قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية عندما يعشق الرجل لـ شيماء محمد الفصل 29

رواية عندما يعشق الرجل لشيماء محمد الفصل التاسع والعشرون

الجزء الأول

يا خلي القلب .. يا حبيبي
لو فى قلبك قد قلبي حب .. يا حبيبي
لو بتكوي النار نهارك .. لو بتسهر زي ليلي
لو صحيح بتحب .. كنا نحضن حبنا ونبعد بعيد
عن عيون الدنيا عن كل العيون
لو في قلبك قد قلبى حب
كنا نمشي الف ليله وليله ليل ونهار
لما نوصل نجمه ما لهاش اي جار
والا نسكن لؤلؤه فى ابعد بحار يا حبيبي

شعرت ريم وكأن برقا ضربها وهى فى مكانها تراقب زوجها ملتفا حوله مجموعة من النساء الجذابات والانيقات وكل واحدة منهن تحاول جذب انتباهه نحوها ... لثانية تلاقت اعينهما وهو ينظر اليها بغموض لكنها حاولت رسم عدم المبالاة على وجهها واشاحته بعيدا ... اضطربت وهى تشعر بارتجافة يدها و دقات قلبها السريعة ... ضيق .. انزعاج ... قلق ... وربما غيرة كل هذه مشاعر اجتاحتها ما ان رأت زوجها محاط بالفتيات من كل جانب ... أرادت الصراخ بأنه زوجها ... وهو لها وحدها لكن كبرياءها منعها ... افاقت من مشاعرها المضطربة تلك على صوت أروى الجالسة بجوارها قائلة بعتاب أقرب منه نصيحة
" اذهبى إلى زوجك قبل أن تخطفه فتاة ما منك وحينها ستبكين على حظك المنحوس "
رفعت إحدى حاجبيها وهى تقول من بين أسنانها بعدم مبالاة ...
" من هذه التى ستنظر إليه! ... فلتخطفه ...تابعت وهى تحرك كتفيها بكبرياء وبصوت منخفض ..انا لا أريده "
فغرت أروى فاها وقالت بتأنيب
"حمقاء زوجك وسيم .. وما أن تتركيه هكذا ستركض خلفه آلاف الفتيات ... مالك لا يعوض أيتها المخبولة "
حدقت بها ريم بقوة وهى تزم شفتيها و تقول بانزعاج
" زوجى وسيم ... وهل انا قبيحة أمامك ؟!... ثم نظرت نحوه بطرف عيناها قائلة بعدم اهتمام ...انا لن أركض وراء أحد "
قالت كلماتها باقتضاب ثم حاولت اشاحت وجهها بعيدا عن اروى ومن دون ان تقصد عيناها استقرتا على بطن اروى المنتفخة... شعرت بنغزة قوية فى قلبها و بلعت ريقها بحزن ... تتمنى حقا لو كانت مثل صديقتها ... التمعت عيناها بالدموع وهى ترى ابتسامة اروى العذبة ما ان اقتربت منها والدتها وهى تطبع قبلة حانية على جبهتها وتضع يدها على بطنها و اقتربت من أذن اروى تهمس لها ببعض النصائح وتبتسم لها ...
اعتصرت ريم عيناها وهى تحاول عدم البكاء وهى تنهر نفسها بقوة ... فهى لن تكره السعادة لصديقتها ... ولكنها حقا تمنت لو كانت مثلها ... متزوجة برجل تحبه بل تكاد تكون عاشقة له ... وهى الآن حامل بطفل منه هل يوجد ما هو أجمل وأروع من هذا ..حدثت ريم نفسها بهذا ... وهى تدعو فى نفسها .. بأن يرزق الله صديقتها الذرية الصالحة .. وأن تكون بخير هى وطفلها دائما. ..فهى لن تكره الخير يوما للصديقة التى اعتبرتها اختا لها ...
" يارب ارزقنى بطفل " قالتها فى نفسها برجاء ودعاء خرج من قلبها ... تتمنى حقا ان يرزقها الله بطفل ... تحبه وتحميه تعطيه وتمنحه ما فقدته هى ... لكن ...هى بغباءها أبعدت مالك عنها بدلا من ان تقربه ... لكنه يستحق ... هتفت بها فى نفسها بانزعاج .. لقد تركها ولم يحاول حتى الاقتراب منها كما كان دائما يفعل ... لقد كانت تشعر سابقا وكأنه ظلا لها ... ام الآن فهو لم يعد كما كان ... هل هو مل منها ولم يعد يريد الاقتراب ... أفكار وأفكار دارت فى عقل ريم من دون ان تتركها بسلام ... فالطالما كانت عدم الثقة و الوحدة مرافقان لها ...
لم يستطع أن يبعد عيناه عنها وهى تجلس بعيدة عنه يراقبها بطرف عيناه ... يريد أن يقترب .. لكن كلما يتذكر ما تفعله معه ... جفافها... عنفوانها الحاجز الذى يمنعها عنه .. يتراجع ... يشعر بخوفها ما ان يقترب منها لكن مما هى خائفة؟!... لماذا كلما يقترب منها ميلا تبعده هى عنه آلاف من الأميال؟ !... منذ ان قابلها أول مرة وهو على يقين ان الاقتراب منها ليس سهلا وأنه كلما سيقترب منها كلما ستبعده هى عنها لكنه لم يعتقد انه سيأخذ كل هذا الوقت...حتى يستطيع الاقتراب و تملك قلبها وروحها ... منذ ان رآها وهناك رغبة واحدة تجتاحه و سلبته النوم ..ان تكون له.. زوجة ...و بين يديه ... عنفوانها هذا اراده له فقط رغم انه الحاجز الأكبر بينهما إلا انه يعشق تمردها... يعشق دلالها عليه الغير مقصود ... يعشق كل شى تفعله و تصدره ... طريقتها التى يعتقدها البعض غرور وتكبر وسماجة... إلا أنها لم يكن تعاملها الجاف مع من حولها إلا قشرة صلبة فقط حتى تستطيع حماية نفسها مما هى خائفة من خوضه ... زوجته طفلة صغيرة تفتقر إلى الأمان ... لكن لا يعلم ماذا يفعل حتى يشعرها حقا بحبه؟! ... آفاق مالك من شروده على صوت إحدى الفتيات الملتفات حوله أخذ نفسا عميقا ... ثم لم يعد يتحمل أكثر البقاء معهن وتحرك مبتعدا عنهن .. ما ان راء سماءه تتجاوزه غير ابه به تتحرك بقدها الممشوق وهى رافعة رأسها بتعالى وعنفوان وكأنها اوزة تتهادى فى مشيتها بكسل ... رغم أنها ترتدى فستان فضفاض وطويل إلا أنها ما زالت جميلة ومغرية فى نظره ... فملابسها المحتشمة تلك لم تستطع إخفاء أنوثتها ... تحرك هو الآخر مبتعدا عن هؤلاء الفتيات وتوجه نحو مجموعة الشباب ...المكونة من كاسر وخالد وسيف وأصدقاء سيف الاثنان ماجد وأسامة ...
وقف وأخذ يتبادل معهم الحديث ...


وقف بين أصدقاءه بشموخ وهو يضع يديه فى جيبى بنطاله يستمع إلى احاديثهم التى لا تنتهى عن الأعمال ... أذنه كانت معهم ... لكن عيناه كانت عليها هى فقط ... يراقب كل حركة منها صغيرة او كبيرة ... وضع جسده موضع الاستعداد للركض إذا لاحظ فقط ابتعادها عن كرسيها...لم يكن يريد أن ياتى ولا حتى ان يحضرها ... لكنه لم يستطع الرفض وهو يرى اهتمامها وحرصها الشديد على حضور زفاف صديقتها ... منذ سقوطها ورؤيته لها غارقة بدماءها ذلك اليوم وهو لا يريد منها ان تفعل اى شى وخصوصا بعدما أخبره الطبيب ان اى حركة غير صحيحة ربما سيفقدا بها الطفل ... فاهتم فقط بأمر راحتها حتى طعامها كان حريصا ومهتما به ... خلال الأيام السابقة كان يشعر بنظراتها المؤنبة التى تخبره انه فقط لا يهتم بها إلا من أجل الطفل وليس لشئ آخر ... نعم هو يهتم للجنين الذى تحمله بين احشاءها ... يهتم به فقط من أجلها ... من أجلها فقط ... دموعها وهى بين يديه ترجوه حرقت قلبه ... كل ما فكر به فى هذا الوقت هى ... رغم انه كان سيحزن لفقدانه أول طفل له ... لكن أن يرى انهيارها ودموعها تسقط من مقلتيها كان سيصبح الامر أكثر إيلاما له ... ظهرت شبه ابتسامة على وجهه وهو يتذكر لياليه السابقة التى كانت توقيظه طلبا لأحد الأطعمة التى تشعر وكأن رائحتها فى أنفها ...
أخبرهم الطبيب منذ يومان ان حالتها شبه مستقرة وأنها ما ان تتجاوز الشهر الرابع حتى نستطيع أن نقول أن كل شى أصبح بخير ... ابتعد بنظره عنها وهو يوجه كل حواسه للاستماع لاحديث كاسر ... ولكنه لم يتحمل أبعاد نظره عنها أكثر .. وتوجه بنظره نحوها ...
غامت ملامحه بالسواد وهو يراها تبتعد عن كرسيها وتتحرك بخلاء مع رجلا ما ...وتحرك نحوها بخطوات سريعة ...
شهقت اروى بقوة وهى تشعر بيديه تقبض على رسغها ... وقربها منه بتملك واضح ... وأكد على ملكيته لها وهو يضع يديه حول خصرها ...وكأنه يخبر ذلك الغريب بتحذير... إياك ان تقترب انها ملكى ...
طبع قبلة حانية على جبهتها فاحمر وجهها خجلا و زميلها ينظر إليهما باستغراب ودهشة وقليل من الخجل وهو يلاحظ تلك الحميمية بينهما ... وكأن سيف فهم نظراته ...
وقال بنبرة رقيقة جعلت أروى يتسع فمها وتنظر إليه ببلاهة ...
" عرفينى ... عرفينى ...ألن تعرفينى به " كررها وهو يلاحظ نظراتها المستغربة ويحرك جسدها برفق حتى تنتبه له ... فتنحنحت بهدوء وقالت بنبرة هادئة
" تامر ... صديق وزميل قديم ايام الدراسة ... ثم تابعت وهى تنظر إلى زميلها لكن سيف منعها وهو يقربها أكثر إليه حتى يحتكر كل النظرات له هو فقط وقاطعها بنبرة لا تخلو من الحدة وقال
... سيف السيوفى زوجها ووالد طفلها "
تشدقت بابتسامة جانبية وهى تنظر له باستغراب
" أهلا ... أهلا سيد سيف وهل يخفى القمر سيادتك شهرتك وسمعتك سابقة لك " ومد بيديه لكن سيف
ضحك بقوة وقال بتكبر وغرور ونظرة ازدراء موجهة نحو ذلك التامر..وربما غيرة
" أهلا "
تراجع الآخر بيده وابتسم بخفوت وانسحب بعيدا عنهم ووجهه يكسوه الحرج ... وما كاد أن يبتعد حتى قرب سيف فمه نحو أذن اروى قائلا بغضب مكتوم
" هل تحاولين استفزازى زوجتى العزيزة ؟!"
فنظرت إليه بتساؤل... فتابع وعيناه ترسل شرارات من الغضب نحوها
" كيف تتحركين من مكانك هكذا ؟!... وفوق كل هذا تقفين مع رجل ... لقد تماديتى "
" ماذا؟! " هتفت بها بحدة وتابعت " تماديت بماذا؟!"
ونظرت له بشر وابعدت يديه عن خصرها بحركة سريعة عبرت بها عن غضبها ...وتحركت مبتعدة ... شعرت بنظراته التى اخترقت ظهرها ... وحركته نحوها ... فسارت بخطى سريعة بين المدعوين حتى وصلت حيث تقبع والدتها ... وجلست بجوارها لعلها تحتمى بها من غضبه المحتم...
أخذ سيف نفسا عميقا ثم زفره بقوة...وهو يمرر يديه على شعره بهدوء ... وعاد ناحية أصدقاءه ... وهو ينهر نفسه عن تسرعه فى الغضب هكذا منها ...
" ما رأيك .. ان نذهب للعب الاسكواش بعد الزفاف " سأل كاسر سيف الذى كان شاردا ورد عليه بخفوت
" نعم ... حسنا " وعيناه تتجه حيث تقبع أروى

 

راقب الأربعة رجال سقوط روز ... ولثواتى ظلوا ينظرون إلى جسدها المسجى على الأرض بهدوء ... حتى تحرك عادل اخيرا نحوها وأثنى ركبتيه وهو يصفعها على وجنتيها بهدوء يحاول افاقتها ...
" هل ماتت ؟!"
ساله محمود بوجه متجهم
فرد عليه عادل بهدوء وهو يحرك رأسه
" لا .. اغمى عليها فقط .. يبدو انها لم تحتمل الصدمة "
" يا ليتها تموت ونرتاح منها ومن أخيها " هتف بها مراد بحدة
تنهد سليم براحة ثم قال بنبرة حادة
" مراد ..نحن لا نريد مشاكل .. ثم وجه الكلام نحو عادل قائلا... أحملها وادخلها إلى المنزل بسرعة ..حتى تفيق "
" ماذا ؟!" هتف بها مراد مستنكرا
" لا .. لا لن تدخل منزلى "
" إذا ماذا سنفعل هل نحملها ونخرج بها هكذا حتى يراها الناس!؟ ... وحينها ما حاولنا اخفاءه لسنين سيكشف اليوم ... سندخلها للمنزل حتى تفيق وبعد ذلك سنخرجها مثلما ادخلنها " هتف بها سليم
فاوما الثلاثة رؤوسهم موافقين... وبالفعل حملها عادل وادخلها إلى المنزل ...
وضعها عادل على السرير فى الغرفة التى دخولها كأنهم لصوص حتى لا يشعر أحد بشئ ...
بعد محاولات عادل فى ايقاظها ...رفرفت روز برموشها اخيرا ...فظهرت الراحة جلية على وجه كلا منهم ... راقبوها باعين حذرة وثاقبة وهى تتململ فى مكانها وتضع يديها على رأسها تتاوه بخفوت من الألم والصداع الذى داهمها الآن فقط وهى تشعر براسها ثقيلة غير قادرة على تحريكها ...لدقيقة كانت هكذا ...حتى امتلأت الدموع فى عيناها وهى تتذكر آخر ما سمعته ... كذبت عقلها واذنيها... فتحت عيناها ورأت الأربعة رجال حولها ...
" ياسين " قالتها بنبرة ضعيفة متالمة
ثم تابعت بنبرة تقطر حزنا والما على ما مضى وهى تتذكر ما سمعته منهم وبصوت متحشرج
" أنتم كاذبون هو لم يمت ... ثم تابعت باعين غاضبة وهى تمسك بياقة قميص عادل ... هو لم يمت ...هذا بالتأكيد لعبة من العيبكم حتى ترحموه منى ومما سافعله به وبكم ... جميعكم كاذبون ... ابتعدت من السرير بسرعة وهى تقول بصوت هستيرى غاضب رغم شعورها بالدوار إلا أنها تحاملت ووقفت بثبات كأنها نار متتاججة ... مهما فعلتم او اخبرتمونى سآخذ ابنتى وأذهب هل فهمتم ...لن يمنعنى أحد "
و للمرة الثانية خارت قواها وسقطت جاثية على الأرض وهى تبكى وتراقب صمتهم المميت بالنسبة لها ... نظرت إلى سليم تستجديه ان يكذب ما سمعته ... لكن لم تجد فى عيناه غير الحزن والألم ... نظراته لا تعبر إلا عن ان ما سمعته صحيح ... أن ياسين مات ... مات ... قبل ان تصرخ به وتنتقم مما فعله بها ...
جثى مراد على ركبته واقترب منها قائلا بصوت حاد وحفيف وهو يمسك بذراعها بقبضة شديدة قوية المتها
" لماذا سنكذب عليكى ... روز اذهبى ... ارحلى وانسى ان لديك فتاة ... ياسين فعل كل هذا فقط من أجل نور .. ضحى بكل شئ من أجلها ... و لحمايتها ... وانتى ان اقتربتى منها ..ساقف انا لكى بالمرصد ... هل فهتمى "
عيناها غامتا بالدموع زمت فمها بقوة وهى تكتم شهقة قوية تهددها بالخروج ... وهى تشعر بنبرة التهديد فى صوته ... تترك ابنتها ... كيف
اجفل الأربعة رجال عندما استمعوا لصوت تكسر شيئا ما ... فادارو رؤوسهم نحو الباب ... واتسعت اعيناهم عندما شاهدوا نورا تقف عند الباب ... عيناها متستعا من الصدمة ... جسدها متصلب و أصابعها على فمها
وهى تقول ببحة من الصدمة وصوت متحشرج
" روز !"
وجهت روز نحو الصوت الذى نادى باسمها ...وردت عليها بصوت ضعيف يماثل صدمتها
" نورا! "
بلع مراد ريقه وهو يراقب تعابير وجه زوجته المصدومة من رؤية من كانت تعتقد انها ماتت ...
" انتى ...انتى ...ألم .. ألم تمو...ت ؟!" همست بها نورا بصوت ضعيف ودهشة لم تستطع اخفاءها
شخرت روز وظهرت شبه ابتسامة على وجهها تعبر عن ألمها وسخريت القدر منها وهى تنظر إلى الأربعة رجال باشمءزاز
" اخبروك إننى مت ... يا لهم من وحوش ... قتلونى بالحياة وأخذوا منى ابنتى ... ثم نفضت ذراعها وهى تبعد يد مراد عنها بقوة و وقفت بشموخ ... وكأنها نمرة لا يستطيع أعتى الرجال الوقوف أمامها ... عكست ضعفها بقوة ظهرت فى لحظة واحدة فقط ...
وهتفت بصوت عالى غاضب وهى تحرك باصبعها نحوهم جميعا وعيناها تلتمع شرا
"أقسم أن انتقم منكم... ساحرق قلوبكم أنتم الأربعة مثلما احرقتوا قلبى ... ساريكم غضب الأم بحق .. ساجعلكم تندمون على اليوم الذى فكرتم فيه بخداعى فقط ... صديقكم الخامس ورئيس عصابتكم رحمه الموت منى و مما كنت سافعله به ... صمتت لثوانى وهتفت وهى تكشر عن انيابها ... لكن أنتم لن يرحمكم أحد منى ... وقبل كل هذا ساخذ ابنتى منكم "
هتفت بكلماتها وصدرها يعلو وينخفض من أوج مشاعرها وغضبها ... وجهت نظرها حيث تقف نورا ...التى ركضت بأقصى سرعة لديها وزوجها يلحق بها ...
استطاع مراد جعل خطواته سريعة أكثر وأمسك برسغها وهو يدير جسدها نحوه ... لكنها نفضت يده عنها
فقال برجاء " أرجوك اسمعيني... اعطينى فرصة لكى أشرح لك"
نظرت له بقوة وقالت بصوت عميق و هو يراقب اهتزازة مقلتيها من الغضب ...
" لا تخف سنتحدث ... لا تقلق ...عاجلا او آجلا سنتحدث ... وتابعت من بين أسنانها ... بعد زفاف ابنى ... ابنى الوحيد .. بعد زفافه الذى لن أسمح لأحد بتخريبه او أن يكسر سعادته ... هل فهمت ... لن أسمح لأحد " نطقت بكلماتها وابتعدت عنه وهى ترسم ابتسامة على وجهها .. فهى لن تسمح بأخطاء زوجها الذى تكتشفها شيئا فشيئا ان يكسر فرحة ابنها ... الذى اخيرا قد وجد حبه ...
استدار مراد بجسده نحو الغرفة ... دلف إلى الغرفة رفع حاجبيه وقال بحدة وصوت عالى وهو يمسك بيد روز
" هل تريدين أن ترى ابنتك ؟!... حسنا تعالى وساوريكى إياها " قال كلماته ثم جذبها خلفه ... حتى توقفا أمام أحد نوافذ المنزل الكبيرة المطلة على الحديقة الكبيرة حيث الزفاف
" انظرى... انظرى جيدا " هتف بها بشراسة
وجهت روز نظرها إلى ما يشير إليه مراد ... أول ما استقرتا عليه عيناها ... كانت فتاة بثوب ابيض رقيق ... فوجهت نظرها إليه مرة أخرى باستغراب
فتابع من بين أسنانه
" هل تعلمين من هى العروس؟! ... هل تعلمين زفاف من هذا؟! "
بلعت ريقها ... وهى تحاول تجميع الكلمات حتى تستطيع النطق لكن عقلها خانها وتوقف عن التفكير ... راقب صمتها ببرود
حتى همس نحو اذنيها بخشونة
"زفاف ابنى الوحيد حازم .. أظن انك شهدتى مولده .. لكن هل تعلمين من هى العروس ... اسمها ... نور ... نور ياسين المنشاوي "
اهتزتا حدقتا روز وفمها مفتوح عاجز عن النطق ... أرادت الصراخ ونعته بالكذب لكنها لم تستطع وهو يدير بجسدها أكثر حتى تستطيع النظر إلى تلك الفتاة. ..
وأخيرا همست بضعف وصوت مختنق
" كاذب "
قالتها ونظرت إلى الفتاة ... دقات قلبها تسارعت وهى تلمح وجه تلك الفتاة ذات الوجه البرئ ... عضت فمها من الداخل حتى لا تبكى وتصرخ من القهر وهى تجد أمامها نسخة مصغرة منها ...
لكنها رغم هذا همست مرة أخرى بصوت أكثر قوة
" كاذب ...كاذب ...كاذب يا مراد "
أدار جسدها نحوه ويده تقبض على ذراعيها بقوة جعلتها تتلوى من الألم ...
" من اليوم يا روز نور هى ابنتى وزوجة ابنى. .. لن أسمح لكى ان تدميرى سعادتها او حياتها بسبب حضورك هذا ... انسى أمر نور ... نور عانت أثناء موت ياسين ... ولن أسمح لأى شخص فى هذا العالم ان يؤلمها ... هل فهمتى" نطق كلمته الأخيرة بتحذير ... جعلتها ترتجف ... ترتجف من القهر ...وحتى وابنتها أمامها الآن هى لا تستطيع احتضانها او لمسها حتى ...
" أن كنتى تحبينها حقا ابتعدى عنها يا روز ... ابتعدى واثبتى لى حقا انك ام كل ما يهمها هو مصلحت ابنتها ... ابتعدى يا روز اجعليها تعيش بسلام ... بعيدا عن حياتك " هتف بها بصوت عميق متزن ...
تترك طفلتها ... وهى من كانت تتألم لأكثر من خمس وعشرين عاما لمجرد انها لم تستطع احتضانها ورؤيتها أمامها وتقبيلها و تفريغ بها امومتها التى احتفظت بها من أجلها هى فقط ... رمز حبها وعشقها لياسين... ابنتها ..ستظل بعيدة عنها ... ستظل دائما سراب حلم لن تستطيع لمسه. .. ابنتها ... ابنتها ... نور ... نور ... التى لم تعرف اسمها إلا منذ مدة ... ابنتها التى كبرت بعيدا عن عيناها ... نور ... آه يا نور ... ام آه يا روز لقد كتب عليكى فراق من احببتيها... كتب عليك الوحدة والتعاسة طيلة عمرك ... منبوذة حتى من قبل الأشخاص الذين اعتقدتى أنهم أخوة لكى ... خانوكى ... لكن الآن هل ستركضين إليها وتحضنيها وتخبرينها انك والدتها ... ام ستقفين هكذا تشاهدينها من بعيد ...
" روز ... لا تكونى أنانية أرجوك ... ابنتك مرت بظروف صعبة الفترة الأخيرة وأخذت وقتا طويلا حتى تستطيع التعافى من موت ياسين " قالها مراد بصوت خشن وهو يراقب دموع روز التى سقطت على وجنتيها
" أنانية! .. ياليتنى كنت أنانية ... ما كان سيحدث لى كل هذا ...همست بها بحزن وألم تابعت وهى تمسح دموعها بهدوء ... سأذهب ... لكنى ساعود ... سأعود لن أبقى طيلة عمرى الام المتوفى بالنسبة لابنتى "
قالتها وتحركت بخطوات متعبة مترنحة وهى تحاول غرز كعب حذاءها العالى فى الأرض حتى لا تسقط ... وتبعها سليم حتى يستطيع إخراجها مثلما أدخلها ... ما ان ابتعدت روز حتى تنفس مراد الصعداء ...

لم يتحركا من على كرسيهما منذ ان اتيا إلا فقط ... وهما يستقبلان تهنئة المدعون والمهنءين بابتسامة فاترة ... منذ ان وصلا وحازم يراقب كل ردة فعل تصدرها نور بهدوء تام ... عيناها على الأرض ترسم شبه ابتسامة على ثغرها ما ان يقترب منهما أحد تختفى باختفاء الشخص الذى كان يهناها ...تشدق بابتسامة وهو يفكر بأن زوجته ممثلة بارعة ... زوجته ... نور زوجته ... رنت تلك الكلمة فى عقله وهو يتمنى الصراخ بها حتى يستطيع الاستمتاع بتذوق تلك الكلمة ... لكن حقا هل ستكون زوجته فى تلك الليلة ام انها سيحتاج للوقت حتى يستطيع فقط الاقتراب ... او ربما سيفشل فى الوصول إليها ...
" حسنا ... لقد انتهى الأمر يكفى جلوسا هكذا ... سيأخذ عروسه وسيذهب. .. ضحك فى داخله ... وهو يهتف فى نفسه ... هل أنت مستعجل حقا لما سيحدث بعد ذلك فى هذا اليوم ... ام انك تحاول الهروب حتى تخبر المدعوين ان عروستك لم تغصب على الزواج بك ... وأنت تلاحظ نظراتهم نحوك المتساءلة والهمسات التى تصدر من بعض النسوة عن أسباب هذا الزواج السريع ... وبعضهن ذهبت خيالتهن إلى ان زوجته خلاصة حق ... والبعض قال تزوجها ... لأن والدها هو صديق والده ... لذلك فالصديق أراد أن يزوج ابنة صديقه من ابنه الوحيد ... والبعض علل زواجه منها انها مجرد صفقة حتى يستطيع الوصول إلى أموالها فهى ابنة أبيها الوحيدة وقد ترك لها الكثير ... ثرثرن بالكثير والكثير ... لكن ولا واحدة منهن قد توصلت إلى انه تزوجها لحمايتها وفوق كل هذا لانه يحبها ...أخذ حازم نفسا عميقا ثم زفره بقوة ... وتحرك مبتعدا عن كرسيه وهو يغلق أزرار بذلته الامامية ...
نظر إلى أحد العازفين القربين منه ... بإشارة فهمها الرجل فقط الذى اؤما برأسه وبدأ فى تنفيذ ما أمر به ... فعندما أتى أخبر حازم الرجل .. بأنه ما ان ينظر إليه حتى يقوم بإيقاف الموسيقى ويبدأ بتشغيل تلك التى تعبر عن انتهاء الحفل وانصراف العروسان...
قرب يده منها وأمسك بيدها التى شعر ببرودتها وتشنجها المفاجئ ما ان امسك بها
" هيا يجب ان نذهب " قالها حازم بهدوء وهو يحاول بث الطمأنينة إلى نفسها ... ألمه قلبه عندما وجدها ترفع وجهها إليه تنظر إليه بخوف ...
لكنه حثها مرة أخرى على التحرك ...حتى استجابت اخيرا ووقفت بقدم وجسد يرتجف خوفا ...
وقف المدعون ما ان وجدوا العروسان مستعدان للرحيل ... حتى استطعا الخروج والابتعاد عن انظارهما ... اصعدها للسيارة وأغلق بابها ووقف ما ان رأى والدته تقترب منه ...
" مازال الوقت مبكرا " قالتها نورا وهى تحتضن حازم بقوة ... وتقبله على وجنته... فابتسم هو بخفوت وطبع قبلة على جبهتها وقال بهدوء
"تعلمين إننى لا أحب هذه الأجواء "
قاطعته والدته وربتت على كتفه بحنان وقالت بسعادة
" أتمنى لك يا نور عين نورا حياة سعيدة دائما... خالية من الآلام...
همست بجملتها الأخيرة التى لم يستمع إليها حازم وهو يفتح باب السيارة وجلس بجوار عروسه بهدوء ...وودعته وهى تراقب ابتعاد السيارة إلى حيث الفندق الذى سيقضى به حازم ليلته مع عروسه ...
وكالعادة ما ان يرحل العروسان حتى يبدأ المدعون بالرحيل متمنين للعروسان الحياة السعيدة والذرية الصالحة ..

 

بحثت بثينة بعيناها عن والدها لكنها لم تجده ...فقررت الخروج والبحث عنه بالخارج فربما كان فى السيارة مع تلك المرأة ...وما كادت تخرج من منزل مراد السيوفى حتى وجدت ماهر أمامها ... يعرض عليها ايصالها فوالدها بالداخل ولن يذهب الآن وربما يتأخر ... وهو بنفسه طلب منه ان يوصلها ... أرادت الاعتراض ولكنها لم تستطع أمام إصرار ماهر ...فتحركا نحو السيارة وما كاد يفتح ماهر لها الباب حتى تسمرت فى مكانها ...
" بثينة "
بلعت ريقها وهى تستمع لذلك الصوت الذى تحفظه عن ظهر قلب ...
التفتت بجسدها وهى تحمل طفلتها بين يديها ما ان استمعت لصوته بأعين متسعة ذاهلة تحاول تكذيب اذنيها وقلبها تزداد ضرباته حتى كاد أن يصمها و يديها تضغط بشدة على جسد طفلتها التى شعرت بتململها الواضح ما ان رأت والدها أمامها ... وهو وقف وكأنه صنم ووجه يكسوه الغضب ... ذقنه الغير حليقة وهياته المتشردة والتى تظهره وكأنه طفل ابتعدت عنه والدته التى كانت تهتم به ...
... اشتاق إليهما ... اشتاق إلى أخذ حبيبته وطفلته بين يديه واشباعهما بحبه ... اشتاق ... واشتاق... وهل تصف تلك الكلمة ما به من لوعة...
"با.."
نظرت بثينة لابنتها ذاهلة متفاجاة هل تبكى فرحا ام حزنا ... هل تبكى لسعادتها فابنتها ها هى للمرة الثانية تحاول أن تنطق اسم والدها ... تعبر له عن اشتياقها وحاجتها لحضنه فى هذا الوقت ...
وقف ولا يفصل بينهما غير القليل من السنتيمترات ولكنه شعر كأنها أميال بينهما ... حدقت به وهى تحاول بلع ريقها ... رؤيتها له اليوم كانت مفاجأة بالنسبة لها... كيف أتى وعلم بحضورها ...
حمد الله فى نفسه لمجيءه فى الوقت المناسب ... لولا الصدفة التى استمع فيها بحديث أحد موظفيه يتحدث عن زواج المحامى حازم السيوفى اليوم ... لما كان سيستطيع الوصول إليها بعد ان اخذها والدها بعيدا عنه ... اقترب منهما ببط حتى وقف أمامهما مباشرة مد يده واخذ منها ميا منها ...التى تهللت اساريرها ما ان حملها والدها وظلت تردد وتنطق ببعض الاشياء التى لم يفهمها ...
تنحنحت بثينة فى مكانها ونظرت حيث يقف ماهر الذى وقف فى مكانه بجسد متصلب ويراقبهما بملامح غامضة ...
" هيا "
التفتت براسها نحو حسام ... وهى تلاحظ نظراته ولهجته التى تعبر عن غضبه المكتوم
وقفت فى مكانها ولم تتحرك رغم انه تحرك بعض الخطوات نحو سيارته ولكنها لم تتحرك ... هل ترفض وحينها سيعلم ماهر انها هى وزوجها على خلاف ومنها من الممكن أن تحدث مشاجرة بين ماهر وحسام ... وستكون هى الخاسرة ... فهى تعلم جيدا وتشعر بغيرة حسام نحو ماهر الغريبة ولا تفهم سببها رغم أنها منذ ان كانت صغيرة وهى تعتبر ماهر أخا لها ...
ام تذهب معه بهدوء ... لكنها غير مستعدة حتى الان باى مواجهة بينهما ... هى اشتاقت إليه ...ولكنها كلما تتذكر تلك الصور يتألم قلبها وتشعر بالخيانة والغدر من الشخص الذى تحملت منه كل شى ... لكن خيانته كانت بالنسبة لها كالقشة التى قسمت ظهرها ...
وبخطوات هادئة اقتربت منه ... فتح لها باب السيارة جلست وأعطاها ميا ... ثم دار للجهة الاخرى و فتح باب السيارة ... وقبل أن يصعد داخلها ... نظر إلى ماهر نظرة سوداء حادة عبر بها عن غضبه وكرهه ... صعد للسيارة وأغلق بابها بقوة وانطلق بسيارته بأقصى سرعة لديه ...
لم تطأ قدميها هذا المنزل منذ ما يقرب الاسبوعان... ارتعاشة خفيفة سارت فى جسدها ... ورهبة ألمت قلبها ما ان وصلت رائحة هذا المنزل الممتزجة برائحته هو فقط لانفها ... رغم بقائها فى منزل والدها و هناك وجدت كل سبل الرائحة لها ولميا... إلا أنها لم تجد الطمأنينة والراحة إلا فى هذا المنزل ... الذى عاشت فيه أجمل ايام حياتها رغم ما بها من ايام وجدت فيه نفسها تبتعد او بالأحرى يبتعد هو عنها شيئا فشيئا... هل حان وقت المواجهة بينها وبينه اخيرا ؟!... هل ستنهى كل شئ بينكما يا بثينة ... هل ستتخلى عن كل شئ؟!... وماذا عن أحلامك التى حلمتى بها ما ان وطات قدمك لهذا المنزل أول مرة وانتى عروس بفستانك الأبيض ؟!... ألم تحلمى بحياة سعيدة وزوج محب وطفل يملأ هذا المنزل بضحكاته!... ألم تحلمى بعاءلة !... نعم تمنيتى ان يكون لك عائلة... اردتى وطنا ... ولكن هل هو وطنك ... هو هو من تستطيعين أن تحتمى به ... هل هو حقا يستحق أن يكون أبا لاطفالك؟!... نعم ... نعم يستحق ... صرخت بها بثينة فى نفسها ... انه افضل اب لابنتك الان ..نعم ... رغم انه لم يكن يلتفت او يهتم بها عندما ولدت ... ولكنه منذ ان بدأ يقترب منها وهو أصبح ملاصقا لها ... رغم أنها لم تكن تفهم سبب ابتعاده عن الصغيرة فى البداية إلا أنه عوضها عن بعده عنها بطريقة مختلفة ... عندما كان يتصل بها كل يوم كانت معظم المكالمة يستمع بها فقط إلى صوت صغيرته... حتى الان يحملها بين يديه بحرص شديد وهو يقبل كل انشا بها عيناها جبهتها وجنتيها وشفتاها... وهى تضحك ببراءة من قبلاته التى تدغدغها ... توقف ونظر إلى طفلته بسعادة واعين دامعة... المت قلبها وهى ترى صغيرتها تنظر إلى والدها بحب وسعادة تماثل سعادته وكأنها افتقدته وافتقدت صوته ... دمعت عيناها وهى ترى هذا المشهد هل أخطأت فى الابتعاد وحرمان صغيرتها من دف واحضان والدها التى لطالما حلمت هى بها ...
" فلنتحدث"
اجفلت عندما استمعت إلى صوته الاجش ...
"نعم فلنتحدث " همست بها باختناق
للحظات ظل ينظر اليها بطريقة مبهمة وكأنه يبحث عن الكلمات ... شعرت به وهو يأخذ نفسا عميقا ثم زفره بقوة محاولا تهدئة نفسه ... او ربما يحاول استعادة رباطة جاشه ...
"لماذا هكذا فجأة ؟! ...هل اذيتك؟ " سألها بنبرة اربكتها
أغمضت عيناها بقوة محاولة منها للتفكير حتى لو لثوانى حتى تستطيع الكلام ...هل تخبره بمعرفتها لخيانته لها ... هل تصرخ فى وجهه من ألمها ... تخبره أنها لم تعد تستطيع التحمل والثبات أكثر ... ام تصمت وهى ترى انتقامها منه ظاهرا على وجهه ...هياته ...وحرمانه من ميا لعدة ايام ... هل يكفيها معرفتها انه كان يبحث عنها كالمجنون فى كل مكان ... هل تكتفى بهذا كتحذير له ... ام تتكلم وحينها ستكون النهاية ... هل تعطيه فرصة أخرى وتصمت... تصمت فقط من أجل ميا التى أصبحت اخيرا تنعم باحضان والدها الدافئة ... ام تطلب الابتعاد وحينها ابنتها ستتربى مثلما هى تربت .. بعيدة عن دف و احضان والدها ...وحينها سيكون فراقهما مؤبدا ...هل تعطيه فرصة أخرى ... ظللت ترددها فى رأسها. ..
وفى لحظة انتصر القلب على العقل ... واقتربت منه وهى تلاحظ نظراته المشتاقة إليها ... عيناه تكاد تطبق على جسدها بين جفنيه... ونطقت اخيرا بنبرة ناعمة مهتزة
" كنت بحاجة فقط إلى الابتعاد "
تنهد بضعف وهو يحدق بها بسخط ... أخذت منه ميا وعلى وجهها ابتسامة غامضة ... ووضعتها على الأرض ...والتفت بذراعيها حول رقبته وهى تقول بحميمية
وتلمس أنفها بانفه وهو وقف كالصنم مكانه وهى تقربه بذراعيها نحوه أكثر
وقالت باغراء ونبرة غامضة
" فلنبدأ من جديد "
ظهرت شبه ابتسامة على وجهها وهى تشعر بتردده فى وضع يديه حول خصرها ...
" بثينة ... انا يجب ان ..."
لكنها منعته وهى تضع اصبعها على شفتيه تمنعه من المتابعة ...
وتابعت وهى تطبع قبلة على وجنته قائلة بنعومة
" سامحنى... سامح طيشى ... فلنبدأ من جديد "
نبرتها وقربها أسقط كل دفاعته... حطم كل غضبه الذى كان كالمرجل المشتعل ... ثورته التى كان سيطلقها فى وجهها ... كل هذا اخمدته...
احتضنها وعانقها بقوة المتها...
لكنها ستسامح من أجل طفلتها ... او ربما من أجل نفسها

 

الجزء الثاني

ضربة ثم اثنان ثم تلتها الثالثة ..والعديد من الضربات على ذلك الحائط المتين الذى لولا متانته لتصدعت جدرانه من قوة الضربة ... يضرب الكرة الصغيرة بالحاءط فى صالة الاسكواش المغلقة بكل قوة لديه ... يحاول أن يفرغ كل طاقته السلبية بها ... وقف للحظات محاولا أخذ أنفاسه ... وهو يراقب كاسر الذى لم يتعب بعد ما زال يضرب بمضربه الكرة التى كانت تعود إليه بقوة مماثلة لقوة ضربته ...
" فلناخذ استراحة " اقترح سيف ... و جلس على أحد المقاعد الموجودة خارج الصالة الزجاجية ... تبعه كاسر الذى التقط إحدى زجاجات المياه المعدنية ... وجلس على الطرف الآخر من المقعد ...
" لا يوجد أفضل من هذا المكان لتفرغ به كل طاقتك السلبية وتريح نفسك من الأفكار "
قالها سيف وهو يتنهد براحة
أطلق كاسر ضحكة مجلجلة على تعليق سيف وقال بتهكم من بين ضحكاته
" أنا أفكر بزوجتى او بالأحرى زوجتى السابقة التى تركتني ... لكن أنت بماذا تفكر؟! .. وما الذى يشغلك حتى يجعلك تترك زوجتك مع والدتها وتأتى معى ؟!"
هز سيف برأسه بسخرية وهو يتشدق بابتسامة كاذبة يتساءل بنبرة غريبة جعلت كاسر يعقد ما بين حاجبيه
" نعم ما الذى أتى بى؟! ... هل تعلم !... انت فعلا على حق ما الذى جعلنى أترك زوجتى .. وأتى معك لكى أبكى على الأطلال مثلك ... ثم نظر إليه يسأله ... هل توصلت إلى اى شئ عنها!؟ .. هل عرفت أين هى؟! "
" لا " هز كاسر رأسه وتابع ساخرا محاولا إبعاد محور الحديث عن زوجته السابقة ...
" يبدو ان جدك ... ربما قد ذهب إلى أخيه عزت "
"هل تعتقد هذا؟! " ساله سيف بتمعن وتفكير
" لا أعلم! " رد عليه كاسر بضيق
نظر إليه سيف بحزن فهو يعلم أن كاسر ما زال يتألم لفقدانه قمر والانفصال عنها ... يعلم جيدا أكثر من غيره ان كاسر ما زال يحب قمر ... تزوجها رغم رفض الكثير له ... لعدة أسباب وكانت ان قمر أصغر بكثير من كاسر والأخرى لانه عرف عنه عدم جديته وأنه كان دائما شخص مستهتر كثير المشاكل لن يعتمد عليه فى إنشاء منزل او عائلة يوما ... ولكنه رغم كل هذا تزوجها رغم أنف الجميع وهى كانت متمسكة به أكثر منه .. لكن سبب تركها له بقى غامضا حتى الآن ...
... غامت ملامح سيف وهو يرى عينا صديقه التائهة... كاسر كان صديقا له منذ ان كان صغيرا رغم فارق العمر الذى بينهما ... إلا انه كان دائما يقف بجواره ولم يشعر يوما بأنه شخص منبوذ من قبله بل عامله كاخ أصغر له مثلما يعامل أخاه الأصغر حمزة ...
تابع كلامه وهو يتحرك مبتعدا عن مقعده ... ألقى الزجاجة التى كان يحملها هو الآخر بإهمال وتحرك مبتعدا عنه ...
وهو يقول بصوت عميق
" انسى أمر قمر يا كاسر ... ستنتظر طويلا وهى لن تعود "
القليل من المشاعر ظهرت على وجه كاسر ... ما ان ذكر سيف قمر وتركه وحيدا بمشاعره المتخبطة هل يستطيع نسيانها ... المرأة الوحيدة التى أحبها حقا ... المرأة الوحيدة التى شعر بأنها ملكه ... معها فقط شعر وكأنه طفل صغير وهى والدته الحنونة ووطنه الذى كان دائما يركض إليه ليحتمى به من اى شئ وكل شئ قد يزعجه ...
تركته هكذا بدون سبب ... بدون ان تتكلم ... او تبرر او حتى تخبره بماذا أخطأ معها لكى تذهب ؟!...
أرجع رأسه على الحائط وهو مغمض العينان يتذكر آخر شئ تكلمت فيه معه ...
بعدما جلس مع جدها عزت ... ووافق أخيرا على أن يقابلها لمرة واحدة قبل أن يتم الطلاق ...
تشدق بسخرية وهو يتذكر حديثه معها الذى تم من وراء الباب ... حدثته من وراء باب الغرفة التى كانت تجلس بها ... رفضت ان تواجهه وجها لوجه .. رفضت ان تتقابل اعينهما ولو للمرة الأخيرة ...
فقط كلمة واحدة نطقتها ولم تقل غيرها
" طلقنى "
هاج وأصبح كالثور وكاد ان يكسر الباب التى تحتمى به منه وهو يضرب بقبضة يده على خشب الباب الذى تأكد من ضرباته القوية له انه تم أحكام غلقه من الداخل جيدا ... غضب وصرخ بالرفض ولكنها ترجته بطريقة ألمت قلبه وهو يستمع لشهقاتها المتلاحقة ... يعلم انه أخطأ بفعلته معها عندما أخذ حقوقه الزوجية منها بطريقة هو نفسه كره نفسه بسببها ... لكن ماذا يفعل هى من اضطرته لهذا؟! ... وهى كان يجب عليها ان تتحمله ... لا أن تتركه مع أول خطأ حدث بينهما ... لماذا لا تسامحه لهذا الخطأ؟! ... وهو ألم يسامحها رغم أنها قامت بقتل ابنه الذى أنتظره طويلا كسرت قلبه ... غضبه أحرق كل شى حوله هدم حصون هدوءه... وحطمها معه ...
كلماتها التى كسرت ظهره و كانت كالسكين التى غرست فى قلبه ...
وهى تقول بكل أنانية وبرود
" أنا لم أحبك يوما يا كاسر ... زواجى منك كان فقط مجرد طوق نجاة حتى يخرجنى من هذا المنزل ... حتى أستطيع أن اكون حرة بعيدة عن سيطرة وتحكمات والدى ... وعالم والدتى الضعيف ... أردت أن أكون قوية معك ولكنك اضعفتنى والمتنى... اخبرتنى بطريقتك ان أحلامي الوردية التى تمنيتها لن أصل إليها ابدا وأنها مجرد وهم وأحلام سخيفة ... هراء ...كل شئ هراء ... كل ما تمنيته هراء ... كل ما حلمت به معك هراء ... حتى وعدك لى كسرته ... عشت معك ... وكل يوم تثبت لى انك نسخة مصغرة منه ... انك مثله وأنا لن أستطيع العيش مع شخص مثل والدى ... لأننى لن أكون والدتى ... لن أكون ضعيفة ... هل فهمت انا لن أكون ضعيفة ... لذا طلقنى ... وابتعد عنى.. طلقنى "
شعر بسقوطها منهارة على ارضية الغرفة ... تمنى كسر هذا الباب وضمها إلى صدره حتى يخبرها ... انه أحمق ... أخطأ وهى يجب ان تسامحه ...
فهمس بصوت مختنق وهو يرجوها
" سامحينى "
نطقت بصوت محطم ضعيف من بين شهقاتها
"لا أستطيع ... طلقنى "
"انتى طالق "
كبرياءه اللعين منعه من التذلل لها أكثر حتى تسامحه ... حقق طلبها بقلب يبكى ألما ... وهو يستمع لشهقاتها التى حاولت كتمها...
وقالت بقوة هو حتى لا يعلم كيف وصلت إليها
" بالثلاثة "
" لا أستطيع ... لا أستطيع ... اتركى لى حبل واحد يمكنى من الوصول إليك مرة أخرى "
قال كلمته وتركها ... فى نفس اليوم وقع أوراق الطلاق بعد ان أصر ان يعطيها كل حقوقها التى هى نفسها رفضتها ... ومن يومها وهو لم يعلم عنها شى ...
دمعة واحدة خائنة نزلت من عيناه مسحها بقوة ... فهو لن يستسلم ... وسيظل يبحث عنها ... سيبحث حتى لو اضطر ان يجوب هذا العالم ... سيبحث حتى يجدها وحينها لن يتركها ابدا ولن يمنعها أحدا منه ... مهما كانت الطريقة والثمن ...
أمسك بقبضة مشددة بمضربه وتحرك يكمل ما بدأه ... فهو لا يريد العودة إلى منزله البارد الآن الذى لا يذكره إلا بها ... بعد ان ضغط على زر التشغيل بالمسجل الصغير يستمع إلى أغنيته المفضلة التى لا تعبر إلا عن شوقه لها ... سمراءه التى تركته متخبط بمشاعره لها ...
اه يا اسمرانى اللون حبيبى يا الاسمرانى ...
يا عيونى نسيانى عيون ..حبيبى الاسمرانى
آه..تحت الرمش عتاب وحنين..وعذاب وعيون ما تنام
آه.. دوقت معاك طعم الأيام .. والوقت تغيب ياسلام
جونى سألوني ... جاوبتهم عنى دموع عينى
علشانك امشيها بلاد ... حبيبى يا اسمرانى
من غير ولا مياه ولا زاد ...يا حبيبى يا اسمرانى
آه... يا اسمرانى اللون ... حبيبى الاسمرانى
آه... ياللى عيونك شمعة
وضحكة وبحر ونسمة صيف
آه... أنت رسيت وأنا وسط الشوق
حيران من غير مجاديف
جونى ... و سالونى ...جاوبتهم عنى دموع عينى
يا طير يا مسافر لبعيد
روح قول للاسمرانى
ليه سافر ونسى المواعيد
يا حبيبى يا اسمرانى
آه.. يا اسمرانى اللون ... حبيبى يا الاسمرانى

 

اقترب منها بخطوات مدروسة وهو يراقب جسدها المتصلب و يديها التى تشتد قبضتها ...ركضت حيث غرفتهما مع خروج آخر شخص من المدعوين ... يعلم انها فى أوج غضبها وأن ما رأته اليوم لن يمر بسهولة ... ولكنه يجب عليه ان يمر ... دنا منها حتى وقف خلفها مباشرة وهو يشعر بتنفسها المضطرب ... قرب يده وما ان لامست أصابعه ذراعيها حتى ابتعدت عنه كالمصعوقة ونظرت إليه نظرة احرقت قلبه ... نظرة خوف ...
" نورا...!" همس بها برجاء
لكنها ابتعدت عنه أكثر وهى تنظر إليه بحذر وخوف ...
قال بصوت هادئ يحاول إبعاد تلك النظرة عن عيناها
" نورا ... ما حدث اننى فقط ..."
" ما حدث إننى أصبحت أخاف منك !... ما حدث إننى لم أعد أعرفك! ... من تكون ؟!... لماذا كل فترة اعرف عنك شيئا مختلفا عن سابقه؟! ... هتفت بها نورا وهى تتراجع للخلف مع كل جملة تقولها وعيناها تهتزان رعبا ...
اقترب منها محاولا تهدءتها حتى يستطيع الحديث معها ولكنها صرخت بقوة وهى تبكى بحرقة
" لماذاااا ؟!... لماذا تفعل أشياء تجعلنى اخافك! ... لماذا تثبت لى إننى دائما على صواب فيما أشعر به واحساسى بعدم الأمان نحوك !؟... أصبحت اخافك! ... قالتها وهى تضع يديها على ذراعيها وهى تنظر إليه بحيرة تحاول البحث فى وجهه عن اى شى .. اى شى يجعلها تشعر بالأمان .. لكنها لم تجد غير نظراته الصلبة التى يحاول جعلها لطيفة ولينة معها ... ولكنه مهما فعل سيظل ... مراد السيوفى ... الرجل الذى رغم عشقها له إلا أنها تخافه ... سلطته وهالته... عدم وجود أحد يستطيع الوقوف أمامه يجعلها ضعيفة خائفة... اتخذت قرارها منذ بداية فترة زواجهما أمر الانفصال عنه ولكنها لم تستطع ... كبلها ... وارغمها على البقاء معه ... تحملت .. تحملت فقط من أجل حازم ... وشعرت ببعض الراحة ما ان أقسم لها أنه سيبدأ من جديد معها ... لكن المحامى النذل ما زال يسكنه ... سيظل كما هو لن يتغير ... الكذب والخداع والمؤامرات ما زالت فى دماءه... لن تختفى إلا باختفاءه ...
بلع ريقه .. وأخذ نفسا عميقا وقال بثبات ولم يطرف له جفن ...
" ما الذى فعلته؟! ... أمر روز وياسين لا شأن لكى بهما ... وكل ما حدث من أمر وفاة روز وأخذ نور من والدتها كلها كان بتعلمات من ياسين ... نحن لم نقل له ... حتى لو ... هتف بها بصوتا عالى ... حتى لو نحن الذين اقترحنا عليه هذا ... لماذا انتى منزعجة ... لا شأن لكى بما يحدث ... هل فهمتى "
عيناها اهتزتا مقلتيها وهى تنظر إليه مشدوهة ...
وقالت بصوت متحشرج عالى ومتقطع بسبب رجفة جسدها التى لم تستطع التحكم بها
" نعم ... لا شأن لى .. أخذ طفلة وحرمانها من والدتها ليست جريمة لكى أتحدث ... انها مجرد خطة من خطط زوجى أمير الدهاء ... قالتها بسخرية جعلته ينظر اليها بوحشية ... تابعت ... تابعت بقوة أكثر وكأنها كانت تنتظر كل هذا ان يحدث ...
" مراد يجب ان ننفصل "
" بمعنى " سألها وعيناه تلتمع غضبا
ردت بثبات وقوة
" بمعنى طلقنى ... انا لم أتحمل كل ما مضى إلا من أجل حازم فقط .. وأبنى كبر وتزوج إذا لا داعى من استمرارنا هكذا ...
فى ثانية كان يقبض على ذراعيها بقوة وهو يصتك على اسنانه ...وينظر إليها لتصمت ولكنها لم تفعل ولن تفعل ...
" بينى وبينك شرخ كبير ... منذ اليوم الذى استمعت فيه إلى والدتك وتزوجت ... تزوجت من دون علمى ... و أتيت إلى المكان الذى اعتقدت انه جنتى ومملكتى انا فقط ... مع زوجتك ... بعد ان كنت ترى معاملة والدتك لى وتصمت ... بعد ان كنت أرى احتقار الجميع ... لأننى غير مناسبة للمحامى الكبير مراد السيوفى ... بعد ان كنت أرى صديقتى الوحيدة تسقط أوراقها وتذبل بسبب ترك سليم لها لمجرد انها أرادت أن تكون ام ...بدلا من ان يكون بجوارها ويساندها تركها .. تركها وهى ماتت حتى لم يلتفت إلى طفله ... وعندما أرى تعاونكم أنتم الأربعة عندما تضعون فقط أحد ما براسكم... تسحقوه بأقدامكم وكأنه ليس بشرا ... وعندما أدخلت الرجل الذى فكر فى الزواج بى فقط الى السجن لتتزوجنى ... والآن عندما وجدت وعرفت كم أنا اكرهكم أنتم الأربعة "
تركها وهو ينظر اليها بذهول
" كل هذا فى قلبك يا نورا "
" نعم " صرخت ثم تابعت وعيناها حمراء من البكاء ومن أوج غضبها
"تعلم إننى لم أكن أحبك ... من أجل ابنى فقط تحملت ورضيت من أجل حازم فقط قبلت بكل شئ "
" كاذبة ... كاذبة يا نورا انتى لم تحبى رجلا مثلما احببتى مراد ... انه والد ابنك الوحيد هل يوجد أفضل من هذا ... لكنه كاذب ... دهاءه وذكاءه أصبح يخيفنى... ما زال ماضيه وما فعله سابقا يطاردها يمنعها السلام ... فيتسرب الخوف والرعب إليها ... تخافه .. تهابه... رغم أنها تحبه .. إلا أنها تخافه ..." حدثت نورا نفسها بذلك وهى تغلق عيناها بقوة ودموعها تسقط على وجنتيها تحرقهما...
" لن اطلقك" همس باختناق
ثم تابع بتبرير يحاول أن يفهمها كل ما فعله ...
" لماذا تظلين تتحدثين عن الماضى زواجى السابق تعلمين سببه .. أما بما حدث بين فيروز وسليم انا لا شأن لى به ... وما فعله ياسين وأخذه لابنته فأنا لست مضطرا لكى أخبرك عن السبب ...قالها بثبات ... ثم تابع ببرود ... أما طلاق فلن أطلق يا نورا ... لا شئ سيفصلنى عنك غير الموت "
هتف بها وخرج ... وهى تركت العنان أكثر لدموعها ...

 

وقفت بجسد واهن فى وسط الجناح ما ان دلفا إليه وراسها منخفض تستمع برعب إلى صوت تنفسه من شدة الصمت والسكون بينهما ... نظر حازم إليها للحظات ... ثم همس بخفوت
" يمكنك ان تجلسى علينا أن نتحدث "
ثبتت فى مكانها للحظات لكنها سرعان ما جلست على الأريكة التى كانت خلفها مباشرة ... وكان سماحه لها بالجلوس أتى مناسبا فهى لا تكاد تشعر بقدميها وتقسم بانها ربما تسقط على الأرض فى اى وقت ... جلست وهى تفرك يديها بتوتر واضح وضيق جلى على وجهها العابس و الخائف فى آن واحد تحارب رغبة قوية لديها فى إغماض عيناها والهروب من ما هى به الآن
... تنهد بخفوت وحاول أن يزدرد ريقه وهو يراقب حسنها أمامه ... الفستان الأبيض الذى علم من والدته انها صمتت على اختياره هكذا رغم رفض الجميع و دهشتهم لاختيار ثوب كهذا عكس الذى تتمناه اى عروس ... هو ليس سيءا ولكنه ليس بالروعة ... ابيض كحال اى فساتين الزفاف ... ولكنه خالى من اى شى قد يجعله لامعا... يشبه ربما فساتين الزفاف التى كان يشاهدها فى الأفلام القديمة ... فستان بحملات عريضة على الكتفان ... قصير إلى ما بعد الركبة... ضيق و ملتف حول جسدها وكأنه جلد ثان لها ... لولا قماش الثوب الثقيل نوعا ما لكان أظهر الكثير ... بالإضافة إلى قطعة القماش الطويلة المخرمة التى تلتف حول خصرها مفتوحة من الإمام ... ومن الخلف تشبه الذيل بسبب طولها وافتراشها الأرض ...
هل صح بوصفه لهذا الثوب ام انه مخطئ ... تساءل حازم فى نفسه ...
ضيق عيناه وهو لا يعلم من أين وكيف يبدأ الحديث معها ... هل يؤدى دوره فى هذا اليوم وينهى الأمر؟!... ام ينتظر! ... لا يعلم ماذا يفعل؟! ... لو كان تحدث معها قبل الزفاف لكان أفضل ... تبا ... تبا ... هتف بها فى نفسه ... وهو يشعر بالحيرة والتساؤل ... لأول مرة يشعر بأنه فى مأزق لا يعرف كيف يخرج منه ... او كيف يتصرف ... تنهد بضعف وهو يمرر يديه على وجهه يحاول تجميع كلمات مناسبة ...
شعر بتصلبها المبالغ به أثناء جلوسها ... جلست وكأنها تمثال للشمع لم تتحرك مطلقا ... فقط ضمت قدميها الممشوقة... ووضعت يديها اللتان تقبضانهما ببعضهما بتوتر فى حجرها ...
جلس بجوارها على بعد مسافة بينهما وقال بنبرة حاول عدم إخراجها مضطربة
" ما رأيك ان تذهبى وتبدلى هذا الفستان أولا " اقترح
همت من وقفتها بسرعة وبخطوات حاولت جعلها ثابتة تحركت ... اقتربت من الغرفة التى عرفت بحدسها انها غرفة النوم ... وما كادت تضع يديها على المقبض حتى لم تعد تشعر بنفسها أكثر وقدميها تحولتا لهلام ... ابتسمت بخفوت وهى ترحب بتلك الغمامة التى اجتاحت رأسها ... وسقطت مغشيا عليها ...
ركض نحوها وجثى بركتيه إليها برعب وهو ينظر إلى ملامحها الشاحبة ...
" تبا .." صرخ بها حازم وهو يحملها ويسب ببعض الألفاظ التى خرجت دون قصدا منه ...

دلف إلى غرفة النوم بخطى متعبة خالعا سترة بذلته .. أنار الأضواء ... بحث بعيناه عنها فى أنحاء الغرفة لكنه وجدها خالية منها ... ضيق ما بين حاجبيه ... دلف إلى الحمام مباشرة لكنه وجده خاليا أيضا ... اجفل عندما سمع صوت هاتفه يرن ... أخرجه من جيبه ... فتحه وهو يقراء محتوى الرسالة التى وصلت إليها بوجه محتقن
" آسفة ... والدتى مرضة فجأة وأنا معها الآن "
" حسنا ساتى لاخذك حالا " أرسلها ... ولم ينتظر ردها وخرج من الغرفة بخطى سريعة متعجلة...
وقف بسيارته أمام منزل عمته ... وما ان ترجل منها حتى أرسل لها رسالة مختصرة ...
" اخرجى انا أمام المنزل "
وقف وهو يستند باحدى يديه على مقدمة السيارة ...لمحها وهى تخرج من المنزل ببيجامة النوم وواضعة على كتفيها شال من الصوف كبير ... حدق بها لثوانى ... وهو يلاحظ شحوب وجهها وعيناها المتعبة ...
" كيف حال عمتى؟!... هل أصبحت أفصل! " سألها سيف ...
" بخير " أجابت بخفوت
ضيق ما بين عيناه وهو يراقب محاولتها حتى تبعد عيناها من النظر إليه وكأنها تحاول إخفاء شئ ...
فقال مستغربا
" هل بها شى ؟!"
" لا .. لا ..انها فقط تحتاج للراحة لعدة ايام ... قالتها اروى ثم صمتت قليلا قائلة بخفوت ... وكما تعلم انا ابنتها الوحيدة ... ولا يجب ان أتركها ... لذا سأبقى معها حتى تشفى تماما ..."
" إلى متى؟@ " سألها وهو يرفع أحد حاجبيه
" لعدة ايام فقط " قالتها بسرعة
حدق بها بقوة وهو يشعر بشئ غريب بها ...وكأنها تخفى شيئا... او ربما زوجته كاذبة ... تكذب عليه .. لكن لماذا قد تكذب؟ ...
نظر إليها بتمعن ... وهو يراقب توترها وحركة يديها التى تعبر عن ارتباكها... تنهد بقوة وهو يمرر أصابعه بين خصلات شعره البنية بنفاذ صبر ...
وقال بهدوء رغم ضيقه
" ادخلى يا اروى ... وعندما تريدين العودة انتى تعريفين جيدا عنوان منزلك "
قالها وهو ينظر اليها بحدة ... رفعت رأسها بسرعة نحوه ...ناظرة إليه تستجديه ان يستمع إليها بعد نبرته تلك التى تعبر عن نفاذ صبره
" سيف ... انا .. فقط .."
قاطعها بسرعة بنبرة متزنة تحمل بعضا من العصيبة
" انتى لا تعرفين الكذب ... لقد أصبحت أعرفك أكثر مما تعرفين انتى نفسك ... ادخلى يا اروى .. عدة ايام فقط .. وساتى لاخذك .. ربما انتى حقا بحاجة إليهم ... ولكن بعدها انا لن أسمح بصمتك ... يجب ان اعرف كل شى .. هل فهمتى "
" سيف .. فقط " قالتها برجاء
ولكنه قاطعها مرة أخرى قائلا بتبرة لا تحمل الجدال تعبر عن غضبه
" ادخلى يا اروى .. الجو بارد ... اذهبى ... حتى أستطيع الذهاب انا أيضا "
نظرت إليه بأعين دامعة لكنه تجاهلها ... وأعطاها ظهره ... فابتعدت عنه بخطوات بطيئة للغاية ... وما ان كادت تقترب من باب المنزل حتى استدار بجسده ينظر إليه بخيبة كبيرة ... وفمه يتشدق بابتسامة ساخرة
" يبدو أن عائلة السيوفى بأكملها لديها عادة الهرب ... لكننى لن أسمح لك .. لقد اصبحتى منى وانتهى الأمر ... عدة ايام فقط وسأعود ..."
ما ان دلفت إلى غرفتها حتى تهاوت على السرير وهى تلتف بذراعيها حول كتفيها ... وهى تبكى بقوة وجسدها يهتز من شهقاتها المتتالية ... هل أخطأت بقرارها بالابتعاد لعدة ايام فقط ... حتى تستطيع ان تجمع شتات نفسها ... و ترتب كلماتها ... رغم اهتمامه بها إلا انها ما زالت لا تشعر بحبه ... ما زال كما هو ... خائفة من ان يكون بقائها معه مجرد ورقة حتى يستطيع الوصول إلى ما يريده ... أفكارها تكاد تسلبها عقلها من التفكير ... انزلقت بجسدها تحت الغطاء وهى ترتجف من البرد ...
وقف لدقائق وهو ينظر إلى نافذة غرفتها وما ان وجد ان الأنوار أغلقت حتى صعد لسيارته ... منطلقا بسرعة أحدثت سحابة من الغبار خلفه ...
دلف عادل إلى غرفته وهو يفك ربطة عنقه بتافف واختناق وعيناه شبه مغمضة ... لقد كان هذا اليوم اسطوريا بحق اولا بحضور روز المفاجئ الذى لم يتوقعه ولا واحدا منهم ... وفوق كل هذا معرفة نورا بأنها ما زالت على قيد الحياة ولم تمت وان ما قالوه للجميع كانت مجرد أكاذيب ... بالتأكيد ستقوم بحرقنا نحن الأربعة قريبا ... بعد ان كانت تنظر إلينا بكره وكأننا عصابة او مجموعة من مصاصين الدماء ... تمتص دماء البشر ... ألم تنعتنا بالفعل روز بهذا .. عصابة حمتها ابنتها ... لن يبرر أخطائهم ولكنه أيضا لن يقول أنهم أخطأوا ... احيانا كثيرة كانت بعض المشاكل التى يواجهوها كانت تحتاج منهم إلى الدهاء وربما أيضا بعض المكر والقسوة ... لكنهم تعهدوا الا يفعلوا اى شى قد يؤذى من حولهم منذ ان عاد سليم ... وعادوا جميعا بنور ...
خلع سترته والقاها بإهمال على كرسى الزينة .. وما ان دار بجسده حتى فزع ... وهو يجد زوجته فريدة تجلس على السرير مستندة بظهرها على ظهر السرير ... وتجلس وكأنها كانت بانتظاره...
" ما هذا يا فريدة ما زلتى مستيقظة !؟... لماذا لم تقولى شيئا لقد فزعت من جلستك؟! "
رفعت إحدى حاجبيها وقالت بهدوء
" أنت من كنت شاردا ماذا بك ؟!... بماذا تفكر؟ " سألته بمكر
حدق بها من خلف نظارته الطبية وهو ينظر اليها بتفحص فهو يشعر بأن جلوسها هذا وراءه شئ .. فقال محاولا تغير الموضوع
"لقد رأيت سيارة زوجة ابنتك بالخارج ... ويبدو وكأنه منزعج "
" ربما لأن اروى أخبرته انها ستبقى هنا لعدة ايام " ردت بنفس هدوءها
" هل تشاجرا؟!" سألها
" لا ...لا أعتقد هذا " إجابته بخفوت رغم أنها تشعر ببعض التوتر بين ابنتها وزوجها ... لكنها ستدع أمر اروى الآن وغدا ستتصرف ... والآن يجب عليها ان تعلم بشئ سيمنعها النوم ان لم تتوصل إليه
" لقد رأيت روز " قالتها بسرعة
التفتت إليها وهو يبلع ريقها بتوتر سرعان ما اخفاه ... وقال بنبرة متزنة وهو يضحك بسخرية ..
" نعم رأيتها ... ربما فى أحلامك ... نامى يا فريدة لكى تستيقظى وتتحدثى مع ابنتك فربما كان بينها وبين زوجها شيئا مهما.. صمت ثم تابع بتركيز ... ام أخبرك ..اذهبى إليها الآن "
همت من السرير غاضبة وهى تهتفت بحدة
" عادل .. لا تحاول تغير الموضوع ...أخبرك لقد رأيت روز بأم عينى كما أراك الآن "
ضحك بخفوت وقال بنفس السخرية ...مما ازعجتها
"نعم ... لماذا لم تتحدثى إليها إذا ؟!"
" لقد كانت تمشى بسرعة ... ثم تابعت بهدوء ... روز لم تمت صحيح "
نظر إلى عيناها لثوانى ثم قال باتزان وهو يدلف إلى الحمام ...
" نامى يا فريدة انا متعب "
حدقت بظهره وهى تهتف بأعين متسعة
" أقسم إننى رأيتها ... انها هى .. انا لم أكن أحلم "
ظلت ترددها وهى تجلس على السرير ... إلى أن خرج عادل من الحمام ... وهو يظهر مدى تعبه ... وانزلق تحت الغطاء بسرعة ... ونام بعد أن طبع قبلة على جبهتها... وهو ما زال يرى جلوسها وشرودها. .. متمنيا ان يغط فى نومه بسرعة ... ويخرج من حلقة تسالتها لليوم فهو غير قادر على مواجهة غضبها او التحدث معها فى اى شى فى هذه اللحظة ...
تنهدت بضعف وأغلقت إضاءة المصباح الصغير بجوارها على الكومود... وهى تعتزم على معرفة كل شئ

ينفث من سيجارته مرة ثم الثانية ... ثم لم يعد يحتمل أكثر والقاها على الأرض بتململ و ضغط عليها بقدميه ...شعر ببرودة الطقس الشديدة لهذا اليوم ... وتنهد بضعف وهو يتذكر كل حركاتها المغرية وهى تسير ذهابا وعودة امامه طوال فترة الحفل ... التى تكاد تجعله يهيم كالمجنون فى الطرقات وافعالها التى تجعله على وشك شد شعره ... حبيبته مدللة وطفلة .. وتحتاج إلى التأديب ...نعم ... حدث مالك نفسه بذلك وهو يهم واقفا مبتعدا عن كرسيه ... عازما على الصعود إليها وحينها فليحدث ما يحدث ... فهو لا يستطيع مخاصمتها او الإدعاء بالانزعاج والغضب منها أكثر من هذا ... سيذهب ... نعم سيذهب .. ويجب أن يحصل منها على اعترافها بحبها له اليوم مهما كان الثمن والطريقة وهو يعرف جيدا ما هى الطريقة ... صعد درجات السلم بسرعة ووقف أمام الغرفة وما كاد يدير المقبض ... واحدة ثم اثنان ... ومع محاولاته المتكررة وجد الباب يرفض ان يفتح ... ظل يديره بغضب ... حتى وجد صوتها يخرج ناعما وهى تسأل بدلال مقصود
" من؟!"
تشدق بسخرية ... وكأنها لا تعلم من هو
" افتحى يا ريم انا مالك "
" مالك من ؟!.." قالتها بادعاء كاذب وهى تحاول استفزازه... لكنه حافظ على رباطة جاشه ...وقال بهدوء
" افتحى يا ريم ... كفاكى أفعالا صبيانية انا متعب واحتاج إلى النوم "
" لماذا أين كنت ؟!.. سألته لكنها سرعان ما قالت ببراءة
" آه لقد كنت مع هؤلاء القبيحات ... فلتذهب إلى واحدة منهن ... بالتأكيد منازلهن مفتوحة لأجلك فى اى وقت ومهما كانت الساعة "
" ريم ... افتحى .. وكفاكى... غيرتك هذه غير مقبولة انا لم أكن مع أحد " هتف بها بحدة وقد نفذ صبره منها ومن أفعالها ...
" لا ..." قالتها وهو يستمع لصوت خطواتها التى تبتعد عن باب الغرفة ...
شدد من قبضته ثم ضربها بقوة على الباب ... مما جعلها تجفل فى مكانها ...
" حسنا انتى من بداتى " همس بها مالك من بين اسنانه
دلفت إلى الحمام وفمها يتشدق بابتسامة واسعة ... فهى ستحقق انتقامها منه لتجاهله لها طوال اليوم .. بالإضافة لرؤيتها لهؤلاء الفتيات حوله وكأنه شهرايار وهن جواريه ... طوال الحفل كانت تراقبه من بعيد وهى تكاد تميد من الغيظ .. لولا انها حافظت على الجزء المتبقى من عقلها لركضة إلى هولاء القبيحات وكانت شوهت وجه كل واحدة منهن باظافرها... لكنها ستنتقم منه هو فقط ... وهذا بالنسبة لها خير انتقام ... ستجعله هكذا عدة ايام ... حتى يعرف من هى ريم .. وبعدها ستفكر ان كانت ستسامحه ام لا ... وما زاد غيظها هو عودتها مع والدته ... بدلا من ان يعودا لكنه رحل بسيارته أولا ... وعندما عادت لم تجده ... فازداد قلبها اشتعالا ...وهى تفكر انه قد ذهب مع إحداهن ...
خرجت من الحمام ...وهى ملتفة بمنشفة قطنية حول جسدها الأبيض ... وهى تتحرك بخلاء وغنج ... وتمتم باغنيتها المفضلة وتلحنها بدلال ...
" إللى شوفته قبل ما تشوفك عنيا عمرى ضايع ... يحسبوه ازاى عليا ... إللى شوفته ... "
" الله عليك يا سيدتى الجميلة "
اجفلت عندما استمعت إلى الصوت الاتى من خلفها ... التفتت وصعقت عندما وجدت مالك جالسا على السرير بكل أريحية ... وضعت يديها بسرعة حول خصرها غير ملاحظة لتلك المنشفة التى تلتف على جسدها كاشفة الكثير منه ... وقالت بحدة
" كيف دخلت؟! .. كيف تجرؤ على الدخول هكذا! "
ضحك بسخرية وهو يصفق بيديه بقوة ...
" نكتة رائعة... سيدتى... لكنها غرفتى "
فضربت بقدميها على الأرض بقوة وهى ما تزال واضعة يديها حول خصرها
" تبا لك ... كيف دخلت "
تحرك مبتعدا عن السرير و بدأ فى فك أزرار قميصه ...قائلا وهو يقترب منها بخطوات مدروسة وهادئة للغاية
" أخبرك بمكانى السرى الذى ادخل منه وحينها ستمنعينى من الدخول ... لا هذا ليس عدلا ... إلا إذا ... صمت وهو ينظر اليها بمكر ... ففرغت فاها وسألته ببلاهة..
" إلا إذا ماذا؟! "
فتابع وعيناه تلتمع مكرا وهو ينظر لكتفيها العاريان وشعرها الاحمر الهائج باغراء
" إلا إذا قمتى برشوتى... قالها وهو يقترب منها للغاية لكنها وضعت يديها حاجزا بينهما ... فتابع بهمس أكثر ... أقبل بجميع الرشاوى أيا كانت ... ربما ... قالها ثم صمت وهو يحدق ب المرآة التى خلفها ... وعيناه تتسع ذهولا ... فعقدت حاجبيها بقوة وسألته بسرعة تحثه على المتابعة ...
" ماذا ؟!..."
" هناك " قالها ثم صمت وعيناه ما زالت متسعة ...
" ماذا هناك ؟!" هتفت بها بنفاذ صبر
" لا ... لا تتحركى... هناك ... هناك .. شيئا اسود على كتفك "
قالها وهو يبلع ريقه بتوتر وخوف ظهر جلى على وجهه ... فارتبكت وتسرب إليها هى الاخرى وهى تراقب عيناه المحدقة للمرآة ...
" ما هو؟! "
" انه شى ... اسود وكبير ... إياك ان تتحركى .. حتى ابعده عنك "
" لكننى لا أشعر بشئ "
" انه ...لا يتحرك ... ابقى فقط حتى ابعده "
" حسنا " قالتها بسرعة
فوضع يده على كتفها وهى تغلق عيناها بقوة تشعر بلمسات يديه التى وصلت إلى ظهرها ... انتظرت وانتظرت ...
حتى قالت بنفاذ صبر ...
" هل ابعدته ؟!"
" انتظرى فقط انه يتحرك إلى أسفل ظهرك ... لا تتحركى " حثها بنبرة ناعمة
شعرت بأنفاسه عند رقبتها ... و قبلته التى طبعها على كتفها ... جعلتها تنتفض من مكانها و موجهة نظرة حارقة إليه قائلة بغضب
" كاذب ... لقد كنت تخدعنى "
احتقنت ملامحه وقال بهدوء
" انا لا أكذب هناك فعلا شيئا اسود اللون عند أعلى ظهرك "
دارت براسها محاولة ان تنظر أعلى كتفيها لعلها ترى ما يقصد ... حتى وضعت يديها بسرعة على وجهها من الخجل قائلة بهمس ... ما أن تذكرت الرسمة التى رسمتها على ظهرها ليلة أمس ...
" هل رايتها؟! "
ضحك بقوة من خجلها ...
" نعم ...جميلة ... " قالها باغراء ...ثم تابع ...
" هل هى لى؟! "
أحمر وجهها خجلا ... وهى تتذكر مصيبتها الأكبر المنشفة التى تكاد لا تغطى شيئا ونظراته السابقة لها ... فلتنشق الأرض .. دعت فى نفسها ... نعم فلتختفى او فلتقع ويغمى عليها حتى تستطيع الهرب من نظراته ...
دنا منها ... حتى حاوط جسدها بذراعيه... قائلا بصوتا اذابها
" هل هذا من أجل مصالحتى... أخبرك لقد فزتى انا دائما خاسرا أمامك ... لا أستطيع أن اهزمك سحرك هو نقطة ضعفى...أحبك " همس بها بصوت أشبع غرورها... لكنها قالت بدلال وهى تخفض رأسها التى لامست صدره
" لا انا لن اصالحك... اذهب إلى هولاء الحمقاوات ... أنهن حتى لسنا جميلات ... أذهب إليهن ألم تقضى معهن الوقت بأكمله ... إذا اذهب إليهن "
ضحك بخفوت وهو يراقب غيرتها الجلية على وجهها لكنه بالتأكيد لن يخبرها بغيرتها تلك لانه يعلم انها ستكابر وتنكر غيرتها ...
فهمس بنعومة واغراء
" وهل يوجد من هن أجمل منك؟! .. انتى فقط ولا أحد غيرك .. يستطيع أن يملئ عيناى هاتان .. انتى فقط " وتبع كلامه وهو يلتقط شفتيها ويعانقها بحنان جعلتها تذوب بين يديه ... تخبره انه هو فقط ولا يوجد غيره من يستطيع ان يجعلها طفلة صغيرة بين يديه ... تحتمى بصدره هو فقط ... كما هى فقط من تستطيع ان تملئ عيناه ...

تسللت أشعة الشمس الذهبية إلى غرفة النوم فى الفندق الذى قضى به ليلته يراقبها وهى ما زالت نائمة وكأنها اتخذت من هذا النوم مكانا للهرب منه ومن العالم ... لم تفتح عيناها منذ ان سقطت مغشيا عليها ... حاول أن يجعلها تفيق لكنه فشل ... فسارع بسرعة بطلب الطبيب ... الذى أخبره انه مجرد إرهاق ... وتحتاج فقط إلى الراحة والنوم ... وأخبره انه من الأفضل أن يحاول أن يرفه عنها قليلا ... استمع حازم إلى كلمات الطبيب بانصات شديد واهتمام ... تنهد بضعف وهو يقف يراقب حركة صدرها التى تعلو وتنخفض ...
رفرفت بجفونها... وهى تحاول أن تستوعب مكان تواجدها ... تدعو فى نفسها ان يكون كل ما حدث لها مجرد حلم وهى اخيرا استفاقت منه ... لكنها وجدت رجل واقفا بثبات ومرتديا بذلة سوداء ... انتقلت عيناها إلى وجهه ... وصدمتها نظرته وعيناه السوداء المحدقة بها ... وحينها تذكرت ان كل ما حدث لم يكن حلما ... بل هى فى الحقيقة ... و المسمى زوجها يقف بجسده أمامها ...
" هل انتى بخير؟! " سألها بنبرة ناعمة ... ناعمة للغاية وبها بعض القلق ...
بلعت ريقها وظلت تنظر إليه لثوانى حتى استطاعت تحريك لسانها وشفتيها اخيرا وقالت بهمس وتعب
" نعم .. انا ..و "
قاطعها بنظراته ثم دار بجسده ناظرا إلى النافذة التى خلفه ... محاولا الابتعاد عن نظراتها ...
" نور .. ما حدث البارحة انسيه... و يجب ان تعلمى شيئا واحدا .. انا على علم بأن هذا الزواج كان ضغطا عليكى ... صمت للحظات ثم تابع ببرود ... وأنا لن اضغط عليكى بالمقابل .. لن تكونى زوجتى إلا عندما تريدين انتى ذلك ... الزواج أتى مفاجأة لكى انا أعلم ... و لن تكون بين يدى أى امرأة لا ترغب بى ... انا وانتى لا نعرف بعضنا بشكل كافا إذا فلنعطى لكل منا فرصة لكى تعرفينى واعرفك جيدا ... وحينها تستطيعين البقاء او تستطيعين الرحيل ...
نظرت إلى ظهره مشدوهة وهى تستمع إلى كلماته حتى التفت اليها وتابع وهو ينظر اليها باهتمام ...
ومقابل هذا انا لا أريدك إلا أن تكونى بخير ..."
نطق بكلماته وخرج من الغرفة وهى تنظر إلى أثره مشدوهة مما سمعت

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة