قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وسبعة وعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وسبعة وعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وسبعة وعشرون

لم يخفي التفاجؤ على وجه فوزية التي سارعت بعناق جيهان التي تقبلتها لتقول بتعجب
-جيجي؟! انتي لحقتي تعرفي المكان ده ازاي
غمغمت جيهان بغرور وهي تلعب بخصلات شعرها
-عندي واسطة
هزت فوزية رأسها بيأس، لتنظر الي اسماء التي تكاد تقتلها بنظراتها لترفع صوتها قائلة بابتسامة مطمئنة
-الشلة كلها جاية متقلقيش الحاجات الاكل هيجهز قبل الفطار يا كابتن اسماء.

اشاحت اسماء وجهها بحدة وهي تراقب وجد التي بدأت بعملها بهدوء، يبدو أن من جلبتهم لا يضعن أيديهن فى العمل الشاق! جذبت جيهان انتباه فوزية لتسألها
-انتي بتعملي ايه هنا؟
صاحت فوزية باستنكار تام لسؤالها
-انتي بتسأليني سؤال زي ده ازاي!، انا ساكنة هنا
ثم اقتربت منها لتسألها بصوت خفيض
- مش المفروض تكوني مع خطيبك؟
راقبت جيهان يمينا ويسارا، تخشى أن يسمعهم احدا لتميل لها هامسة بصوت عابث.

-لأ هو قالي بعد الفطار، خايف يكسر صيامه عليا
شهقت فوزية لتلكزها بحدة قائلة وقد احتقنت وجنتيها للمعني المستتر لما قالته
- اللهم اني صائم، بعد الفطار ليا رد محترم
زفرت اسماء بحدة، وبدا من صوت الفتاتين يصيب رأسها بالصداع لتقول بحدة تجاه وجد
-قرايبك ميجوش تاني يا وجد، مش ناقصين احنا
رفعت جيهان رأسها لتلتفت تجاه تلك الثائرة، لتقول لها ببرود
-علفكرا سماعكي
ابتسمت اسماء بسماجة لتجز علي اسنانها وهي ترد عليها.

-هو انا قولتلك متسمعيش
جذبتها فوزية للحديث مانعة جيهان من الشجار، تعلم امرأتين من عالمين مختلفتين ان تشابكا بالأيدي، سينتهي كلاهما فى اقرب مشفى، خصوصا ان جيجي ليست بالخصم الهين مطلقا، لتقول
-الشلة بتاعت الجامعة بتيجي هنا في الصوان
اسوأ شلة تعرفت عليها جيهان، مكونة من شباب مائعين، وفتيات مدللات، لوت شفتيها بتقزز لتقول وهي قد اغلقت هذا الباب من حياتها نهائيا
-بطلت الجو ده، مكتفية بس بعيلتي.

ضيقت فوزية عينيها وهي تلاحظ بعض التغيير الطفيف عن جيج، كونها من محبي الأضواء، ترفض ببساطة هكذا! يبدو أن ما يتداوله الجميع حقيقي بعد الصور المزيفة التي انتشرت على المواقع الاجتماعي بعد ان تم اختراق كافة حساباتها الاجتماعية التي تساوي ملايين كثروة متنقلة مربحة، غمغمت فوزية بنبرة ذات مغزى
-شكلك اتغيرتي
أومأت برأسها لتقول.

-عقبالك يا مجنونة، اذا كنت انا مجنونة ف انتي بجد اللى هياخدك الله يكون في عونه حقيقي
وضعت فوزية كلتا يديها على خصرها لتسألها باستنكار
- شيفاني بشد في شعري يا اللي اسمك ايييه
مع تمطيط اخر حرف آخر الجملة، تذكرها بمشاجرات الحواري كما تشاهدها فى التلفاز لتقول بمشاكسة
-الله يا فوزية ما كنا حلوين
مع تذكيرها باسمها الحقيقي، تنهدت فوزية بضيق الا يكفي نساء المنطقة هنا ينطقون اسمها لتغمغم بحدة.

-عجبك كده نبقي مسخرة الكلية باسامينا القديمة دي
ابتسمت جيهان رغما عنها، وهي تتذكر قديما كرهها لاسمها القديم لتقول
-عيلتي السبب ربنا يسامحهم، من قلة الاسماء ملقوش غير الاسمين دول
لكنها مالت بمكر تهمس لها فى اذنها
-بس وحياتك في كام فوزية في الجيل الجديد مفيش غيرك يا قمر انت
انفجرت فوزية ضاحكة وهي تعدل خصلات شعرها المجعدة التي تتميز به ويعطيها جمال مختلف عن باقي شلتها
-بس بقي عشان بتغر وانا ما بصدق.

سمعت الفتاتان صوت انثوي حاد يكاد يرج المكان بأكمله
-كل واحدة علي شغلها يا بنتتت، مش في مصطبة خالتك هي
اومأت فوزية راسها باحترام، لكبيرة الحي، وعلامتهما الحية لأسطورة قديمة تحكي وتحاكي حتى هذا اليوم
-حاضر يا ست توحة
نظرت تحية الي فوزية بحدة، لتقول بسخرية
-ايه ده هو انتي شرفتي! جاية على العصر يا هانم
ابتسمت فوزية بحرج وهي تغمغم
-ما انتي عارفة أخرى إشراف بس يا توحة
لوت تحية شفتيها وهي تغمغم بحدة.

-عيني في عينك يا بنت، اشراف ايه، وانتي كل سنة بتجبيلي شيلة الفرافير دي
ابتسمت جيهان لتقترب فوزية منها وهي تعلم طبع تحية الناري تجاه من يتهاون في العمل، لتقول بعبث محبب
- والله ما بيقدروا يبعدوا عن القمر يا قمر انت، هو يوم قلت اعزمهم لقيتهم بيطبوا كل سنة في رمضان
رغما عنها ابتسمت تحية، وهي تشيح فوزية بحدة عن طريقها قائلة بحدة
- طب اوعي كدا خلينا اشوفهم عشان يساعدوا الرجالة.

قالت فوزية بثقة رجل يعلم رجاله جيدا
-متقلقيش مع الرجالة، عارفين شغلهم وحافظينه
رمقتها تحية بشك، لا تصدق ان اصدقائها الناعمين يستطيعون العمل!، استغفرت ربها سريعا لتقول
- لولا معزة اخوكي هيما، كان ليا تصرف تاني معاكي
ابتسمت فوزية بلطف مبالغ به، وهي تعلم مدي تعلق اخيها الصغير بتحية وحفيدها عاصي الذي يتخذه كقدوة له، استمعت الى صوت تحية الذي رق بهدوء
-تعالي اعرفك بمرات حفيدي.

التفتت وجد تجاه تحية التي تبتسم ببشاشة لتبتسم وجد برقة وهي تحيي فوزية مصافحة يديها، شهقت فوزية بذعر لتميل تجاه تحية هامسة
- دي طلعت برنسيسة زي ما قولتي
اومأت تحية رأسها بفخر كبير قائلة
-اومال ستك قبل كدا كدبت عليكي في حاجة
اقتربت فوزية من تحية وهي تسألها ببؤس
-ما تقوليلي يا ستي، انا ايه نظامي هيفضل بختي مايل علطول؟
انمحت الابتسامة على وجه تحية لتقول بحدة وهي تبعدها عن طريقها.

-لا اله الا الله، انا غلطانة اني بعاملك بني ادمة، اوعي خليني اشوف شغلي
لوت فوزية شفتيها بحدة وهي تلعن نصيبها العثر، فتيات الشلة ارتبطن بدلا من المرة عشرة وهي تقضي يومها تعجب بهذا وبعد عشر دقائق تهيم فى اخر، وفي البيت تتصفح اخبار الرجال العزب الوسيمون، تتحسر طيلة الليل والنهار على عدم وجود حتي معجب سري كراش اقتربت من جيجي لتقول بنبرة بائسة
- يا جيجي مفيش غيرك اللي هيساعدني.

هزت جيهان رأسها بأسف لتربت على ظهرها قائلة بحزن مصطنع
-للاسف اللي اعرفهم مش رجالة كلهم نوسة
زمت فوزية شفتيها بحدة وهي لا تصدق انها عانس الشلة الخاصة بهم، تنهدت بضجر
- ورجالة الحتة هنا كلهم خلصوا، وبعدين بقي في الخيبة دي!
كتمت جيهان ضحكة بائسة، وهي تتذكر يوم كانت به في مكان فوزية، تري الجميع يرتبطن وهي كما يقولون محلك سر، اتسعت عينا جيهان باهتمام وهي تري اقتحام آسيا للمكان بعد تغييرات طفيفة.

ارتدائها لعبائة سوداء مفتوحة فوق فستانها القصير، القت ابتسامة باردة للكل وهي تضم جانبي العباءة كما تعليمات العجوز لتتحرك مقتربة من الخائنة وجد تناديها
-وجد
صفير انطلق من شفتي فوزية وهي تمسك ذراع جيهان لتسألها
-انتي جايبة خواجاية هنا؟
رمقتها من طرف عينيها لتغمغم ببرود
- يابنتي اتهدي بقي، مش صايمة!
لكن فوزية كانت في عالم آخر، تحدق نحو المرأة التي تعدت مقاييس الجمال بملامحها الأنثوية الحادة لتقول بصدمة.

- دي جبتوها ازاي دي، يالهوي لو خطفتوها
هزت جيهان رأسها بيأس لتقول
-يا بنتي ارحميني بقى
كتمت فوزية شهقتها وهي تجدها تتحرك مغادرة المكان، لتلحقها بغية الاطمئنان عليها قائلة
-يالهوي دي خارجة هروح اطمن عليها عارفة انا الصيع بتوع المنطقة مش هسيبوها
امسكتها جيهان بحدة وهي تقول بحدة
-متجوزة اتهدي بقي، جوزها هيقوم بالواجب
فغرت فوزية شفتيها بصدمة لتحدق نحو أثر المرأة الغائب ثم عادت تنظر نحو جيهان قائلة بتحسر.

-اتجوزت! مين ابن المحظوظة اللي رضيت بيه ده.

بملامح هادئة ظل لؤي داخل سيارته أمام الحي الذي توجهت اليه زوجته بصحبة ابنه عمه وزوجة وسيم المستقبلية
ابتسم لؤي وهو لا يصدق ان حياتهما بعد خروجهما من بيت العائلة، ازدادوا تفهما واصبحت الشيطانة كقطة وديعة بين جنبات صدره
تبثه شكواها للوحدة وامنيتها العظيمة لأن تصبح أم
لولا لهفته هو الآخر لأن تحمل الساحرة بذرة عشقهما في رحمها، إلا أنه متريث.

العمل يحتاجهما هما الاثنان، يحتاج لشخص يثق به أكثر من نفسه، وهي مصدر تلك الثقة في عمله
يعلمها تستطيع كسب أي مناقصة ولو من جوف أسد، اتسعت عيناه بتفاجئ وهو يراها ملتحفة بعباءة سوداء ليضيق عينيه بعجب وهو يراها تبتسم في وجهه برقة تلقي سلاما عابرا قبل ان تفتح الباب المجاور وتصعد بجواره.

زفرت اسيا بحدة وهي لا تصدق شدة حرارة اليوم، حركت بيديها تجلب بعض الهواء البارد من مبرد السيارة، لاحظت عدم تحركه لتلتفت اليه بتساؤل وهي تجده يتأملها بتمعن
-بتبصلي كدا ليه
راقب عباءتها السوداء التي يراها أول مرة عليها ليقول بتعجب
-غريبة
ابتسم لؤي وهو يتحرك بسيارته تجاه وجهته التي من المقرر التوجه اليها كما هاتفها منذ نصف ساعة، لتلتفت إليه اسيا باهتمام
-ايه هي اللي غريبة.

ابتسم لؤي وهو يشكر وجود وجد في حياة زوجته، ليجيبها
-مكنتش عارف انك بتحبي الأعمال الخيرية
انفجرت آسيا ضاحكة وهي ترى نظراته المعجبة تجاه عباءة السيدة العجوز، اهدتها لها وهي تخبرها ببرود إن وجد لها عباءة أخرى وجيهان هي ايضا، لم تستطيع سوي ان تقبل هديتها وان كانت المرأة العجوز غريبة عنها، لكنها لم تستطيع أن تكسر بخاطرها وخاطر وجد لتقول بمكر
-لؤي
اعترف لؤي قائلا بنبرة خشنة
- شكلك حلو بالعباية.

انتفخت أوداجها واقل كلمة حلوة تصدر منه، تجعلها تصل إلى عنان السماء..
تعلمه لطالما كان قليل الكلام فى الحب، لكن افعاله!
توردت وجنتيها وهي تتذكر افعاله التي تثير خجلها، تقر انه الوحيد الذي يستطيع أن يورد كلتا وجنتيها في اوقاتهما الخاصة لتهمس
- مستلفاها يعني لحد بعد الفطار
ثم تذكرت مكالمته الغريبة التي قاطعت حديثها مع العجوز لتلفت اليه بحدة قائلة
-عايز مني ايه يا لؤي.

هز لؤي برأسه ومنحها نظرة خاصة ليقول بنبرة خشنة
-عايزك
شهقت اسيا بحدة لتلكزه على ذراعه العضلي قائلة بغضب
- في رمضان؟ انت اتجننت
ابتسم لؤي وتفكير زوجته المنحرف جعله يتمتم بشقاوة
-دماغك اللي تفكيرها سيئات دي ربنا هيحاسبك عليها لوحدك
عضت على شفتها السفلى وهي تدفع أفكارها السيئة عن منحني عقلها، لتقول بغيظ
-ما انت فيها للأسف، فهنتحاسب انا وانت
تنهد لؤي بأسف زائف ولا يستطيع أن يمنع إخفاء ابتسامته ليقول بجدية.

-اخدت اجازة لحد اخر اليوم فمحتاج اشوفلنا مكان نتكلم فيه
تنهدت آسيا بنزق وهي تلتفت اليه هامسة اسمه بحيرة
-لؤي
هز رأسه وهو يتابع الطريق المزدحم، ليسمع سؤالها المتعجب
- انت اعصابك باردة كدا معايا ليه؟، بتبقي ديب فريزر ازاي؟
مع امرأة تكاد تغوي الشيطان بحد ذاته، احتاج ان يدرب شيطانه الشخصي حتى خضع له واستسلم، ليجيبها بمكر
-حد فينا لازم يوزن المعادلة يا آسيا
لوت شفتيها بنزق، وهي تشيح وجهها تجاه النافذة لتسأله.

-احنا هنروح فين
اجابها بهدوء
-هتعرفي، اصبري على رزقك
اصطف بسيارته على جانب علي طريق لتعبس آسيا وهي تنظر نحو الطريق بتيه شديد
- مستنين مين
نظر لؤي تجاه الطريق منتظرا صاحبة المفاجأة ليجيبها
-اصبري يا آسيا
عبست آسيا ملامحها بضيق، وهي تشعر انها كالمغفلة، نظرت يمينا ويسارا محاولا التعرف على المكان، لتشهق بذعر حينما وجدت أحدهم يفتح الباب الخلفي ليأتي صوت ناعم يقول
-صباح الخير، رمضان كريم.

وضعت اسيا يدها علي شفتيها وهي تري شقيقتها وشمس، طفلتها الحبيبة لتدمع عينيها وهي تنظر الي لؤي ثم اليهما
الصدمة شل لسانها وهي تنظر الي لؤي مرة اخري الذي ينظر اليها بتشجيع لتغمغم مارية قائلة بشقاوة
- مرضتش افوت يوم زي ده بدونك أنا وشمس
رفعت شمس كلتا يديها تجاه اسيا لتهمس اسيا بتعجب
-جبتيها ازاي
نظرت مارية بشكر خاص تجاه لؤي لتقول
-عيلة المالكي برضو متستهونيش بيهم.

لانت ملامح اسيا وهي تداعب وجنتي شمس الحمراوين لتسألها
- هتقعد معاكي لحد امتي
اجابتها مارية ببؤس
-يومين للاسف، بس خطوة حلوة يعني لحد لما نزود الايام.

القت اسيا نفسها بين ذراعي لؤي الذي تقبل عناقها في بادئ الأمر بصدمة، ثم سرعان ما ربت ظهرها لتشدد عناقها من حول عنقه وهي تبلغه شكرها بعناق صامت، ابتعدت عنه بعدما استمعت الي نحنة مارية المشاكسة معبرة عن وجودها فى السيارة لتسارع اسيا بمسح دموعها قائلة وهي تمد كلتا ذراعيها لتحمل شمس
- وحشتني يا روح قلب مامي انتي
هزت شمس رأسها نافية لتعقد ساعديها المكتنزتين قائلة
-زعلانة.

ابتسمت اسيا رغما عنها وهي تحملها علي ذراعيها لتميل طابعة عدة قبلات علي كلتا وجنتيها وراسها لتقول
-ليه يا قلب ماما زعلانة
اجابتها شمس بدموع تماسيح تجيدها تماما وتغلب بها والدها دائما
-بتغيبي كتير، زي دادا
رغم انها تعلم ان دادا هي فرح، لكن طالما اعتادت علي نطق اسم دادا كأسم حركي لفرح، لتهمس اسيا باسف
-مش بايدي والله، غصب عني
اشاحت الصغيرة بوجهها عنها قائلة
-زعلانة
امسكت اسيا وجنتي الصغيرة بلهفة، لتقول.

-مقدرش علي زعلك انتي، قولي عايزاني اعملك اي وهراضيكي
زمت شمس شفتيها تكاد تكبح ابتسامة شقية وهي تري ما تبغاه علي وشك الحصول عليه، لتقول
-عايزة دادا
عقدت اسيا حاجبيها بعدم فهم، لتنظر الي شقيقتها التي همست
-قصدها فرح
رفعت عينا اسيا تستأذنه عن سماحه لهما بزيارتها، ليومأ برأسه وهو يعيد تشغيل محرك سيارته لتسأل مارية
-انتي عارفه عنوانها فين؟
اومأت مارية رأسها بايجاب قائلة
-ايوا بيتها الجديد اخدته من عمها.

ابتسمت شمس ببهجة حينما هتفت اسيا
-نطلع يا روحي ونشوفها
وبنظرة ممتنة وضعت يدها علي ذراعه قائلة
-هتعبك يا لؤي
ونظرة عينيه كانت أبلغ من أي حديث يقال!
رنين جرس متواصل جعل النائمة في غرفتها تكاد تسب وتلعن الذي يدق علي باب منزلها، تقسم ان كان حارس العقار او احدي جيرانها اللزجين الرجال الذين ما يعلمون انها مطلقة حتي يسارعون بوضع شباكهم.

تثاءبت بحدة وهي تسير بقدمين حافيتين وشعر اشعث لفتح الباب، فتحت الباب لتتفاجئ بمارية التي تقول ضاحكة
- قاعدة لوحدك يا جميل ليه
الذهول طغي علي وجهها وهي تجيبها بصدمة لتجد الصغيرة محمولة بين ذراعي خالتها
- ابدا كنت بس، شمس
اقتربت فرح وهي تحمل الصغيرة بين ذراعيها تميل طابعة القبلات علي وجهها قائلة
- يا قلبي انتي وحشتي فرح خالص
لكن شمس الشبيهة كأبيها غمغمت بحزن
-انتي وحشة.

شهقت فرح بصدمة مصطنعة وهي تعلم سبب حزن الصغيرة، لتميل طابعة قبلات متناثرة علي وجهها قائلة بحزن
- ليه بس كدا يا روح فرح انتي
رفعت الصغيرة عيناها الشبيهة بعيني اليها لتهمس بشفتين مزموتين
-مشيتي، بابا قال
ابتسمت فرح ببرود وقد مر اسم نضال ببرود علي اذنيها، لتهمس بصوت خافت
- بابا ده عايز يتقطع لسانه
نظرت الي الصغيرة لتسألها باهتمام
- مش وحشاكي البان كيك بتاعى
لمعت عينا الصغيرة بشغف الا انها سرعان ما قالت.

- نزار بيعمله احلي
كبحت مارية ابتسامة ماكرة لتهتف فرح بمساومة
- بس مش هينافس بتاعتي، تيجي نجرب ونشوف وانتي تحكمي
اومات شمس رأسها بايجاب لتنظر الي الحسناوتان اللتين اقتحموا بيتها في هذا الوقت لتقول باعتذار خافت وهي تشير لهما للدخول
- انا اسفه اتفضلوا ادخلوا
امسكت مارية بيد اسيا وهي تعرفها علي شقيقتها
- احب اعرفك علي اسيا اختي
لم تود فرح ان تخبرها ان شقيقتها سبق وتشرفت بزيارتها، لتهز رأسها قائلة.

- ده مصر تخاف علي الجيل الجديد بتاعكم.

في قرية الغانم،
راقبت اسرار بتسلي أثر الصيام على وجه نضال، تراه بين فينة والأخرى يكاد يحاول اطلاق شتيمة لكن ينتهي به الأمر قائلا بحدة
-يا ولاد الذين آمنوا وعملوا الصالحات
انفجرت مقهقة وهي تكتم ضحكتها بكف يدها، وهي تعلم سبب جنون الرجل
لقد تعطي الصغيرة لتكون بين يدي إنها لأول مرة، سامحا لها أن تبيت لثلاثة أيام
هذا في بادئ الأمر ثم سيتطور الأمر أن تنقسم أيامهما بين الأب وأمها!

ولولا أن ازدادت علاقة الأخوين قوة وحرص نضال على ألا يفسد العلاقة لكن يبدو ان وقاص يضغط عليه بقسوة ولا يهتم برأيه ولا رد فعله
غمغمت اسرار بمكر وتسلية شديدين
-بركاتك يا شيخ نضال
امسك نضال برأسه وهو يشعر بذلك الصداع سيفتك برأسه، ابتعاده عن الكافيين والدخان يؤثران بالسلب على حياته فى أول يوم صيام الشهر، بل ما زاد الطين بلة هو الخبر الذي وصل إليه من شقيقه عن سماحه لمارية بأخذ ابنتها.

توقع أن تقضي اليوم، لكن الفاجعة اتته حينما علم انها ستبيت معها، رفع عيناه للسقف ثم التفت اليها ليقول بأعصاب متلفة
-اتلمي مش ناقص، انا اعصابي سايبة
هددت اسرار صغيرها نور بين ذراعيها لتقول بعملية
-نضال حاول تتأقلم، البت عيلة امها تقيلة برضو وصدقني الجد لما يعرف هيطالب انها تقعد معاه، ده اللي وصلني من وقاص.

ابتسم نضال بسخرية، وهو يعض على نواجذه يكتم شتيمة وقحة، حتما صيامه سيبطل إن لم يتحكم فى أعصابه، اشاح بيده قائلا بسخرية
- خلاص يعني كل السنين اللي فاتت دي انها ساكتة وحبكت دلوقتي تقول لعيلتها
مالت اسرار تطبع قبلة دافئة لصغيرها، لتلتفت بهدوء لنضال محاولة امتصاص غضبه
-اقعد كدا صلي علي النبي، شوف شغلك كده وهتبقى كويس، هما يومين يا نضال
لوي نضال شفتيه ساخرا، طليقته غادرت حياته والان حياة صغيرته.

هل يريدون تركه يعاني مرة اخرى؟
رغم انه لن ينكر انه لا يمضي اغلب الوقت مع صغيرته سوي عودته في الليل واخذها لتعيش معه فى المنزل الذي انتقل إليه حديثا في قرية أخيه الذكية
لكنه لم يعتاد على السكون
الهدوء القاتل فى منزله، الصغيرة تبهج حياته بشكل لا يصدق
بل لا يمكن أن يتصور حياته بدونها.

هي صغيرته، مدللته، شريكه ونصفه الآخر، الصغيرة التي أصبحت تعلم ما يدور في خلد والدها؟ أبسط الأشياء التي تجعله راضيا، واكثر الاشياء التي تثير سخطه أولهما المائع ذلك ماذا كان يدعي؟
نعم يوسف ووالدته التي سيحرص على اقصاءهما من حياة ابنته، لقد علم أنهما يقطنان في نفس القرية، والمفاجئة الكبرى كان حينما علم هوية والد الصغير!

ابتسم بتفكه، وهو يشعر بوجود أسرار التي تقترب منه وهي حاملة الصغير، ليلقي ببصره نحوها
اسرار يليق بها الامومة بشكل لا يصدق، ابتسم بحنين وهو يرى حرصها على طفلها المعجزة كما تسميه، وهو اخبرها ان هذا الطفل سيكون مائعا كيوسف ان لم تعلمه الصلابة!
راها تمد بجسد الصغير لتقول له بطلب متوسل
-بقولك ايه خد العب مع نور شوية عشان محتاجة اكلم سراج يجيب شوية طلبات قبل ما ياجي.

تجهمت ملامح وجهه ونظر لها بتعجرف ثم للصغير الذي يود اشباعه قبلات كي يعوض فراق صغيرته المؤقت، لكن بتذكره ان والد هذا الطفل ذلك الهمجي غمغم بتهكم
-احنا في رمضان يا هانم، خفي يا مدام، وبعدين ابنك مين ده اللي اشيله شيفاني ايه بيبي سيتر
شهقت اسرار بحدة وهي تري خشونته للتحدث مع صغيرها بحنق وغيرة لم يتخلص منها بعد، همت بالرد عليه إلا أنها فوجئت باقتحام رهف حاملة أسيل الباكية لتقترب من نضال قائلة بنجدة.

-نضال، هتعبك لو مسكت اسيل شوية، مامتها مشغولة في مكالمة شغل وانا مش عارفة اركز فى المذاكرة منها
ابتسامة واسعة زينت ثغر نضال ليحمل الصغيرة بصدر رحب، وان لم تتوقف عن البكاء ظل يهدهدها ويلاعبها والفتاة بعد فترة استجابت لدعابته بل وتضحك على دغدغاته، وكل هذا أمام مرأى أسرار التي تسمعه يقول ببشاشة
-هاتي اشيل حبيبة قلب عمو ده
طحنت اسرار ضروسها لتزمجر بغضب
-والله مش من شوية كنت بتقول انا مش بيبي سيتر؟!

شاكسها نضال بمرح وهو يميل ليطبع قبلة لابنة أخيه التي بدأت تجذب لحيته بقوة، امسك يدها بلطف محررا لحيته من براثنها ليقول
-دى فيها دم الغانم، أما سيد انوار ده فيه دم الحسيني
وله القدرة على أن يسخر من اسم ابنها، نظرت نحوه بحنق لتصيح بحنق
-دمك خفيف اووي في رمضان
نظر إليها من بين حاجبيه المعقودين ليقول بخشونة ونبرة قليلة الصبر
-اسرار، صاحي مخنوق بجد وراسي مصدعة و شوية هلاقي راسي بتنفجر من كتر الصداع.

توجهت اسرار خارج غرفة المكتب حاملة ابنها لتقول بابتسامة صفراء قبل أن تغلق الباب خلفها
-افتكرها كويس وشوف مين هتساعدك بعد كدا لما تحتاجها.

ألقي نظرة سريعة تجاه الصغيرة المفتونة بلحيته المهذبة، ليندفع يغرقها بالعديد من القبلات، من كان يصدق ان منذ أمس كانت قطعة حمراء صغيرة بالكاد تظهر ملامحها، الآن، الفتيات تكبرن سريعا! ابتسم بأسى وقطعة الفؤاد الخاصة به الله وحده أعلم أين هي؟ وماذا تفعل معها والدتها البيولوجية؟

تصاعد رنين هاتفه، لينسل الهاتف من جيب سترته الداخلية، توجع حينما جذبت أسيل بقبضتها الصغيرة لحيته لينظر اليها بعتاب وهو ينزع يدها مرة اخري ليجيب علي الاتصال قائلا بنزق
-خير
أرهف السمع إلى ما يقوله رجله المكلف بمراقبة شمس الصغيرة، لتتسع عيناه دهشة حينما علم ان الصغيرة الان بين ذراعي طليقته، نطق بحدة
-راحت فين؟ لا خليك زي ما انت.

انهي المكالمة مع حرصه أن يمده بأي معلومات جديدة، ليبتسم بحدة وهو ينظر تجاه الصغيرة التي تنظر اليه بزرقة عينيها التي ورثتها من والدها، سألها بحيرة
- انتي شايفة اعمل معاها ايه، اقتلها ولا اخطفها
اصدرت أسيل ضحكة خافتة وهي تحدق فى ملامح عمها، ليهز عمها رأسه باستحسان قائلا
- اخطفها!، انا كنت بقول كدا برضو.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة