قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وستة وثلاثون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وستة وثلاثون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وستة وثلاثون

كانت تركض بين اورقة المشفى حرفيًا، تسبق الزمن للاطمئنان على والدها، رغم محاولة جيهان لاطمئنانها عليه، لكنها لم تصدقها
والدها هى وصية والدتها الغالية، كيف تفرط فى اخر وصية لوالدتها على فراش الموت! الدموع تنهمر رغما عنها، لتصل امام باب غرفته، نظرت بخيبة الى شقيقتها لعدم اخبارها، دفعت باب الغرفة لتركض الى والدها الراقد على الفراش بنزق محاولا تغير محطات التلفزيون.

تفاجئ معتصم من اقتحام شادية للغرفة، ليرفع رأسه تجاه جيهان الذي نظرت إليه بأسف، تنهد وهو يربت على ظهر صغيرته التي تبكي لم يملك سوى أن يحتضنها مطمئنا إياها على صحته
تنحنحت جيهان بحرج وهى تخرج من الغرفة سانحة لهم الفرصة للحديث، ففرصة كتلك لا تأتى مرة اخرى، ومن يعلم، ربما المياه تعود لمجاريها مرة أخرى بينهما!
امسكت شادية كفى والدها بقوة لتنظر اليه بعتاب واضح هامسة بحشرجة
-ينفع تخضينى عليك كدا!

وعتاب الأب كان اقوى، لتخفض شادية عيناها اسفًا، ليقول الأب بكل صراحة
-انتى السبب يا شادية
رفعت رأسها مجفلة، اى سبب الان يربط مرضه بما حدث، هى لم تقم بأى شئ، بل هي أقرب لأمراة ارملة تلتفت الى عملها وفى الليل تعود للمنزل ولا تفعل شئ آخر سوى الجلوس في غرفتها ظلل الاسف فى عينيها الكهرمانتين لتهمس باسف مستمر طوال مدة خصامه
-انا اسفه، مش العيال بتفضل تغلط والاب بيسامح.

ضغط الاب بكفيه على يديها لتنظر الي يديه ثم نحوه ليقول بجدية تامة
-الاب بيسامح لما الطفل يغلط مرة وبيوعده انه ميكررهاش مرة تانية، بس انتى كررتيها تانى وتالت ورابع
ازدردت ريقها وهي تعلم أمر الحادثة لن يدعه يمر مرور الكرام، رفعت عيناها للسقف لثوانى قبل ان تحط عيناها عليه، لتهمس
-يا بابا انا خايفة عليك
غمغم الأب تلك المرة بحدة
-خايفة عليا من ايه يا شادية؟ من صحتى! ما كله قدر ومكتوب.

عادت الدموع تزور عينيها المجهدتين لتهمس بعذاب
-مش عايزة احط نفسى فى ذنب، يا بابا انا مش هستحمل والله هنهار
عض الأب على شفته السفلى بحدة محاولا الهدوء، كى لا يقوم باحثا عن اي شئ والقائه على رأسها تلك الحمقاء، لا يصدق حقا ان زوجته تركت له ثلاثة مخبولين فى مسائل الحب!
انتبه على صوت شادية القلق وهمسها المترجى.

- ارجوك اهتم بصحتك، انا من غيرك ولا حاجة، انت السند اللى اقدر اتحدى الدنيا، وقت ما الدنيا تدينى ضهرها
تنهد معتصم بيأس، مهما ضغط ومهما خاصم لا تتحدث، حتى ابنه لم يعد يتحدث عن أمر الحادثة، والتفت الى عمله محاولا إعادة الأجواء في المنزل كالسابق، قال معتصم بنبرة اب فشل فى ممارسة أبوته.

- بحاول يا شادية، ثريا مشيت وسابتنى وردتين محتاجين رعاية واهتمام وانا حاولت امشى زى ما بتعمل بس واضح انى فشلت، كل واحدة بتمشى برأيها ونسيتوا ان فيه اب هنا عايش
هزت شادية رأسها نافية لتلقى نفسها بين ذراعيه قائلة
-انا مقدرش اعمل اى حاجة بدونك والله، انتى قدوتى وسندى وضهرى، سامحنى بقى
رفعت عينيها البريئتين له، ترجوه مصالحتها، وهو ما كان يستطيع أن يخاصمها ساعة ما بالك بشهرين! سألها بحدة
- ولو غلطتي.

ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتى شادية قائلة
-ابقى اعمل اللى انت عايزة، حتى لو هتضربنى، بس خصام لأ مش هستحمل تانى
هز معتصم رأسه برضا ليسألها بجمود
-هتهتمى بمواعيد الدوا بتاعتى
انفلتت ضحكة ناعمة منها لتغمز له قائلة بتأكيد
- بالمواعيد
حدق بها لثوانى مما جعل شادية تتسأل ما سبب نظراته، ليقترب منها قائلا بنبرة ذات مغزى
-عايز اطمن عليكى يا شادية، اعتقد شهرين كفاية كدا سايبك.

اصابها التوتر لثوانى وهى لا تصدق ما يخبره والدها، ايريدها الارتباط برجل مرة اخرى!
لم تملك سوى ان تجلى حلقها مبتسمة بتوتر قائلة بنبرة جادة
- اللى عايزه يا بابا انا هنفذه
عقد الأب حاجبيه ليضربها على كف يدها بحدة تأوهت لها ليقول لها بحدة
- مش انا اللى عايزه، انا عايزة اشوفك بتدى لنفسك فرصة تالتة ورابعة، الناس يا شادية محطات في حياتنا، مهما قعدوا مصيرهم هيمشوا
ابتسمت شادية بمشاكسة وهى تسأله بمشاكسة.

- لطالما الناس محطات، متجوزتش بعد ماما ليه يا بابا
تنهيدة حارة خرجت من شفتى معتصم، وعينيه غامتا بعاطفة جعلت شادية تبتسم لحب والدها الافلاطونى لوالدتها ليقول معتصم بابتسامة ناعمة قلما تظهر على شفتيه
- امك يا شادية ادتنى كل حاجة، ملقتش نفسى غير ان انا بديها كل حاجة عندى، مفيش ست زيها استحملتنى ولا هيكون فيه، كانت حفظانى فى سكوتى قبل حركاتي، كنت بالنسبالها كتاب مفتوح ملقتش نفسي غير اني احبها.

ربت الاب على ذراعها وهو يتابع قائلا
-جيجي فترة وهتسيب بيتى، مش هيبقى غيرى انا وانتى، واتمنى يا شادية لما تختارى طريق تمشي فيه بدون تردد وتتحملى كامل المسؤولية
هزت شادية رأسها متفهمة ما يحاول والدها ايصاله، مهما تحدثا لن يخرج نطاق حديثهما عن أمر الزواج، غمغمت بهدوء.

- مين قالك انى مش متحملة يا بابا، انا ادمرت بعد تجربتين، الاولى كانت صعبة، والتانية دمرتنى نهائيا، مفيش جوايا حاجة اديها لحد يا بابا، مش عايزة اظلم شخص يكون كويس ويتعب معايا
لم يعجبه ردها حتمًا، تتحدث وكأنها فتاة فى الستين من العمر، ليسألها ببرود
- والحل يا شادية!

لما لا يصدق والدها انها امراة ذات حظ سيء، بل مغناطيس لجذب أكثر الرجال المنحطين فى هذا العالم، بالكاد تحاول جاهدة نسيان الايطالى، ليأتى قريبه الحقير هذا، تنهدت وهي تنظر الى والدها قائلة
- مش قولت كل واحد بيتحمل كامل المسؤولية، انا بتحمل المسؤولية يا بابا
ابتسم الأب بتفهم وهو يقولها صراحة
- مستنياه.

اتسعت عينا شادية وهى تنظر الى والدها بعدم تصديق الى ما يقوله، حاولت أن تعدل ما خطر على باله، لكن يعجز لسانها عن اخباره
كيف تخبره، انها تشتاق له لدرجة انها تود ان تسدد له عدة صفعات على وجهه
تشتاق لدرجة رؤية ذلك العنيد على قدميه مرة اخرى ليرتاح قلبها، سمعت غمغمة الاب البائسة
- فهمت الاجابة
اتسعت عينا شادية قائلة محاولة تصحيح رأسه
-بابا الموضوع مش كدا
حلت زوبعة العائلة على الغرفة، التى قالت ببرود.

- ايه سيباكم كل ده على فكره واقفة برا، دى لو اسرار حربية مكنوش قعدوا كل ده
ابتسم الاب رغما عنه على صغيرته التي أصبحت عروس، وكلها بضعة ايام ستمر سريعا وستصبح عروس وحياة خاصة، اشار لها بالاقتراب لها قائلا
-تعالى يا شعنونة
ابتسمت جيهان بحماس لتندفع على الجانب الاخر محتضنة إياه بقوة، متنعمة بدفء والدها قبل أن تستقيم بحدة قائلة
-بابا عيب، افرض سمعها خطيبى، يقعد يتريق عليا طول السنين.

ابتسمت شادية وهى ترى ان الوضع تحسن كثيرا عما مضى، سمعت اجابة والدها الساخرة
-ما المصيبة انه عارف وراضى، مش عارفة ماله ده
ورغم احراج جيهان، لم تقم سوى ان تعدل من خصلات شعرها قائلة ببرود
-هو يستجرأ يلاقي احسن منى اصلا
أومأ الأب برأسه ليقبل رأسها، لتغمغم شادية بمشاكسة
-لا طبعا ميقدرش يتجرأ هو هيلاقى فى جمالك ولا حتى حسب ونسب من فين
ارتفع نسبة الغرور فى أوردة جيهان التى هزت رأسها بشكر، لتقول لوالدها.

- يلا يا عصوم بقى قوم من السرير، ده انا عزماك على عشا ملوكى بس فى البيت
اتسعت عينا الأب هلعا، وهو يتذكر الاسبوع الفائت حينما قررت مفاجئتهم بعمل عشاء لهم، وانتهى الأمر بكارثة لا تصدق كاد ان يسبب حريق كامل فى المنزل، ليغمغم الأب بعدم اطمئنان
-ياخوفي منك ومن اكلاتك
هزت جيهان رأسها نافية أمر الحادثة لتقول
-متقلقيش طلبت اوردر، مش ناوية استغني عنك يا غالى.

القى نظرة ذات مغزى لشادية التى ارتسمت على وجهها ابتسامة واسعة، ليغمغم الأب بيأس
-كلى عقلى بكلمتين
شهقت جيهان وهى تقترب من والدها تلتصق به حرفيا لتجيبه طابعة قبلة على خده
-والله ما في غيرك يا غالى اللى متربع على القلب كدا هو
ضيق الأب عينيه مستنكرا ليسألها
- ووسيم
اجابته بصراحة قائلة بصوت مرح
-واخدله طرف يعني، بس انت الكبير يا كبير
هز معتصم رأسه متنهدا مربتا على ظهرها قائلا
-معرفش ارد على كلامك يا غلباوية.

منطقة وسط البلد،
ترجلت فرح من سيارة الاجرة حاملة حقيبة ظهر باتت من مفضلاتها نظرًا لحمل حاسوبها وأوراق دراستها، هذا ناهيك عن بعض الكتب التي تقترضها من مكتبة عم صلاح، ابتسامة ناعمة تزين محياها البشوش ملقية تحيات سريعة على من تعرفت عليهم من أصحاب محلات الجالسون على الطريق، توجهت بخطوات سريعة تجاه المكتبة لتدفع باب المكتبة مصدرة رنين معلن عن دخول زائر لتنادى بصوت مرتفع كعادة كل صباح.

-صباح الخير يا عم صلاح
لكن صوت شاب فاجئها عن صوت الرجل الكهل، لتقع عيناها على صبى القهوة
-عم صلاح فى القهوة يا استاذة فرح، تحبى اخدمك بحاجة
ما زالت محافظة على ابتسامتها بأكبر قدر ممكن لتهز رأسها قائلة
-ياريت قهوة من ايدك الحلوة دى، ورايا شغل كتير
- من عنيا يا استاذة
أومأ الصبى بلهفة بعدما وضع شطائر الصباح التي يطلبها عم صلاح فى الميعاد ليستأذن مغادرًا وفرح اندمجت كليا مع عالمها الخاص.

حيث هي وحاسوبها الخاص وكتبها، لم تنسى بالطبع العالم الافتراضى الخاص بها، متابعة نشر مقاطع فيديو توعوية للمراهقات وللنساء اللاتي أصبحن مجنونات بمرض الحب، جاءتها عروض كثيرة كى تصبح واجهات اعلانية لمنتجات التجميل، لكنه قوبل بالرفض منها وكذلك عروض تلفزيونية للقاء سريع مع المذيعين، هى ترفض جميعهم كونها تعلم انهم يرغبونها كونها طليقة رجل الأعمال نضال الغانم.

وليس كونها فرح بذاتها، تنهدت بيأس وهى تفتح مفكرة خواطرها لترسم ملامح مبهمة لرجل يقدم خاتم زواج وامراة ترفض طلبه بسخرية
ابتسمت بيأس، ماذا سيقولون الرجال عنها كونها مدافعة عن المرأة من الدرجة الأولى، لا بأس في جعل تلك المرة المرأة هى جانب الشر فى الحكاية، خطت بعنوان عريض فى منتصف الصفحة ذبح بارد.

غافلة عن عينين صقريتين تلمعان بخطورة عند زاوية فى المكتبة، يتعاظم صدره بانفعال خطير يشى بمدى قربه لفقدان السيطرة، ضم قبضة يده بقوة مبرزة عروقه النافرة، تقدم بخطوات هادئة
كقرب أسد من غزالته، التي يحاصرها من كل زاوية، يمنع عنها حتى محاولة للفرار، ازداد اقترابه ليصبح ملتصق خلف ظهرها، عيناه سقطت فوريا على المجلد ليجدها تكتب!

مذ متى تكتب تلك؟ بل تكتب خواطر، التقط بعينيه سقوط القلم من اصابعها ليبتسم بتفكه، ما زالت اذا تتذكر رائحته، راها تلتفت رأسها تجاهه وملامح الصدمة سيطرت على وجهها المليح كليًا ليميل رأسه مشبعًا حاجته الماسة للقرب
انه يشتاق للمسها
شعوره بجلدها الناعم على صدره
أفكاره اللعينة تتخابث بشيطنة مصورة صور سابقة حينما كانت تلك العينين الجليدية، مفترة المشاعر، متأججة بعاطفة قربه.

حاجتها الماسة له، وتخمتها بعد شبعها فتكون ساقطة على صدره نائمة.
همس بصوت أجش خرج منعدم السيطرة نتيجة أفكاره المنحلة لامرأة كانت يومًا تحت قبضة يده
- واضح انك اتغيرتى يا مدام
قراءتها بوضوح
قرأت الجوع الشديد فى عينيه، جوع رجل اشتهى قرب امراة عافته، مالت رأسها مائلة بابتسامة ناعمة مرحبة به لتستقيم من مجلسها قائلة
- صباح الخير يا نضال، اتفضل تحب اساعدك بايه.

لم تتحاشى بعينيها، لم تصاب برعشة جسدية يخبره بمدى تأثرها برجولته عليها كالسابق، عيناها ساكنتان مشبعة بحب الحياة التى رآها فى عينين أسرار ما أن هدأت الأوضاع مع زوجها
اللعنة عليها
كيف تخطته لتلك الدرجة وتعامله كغريب، وهو كان اقرب لها حتى من انفاسها، نظر الى المكان ولم تكن سوى التقزز يسكن عينيه ليسألها بتهكم
-انتى بتشتغلى هنا.

حدقت به بلا مبالاة حقيقة وهي ترى عينيه النهمتين تنهش انوثتها حية لتعض على باطن خدها بقوة، محاولة كبح طاقة الغضب التى تود إخراجها بداية من سخريته من مكان وجدت به سبيل راحتها وثانيهما عينيه التى تود أن تفقأها
كيف ينظر لها بشهوانية رجل لامرأته، اجابته بفتور مغيظ
-والله ده شئ ميخصكش، لو حابب حاجة اتفضل اساعدك ولو انى اشك من انك من النوع اللى بيقرا.

ضم نضال يديه فى جيب بنطاله وبدى حلته السوداء الفخمة وحذاءه اللامع مناقض تماما للجو الأثرى الذى به، حتى هي بثيابها البسيطة، من فستان صيفي ناعم بالكاد يصل لكاحليها، يعلم أشد العلم الهواء يجعله يرتفع مبرزًا ساقيها الرشقتين، حتى حزام فستانها ابرز خصرها ومدى حجم صدرها المكتنز
طحن ضروسه وهو يتوعد لذلك الصبى القهوة، بالطبع امراة تفوح منها عطر تجذب كافة انواع الحشرات والقوارض غمغم ببرود
- كنت بقرا أدب روسي.

عيناها الجاحظتان الغير مصدقين كونه قارئ جعلها تنظر اليه بعدم تصديق، تعلم نضال ليس من النوع الذي يكذب ليثير انتباه امراة، بل هو من النوع الذى يرفع شعار عدم الاقتراب لتتساقط النساء على قدميه نتيجة الغموض والخطر المنبعث منه!
ابتسامة ساذجة زينت شفتيها وهى تهز رأسها ببرود قائلة باسف
-أدب روسي! جميل، بس هنا للاسف مفيش كتب عن الأدب الروسي.

عقد نضال حاجبيه ويبدو ان ادعاء الشئ الذى يدعى استهبال يعجبها، ليقول بحدة
-ما انا جيت عشانك مش عشان الكتب
عقدت ساعديها على صدرها متسائلة بنفاذ صبر
- اتفضل
عينيه سقطت رغما عنه الى جذعها العلوى وحركتها الحمقاء تلك زادت من بروزهما ليزفر بحدة لاعنًا شياطين عربدته قائلا
-عيد ميلاد شمس النهاردة
هزت فرح رأسها قائلة بصوت عملى بارد
-عارفة! كل سنة وهى طيبة واتمنى متأذيهاش بجنونك الهستيري.

جز على اسنانه من ردها الجاف ليقترب منها خطوة واحدة ممسكًا بذراعها صائحها فى وجهها بحدة
- فرح
ألقت فرح نظرة على يده القذرة لذراعها لترفع عينيها الخاملتين لتهمس بنبرة شرسة
- المس ايدى تانى يا نضال، وانا اقسملك هتندم
وضعت كلتا يديها على صدره العضلى تدفعه عن طريقها، خارجة من المكتبة إلا ان ذراعه أعادها مرة أخرى وهو يصيح بغضب شيطانى، والمارد خرج من مرقده
-تعالى.

زفرت فرح يائسة وتفوقه العضلى تكرهه بقوة، تكره لترفع عينيها بتحدى متسائلة بسخرية
- اجى فين يا مجنون
ترك ذراعها وبقي يحدق فى عينيها الداكنتين ليجيبها بنبرة حسية محدقًا إلى حمرة شفاها
-عيد الميلاد يا فرح
عيناها ارتفعت الى بوابة المكتبة علّ أحد يدخل ويرحمها منه، لتزفر بحدة قائلة بنفاذ صبر.

-من الافضل ان شمس تنسانى، الموضوع هيزيد سوء لو ظهرت فى حياتها تانى، اعتقد وجودك انت ومامتها وعيلتها احسن من وجودى، عن اذنك
تحركت متجاوزة اياه ليتداركها هو قاطعًا طريقها قائلا بخشونة
-انا عايزك
تلك المرة ضحكت فرح فى وجهه، ضحكة مجلجلة تركت صدى صوتا فى المكتبة لتنظر اليه بملامح مبهمة قبل ان تشرس ملامحها صائحة في وجهه نافية
- وانا بقولك لأ.

اقترب منها وانفاسه تتبارى، عينيه اظلمتا محدقا فى فرح بشراسة وعدائية واضحة، دب الرعب داخلها وهيئته تقسم انها اقرب لقاطع طريق على وشك قتلها حية، هسهس بصوت غاضب ويداه تحاولان التحكم كي لا يمسكها ويضرب رأسها فى اقرب حائط علها ترتد وتعود لعقلها وحياتها معه
- جبتى الجرأة للرفض من فين
هزت كتفيها بلا مبالاة قائلة
- منك.

صوت أجراس جذب انتباهها مع دخول عم صلاح الذي كان يطوى جريدته، قيم الكهل الوضع واقتراب هذا الغريب الشديد من يعتبرها ابنته ليعلم انه طليقها، يلتمس ذبذبات وشحنات سلبية في الأجواء ليسأل بقلق
-فيه مشكلة يا فرح
هزت رأسها نافية ناظرة إلى نضال ثم الى عم صلاح، مرتسمة ابتسامة مطمئنة لتقول بهدوء
-لا يا عمو، مفيش، الاستاذ كان عايز طلب منى وللأسف طلبه مش متاح.

زمجرة خشنة خرجت من حلق نضال الذي يتمنى جذب ذراعها خارج حدود منطقة قوتها ليهسهس بغضب
-مش عايز اجبرك ترجعيلى
لمست تهديده الصريح لتتغير معالم وجهها للكره هامسة
-حاول انك تعملها يا نضال، وانت هتتفاجئ من ردى
طحن ضروسه بغل شديد لتنظر اليه فرح بوداعة تسمع تهديده الصريح
-مش عايز أذيكى
هزت رأسها بأسف بالغ لتميل هامسة في أذنه قائلة.

-لا موضوع ان انا اذيكى ده انتهى، انت بس خاف على نفسك وسمعتك، اكيد مش عايز شمس تكبر وتعرف ان ابوها كان شخص متحرش، سادي ونسوانجى، ده انا اشك واحد بماضيك ده هيخلى حد من شباب المستقبل يتجرأ ويقبل انه يطلب ايد بنتك، ما انت عارف اللي بتزرعه دلوقتى هتحصده بكرا
ابتعدت قليلا لتنظر الى ملامح وجهه السوداء، ان كانت ملامحه منذ قليل كقاطع طريق، فالان بلا شك يبدو كقاتل مأجور.

رفع عيناه وبركة دماء اتسعت فى حدقتيه ليهمس بوحشية
- ياااا.
قاطعت سبة على وشك الخروج من فمه بابتسامة ناعمة مستفزة على ثغرها الذي سيمزقه يومًا
-نورت يا نضال
غادر المكتبة كإعصار حقيقي، لتبتسم فى وجه صلاح الذى ينظر بقلق، لتطمئنه وهي تعود مرة اخرى الى موضعها، ليهز صلاح رأسه بيأس متنهدا على وضع الجيل الحالى من المتزوجين، تحرك نحو طاولته ليبدأ عمله الصباحي.

توجه نضال الى سيارته ليهب سائقه باحترام، ركل اطارة سيارته بعنف هادرًا بوحشية
- الحقيرة!
نظرة قلقة ارسلها السائق الى حارسه الشخصي، ومزاجه المتعكر اصبح دائما بعد انفصاله عن زوجته، اقترب الحارس متسائلا بصوت خفيض
-تحب نرجع القرية يا باشا
رفع نضال عينيه تجاههما ليقول بحدة تجاه السائق
- ارجع على البيت.

أومأ السائق بإيجاب ليفتح الحارس الباب له، نظر نضال بغل حقيقى مشبع بالكراهية تجاه المكتبة ثم اشاح بوجهه تجاه الطريق وفى داخله جانب خبيث يخبره ان يسترد كرامته المهدورة التي بعثرتها..!

فى قرية الغانم،
اصطف نزار بسيارته امام قصر الغانم، ترجل من سيارته حاملا كعك ميلاد الصغيرة شمس ليتفاجئ من خروج رهف وهي تلتهم سلالم الدرج مقتربة منه بتلهف قائلة بعصبية
-كل ده تأخير يا نزار، دى شمس صدعتنى من الصبح على الكيكة بتاعتها
أبتسم نزار بهدوء ليغمز بعينه مهدئًا عصبيتها قائلا بمشاكسة
-هي الكيكة يا سكرتي وصاحبا أدامكن.

تجهمت ملامح رهف عابسة، ومزاجه الرائق سيزيد من عصبيتها أضعافا مضاعفة لتشير إليه بالتقدم قائلة بجدية
-مباخدش منك غير الكلام الحلو يلا الحقنى على المطبخ
تقدم نزار منها ليميل برأسه هامسًا في اذنها بمكر
- كنافتي تعي تعي لقلك تعي منشان اثبتلك انو مو بس حكي وفعل يائطة
اتسعت عيناها جحوظًا مع تورد طفيف فى وجنتيها لتقترب منه قائلة بحنق
-نزار بطل قلة ادب، وقاص او اى حد ممكن يدخل علينا فجأة.

دفعت باب المطبخ الخالى لتشير له بوضع الكعك على الطاولة، وضع نزار الكعك كما طلبت ليقترب منها بخبث وهو يراها تعيد تقيمها على الطعام وما ينقص
- طب بدي دووووووق
قالها بغتة وهو يميل طابعًا قبلة اسفل فكها، لتنتفض رهف فوريًا وهي تحدق نحوه بحنق
-بطل قلة ادب، انت طول الوقت مش بتفكر غير فى الحاجات دى.

انفجر نزار ضاحكًا وياليتها تعلم انه فقط مشاغب ليس إلا، وجميع امنياته تكسرها واحدة تلو الاخرى دون أن يلمس شيئًا، مال مقتربًا منها هامسًا بخشونة
-لك علييي ما عليي جوات عئلي شغلااات رح تخليكي مو بس خدودك يحمرو لا ياروحي لاااا بدي خليكي كلك عبعضك نااار
زرقة عينيها اتسعتا بجحوظ حد أنه يكاد يرى أفق السماء، كسى وجهها حمرة قانية وبدت لثوانى فقدت التعبير عن النطق جراء وقاحته
أتعتبر وقاحة!

اللعنة الرجل كل يوم عن الآخر يزداد فسادًا ولا تستطيع هى حتى ان تعلو بصوتها، مال نزار ليضع ذراعه على خصرها دافعًا جسدها للاصطدام بصدره مما جلب لها الصرخة الخجلة باسمه
-نزااا
وحروف اسمه التهمها حرفيا من شفتيها، تحاول عبثًا الفرار من عناقه الجامح خشية أن يمسكها أحد العاملين أو أخويها، لكن الآخر لم يعبأ ولا يكترث، رباااه ستكون فضيحة إن أمسكهما أحد متلبسين!

دفعة من جسده للاصطدام برخام المطبخ، وقوة عاطفته اخرست عقلها لبرهة لتربت كفها على موضع قلبه الثائر باضطراب يشابه اضطراب جسدها..
امسك نزار وجهها براحتى يديه منفصلا عدة انشات عن وجهها ناظرًا الى مقلتى عينيها، ومدى تأثرها الانثوى به
مال طابعًا قبلة على جبينها، وحالة انهيار تكاد تعبث بفؤاده، سيموت شوقًا لانهاء عامها الآخير الدراسى، ووقتها لن تجد حجة لتأجيل زفافهما المترقب..

تنحنح بخشونة وهو ينظر حوله، غريب ان اخيها الثائر، غمغم براحة نسبية
- اخيييه كانو هداك الغول مووو هون الحمد لله
عقدت رهف حاجبيها لفترة قبل ان تجيبه وهى تهز راسها بيأس
- مش موجود دلوقتى، قال وراه شغل وهيحصل عيد الميلاد
نظر لها غير مصدقًا ليقول بتعجب
-غريب شي بحط العئل بالكف شو الشغل يلي وراه.

زمت رهف شفتيها بحنق، تعلم ان يحاول تشتيت عقلها بالتحدث عن اخيها لكن حتما ما فعله لن تجعله يمر مرور الكرام، تساءلت بضيق
-هتشتغل كمحقق كونان يا نزار ولا ايه
اقترب منها ممسكًا بوجنتيها، لتنظر اليه عابسة الوجه، محمرة الشفتين اثر عبثه بهما ليقول هو بغمزة مشاكسة
- لك بالعكس انا مو مصدق انو مو هون بدي اخد راااحتي بئااا.

رأت لمعة خطيرة فى عينيه، واقترابه الغير برى بالمرة، لتنفصل بجسدها عنه مبتعدة عدة خطوات لتقول محاولة تعقله
- نزار، فيه ناس برا واهدى كده علشان اللى فى دماغك الوحشة دى مش هيحصل
تابع اقترابه راميًا جميع التحذيرات فى عرض الحائط ليمسك ذراعها دافعا جسدها للاقتراب منه، ليميل بشفتيه هامسًا فى اذنها بخشونة
- لك ياحبيبي ياروحي انا ماني غريب انا زوووجك حبي.

يستدرجها بصوته ولكنته، واقتراب جسده منها، لتميل رأسها محاولة نفض أى محاولة قرب قائلة بهمس
- وعلشان انتى زوجى فى رتبة خطيبى، انسى اللى فى دماغك
انسلخت بجسدها عنه لتدير رأسها محاولة الخروج من المطبخ، الا ان عينيها اتسعت حينما وقعت على وقاص الذى ينظر ببرود الى كلاهما
خمنت وقفته المستريحة تلك انه هنا منذ فترة، ابتسم وقاص بهدوء قائلا
- نورت يا نزار
التفتت رهف لتغمز له ماكرة قائلة بهمس.

- اسيبك يا حلو بقى مع اخويا
عبس ملامح نزار فوريًا وهو يرى بطرف عينه نظرات مسلية تلمع فى حدقتى وقاص ليهمس بوعيد
- استني علييي بس والله لطلع عليك الخمير والفطير
اشاحت رأسها بلا مبالاة قائلة
- حاول حتى
هرولت راكضة من المطبخ، تاركة الرجلين بمفردهما، لتغطى كلتا كفيها فى وجهها
ماذا إن رأى وقاص قبلتهما معًا! رباااه سيقتلها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة