذنها بوجوم ليأتيها صوته الخشن
-مرحبا
تبارت انفاسها مع صوت انفاسه الخشنة عبر الاثير، حاولت أن تجمع اعصابها لتجيبه بحدة
-نعم
قهقهة خافتة تبعها صوته الخشن الذي همس بأسف
-كنت فظ للغاية، أليس كذلك؟

زمت شادية شفتيها بعصبية، هل هذا وقته للمزاح؟ صاحت بعصبية تلك المرة وهي تخبره برفضها للحديث معه
-انا مشغولة، لو معندكش حاجة تقولها يبقى اقفل احسن
اختفي المرح من بين همساته الكئيبة، ران الصمت بينهما إلا من صوت انفاسهما المتبارية ليقول بهمس كئيب
-حسنا كما ترغبين، اتصلت لأودعك
اتسعت عينا شادية جحوظا، وألف سؤال يقفز في عقلها
هل حان الوداع الآن؟
هل قرر الرحيل بتلك السرعة؟
وماذا عن علاجه، وسفره؟ هل وضعه مستقر.

تبا لك يا شادية، تخشين عليه وعلى صحته بعد كل ذلك الامر؟!
خرج سؤالها مكرهها رغم عنها من كثرة فضولها بل قلقها عليه
-هو أنت مسافر؟
جاءها صوته الخافت مجيبا عن سؤالها ولهفتها
- نعم سأقضي العيد فى منزل العائلة
صمتت لبرهة وهي تجده صبورا لحالة الصدمة التي انتابتها، همست بصوت مضطرب
-وعلاجك؟
كانت تدور جيئة وذهابا، ذلك الاحمق الغبي يخبرها بسفره من خلال مكالمة يتيمة!

غمغم بصوت مطمئن، محاولا بث الاطمئنان لها وتهدئة ذعرها الذي يستشعره من صوتها
- لا تقلقي، بخصوص ما قلته أنا آسف، أردت فقط أن تعلمي أنني كنت غبي للغاية لأفقدك وأحمق كفاية لأظن أن وجودك بجانبي أمر مفروغ منه
تهدجت انفاسها مع وقع كلماته الجامدة ليتابع هامسًا بندم
- أتمني أن تجدي سلامك الداخلي، لقد كنت عنيد كفاية لأعلم أن سطور حكايتي لن تتقابل مع سطور حكايتك
خرجت شهقة منصدمة لتزجره باسمه قائلة
-سرمد.

لا تعلم كم من مقدار ضبط النفس الذي احتاجه الآخر كي يتابع كلمات الوداع التي سطرت حكايتهما
- حرري نفسك مني، أنتِ تستحقين رجلا أفضل مني
حتى هو يقولها ببساطة، الغبي الذي كان يغار من خطيبها وشقيقها ومن أي ذكر يقترب منها، يخبرها ببساطة أنها تستحق أفضل منه
نعم هي تستحق الأفضل منه
غمغمت بصلابة وهي ترشقه بسهم غادر فى قلبه
- معك حق، أحتاج الى رجل حقيقي فى حياتي ليس مثلك، انت اغبى شخص رأيته في حياتي.

جاءه همسه الخشن والله وحده يعلم كيف يتحكم في أعصابه كي لا ينفلت عيار الغضب لتكون هى أول المستقبلين له
- أعلم
اجابته كانت كاضافة الزيت في النار، لتزمجر بغضب
-وقح وعديم التهذيب كنت اكرهك وما زلت
اجابها بألم التمسته في حروف كلماته
- أعلم حبي، أعلم
وما فائدة كلمة حبي فى الأمر؟!
انه يودعها
الغبي! صاحت بيأس
-لماذا إذا؟
لا يعلم ماذا قصدت وهو يسمعها تزمجر بعصبية بلغة الأم خاصتها.

-ليه ورطتني بيك من الأول، ليه الوجع ده يا سرمد من الأول، لطالما دي النهاية
لم يملك الرد على أسئلتها التي لا توجد إجابة لأحدهما
انه القدر والنصيب
قدر لقائهما، ونصيبهم هو الفراق
همس بصوت خفيض بنبرة جادة
-انسي يا شاديااه، أعدك المرة المقبلة فى حياتك لن أزعجك، اهتمي بالقطة لولو لا ذنب لها بسبب ما اقترفته، وحين تسمعين خبر موتي يومًا
شهقة مؤلمة غادرت حلق شادية لتهمس اسمه بعتاب واضح
-سرمد
ما بال برتقاليته.

أليست هي من تمنت موته وأنها لن تهتز بما يحدث لمصابه؟! تابع منهيا مكالمتهما
-أتمنى أن تكوني غفرتِ لي
تحشرج صوته رغمًا عنه وهو يهمس مودعًا حب عمره
-وداعا يا برتقالية
ووداعه تلك المرة كان قاتلاً
صامتًا
لا رجعة فيه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة