قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وخمسة وخمسون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وخمسة وخمسون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وخمسة وخمسون

أتدرون ما هو نهاية الحب؟
ليست كالأفلام الرومانسية السخيفة، أو الروايات التى دائما تنتهي بنهاية سعيدة
حيث هي وهو وحزمة من الأطفال يركضون حولهم من شغب.
فلا هو سعادة أبدية تكتنف قلوبهم
ولا حتى هو مصدر رزق قوت يومهم
فالحقيقة دائما أسوأ ذو مرارة لاذعة
القصص فى الحقيقة دائما ما تنتهي
بتحول الرجل العاشق المحب إلى سفاح قاتل لا يهمه سوى دفع زوجته الى حافة الجنون.

وئد الأمل فى قلوب أطفالهم وهم يرون معاملة الأب القاسية إلى والدتهم
أو ربما يكونا الوالدان زوجين من المجانين يزيدون من تعداد سكان المجانين وزيادة تعاسة الآخرون!
هذه هي النهاية السعيدة للحب فى الواقع
حُلوة في الظاهرة
مُرة ذو طعم كالحنظل فى باطنها.
في قصر المالكي،
حفلة خطبة آسيا،
تم إطلاق زر الطوارئ فى كافة انحاء المنزل استعدادًا لحفل الخطبة المتعجل في عيني غالب، الأمر الذي لا يستوعبه حتى الآن.

متي أصبحت آسيا تلجأ الى شخص آخر لإنهاء بقايا الحب
كيف تضحي بسعادتها بسعادة أمل زائفة؟!
الأمر الذي يتوجس منه خيفة هو زاهر نفسه
الرجل لا غبار عليه، حرفيًا لا غبار عليه فى سجلاته القديمة حينما دقق النظر فى الخاطب الذى تقدم لحفيدته
وهذا ما يثير سخطه، لا يوجد رجل لا يوجد له جانب مظلم، جانب يخفي حقيقته وآسيا ليست فى حاجة إلى تعاسة آخرى
تلك المرة لن يسامح نفسه مطلقًا..

فقط بضع الوقت حتى يعيد نبش ماضي ذلك الغريب وبعدها سيطمئن إن كان أهلاً لها أم يلغي أمر الزواج وتبقي آسيا في كنفه حتى موته!
تراخي رأسه على مسند المقعد محدقًا نحو نقطة وهمية
لما يتعمد صاحب الرأس الصلد التواري بين الظلمات؟
أيعجبه حال ابنة عمه وتهورها فى قرارات مصيرية كهذه؟
ماذا لو تبين أنها سقطت فى وحل أشد وطأة من سابقه؟ ما سبيل نجاتها؟!

أغمض جفنيه بقسوة لتختلج عضلة في فكه متطلبًا من الله القوة والصبر واستحضار شكيمته
ف الهدوء الذى يعيش به حاليا، هدوء ما قبل العاصفة.
خرج من أفكاره على صوت شمس التى اقتحمت غرفة مكتبه صائحة بصوتها الطفولي
-جدوو
التمعت عيناه ما ان ابصر اول احفاد جيله الثاني، ليفتح كلتا ذراعيه جعل الصغيرة تنغمس في عناقه الدافئ ليطبع غالب قبلة على أعلي جبهتها قائلاً بصوت دافئ حنون
-حبيبة جدوو، قوليلي يا شموسة نفسك فى ايه.

اتسعت ابتسامة شمس والتمعت ذهبية عينيها بشقاوة قائلة بتدلل لجدها غالب الذي يلبي كافة طلباتها المدللة بصدر رحب لتغمغم بصوت متذمر
- نفسي في شوكليت كتيير عشان بابي بطل ما يديني ويقولي بتوجع سناني، بس انا سناني مش بتوجعني و اسرار بتديني شوكليت مش حلو
انفجر غالب ضاحكًا وهو يسمع سلسلة الشكوى المتذمرة من شفتيها المذمومتين، ليست سهلة تلك الصغيرة ابدًا
ليست سهلة!

ابتسم مربتًا على ظهرها وحالة من الصفاء والسكينة غلفت فؤاده مجرد النظر لصفاء عيني الصغيرة
الصغيرة تبدو كمغناطيس لجذبه الى عالمها الطفولي هي بمفردها التي لا تشوبها شائبة!
غمغم بصوت حنون وان كان به القلق
- طلباتك كلها مجابة يا شموس، بس اللى فيه خطر على صحتك مش هقدر أعارض بابا وماما عليه
تكشرت معالم وجهها الطفولي لتزمجر بغضب
- جدو انت وحش.

اتسعت عينا غالب ذهولا، الفتاة سليطة اللسان لا تخشي ابدًا من مغبة أفعالها!
لولا انها فقط حفيدته لربما ما استطاع من يتجرأ على مسه بكلمة واحدة النطق مرة آخري
لطالما فى عزة قوته وجبروته عرف أنه لا يرحم من يمسه بطريقة شخصية أو بعمله
لكن دائما هناك جانب لين فقط لعائلته!
جاء صوت نسائي صارم عند مدخل غرفته
- شمس
بنفس الوجه العبوس.

والشفتين المذمومتين، استدارت شمس برأسها لتقع عيناها نحو والدتها التي نظرت إليها بصرامة وعتاب خفي لتقول بصوت جاد
- اعتذرى لجدو غالب فورًا، ميصحش اللى اكبر مننا نكلمهم بالطريقة دي
انتظر غالب معاندة منها
او أقل رد فعل أن تغادر الغرفة دون أن تكلف نفسًا للرد، الصغيرة تستطيع فعل هذا
إلا أنها خالفته حينما اشرأبت بجسدها لتطبع قبلة معتذرة على خده جعله يفكر حتمًا بتلبية طلباتها بعيدًا عن أعين والديها المتربصين.

-سوري يا جدو
حنان غمر قلب غالب وهو ينظر الي الكائن الملائكي الطفولي، ما أن أبصرها اول مرة استطاعت ان تلفه حول اصبعها
شئ فى تلك الصغيرة تجعل قلوب أعتى القاسين يلين فقط طالبًا منها رضا صغير!
مال مقبلاً كلتا وجنتيها قائلاً بابتسامة واسعة
- والنبي كلمة جدو طالعة من بقك زي السكر
انفلتت ضحكة ناعمة من شفتي وجد التى تقدمت داخل مكتبه قائلة بمشاكسة
- على كده بقى فيه منافس جديد هينافس مكاني وبقوة.

رفع غالب عينيه لتقع انظاره نحو صغيرته وجد، الصغيرة التى أصبحت زوجة حاملة بطفل صغير، بطنها الصغيرة بها بروز خفيف لحملها والبسمة العاشقة المرتسمة على شفتيها، زاد تأكيده أنه قام بفعل صحيح بزواجها من حفيد تحية، غمغم بنبرة دافئة
- انتي مكانك محفوظ يا بنتي، طمنيني الحمل تاعبك
هزت وجد رأسها قائلة باطمئنان مستشفة نظرة القلق في عينيه
- تعبه الطبيعي متقلقش دلوقتي أحسن.

ما زالت الصغيرة متشبثة بثيابه رغم حرج مارية إلا أنه طلب منها تركها على سجيتها، ابتسمت بحرج وهو يشير لها بالجلوس وعلاقته مع مارية ليست متينة
بل شبه هادئة
مجرد سلام وتحيات يطلقها كلا منهما الآخر وان كانت فى بادئ الأمر تتعامل معه بحذر، وكأنه وحش مخيف سيبتلعها ان لم توقظ إنذارات الحذر والتيقظ من أقل مداهمة قد يقوده لافتراسها؟!
جلست وجد بجوار مارية لتزفر بيأس قائلة بحنق لم تستطيع اخفاءه.

- مكنش ليه لزوم كل ده يا جدو، انت عارف اسيا مش هتكمل في العلاقة دي
ربت غالب على ظهر الصغيرة التى تغلق جفنيها بنعاس بعد يوم طويل قضته مع آسيا والفتيات من لعب وصخب فى كافة أنحاء المنزل، طبع قبلة دافئة على رأس صغيرته هامسًا بصوت حيادي
- انا كلمتهم هما الاتنين، وكل واحد عارف خطوط أبعاده، عشان محدش فيهم يندم واكون برئت ذنبي.

اتسعت كلتا عينا مارية ووجد وظل لبرهة ينظران لبعضهما بعدم تصديق، لتلتف وجد تجاهه قائلة باستنكار
- يعني حضرتك عايز تفهمني قلت لزاهر أن علاقتها بيه مش هتستمر
قاطعها غالب قائلا بجمود
- قولتله ان اسيا متعلقة بالماضي ومأثر جواها حتي لو بتتظاهر بعكسه، وانه مش شرط اللى بتقوله هو اللي في قلبها
عضت وجد باطن خدها واكتنف الصمت يبتلع ثورة عارمة فى صدر وجد
هي أكثر من تعلم آسيا.

لا ترغب أن تزداد حالتها سوءً مما قد يقترفه زاهر بسبب او بدون أدني سبب تجاهها! هي ليست قادرة على تحمل أدني أذية وإن كانت الحمقاء تتظاهر بالعكس!
تنحنح غالب تلك المرة مغمغمًا بسلام انشرح له صدره قائلا وعينيه مصوبتان نحو مارية
- بس بعيدًا عن مشاكل اللي مطلعين عيني، احلي اضافة دخول شمس ومارية للعيلة حقيقي اقدر اموت مرتاح
شهقة مفزوعة تبعها عتاب وجد قائلة
- بعد الشر يا جدو.

ابتسم غالب وهو لا ينتظر أي بادرة من مارية للرد عليه، يكفيه ما قامت به
يكفي انها استطاعت ان تتغلب على عقبتها وجلب ابنتها الى منزله
غمغم بابتسامة حنون وهو يداعب خصلات شعر الصغيرة التى تنظر نحوه بنعاس وشفتين منفرجتين بضحكة ناعسة
- جدو خلاص أدى رسالته، وحاول يصلح من اغلاطه أو بيحاول يعدل منها، مكانك يا مارية محفوظ زي باقي أحفادي والزئردة الصغيرة دي مكانها في حتة تانية من قلبي.

ابتلعت مارية غصة في حلقها وطفقت الدموع تخرج من قنواتها الدمعية، سحبت نفسًا عميقًا محاولة المقاومة لتهز رأسها دون القدرة على الرد، مما استحضر وجد أن تزيح الجو المشحون قائلة بمشاكسة
- يا جدو متنساش انا حامل برضو
ابتسم بدفء وهو ينظر نحو البروز الصغير فى بطن وجد ليغمغم
- مكانه او مكانها برضو محفوظ، أحفاد الجيل الثاني ليهم جانب تاني من قلبي.

اتسعت ابتسامة وجد مما جعله يجلي حلقه قائلاً حينما نظر الى ساعة يده وقد تجاوزت السابعة والنصف ليلاً، العروس يجب أن تهبط للأسفل لمقابلة عائلته
- اطلعوا شوفوها خلصت ولا لسه
صدر صوت آسيا الهادئ أمام غرفة مكتبه قائلة
- مش مستاهلة انا هنا
خيم الجميع الصمت سوي من وجد التى التمعت عيناها بسعادة وهي ترى الفستان الذي صممته لها يغطي كافة منحيات جسدها بنعومة
وكأنه يحتضنها بحرص.

نظرت اسيا بريبة بداية من لون ثوبها الأزرق الذى حاكي نفس لون عينيها المحتشم، مغطي الكفين ويصل طوله قبل كعبيها لدرجة انها شكت انه يوجد خطأ بالفستان او بها؟!
تنحنحت بحرج وهي تنظر الي شفتي مارية الفاغرة لتهمس بريبة
- طالعة ازاي؟ اوعي الفستان ميكونش حلو، وحش مش كدا! انا قولت كده برضو لوجد، مش من استايلي.

قاطعتها مارية وهي تقترب منها تنظر إليها يمينا، ويسارًا، متفحصة فستانها الناعم الذى لا يشابه اسيا اطلاقا قائلة بابتسامة واسعة
- طالعة تجنني
عضت آسيا باطن خدها وعينيها معلقة نحو وجد التى تنظر اليها بدعم صامت تستمده منها الآن، لتقع عيناها نحو شقيقتها قائلة بشك
- بجد!

اومأت مارية رأسها عدة مرات وعيناها المنبهرتان بالفستان طمأن آسيا إن قرار وجد هو الصحيح لصناعة فستان محتشم يليق بها محافظة على كينونتها الأنثوية ضد أي أعين غريب مترصد
- الفستان خطيير يا اسيا بجد تسلم ايدك يا وجد
توقفت عينا آسيا تجاه غالب الذي اغرورقت عيناه بالدموع وإن كان صلد، خشن يأبي أن يظهر أي رد فعل تجاهها..
ان كانت ممتنة بشدة لأكثر شئ قام به الحقير، فهو أنه قام بتحقيق رغبته.

أن تكتنفها عائلتها من كل حدب وصوب، لم تجد منهم سوى الدعم وحب يخرج من اعماق عينا وجد وتفهم غالب لمتطلباتها المتطرفة.
سمعت غمغمة غالب الذي أعطي جسد شمس النائم نحو والدتها التى استأذنت لوضع الصغيرة فى فراشها الصغير قبل العودة إليهم
- عريسك مستني تحت على نار، مستنية ايه
لم تشعر انها آسيا المالكي
تقر بها أخيرًا انها من عائلة المالكي، ستطلب أمرًا خاصًا كهذا منه، تلونت وجنتيها بحمرة قائلة بصوت هامس.

- ممكن تسلمني ليه
تصلب جسد غالب وما يراه أمامه
طفلة مشاغبة تأتي لوالدها خشية أن يعاقبها، تتوارى خلف جسده كي يوقف تذمرات وصياح والدتهم..
آسيا أمامه ضائعة
مشتتة
الوحدة تقتات من روحها، رغم انه يغمرها بكل حزم وصبر يمتلكه، وحب من طرف وجد وشقيقتها، دمعة واحدة ذرفتها أمامه ليسمح بدموعه تذرف بحرية دون حرج
الضعف الذى أظهرته آسيا امامه
قوي لدرجة جعلته سيقتل أي حقير يتجرأ لمسها بأذية واحدة حتى وإن كان من نفسه!

تحشرج صوت اسيا وهي تبتسم بحرقة تكاد تبالغ حرقة قلبها لتهمس
- انا للاسف مجربتش الشعور ده، حقيقي كان نفسي وقت فرحي، اللي للأسف متعملش الاقي حد يسلمني لجوزي ف ممكن
اقترب منها غالب قاطعًا إياها من أي طلب متوسل ترجوه منه هو.
وإن كانت حفيدته فهو يرغبها كما رآها اول مرة
تلك الفتاة المشبعة بالحقد والغيرة التى تسكن أطراف جسدها.

لسانها السليط و ذروة غضبها التى تشعل تلك الزرقة في حدقتيها اللتان فقدتا بريقهما وإن كانت تتظاهر بالسعادة امامه!
امسك كفيها بقوة وحزم، يمد له دعم خفي وصل رسالته بوضوح نحو حدقتي عينيها المدققة في خاصته، غمغم بصلابة
- اسيا افهمي انتي وباقي عيال اعمامك كلهم في نفس المعزة والغلاوة، واللي تطلبيه يتنفذ
هزت راسها هامسة بخفوت
- شكرا
تأبطت ذراعه وسار بها نحو الأسفل حيث ينتظرها العريس المرتقب، غمغم بمشاكسة لطيفة.

- واضح تأثير زاهر كويس عليكي، بدأت اتفائل
انفلتت ضحكة من شفتيها وهي تهز رأسها بيأس، هي حتى لا تعلم ماذا أصابها
لتعامل بكل ذلك الحذر والأدب تجاهه
حتي الشكر، أصبحت تخرجه من شفتيها بسهولة دون عسر
يبدو ان غالب محق، تأثير زاهر ايجابي علي حياتها، غمغمت بتساؤل
- مش زعلان اطلاقًا اني قررت اسيب حفيدك؟
زفر غالب متنهدًا بحرارة، فقط لو يعلم الأحمق الآخر لما يصر على الابتعاد
وأي تفكير شيطاني يفكر به.

لا يصدق أن حفيده الذي أجبره جبريًا أشاح رأسه لسخافة تفكيره
حفيده كان عازمًا على قراره، كان يعلم أنه لا يوجد شيء يستطيع أن يراجع قراره
الا هي!
الجميع يعلم عدم ظهوره في الوقت الحالي ليس استسلام
ما خفي كان أعظم، لكنه إن كانت الصغيرة سعيدة بوجود الزاهر في حياتها
فهنيئًا لها، وسيقوم بفعل كل ما يلزم لكي يكلل علاقتهما رابط الزواج بعد أن يتأكد انه يستحقها.

رفع عيناه لينظر الي عينيها الساكنتين من أي عاطفة، وكأن الأمواج بداخلها لم تثيرها أي عاصفة ليقول بجمود
- طول ما انتي مبسوطة ده أهم حاجة عندي بالدنيا
هزت اسيا رأسها بتفهم، لتشعر بضغطة خفيفة على عضدها لتنتبه له وهو يسألها بصلابة
- اهم حاجة انتي مختاره عن اقتناع ولا عشان تقهري قلبه
عضت باطن خدها لبرهة قبل أن تغمغم بصراحة اعتادتها أمامه والله وحده أعلم متى اصبحت تستطيع التحدث معه بأريحية
ربما بعد طلاقها؟!

- هتصدقني لو قولتلك معرفش، في جزء مني عايز ينسي لؤي، بس لؤي واخد جزء كبير من عمري وحياتي، وجزء تاني للاسف عايز ينتقم ويحرق كل ذكرياتي معاه
اومأ غالب رأسه وابتسم بامتنان لمصارحتها، توقفت قدماه عن التحرك أمام باب الغرفة، اخرج اهتمامًا في صوته يشوبه القلق
- اسيا اللي داخلة عليه مش رهان عشان تفوزي او تخسري فيه، فيه كيان وروح غيرك متعلقة في نفس الحبل، متستغليش غضبك وفورة الغيرة على مشاعر انسان غيرك.

هزت آسيا رأسها موافقة، هي تتفهم إلى أي بحر تغرق نفسها به
لكنه لعله بحر ليس غريق كالسابق
فإن كان أكثر شئ ترغبه في الوقت الحالي
ان تفقد ذاكرتها في التو والحال
فما بداخلها لا يتحمله أي بشر كان؟!
لقد أُوذيت ولم تستطع حتى إيذاء نملة
لقد قُهرت، ولم تستطع حتى قهرهم
لقد أحبت بصدق وعشقت ودافعت عنه والغيرة كانت تفتك بجوارحها وبالنهاية ماذا كافئها؟!
حرمت من أكثر شئ تتمناه أي فتاة في صباها!

انتبهت على صوت غالب الذى كان في مواجهتهم، رفعت عيناها لتجده ينظر إليها بتعبير هادئ وان كان عينيه رأت ملامح التشتت
- قولي بقي يا ولد هتشيل بنتي جوا عنيك، ولا نفضها سيرة من دلوقتي
عينيه مثبته نحو حدقتي عيناها
وكأن هناك قوة مغناطيسية في حدقتيه تمنعها عن اشاحة عينيها عنه، ابتسم بدفء وهو يجيبه بتلهف
- آسيا جوا عنيا يا عمي
ابتسم غالب رغمًا عنه وهو يشعر بالأخري قد احتقنت وجنتيها خجلاً!

هو حتي لا يصدق أن الفتاة تخجل كبقية الفتيات! هز رأسه قائلاً بنبرة ذات مغزى
- مقبولة منك يا زاهر، طول ما هتعاملها بما يرضي الله فهي في أمانتك بس لو قررت تلعب بديلك صدقني ويلك مني
قطع زاهر تواصله البصري معها، ليضع عيناه تجاه عيني غالب الصارمتين
الرجل يتوغل داخله من نظرة عينيه الصقرية، الا أنه حافظ على نفس واجهته قائلا بصوت سلس.

- متقلقش مش ناوي أأذيها أو أجرحها، آسيا هتعتبر جزء مني ازاي هأذي جزء مني فيها
انفلتت ضحكة من غالب وهو يهز رأسه بيأس قائلاً
- و كلامنجي كمان! خايف اطول شوية معاك تتحول شاعر، اسيبكم يا ولاد مع بعض
انتظر زاهر بفارغ الصبر حتى ابتعد غالب عن مجالهما، ليقترب بتؤدة منها
عيناه تشملها كليًا بفستانها الأزرق الذي يلف حول جسدها ببراعة دون أي ابتذال أو خلاعة.

تبرجها المقتن جعله مسحورًا بملامح وجهها الفاتن، ربما تكون آسيا أجمل النساء التي خطفت عيناه، امسك كفها برقة ليميل طابعًا قبلة داخل باطن كفها قائلا بصوت أجش
- طالعة تخطفي الأنفاس
جسدها ارتجف رغمًا عنها لأثر غريب نحوها
لم تسمح لأحد أن يقترب داخل نطاقها كما سمحت لزاهر، ابتسمت رغم ارتعاشة جسدها لترفع حاجبها بمكر قائلة
- بجد!

انفلتت ضحكة رجولية منه اثارت اهتمام كلتا عائلتيهما، لكن كما لو انها القت تعويذة عليه ما ان راها تتقدم أمامهم متأبطة ذراع جدها كعذراء خجول متطلبة الحماية من جدها منه!
غمز لها بعينه حرص ألا يراه سواها ليغمغم بعبث محبب
- ثقتك مهزوزة يا آسيا هانم ولا ايه؟ لأ عايز مراتي ثقتها عالية في السما
لم تفته اتساع حدقتي عينيها للفظ مراتي التي غمغم بها بأريحية امام وجهها، صاحت آسيا باستنكار.

- حيلك حيلك ده يدوب خطوبة عائلية
هز رأسه ولم تفته ابتسامتها اللعوب وهي يجيبها قائلاً بنبرة ذات مغزى
- ما انا مش هفضل في خانة خاطب طول عمري يا آسيا، ولا انتي شايفة ايه؟!
تنهدت آسيا قائلة بصوت فاتر
- معاك حق.

عينيها وقعت نحو والدته التى يبدو علامات عدم الرضا تكتنف ملامح وجهها الارستقراطي، عينيها عادت تجاهه وهي تري طفلة صغيرة اقتربت منه ليحملها بابتسامة واسعة علي ذراعه مقبلا وجنتها بعد ان طبعت الصغيرة عدة قبلات على خده
شفتيه كانت تتحركان محدثًا اياها بشئ لم تفهمه، كل ما تسمعه هو الصمت مأخوذة نحو هوتها العميقة.

عبس زاهر حينما لم يري منها أي مبادلة للحديث معه، ليضع الطفلة ارضًا طالبًا منها الجلوس بجوار والدتها، سحبها من كفها برقة نحو الشرفة الخارجية بعيدًا عن الضجة
وضعت اسيا اناملها علي سور الشرفة لتقع عيناها نحو عينيه المتأملة إياها بعمق
يحاول عبثًا الوصول إلى مصدر علتها
هنيًا له ان استطاع ان يحل مصدر علتها!
ابتسمت اسيا وان كانت الابتسامة تخفي قلقًا
وخوفا من المستقبل ربما الضبابي؟
- زاهر.

عينيه لم تغادر مطلقًا عينيها لتهمس أمامه بقلق
- افرض لو محصلش حمل ما بينا هتسيبني؟
عقد حاجبيه بريبة متسائلا
- وليه بتسألي سؤال زي ده
عضت باطن خدها وهي لا تعلم السخف الذي تشعر به، إلا أنها جازفت مخرجة ما في جوفها قائلة
- انت متعلق باطفال اختك بطريقة حقيقي ممكن تسببلي الغيرة
لمعت عيناه بتسلية جعلها تنظر اليه بضيق قائلة
- بتبصلي كدا ليه.

انفلتت منه ضحكة مجلجلة تلك المرة، جذبت اقطاب الجميع في الداخل، لتزمجر بعصبية مغادرة ذلك الاحمق
الا انه امسك كفها مانعا اياها من الابتعاد عنه..
عيناها حدقت نحو موضع يده
وشعور غريب يتسلل رويدًا داخلها
شعور بالتحفز والقلق وقليل من الاشمئزاز من نفسها لسماحها لرجل غريب بلمسها
رباااه
كيف عقلها وصل الى طريق شائك كهذا؟!
من المفترض انه خاطبها، وفي المستقبل ستحمل أطفاله؟!

كيف بمجرد لمسة عارضة لا يوجد بها أي معنى حسي أن تشمئز من حالها؟
سمعت غمغمته المتسلية تخرجها من افكارها السامة
- آسيا المالكي بتغير عليا
عبست آسيا لتنزع يدها بحرج منه قائلة بصوت جاد
- زاهر بطل لماضة، بتكلم بجد
اختفت معالم التسلية من وجهه، ما ان استشعر جديتها في السؤال، ضم يديه في جيب بنطاله متجاهلاً ردة فعل جسدها لثاني مرة للمسته ليغمغم بصراحة.

- صدقيني محطتش في بالي احتمال عدم الحمل كقرار للجواز بيكي، انا لما قررت ارتبط بيكي عشانك انتي وطريقة تفكيرك ومش هكدب عليكي واقولك مفكرتش في جانب الأطفال، بس فكرت فيه كجانب طبيعي لأي حد بيفكر يتجوز
كل تلك القصيدة العريضة التي تغني بها أمامها ليست اجابة صريحة تستطيع أخذها منه
هو من قدم إليها وعرض عليها الأطفال بجانب حياة زوجية طبيعية بينهما
لما المعارضة الآن؟ وكأنها تنتظر أقل سبب لتسبب بشجار؟!

تنهدت بيأس وهي تحاول ازاحة تلك الطاقة السلبية التي ستقتلها عن قريب لتهمس بتشتت
- طب لو محصلش، عندي عيب او عندك عيب، أو نصيبنا اني محملش منك هتعمل ايه
ازدادت تقطيبة حاجبيه وهو يلتمس منها تراجعًا
اللعنة انها تتراجع بالفعل في أكثر مناسبة يستطيع أن يعلنها حرفيا امام الجميع وامام نفسه، أن تلك المرأة ستصير جزء منه، ستحمل اسمه
سألها بغموض وملامح وجهه كالرخام
- هل ده طلب عشان ابعد عنك؟

اجفلت عينيها وهي تنظر الي عينيه الداكنتين، بهما الحاح عجيب للكشف عما بداخلها، غمغمت بتعجب
- بتقول كده ليه
اجابها بصراحة وإن كان لم يخفي بؤسه
- اصرارك غريب، والحاحك للإجابة أغرب، بس هرد عليكي متسبقيش الاحداث انا واخدك عن قناعة عشان عايزك انتي يا آسيا
اختلاجة قلب
وتسارع انفاسها كان هذا هو ما عزلها كليًا عنه
جسدها اصدر ردة فعل غريبة في هذا الوقت الحالي، من مناقشة هامة لمعرفة مدى أبعاد حياة الزوجية القادمة.

لكن ذلك الشعور بوجود مترصد لها جعل ارصدتها الانثوية حساسة لتلمح أي شبح ظل للغائب
رفعت عيناها ما إن لمحت ضيق حاجبين، ونظرة تقرأ تعابير وجهها كما لو انها كتاب مفتوح أمامه
رباااه
أشعر أن هناك آخر يترصد نحوهما؟
تمتمت بحنق
- مامتك مش معجبة بفكرة ترتبط بواحدة سبق ليها الارتباط.

ابتسم مطمئنا اياها ليقترب منها كاسرًا حاجز الأمان بينهما، الا انها كانت اسرع كي تبتعد عنه مبتسمة ببرود يكتنف عينيها وتحذير كي لا يتخطى حدوده، ليغمغم بهدوء
- أمي تفكيرها زي تفكير الامهات، بس مفيش حاجة في الدنيا تقدر تمنعني من اني اغير رأي مقتنع بيه تماما.

هزت رأسها دون أدني اقتناع، لتسمع صوت جيهان والفتيات لتعود للداخل بصحبته، كان البقاء في جو عائلي لم تختبره مطلقًا جعل ابتسامة حقيقية تظهر علي شفتي اسيا بجوار مشاغبات جيهان و وجد لتنتبه على صوت زاهر قاطعًا إياها من شرودها
- هاتي ايدك
عينيها حطت علي الخاتم الألماسي، لتجلي حلقها وهي تمد يدها اليمنى، وضع الخاتم في بنصرها ليطبع قبلة على اطراف اناملها قائلاً بصوت أجش
- مبارك ليا بيكي.

ابتسمت آسيا لكن الابتسامة لم تصل إلى عينيها
بل شعور بالقيد يحوط حول عنقها يمنعها من التنفس
هل تورطت أم هي تتخيل بعقلها الجامح؟!
لكن شعورها بكونها مراقبة لم يجعلها تشعر بمزاج جيد وقد انعكس جليًا علي عينيها وان كانت ملامح وجهها الفاتن يرسم ابتسامة دبلوماسية لطيفة امام الجميع!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة