قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية عندما يعشق الرجل لـ شيماء محمد الفصل 19

رواية عندما يعشق الرجل لشيماء محمد الفصل التاسع عشر

الفصل التاسع عشر (ج1)

- ماذا هناك ...هتف بها مالك وهو يجد والديه وجديه صامتون
- لقد توفى المستشار ياسين ...قالتها جدته بحزن وهى تجلس بجوار زوجها الحاج رشاد على الأريكة
شهقت ريم بقوة وهى تضع يديها على فمها تهز رأسها مرات عديدة بنفى وهى تقول بحزن ...لا يمكن ...لقد ...لقد كان بخير ...ثم تابعت وعيناها يملاها الدموع وهى تتراجع للخلف وكادت ان تقع من الصدمة ...وماذا عن نور ...لن تكون بخير ...

وضع مالك يديه على كتفيها يحاول أن يجعلها تتمالك نفسها ولا تنهار ...وما كاد يفعل حتى وجد والده يخرج من المنزل بسرعة ووالدته تصرخ به تامره ان يلحق بوالده ...وما ان خطى خطوة واحدة حتى وجد ريم تقبض على يديه ...نظر إلى عيناها وجد بهما رجاء ...سحبها ورائه بسرعة يحاول اللحاق بوالده الذى أخذ سيارته وانطلق بها صعدا للسيارة ولحق بوالده ...ترجلا من السيارة وهما يشاهدان تجمع لمجموعة من الاشخاص ...أمسك بيدها وسحبها ورائه وهما يعبران ذاك التجمع حتى وصلا لباب العمارة ...ركبا المصعد حتى وصلا إلى الشقة التى وجدا بابها مفتوحا دخلا ... كان هناك والده وعمه سليم والسيد عادل والسيد مراد ...ووجه كلا منه مكدر وحزين ...بحثت بعيناها عن نور ...حتى قال سليم بصوت مبحوح. ...ريم ...هل يمكنك أن تذهبى إلى نور ادخلتها السيدة نورا وفريدة إلى غرفتها. ...ما أن نطق حتى توجهت حيث غرفة صديقتها ...فتحت الباب بسرعة ووجدت السيدة نورا تجلس بجوار نور الصامتة ووجهها يخلو من اى تعبير على عكس السيدة نورا التى تضمها إليها بشدة تبكى بحرقة وحزن على الصغيرة التى بين يديها ...أسرعت إليها حتى انها سحبتها إليها بقوة من يدى نورا التى تحركت مبتعدة ...وضعت يديها على خد صديقتها وهى ترى ان عيناها قد فقدتا لمعانهما المعتاد ...لا تبكى ...لا تصرخ ...لا تفعل اى شى غير الصمت ...وعيناها شاردة عابسة وحزينة ...جسدها كالثلج ووجهها يشبه الأموات شاحب ...تكلمت بحشرجة تحاول إخراجها من مما هى فيه ...

-نور حبيبتى ...أبكى سترتحين ...ستكونين بخير ...أبكى ...
-نعم حبيبتى ابكى ...قالتها فريدة التى تحاول كبت دموعها ...والتى لم تنتبه لها ريم
حاولت نور التكلم تحركت شفتاها لكن صوتها يأبى الخروج ...عيناها جامدة لا تستطيع البكاء لكى ترتاح ...تشعر وكان هناك صخرة ضخمة على صدرها تمنعها التنفس او فعل اى شى ...تشعر وكأنها مقيدة ...
- نور ...نور ...نور ...ظلت ترددها ريم بألم...لكن لا يوجد اى استجابة من نور ...
المنزل امتلى وخاصة عندما أتى أخوة المستشار ياسين ...والذين أصروا على دفنه فى بلدته ...قاموا بتجهيز جثمانه ...وبعد ذلك انطلقت السيارات فى الساعة الثانية صباحا ...
وحضرت اروى ومعها سيف التى لم تكن لتعرف لولا أن ريم اتصلت بها قبل ذهابهم ...ساندت نور الصامتة وكأنها دمية يتم تحريكها وصعدت بها ريم لسيارة مالك الذى لم يبعد عيناه عنهما يراقب الأخرى الصامتة ...فى تمام الخامسة وصلت السيارات وتم دفن المستشار ياسين ...

وذهبت السيدات إلى منزل أخ السيد ياسين ...حتى يتم هناك أخذ العزاء ...ما ان رأت عمة نور ابنة أخيها(السيدة هيام ) حتى أخذتها بين أحضانها وهى تبكى بحرقة وألم فهى كل ما بقى لها من أخيها الحنون الذى كان دائما يقف بجوارها ويساندها ...اشفقت تلك السيدة على حال ابنة أخيها التى فى حالة صدمة شديدة ...عيناها لم تطرف لها رمش وصامتة لا تصدر اى رد فعل ...جلسن السيدات فى الصالون الكبير لذلك المنزل ...وريم واروى صعدتا إلى الطابق الأعلى حيث أمرت أخت السيد ياسين أحد الخدم لإيصال السيدات لإحدى الغرف ...لعلها تصبح بخير ...
ادخلتها الفتيات إلى الغرفة...وريم واروى يراقبان نور فى صمت جسدها بارد كالثلج عيناها مضطربة خائفة. ...حائرة... تائهة ...ضمت جسدها إليها بقوة بعد ان جلست على السرير وعيناها تهتز بهستيرية ورعب رغم أنها لم تبكى إلا أنهما كانتا وكانهما غرقتا فى بركة من الدماء ...

وضعت ريم يديها على وجهها تحاول كبت دموعها ولا تطلق العنان لهم وهى تتزكر ما تحدثت به السيدة نورا وما حدث قبل موت السيد ياسين وإن نور قد شهدت بعيناها وفاة والدها ...خلال أسبوع كامل كان مريضا لكن لم يعرف أحد بمرضه إلا منذ يومان او ثلاثة ...لقد كان بخير فقط القليل من التعب ...قالتها ريم فى نفسها ولكنها سرعان ما استعاذت من الشيطان الرجيم ...توجهت حيث الحمام تتوضأ وبعد ذلك تصلى بعد ان اطمأنت على أن اروى بجوار نور ...
أخذ العزاء للرجال فى الحديقة الكبيرة لمنزل الأخ الأكبر للمستشار ولم يتأخر اى شخص عن العزاء لا أصدقاء المتوفى ولا الأقارب ...امتلى العزاء أيضا بشخصيات مشهورة ولها مكانتها فى عالم القضاة ومحاميين أيضا ذو صيت فى البلد ...
جلست ريم على سجادة الصلاة فى غرفة نور وهى تدعو ربها ان يلهم صديقتها الصبر والسلوان على ما فقدته فوالدها كان كل شئ بالنسبة لها ...دارت بجسدها وهى تستمع لدقات خفيفة على الباب ودخول الخادمة تخبر فيه السيدة اروى بأن زوجها ينتظرها فى الأسفل ...

نزلت اروى درجات السلم وهى تتبع الخادمة حتى وصلا للحديقة الخلفية للمنزل حيث ينتظرها سيف رأته واقفا بالقرب من أحد أشجار الليمون ...اقتربت منه بخطى سريعة حتى وقفت امامه ...ما ان راءها سيف حتى نطق بصوت منخفض متعب
- هيا بنا لنذهب. ...هناك منزل لجدى سليمان هنا سنذهب لنقضى فيه الليلة ...
- لكن ...نور ...قالتها برجاء
- لا تخافى صديقتك ستكون بخير ...هيا ...قالها بقوة وهو غير مستعد لأى نقاش او جدال
تبعته بهدوء إلى أن وصلا للسيارة صعدها وبعد ذلك اتصلت ب ريم لتخبرها ان تهتم جيدا بنور ...
بعد دقائق وصلا للمنزل الذى لم يكن يبعد فعلا عن منزل اخ المستشار ...ترجلا من السيارة وجدا باب المنزل مفتوحا ...والسيد سليمان يجلس على أريكة المنزل الذى لم يقل فخامة عن منازل عائلة الحسينى الأخرى وأيضا حضرت الحاجة زينب أخته ...استغربت من حضورهما...ولم تتوقع أن ياتيان إلى العزاء ...استأذنت الحاجة زينب منهم وذهبت لأحد الغرف الموجودة فى الطابق الأول وهى تتحرك بتعب ...وما كاد الحاج سليمان يتحرك هو الآخر حتى اوقفه سيف بسرعة وهو يقول ...
- جدى ابقى ...أريد أن أتحدث معك قليلا ...ومن ثم نظر إلى اروى متابعا بهدوء ...اصعدى إلى الطابق الثانى وارتاحى فى اى غرفة تريدينها فى الجناح الأيمن من الطابق ...اومات موافقة ثم تحركت متوجهة حيث سلالم المنزل الداخلية ...صعدت درجات السلم وتوجهت حيث الجناح الأيمن ودلفت إلى أول غرفة وجدتها ...أضاءت انوارها ودارت بعيناها بها ...كانت غرفة ذات طراز قديم للغاية سرير كبير فى المنتصف مصنوع من النحاس وذو أعمدة وتسقط منه ستائر بيضاء ولا يوجد فى الغرفة غير طاولة للزينة وكرسيها ودولاب كبير يظهر عليه القدم... وطلاء الغرفة لم تستطع تبين لونه ...تحركت نحو السرير وللمفاجاة وجدته نظيف وكأنه وضع اليوم ...جلست عليه لثوانى وشعرت ببعض الظمأ كما انها أيضا تحتاج لمنامة لتنام بها فهى لم تفكر فى إحضار اى شى عندما ركضت إلى صديقتها ...خرجت من الغرفة ...ستحضر كوبا من الماء لترتوى وتحضر أيضا منامة من الحاجة زينب ...نزلت عدة درجات وتسمرت مكانهاوكانها ضربتها صاعقة وهى تستمع لكلمات سيف ...

- لقد تزوجت كما أردت أين هى الأسهم! !؟...لم يتم كتابة او تحويل اى شى بأسمى حتى الان! ...هدر بها سيف غاضبا
نظر الحاج سليمان اليه ببروده المعتاد ... لماذا تريد الأسهم الآن؟! ...
- ماذا ؟!...هتف بها سيف بغضب عاصف ...لماذا أريدها !؟...ألم يكن هذا اتفاقنا...
- أما زلت تعتبر أن هذا الزواج صفقة ؟! ...سأله الحاج سليمان منتظرا أجابت حفيده ...يتمنى حقا لو ان حفيده قد أحب اروى او قد علم من تكون ...طوال الفترة الماضية أعتقد أن سيف ربما قد عرف ان اروى هى الفتاة نفسها التى بقيت بجواره فى المشفى من كان يبحث عنها بعيناه بشوق عندما استيقظ ...لكن للمفاجاة حفيده أكبر أحمق فى هذا العالم ...
ظهر الارتباك على ملامح سيف ...لا يعلم أن كان حقا يعتبر هذا الزواج صفقة بالنسبة له هل أحبها ام لا ...لم يعد يعلم ما هية مشاعره نحوها...لكن كل ما يعلمه انه تزوجها من أجل شى واحد فقط هو شراء مزيد من الأسهم فى الشركة ...
أنتظر سليمان لدقيقة أملا فى ان ينطق حفيده بكلمة حتى ليعبر فيها عن حبه لكنه لم ينبت ببنت شفه وعندما نطق اخيرا بما كان يعلمه جيدا

- كل ما أعلمه إننى تزوجت من أجل شى واحد وهو نقل الأسهم بأسمى كما اتفقنا
أغمض الحاج سليمان عيناه بقوة لاعنا سيف فى نفسه بقوة وجسده يتصلب فى كرسيه بشدة
- حسنا ..لكن عندما أرى ابنك او أعلم بقدوم أصغر فرد فى عائلة الحسينى سانقل لك ما تريده من أسهم ...جحظتا عينا سيف بقوة وما أن حاول أن ينطق ...حتى تابع جده ...تصبح على خير فأنا أريد أن أرتاح قليلا ...قالها الحاج سليمان وهو يتحرك مبتعدا عن الأريكة ...مما جعل سيف يصمت نهائيا ...
عادت اروى إلى الغرفة بخطوات متعثرة وهى تضع يديها على فمها تحاول كتم شهقاتها ...لم تستطع الصمود أكثر وأطلقت العنان لدموعها...يا الله لم يرغم لزواجها فقط ...بل أيضا كان الزواج منها مجرد صفقة ليصل إلى ما أراده دائما. ...هى لم تكن ولن تكن شى له قيمة فى حياته ...وعندما اقترب منها لم يكن لانه أحبها ...بل ليحقق مما يريده جده ...ابن لحفيده...ألقت بجسدها على السرير وهى تقبض بيديها هل الملاءة بقوة وهى تلعن وتبكى بحرقة ...
- تبا... تبا ...تبا ...ماذا أفعل ولماذا يحدث لى هذا! ...لماذا؟! ...لماذا!؟ ...لماذا ؟!..رددتها بألم وهى تشعر بألم يصل لاحشاءها ومعدتها تتلوى بشدة مما جعلها تركض إلى الحمام الموجود فى الغرفة بعد ان افرغت كل ما فى معدتها...غسلت وجهها ببعض الماء وهى ترى انعكاس صورتها بالمرآة ...وجهها شاحب وريقها جاف ليوم كامل لم تذق شيئا رغم أن عمة نور أحضرت لهم صينية ملئ بالطعام ...لكنها لم تضع شيئا فى فمها ...كان رحلة وصولهم إلى هنا متعبة مما جعلها تشعر بعدم الرغبة فى أكل اى شى ...خرجت من الحمام وهى تراه يهم بخلع سترة بذلته لم تهتم به وتوجهت نحو السرير ...فما أن رأته حتى شعرت بألم مبرح فى قلبها ...ردت فعلها جعلته يعقد حاجبيه بقوة ...فلم يكن هذا ما تمناه ان تفعله عندما تراه ...دثرت نفسها جيدا واعطته ظهرها مما جعله يعقد حاجبيه أكثر ...نام بجوارها ملتزما الصمت فهو غير قادر على الحديث او الجدال ...أسند ظهره على السرير يفكر فى كلام جده ...لقد أصبح جده يساومه يريد ابنا لحفيده مقابل الأسهم ...حقا ذلك العجوز قد جن ...لكن لماذا يفعل هذا ...لماذا دائما يصر على تقيدى وجعلى كدمية فى يده يستطيع تحريكها متى أراد وشاء ...نظر نظرة عابرة إلى الناءمة بجواره يشعر بشئ غريب نحوها لا يعرف ما هو ...من هى...حواسه تخبره انه قد شم رائحة عطرها هذه من قبل لكن أين ومتى لا يتذكر ...جده يريد حفيد لكن هى هل ستسمح له بهذا ...

 

أنهت صلاتها ونامت بجوار نور التى أخيرا قد غفت بهدوء ...رغم انها يقلقها وبشدة صمتها هذا لو تبكى لو تصرخ لو تفعل اى شى ربما لارتاحت صديقتها ولارتاحت هى أيضا ...أمسكت مصحفها الصغير بعد ان أخرجته من حقيبتها وبدأت ترتل بعض الآيات لدقائق. ...حتى رن هاتفها معلنا عن وصول رسالة جعلها تشعر ببعض الراحة وهى ترى الكلمات التى إرسالها لها مالك ..."هل أصبحت نور بخير "
فردت عليه ..."نعم بخير ...وأيضا نامت "
"جيد وماذا عنك...هل تناولتى الطعام "
ظهرت شبه ابتسامة على وجهها وهى تقراء كلماته ومن دون ان تشعر بدات تكتب كلماتها بتلقائية شديدة
"نعم القليل ...لكن نور ليست بخير لم تبكى او تصدر اى رد فعل انا خائفة عليها للغاية ..."
أتاها الرد سريعا "لا تقلقى انه رد فعل طبيعى وبإذن الله ستكون بخير "
"بإذن الله "
فكتب بلهفة "هل انتى جائعة...هل أرسل لكى بعض الطعام "
"لا لا لست جائعة انا بخير "
صمتا قليلا حتى كتب أخيرا وظهرت جملة واحدة جعلت اوصالها ترتجف جعلها تشعر وكأنها مسحورة او منومة "اشتقت اليكى ...ألم تشتاقى إلى "
بلعت ريقها بخوف ومن دون ان تشعر ضمت هاتفها إلى صدرها وكأنها كانت بحاجة إليها ...يا الله ما الذى يحدث لى ...
أنتظر دقيقة واثنان وثلاثة لكن لم يصل إليه رد ...وهى ارادت ان تقول له بانها ايضا تشتاق اليه لكن اصابعها لم تطاوعها لكى تكتب ما تمنت ان تقوله ...كبرياءها خانها ...ولكنها كتبت اخيرا

"تصبح على خير"
رغم ان كلماتها كانت مقتضبة إلا أنها جعلته سعيدا ولو قليلا ...فأرسل إليها رمز تعبيرى "مبتسم"
وضعت هاتفها على الكومود بجوارها لقد استطاع بطريقته ان يسعده ويشعرها بالأمان حتى لو كان بعيدا ...بقى هو ووالده وعمه السيد سليم وعمه الآخر مراد وكذلك زوجته ووالدى اروى أيضا السيدة فريدة والطبيب عادل وماهر. ...لم يتأخر أحد فى حضور العزاء ...علمت أنهم كانوا أصدقاء للمستشار ...حقا الصداقة التى تجمع بينهم جميلة... وبقى الجميع فى منزل اخ المستشار(عزيز) فقد رفضوا المغادرة اليوم واصروا على حضور ثلاثة ايام العزاء ...أكثر شخص كان قلق على نور هو السيد سليم الذى كانت تعلم أنه شخص لم يكن يهتم بأحد لا ابنه ولا ابنته ولكنه عامل نور وكأنها ابنته وظل يسأل عنها وكيف أصبح حالها ...تنهدت بضعف وهى تمرر يديها على وجه صديقتها التى لم تضع شى فى فاهها...خائفة كثيرا عليها من صمتها هذا ...دثرتها جيدا ثم نامت بجوارها

 

فى نفس المنزل لكن فى غرفة أخرى ...ألقى شاب فى عقده الثالث بجسده على السرير وأمسك هاتفه ضغط بعض الأرقام ...حتى أتاه صوت أنفاس أخيه الذى يبدو أنه ما يزال نائما فاغلق عيناه بشدة وقال بتهكم ...هل أنت ناءم سيد وليد ...بالطبع فأنت لا تشعر بشئ
-ماذا هناك ...هل حدث شى ...قالها وليد بتعب ونعاس
- هناك الكثير سيد وليد ...ان خالك مات ...ويجب ان تأتى ...هل فهمت ...هتف بها غاضبا
- اى واحد ...سأله وليد بلامبالاة
ظهر الغضب جلى على وجه الآخر فقال وهو يحاول تهدئة نفسه ...خالك المستشار ياسين
- اممم وماذا بعد ...

زفر أخيه بضيق وقال وهو يمرر يديه فى شعره بقلة حيلة من اخاه الذى سيظل طيلة عمره هكذا غير مهتم بشئ ولا بأحد وقال بهدوء ...وليد عليك أن تأتى ...ماذا نقول للعالم خاله مات ولم ياتى
تثاءب وليد وقال بملل ...لقد قلت لك لن أتى ...تصرف أنت أعلم انك ستعرف كيف تدارى على غيابى ...قل اى شئ مشغول اى شى يا خالد هل انا من سأقول لك ...قالها وأغلق الهاتف غير ابه لانفاس الآخر الممتعضة. ...شدد خالد على الهاتف الذى بين يديه ...يحاول ان يتنفس بهدوء ...لا يعرف إلى متى سيظل أخاه هكذا شخص مهمل وغير مسئول ...ثم ألقى بجسده على السرير و أغمض عيناه بتعب ...لقد كان هذا اليوم متعبا له للغاية لم يجلس وهو من تابع كل شئ رغم أن اولاد خاله كثر إلا أنهم لا فائدة ترجى منهم ...حمد الله على انصراف المعزيين لولا أن الجو كان باردا لبقى الناس أكثر وهو لم يذق طعم النوم منذ ايام العمل ومرض خاله كل شئ أتى متتابعا...يتمنى لو يعود وليد ويسانده ولو فى القليل لكنه يعلم انه لن يعود إلا أن أراد ذلك فهناك هو أكثر حرية ... سمع دقات خفيفة على الباب تبعها دخول والدته وخلفها الخادمة تحمل صينية بالطعام ...أشارت للخادمة بوضعها على السرير فوضعتها كما أمرت وخرجت ...جلست والدته بجواره ووضعت يديها على رأسه وبدأت فى تمسيدها وتدليكها بهدوء ...مما جعله يصدر آهات متعبة بخفوت ويشعر ببعض الارتياح لقد كان حقا محتاجا لهذا ...ووالدته كالعادة تعرف كيف تريحه بطريقتها وتشعره بالسكينة ...
- أعلم أن اليوم كان متعبا لك يا بنى ...أعانك الله علينا ...منذ ان توفى والدك وأنت من تهتم بكل شئ لو ياتى فقط وليد ويساعدك لما أصبحت هكذا ...

قالتها والدته السيدة هيام بحزن وملامحها حزينة ومتعبة...
أخذ يديها بين يديه ولثمهما بقبلة طويلة قائلا بحنان ...لا حرمنى الله منكى يا أمى ...ووليد تعلمين انه مشغول ...
فنظرت إليها بشدة وكأنها تقول له ...لست انا من تستطيع ان تقول لها هذا ...فضحك خالد بخفوت قائلا. ...حقا صدقينى
أدارت وجهها إلى ناحية الشرفة وعيناها حزينة ...حزن لحزنها يعلم أن والدته امرأة قوية وتستطيع أن تخفى مشاعرها بمهارة ...فكان أكثر أخواتها حبا إلى قلبها كان ياسين ...لقد كان أول شخص وقف بجوارها عندما توفى زوجها ...وكان اخاها الأكبر (عزيز) أكثرهم قسوة عليهم ...توفى والده وهو فى سن صغير هو و وليد والده كان من عائلة مقتدرة فترك لهم اراضى كبيرة ومنزل لكن خاله عزيز رفض أن تبقى فى منزلها بحجة انها ما تزال صغيرة وارملة سيطمع بها الكثير وهو كان أول طامع بها ...اقنعها حتى جعلها تقوم ببيع المنزل وبدء فى جعلها تتنازل له شيئا فشيئا عن جزء من الأرض ...بحجة ان يستطيع أبناءها إكمال دراستهم ...حتى عندما كبروا لم يستطيعوا أن يخروج من هذا المنزل لدرجة أن وليد عندما أتيحت له أول فرصة لسفر ترك كل شى وغادر ...وهو لم يستطع أن يفعل مثلما فعل أخيه لن يترك والدته التى شقيت وتعبت من أجله ولن يترك هذا المنزل إلا عندما يعيد كل ما فقده من خاله الظالم الجشع ...
أخرجه من أفكاره صرخة هزت كل أرجاء المنزل وجعلت النائمون يستيقظون فزعين والمستيقظ يركض نحو الصراخ ...خرج من غرفته وتبعته والدته ...

سمع الصوت أتى من غرفة ابنة خاله ...فركض إليها حتى وصل وما كاد يضع يديه ليدير مقبض الباب حتى أتاه صوت من خلفه غاضبا ...إياك ...زوجتى بالداخل سادخل انا
التفت بجسده فوجده ذلك الضيف الذى بقى هو وعائلته هنا ...فرفع خالد حاجبيه بتعجب وترك المقبض. ...وتراجع قليلا للخلف ...فاقترب مالك لفتح الباب ...لكن صوت خالد أتى صارما. ...ادخلى انتى يا أمى لتعرفى ما الذى يحدث وسابقى هنا انا والسيد ...قالها وهو يشير إلى مالك الذى وقف يحاول تمالك نفسه يريد أن يطمان عليها باى ثمن مرتعب من أن تكون هى من كانت تصرخ ...صدرت صرخة أخرى قوية جعلتهم يلتفون بجسدهم نحو الباب حتى دخلت السيدة هيام ...وما ان فعلت حتى بدء من فى المنزل بالتجمع عند الغرفة ...
خرجت ريم من الغرفة وهى تقول ببكاء وتبحث عن ماهر بين الواقفين ...ماهر ...أين ماهر...نور ...نور ليست بخير ستصاب بصدمة عصبية ...بسرعة أرجوكم ...قالتها برجاء

وبسرعة أتى ماهر الذى توقع بالفعل أن تكون نور هى من تصرخ ...
دلفت إلى الغرفة وجدت السيدة فريدة و عمة نور تحاولا أن تقوما بتهدءتها وكل واحدة منهما تمسك بيديها وهى لم تكف عن الصراخ وهى تقول بألم وبكاء ...لقد تركنى. ...لقد تركنى ...ياسين تركنى وحيده ...أبى ...أبى لم يمت ...أبى لم يمت ...أنتم كاذبون . ...ومن ثم ابعدتهم عنها بقوة وبدأت فى الابتعاد عن السرير قائلة بهستيرية ...ما الذى احضرنى هنا ...سأذهب إلى والدى اتركونى ...صرخت بها بقوة ...ومن ثم انهارت بين يديهم. ...ركض ماهر بسرعة اليها وأعطاها حقنة مهدءة. ...ثم خرج والتف حوله الجميع
- انهيار عصبى...قالها ماهر ثم تابع وهو ينظر إلى ريم ...إذا حدث هذا مرة أخرى اعطها هذه الحقنة ...قالها ثم دلفت الى الغرفة تاركة ماهر والباقون يلتفون حوله يستفسرون عن حالتها ...فبدأ بالشرح لهم انه انهيار عصبى كان متوقع فهى لم تصدر اى رد فعل عندما توفى والدها ...ثم دعاهم ان يدعوا لها فهى تحتاج إلى هذا الدعاء من الجميع
بقت ريم بجوار صديقتها تحاول كتم دموعها وتدعو ربها ان يخرجها مما هى فيه

 

تجولت بعيناها فى أرجاء الشقة التى اوتها منذ ان توفى والدها ...هل قرارها بترك الشقة سيكون فى صالحها ام سيكون العكس ...هل ستستطيع أن تعتمد على نفسها بدون مساعدة سيف ...ام ستحتاج لمساعدته بعد ذلك ...أغلقت عيناها بقوة تحاول إلا تتراجع عن قرار تركها للشقة نعم ما فعلته كان صحيحا قالتها بتشجيع لنفسها ...أخرجها من تفكيرها صوت جرس الباب ...نظرت إلى ساعة الحائط التى تشير للتاسعة صباحا ...مما جعلها تعقد حاجبيها فى تساؤل ...عن من ممكن ان يكون الطارق ...نظرت إلى ملابسها المكونة من بنطال قصير وبلوزة تماثله قصرا ...واقتربت من الباب ونظرت من العين السحرية الصغيرة الموجودة على الباب فعقدت حاجبيها بشك وهى ترى من خلالها جسد امرأة لكن ملامحها لم تتبين لها جيدا ...ففتحت الباب ببط ...والذى ما ان فتحته حتى قالت السيدة نوال بسرور ووجه بشوش وهى ترفع بيديها تظهر الأكياس التى بين يديها ...صباح الخير ...هل يمكن أن أتناول الفطور معك
فغرت دينا فاها استغرابا من تلك المرأة حتى أن دينا بقيت لثوانى تمسك بمقبض الباب النصف مفتوح ...نظرت السيدة نوال إليها لثوانى هى الأخرى وبدون مقدمات دلفت إلى الشقة و سارت بضع خطوات داخلها ...
وقالت وهى تدير جسدها قليلا إليها ...هيا بسرعة قبل أن يبرد الطعام ...ومن دون أن تنطق ببنت شفه أغلقت دينا الباب بهدوء ...وسارت خلف السيدة العفوية او أقل ما يقال عنها غريبة الأطوار ...والتى بدأت بالفعل برص بعض الشطاءر على طاولة القهوة الصغيرة وهى تحرك يديها فى دعوة لدينا من التقرب إليها بسرعة ...وبسرعة جلست دينا قبالتها طواعية وبدات فى التهام الطعام مباشرة ما ان رأت السيدة الأخرى تأكل بنهم ...رغم ان الطعام كان بسيطا مكون فقط من (الفول والطعمية )إلا أنها لم تذق ما هما أفضل منهما طيلة حياتها ...كان تناول الطعام مع تلك السيدة الغريبة ممتعا وهادءا حقا ...و التى كانت تبتسم باستمرار ...تحركت دينا من على كرسيها قائلة بتلقائية للسيدة ...ماذا تفضلين ان تشربى
- عصير ...قالتها السيدة بسعادة وابتسامة جميلة على ثغرها ...
أعدت دينا كوبا من العصير للسيدة وكوبا للقهوة لها وبداتا الاثنتان فى ارتشافهما بهدوء ...
- القهوة ليست جيدة فى الصباح ...ومن خلال نظرى لكى أجد انكى من مدمنيها ...قالتها السيدة نوال بهدوء ولا تزال ابتسامتها المعتادة التى تبعث الدف والارتياح مرتسمة على وجهها ...
- اعرف ...لكن ماذا أفعل احبها ...قالتها دينا مبتسمة
فبادلتها الأخرى الابتسام ...

تجولت عينا السيدة فى أرجاء المنزل ...منزلك جميل ومرتب ...
- نعم ...لكنى لن أبقى به كثيرا ...قالتها دينا بشرود
التفتت إليها السيدة قائلة بتساؤل غريب ...لماذا
عقدت دينا حاجبيها وقالت بهدوء ...سانتقل إلى مكان آخر أفضل لى
اؤمات السيدة متفهمة وقالت بمرح. ...ألن تسأليني كيف عرفت عنوانك
صمتت دينا تنتظر بقية حديثها ...فقالت السيدة ...لقد عرفته من ماجد
ظهرت شبه ابتسامة على وجه دينا ...فتابعت المرأة ...حسنا ...هل فكرتى فى مشروع ما
فحركت دينا رأسها نافية قائلة بتأكيد ...لم اتوصل لشئ بعد ...ولكن هل لديكى فكرة
حركت السيدة هى الأخرى رأسها بالنفى قائلة بهدوء ...انا لا أعلم كثيرا او بالأحرى لا أعلم شيئا عن عالم الأعمال ولا حتى عن المشروعات الصغيرة ...فتابعت بتلقائية وتنهيدة طويلة من صدرها ...لطالما قام زوجى بالاهتمام بكل شئ وحتى عندما ساعدنى على إتمام دراستى لم يجعلني أفكر فى العمل او اى شى ...وربما أيضا لم أكن أريد ذلك
- إذا لماذا تريدين هذا الآن ...سألتها دينا بسرعة بعد ان استمعت لكلمات تلك السيدة فنظرت إليها بحزن ...فتابعت دينا بارتباك ...انا آسفة ...هل انا اتدخل فى ...شئ

فقاطعتها نوال بسرعة ...لا ...لا ...لكن انا فقط تذكرت بعض الأشياء المولمة. ...وتابعت بابتسامة ...لكنى سأخبرك لماذا أريد أن أبدأ فى عمل مشروع ...لأننى وحيدة قالتها بألم وصل بأعماق دينا التى شعرت وكان تلك المرأة قد وصلت لاعماق جروحها ...
بلعت ريقها وهى تحاول استجماع شجاعتها وقوتها يا الله الوحدة ...مرة أخرى ...لماذا أصبح الجميع يتحدث عنها
- هل انتى متزوجة ام ...سألتها دينا بعفوية
فضحكت السيدة بقوة رغم الحزن الذى ظهر بين مقلتا عيناها وقالت بمشاكسة جعلتها تبدو أصغر من عمرها بكثير ...متزوجة ...لكن كم تعطينى من العمر
- ربما فى الأربعين ...قالتها دينا بارتباك لا تعلم ما سببه
فضحكت السيدة مرة أخرى وقالت بهدوء وهى تجلس بجوارها على الكرسى ...حسنا لن أخبرك بعمرى ولكنى سأخبرك انى كبيرة بما يكفى لكى يصبح لدى ابن تقريبا فى مثل عمرك
صعقت دينا ...ماذا ...متزوجة ...وأيضا لديها ابن فى مثل عمرى ...من ينظر اليها يعتقد أنها ربما تكون فى مثل عمرها ...حتى هى قد ظلمتها وهى تعطيها سنها للاربعين وحتى هى لا تعلم كيف نطقتها - هل تعلمى الجميع يقولون لا يظهر عليكى سن ...وربما كان هذا ما كان يزعج زوجى رحمه الله ...
أخذت السيدة نوال نفسا عميقا ووجهها ارتسم عليه معالم الحزن رغم أنها كانت تبتسم ...
- اشتقت إليه ...قالتها بألم ودموعها لفحت بشرة وجهها الخمرية ...
ربتت دينا على ظهرها بتلقائية فابتسمت شبه ابتسامة ...فبادلتها دينا الإبتسامة وقالت بهدوء وفضول ظهر جلى فى عيناها ...كيف تزوجتيه. ...وهل تزوجتما عن حب
- هل سيكون لديكى سعة صدر لتستمعى لقصتى ...فاؤمات دينا رأسها بسرعة موافقة

 

الفصل التاسع عشر (ج2)

بدأت نوال فى قص كل شئ على دينا التى استمعت بانصات وفضول شديدين ...
- لقد كنت الاخت الكبرى لخمس فتيات أنهيت المرحلة الاعدادية ولم تسمح لى الظروف بإكمال دراستى ...تزوجت بالصدفة ...انعقد حاجبى دينا بشدة ...فابتسمت السيدة نوال وه تتابع ...كان لوالدتى صديقة كانت تعرف والدة زوجى التى كانت تبحث عن عروس لابنها الأكبر الذى لم يحالفه الحظ فى الزواج ...فرشحتنى صديقة والدتى لها ...أتت وراتنى فاعجبتها وبعد ذلك اتفقت مع والدتى على كل شئ. ...اتفقت على أن تحضر هى وزوجها وابنها لرؤيتى وفعلا أتوا ...كنت صغيرة فى هذا الوقت ولم أكن افهم شيئا لكنى كنت أشعر بارتباك وخوف شديدان ...جلست معه ومن خجلى لم أجرؤ على رفع عيناى إليه وهو أيضا كان صامت مثلى انتهت الجلسة بهدوء ...وبعد ذلك عرفت بعد رحيلهم ان والديه اتفقا مع والديا على ان يكون الزفاف بعد ثلاثة أشهر ...الحقيقة لم انزعج او اعترض على الأمر ...فبعد تلك الجلسة بعدة ايام أتى وأحضر الكثير من الهدايا للجميع فلمحته خلسة وهو جالس مع والدى كانت ملامحه رجولية للغاية وفى نفس الوقت مطمئنة ومريحة لا أعلم شعرت بأنه خطف قلبى فى هذا الوقت واننى أسعد شخص لأننى سأكون زوجته ...قالتها بأعين عاشقة ...كما جعل عينا دينا تلمعان بحب ...فنظرت السيدة نوال إلى دينا بخجل وهى تقول بصوت ناعم ...فى اليوم الذى حضر فيه حاولت والدتى اقناعى بمقابلته ولكننى رفضت فحزنت لرفضى واعتقدت إننى رافضة له وحاولت الحديث معى لكننى لم أكن أجيبها غير بالصمت فتحركت وقالت بهدوء ...نوال ستعلمين إننى أفعل هذا لمصلحتك...

لكنها لم تكن تعلم ان ابنتها قد وقعت فى الحب منذ ان رأته ...
تنهدت تنهيدة مطولة وتابعت ...بعد هذا اليوم لم ياتى فاعتقدت بأنه قد انزعج برفضى لمقابلته...انشغلت انا ووالدتى بالشراء والتحضير للعرس ...وقبل الزفاف بعدة ايام علمت أن عمره ست وثلاثون عاما ...وأنا ما زلت فى مقتبل الشباب تسعة عشر عاما ...لقد كان يكبرنى بسبعة عشر عاما الحقيقة أصبحت خائفة بل وأيضا منزعجة كيف ساتزوج برجل يكبرنى لهذه الدرجة ...تم الزفاف واكتشفت خلال شهر العسل كم هو رائع وطيب وحنون...لقد كان يقول لى دائما"انتى ابنتى ولستى زوجتى فقط " اخبرنى بعد ذلك انه كان معترض على الزواج منى عندما علم بسنى ولكنه عندما رانى قال انه غير رأيه ...احبنى مثلما أحببته ...مر عدة أشهر على الزواج ووالدته تنتظر ان تستمع إلى البشارة ان تكون زوجة ابنها حامل لكن خاب أملها عندما لا تجد اى نتيجة ...فبدأت معاملتها لى تتغير شيئا فشيئا ...
فجلست على الأريكة وهى صامتة عدة دقائق تضغط على أصابع يدها بقوة ونظرتها تغيرت وأصبحت حزينة خائفة و مهمومة ...راقبتها دينا فى صمت وهى تراقب ملامح وجهها ...حتى قالت السيدة نوال برنة حزينة ومبحوحة...قضيت أسوأ عاما فى حياتى كدت فيها ان أموت قهرا من معاملة والدته التى أصبحت سيئة للغاية ...لكن هو لم يكن سى معى ابدا حتى أنه شجعنى على إكمال دراستى وكان يدافع عنى أمام والدته باستمرار ...بعد عام ونصف انصفنى الله أمام الجميع وعلمت إننى حاملا ...سعد الجميع بهذا الخبر وأصبحوا يعاملوننى بطريقة أفضل ...الحقيقة انزعجت من الأمر هل لو لم استطع انجاب طفل لهم هل كان ستستمر معاملتهم لى هكذا ...

مسحت السيدة نوال دمعة عابرة على وجنتها وهى تقول بسعادة رغم رموشها المبتلة بالدموع ...كان انجابى ل اسا. ...قطعت بسرعة كلماتها عندما لاحظت عيناى دينا المرتكزة عليها ... فبلعت ريقها فهى لا تريدها ان تعرف من تكون حتى تصحح الأمور بينهم أولا فتابعت...لقد كان إنجاب الصبى ورقة اليانصيب لى ولزوجى أحمد فبدأ الجميع بالاهتمام بى وبطفلى حتى أن والدته كانت تحمل ابن ابنها دائما فاتاح لى هذا ان أستطيع أن اكمل دراستى حتى أخذت شهادة الدبلومة للثانوية ...وبدأ عمل زوجى (أحمد ) يكبر شيئا فشيئا بدلا من أن كان مجرد مكتب محاسبة صغير أصبح شركة متوسطة حتى حياتنا تغيرت معها الشقة أصبحت منزل راقى وجميل ...
قضيت معه أجمل ايام حياتى لم أشعر فيها إننى أصغر منه لم أكن أشعر به زوجى فقط بل كان والد لى ساندنى وساندته حتى أصبحت لا أستطيع الاستغناء او الابتعاد عنه ...ابنى كبر وأنهى دراسته وأصبح هو المسئول عن كل شى ...وبدأ لى زوجى بالتفرغ لى سافرنا إلى أماكن لم أرها. ...حتى حدث ما حدث منذ عشرة أعوام ...قالتها ب اكتئاب
اجفلت دينا عندما شهقت السيدة نوال بقوة وهى تنظر إلى ساعة الحائط. ...يا الله لقد تأخرت ...يجب أن اذهب الآن ...سأخبرك المرة القادمة عندما نتقابل ولا تقلقى ساتى اليكى انا ..قالتها السيدة نوال وتابعت وهى تأخذ حقيبتها وتتوجه نحو الباب ...سأذهب واتصلى بى عندما تنتقلين ...لا تنسى سأنتظر اتصالك ...لقد اعطيتك رقم هاتفى آخر مرة أليس كذلك ...فاؤمات دينا براسها موكدة
ومن ثم خرجت ...أغلقت الباب خلفها بهدوء ووقفت خلفه وهى تبتسم على تلك المرأة العفوية ...
- انها امرأة رائعة حقا ...قالتها دينا بسعادة ...

لقد احبتها حقا ...ويبدو انها ستفكر بجدية أكثر حتى تبدأ فى المشروع معها ...لقد كانت خائفة فى البداية لكن حقا الآن لم تعد كذلك ...
دلفت إلى الغرفة التى تضم رسوماتها وبنظرة متلهفة نظرت إلى لوحتها التى تتوسط تلك الغرفة وهى تحدق بها بحزن وعيناها ملأ بالدموع وتقول بحشرجة واختناق...هل تعبت من تتبعى وملاحقتى. ...أ مللت منى يا أسامة؟! ...ولم تعد تلاحقنى!. ...هل ستستطيع ان تنسانى ...لكن ماذا أفعل انا! لم استطع أن أفعل وانساك! !رغم إننى أكثر شخص يجب ان يبتعد لكننى لم أستطع الصمود أكثر ...أغلقت عيناها بقوة بعد ان خانتها دمعتها وسقطت على خديها تقول بألم ...أريدك واحبك ...

 

دلفت إلى غرفتها مباشرة بعد ان رأت سيارة ابنها أمام المنزل وبدأت فى خلع العقد الذى يزين عنقها ...فادارت جسدها نحو الباب وهى تستمع لصوت إدارة مقبض الباب وخادمتها تدنو منها تقول بصوت منخفض لا يخلو من العتاب ...لماذا تاخرتى؟ ...لقد خفت ان ياتى فى اى وقت وتتقابلان هناك ...وحينها يذهب كل مخططاتنا أدراج الرياح
ابتسمت السيدة نوال وقالت ...ماذا أفعل لقد كان الجلوس معها ممتعا! ...وتابعت وهى تسحب ثوب منزلى أنيق من دولابها الكبير ...لكن اخبرينى هل أتى !...
- نعم أتى منذ دقيقة تماما و دلف إلى المكتب مباشرة ...قالتها الخادمة بسرعة
- حسنا جيد إننى قد ذهبت مبكرا ...لكنى أفكر بالذهاب إليها عندما تنتقل من شقتها وسيكون هذا آمن ولن أشعر بالخوف من أن يرانى أسامة او يعلم بأننى أعلم كل شى بعلاقته مع دينا ...
- حسنا هل تحدثتما عن اى شى يخص المشروع ...سألتها الخادمة
- لا ...ردت السيدة نوال
فضيقت الخادمة عيناها قائلة بدهشة ...إذا عن ماذا تحدثتما
فأجابت السيدة نوال بمشاكسة ...لن أخبرك ...قالتها وهى تدلف إلى الحمام مغيظة خادمتها
التى ضربت يديها ببعضهما قائلة بقلة حيلة ... يا الله الن تكبر هذه المرأة ابدا أ ستظل هكذا ؟!...

 

كان يجلس على مكتبه الوثير مستندا بجسده على ظهر كرسيه واضعا ذراعه على عيناه بتعب وضيق ...لقد اشتاق إليها ويتمنى رؤيتها لكن ماذا يفعل خائف من ان تصده او تحدثه بقسوة عندما يتكلم معها ...خائف من نظراتها المعاتبة والمتالمة والقاتلة بالنسبة لمشاعره ورجولته ...لو فقط تستمع له ...لو فقط تعطيه فرصة وتستمع له حينها سيصلح كل شى بينهما ...حمد الله فى سره على زواج سيف وإلا لاعتقدت انها تحبه ...هو المخطئ هو من جعل سيف يتقرب منها ويساعدها لكن ماذا يفعل عندما علم بما حدث لها وأنها على وشك الانهيار لكنه أيضا لم يستطع ترك والدته فى الخارج فى مصحة نفسية ويعود ...كيف يترك والدته بعد ان فقد كلا منهما أغلى شخص بالنسبة لهما هو فقد والده وهى فقدت زوجها الذى لم تحب ولن تحب شخصا مثلما أحبته ...لذلك كل ما فكر به فى تلك اللحظة هو سيف ...سيف الذى يستطيع أن يساعدها ويخرجها من الضاءقة التى كانت بها ...فى حين انه مر عليه أسوء عامان فى حياته وهو يرى ويراقب ذبول والدته يوما بعد يوم أمام عينه لقد كانت الصدمة أكبر مما تستطيع تحمله ...لولا انها شعرت بأنه اخيرا بجانبها وبأنه كل ما بقى لديها من زوجها ...كل هذا أعطاها دافع لتكون بخير ...والحمد لله أصبحت حالتها تتحسن وعندما علم انها تستطيع ان تمارس حياتها وأنها خرجت تماما من صدمتها عاد بها إلى مصر ...وهو يحمل شوقا وحنينا جارفا إلى من ملكت قلبه منذ ان راءها ...
أخذ أسامة نفسا عميقا ثم أخرجه بضيق ...وهو يفكر عن خطوته التالية للتقارب من حبيبته ...دينا

 

فى اليوم الثالث من العزاء أخذ سيف اروى ورحل ...وقد سبقه فى ذلك جده وأخته الحاجة زينب... ...ولم يبقى غير والد سيف سليم ومراد وزوجته نورا وعادل والد اروى ووالدتها السيدة فريدة ومحمود ومالك الذى كان يراقب صمت وحزن ريم على صديقتها فى صمت من بعيد ...ولكنه كان يرسل إليها دائما الرسائل لكى يطمان عليها وعلى نور فهو لم يستطيع أن يكون لوحده معها فى تلك الظروف ...
انتهى ثلاثة ايام العزاء وما زالت نور على حالتها كلما تستيقظ تصرخ وتنهار ولا تهدأ إلا عندما تأخذ الحقنة المهدءة لم تكن تأكل فلجوء إلى أعطاها محلول مغذى لعل حالتها تتحسن لكن حالتها النفسية والجسدية كانت تسوء يوما بعد يوم ...
وفى غرفة الجلوس فى منزل الحاج عزيز ...جلس الجميع مجتمعون وجلس قبالتهم الحاج عزيز ...الذى قال بهدوء
- شكر الله سعيكم ...لقد كان أخى محظوظا بأصدقاء مثلكم
نظر مراد بحدة إلى سليم ففهم الأخير مقصده

و تنحنح سليم قائلا...سيد عزيز ...سنذهب ...لذا سنأخذ نور معانا ...
قاطعه عزيز وهو ينهره بقوة ...ماذا! ...تأخذ من! ...ولماذا تعود معكم ؟!...
قال سليم بهدوء ...سناخذها لقد اوصانى والدها ان اعتنى بها إذا حدث له شئ
- باى صفة ستاخذها معك !...قالها بحدة ثم تابع بهدوء ...ابنة أخى ستبقى معى ...لذا شكر الله سعيكم ...قالها ثم خرج وهو يتبعه أولاده الاثنان ...
ظهر الغضب على ملامح مراد جلية ثم قال موجها حديثه إلى سليم ...ما الذى نطق به ...كيف سنترك الفتاة معه ...سناخذها حتى ولو بالقوة
- مراد أهدى هو لم يقل شئ خاطى عنده حق ...نحن مجرد أصدقاء لوالدها ...وهو عمها وله الحق قالها محمود بهدوء ووافقه كلا من سليم وعادل ..
ظهر الامتعاض والغضب على وجه مراد وتركهم ...أخذ زوجته وذهب من دون ان يتحدث معهم ولم ينتظرهم ليعودوا جميعا ...ولم تحاول زوجته الكلام معه وهى تلاحظ غضبه جلى على وجهه فهى تعلم بحزنه الشديد على موت صديقه
صعد الباقون إلى سيارتهم وانطلقوا خارجين من تلك البلدة التى يقبع بها جثمان صديقهم ...الذى لم يفترقوا عن بعضهم لا فى السراء ولا الضراء فكلا منهم ساعد الآخر وكأنهم أخوة...لكن أتى الموت وأخذه إلى خالقه وهكذا هم جميعا راحلون ...تموت الروح وتفارق الجسد الذى سيقبع تحت التراب ويبقى شى واحد للإنسان ...عمله
خرجت ريم من الغرفة التى قضت بها ايام العزاء مع صديقتها المنهارة ورأت مالك واقفا ينتظرها
تصلبت ملامحه وهو يرى التعب والإرهاق واضح على وجهها ...
فقال بنبرة هادئة. ...هيا يجب ان نذهب لقد انتهت ايام العزاء
فردت بأعين ذابلة ...حسنا ساجهز نور لنذهب ...قالتها وتحركت بضع خطوات لولا أن اوقفها مالك قائلا ببرود ...نور لن تذهب معنا ...فهى ستبقى مع عمها ...
التفتت إليه وهى تقول بنبرة حادة غاضبة ...ماذا! ...لكنى لن أتركها ...ساخذها معى !
فرد بنبرة محذرة ...ريم ...يجب أن نذهب وأنا لن أستطع البقاء أكثر من هذا لدى أعمال ...لذا سنذهب ...
بلعت ريقها من نبرته وقالت بحزن واعين دامعة ...لكنها ليست بخير
فاقترب منها وأمسك بيديها الباردة بيده ليدفاءهما قائلا بمواساة وحنان ...نور ستكون بخير انها بين أهلها لذا لا تقلقى عليها ...فنظرت إليها برجاء فقال بهدوء ...ريم ارجوكى ...يجب أن نذهب لن أستطيع البقاء ...فتحت فمها لتنطق لكنه قاطعها قائلا بقوة ...ولن أستطيع تركك هنا ...ثم ترك يدها وقال بصرامة ...لذا اذهبى وحضرى نفسك بسرعة لكى نذهب ...نطق كلماته ونزل درجات السلم
دلفت إلى الغرفة ووجدت السيدة هيام تجلس على طرف السرير بجوار نور النائمة وهى تربت على يديها وراسها تهمس ببعض آيات القرآن ...

لمعت عيناها فى أمل فعلى الأقل يوجد شخص سيهتم بنور ...نعم انها عمتها ...لم تترك نور منذ ان أتت واهتمت واعتنت بها معها ...نعم ستذهب وستشعر ببعض الاطمئنان وهذه السيدة موجودة ...قبلت رأس نور وعيناها تبكى بخوف وحزن عليها ...وودعت السيدة هيام واوصتها ان تهتم بها واعطتها رقم هاتفها لكى تحادثها إذا حدث اى شى لنور ...قابلت السيدة هيام وداعها بعناق وهى تخبرها بأن نور أصبحت ابنتها وغاليتها والا تقلق عليها ...خرجت من المنزل ...وصعدت سيارة مالك الذى كان يستند عليها بجسده وما ان راءها حتى فتح لها الباب وانطلقا صامتان

 

دلف إلى المكتب مباشرة وهو يقول ببهجة...لقد اوشكنا على الوصول و...صمت ماجد نهائيا وهو يراقب صمت سيف ووجهه متجهم. ...ضيق جبينه وقال بهدوء ...ماذا بك؟! ...
- لا شئ ...رددها سيف بصوت منخفض
فرفع ماجد أحد حاجبيه وقال بتأكيد ...هل أنت متأكد!
-نعم متأكد ...هتف بها بضيق وغضب
- هل حدث شى فى عزاء المستشار ياسين ...او حدث ان تصادمت مع والد...
قاطعه سيف بحدة. ...لا لم يحدث صدام او اى شى ...وإن لم تصمت يا ماجد عن طرح أسئلتك هذه ... أخرج ...لأن رأسى تكاد تنفجر من التفكير ...
لانت ملامح ماجد وقال بهدوء ...حسنا سأذهب لكن ان احتجت للحديث فأنا موجود
قالها وخرج من الغرفة ...فابتعد سيف عن مقعده خلع سترة بذلته و دلف إلى حمام مكتبه مباشرة غسل وجهه بالماء البارد وخرج وهو يقول فى نفسه بصوت عميق يكشف عن روحه المضطربة نعم فهو مضطرب ...مشاعر كثيرة تدور فى رأسه كدوران الكواكب حول الشمس تجعله عاجز عن التفكير ...فى اليوم الذى وصلوا فيه للعزاء وانتهاءه لم يستطع أن يفكر غير أن يأخذها معه إلى منزل جده وكان بإمكانه تركها مع صديقتها التى يعلم انها تحتاجها وبشدة ...لكنه لم يستطع التفكير بأنه قد يتركها تنام فى مكان ما بعيدا عنه ...فقد أصبحت أنفاسها هى النغمات التى يستطيع النوم عليها براحة ...حتى وإن كانت صامتة ...غاضبة او حتى باردة ...وعندما عاد اخذها معه كان يعتقد او ربما هو متأكد انها سترفض العودة معه وتبقى مع صديقتها وحينها سيستخدم القوة لتعود معه ...لكن للمفاجاة هى لم تعترض بل ذهبت معه بهدوء ...لكنها أصبحت أكثر صمتا وبرودة فى مشاعرها معه ...احيانا كثيرة أراد أن يحتضنها إليه بقوة ليشعر بالاطمئنان ربما لا نه اراد ان يشعر بذلك الإحساس معها ويشبع رغبته الجامحة بها او ربما لانه أراد أن يحقق لجده ما أراده لكنها ابتعدت اكثر ... لكن ما جعله متماسكا قليلا معها انه يعلم انها بجواره فى غرفة واحدة وسرير واحد ...رغم ان التفكير بها بهذه الطريقة جعلته يشعر وكأنه مريض ويحتاج الى طبيب فهو لم يفكر يوما فى امرأة هكذا ...رغم تجاربه وعلاقاته القليلة والتى يمكن عدها على أصابع اليد إلا انه لم يتعلق بامرأة ...لكن هى مختلفة ...هى زوجته ...تبا ...هتف بها غاضبا وهو يضرب بقبضة يده الحائط ...لم يعد يستطيع التفكير ...فظهرت سخرية على وجهه قائلا بتهكم فى نفسه وهل فكرت فى شئ يوما ...عندما تزوجتها لم تفكر غير فى الأسهم التى ستضمن حقك بين شركات عائلة الحسينى حتى لا يطردوك إذا حدث شى لجدك ...فأنت تعلم أكثر من غيرك انه إذا حدث لجدك شى ستلتف السكاكين حول رقبتك مثل الشاه ليبعدوك عن طريقهم ...تنهد بضعف وهو يقول بصوت مكتوم حزين ...والآن ماذا ...فنظر إلى الفراغ قائلا بسخرية وكأنه يسخر من نفسه ...الآن جدك يريد حفيدا. ...ولكن الأهم من ذلك ماذا تريد انت يا سيف ...
أخرجه من أفكاره المضطربة صوت رنين الهاتف ...امسكه وعقد حاجبيه وهو يرى اسم سائق زوجته ...وضع الهاتف على أذنه وقال الرجل ما مطالب به وأغلق الهاتف مع سيده ...أبعد الهاتف عن أذنه وهو يصتك بقوة على أسنانه قائلا بحفيف خفيف وعيناه تضيقان بشك ...معمل للتحاليل مرة أخرى ماذا هناك يا اروى وما الذى تخفيه

 

دلفت إلى الغرفة بتعب وألقت حقيبتها بإهمال على السرير تبعتها سترتها الخوخية التى حمتها من برد هذا اليوم ...وبعد ذلك جلست على السرير وأخرجت من حقيبتها ورقة ما ...لم تستطع التحكم فى اهتزازة يدها وهى تحمل بين يديها ما يثبت ثمرة هذا الزواج ... لكن ماذا تفعل. ..هل تصمت بعد ما استمعت إليه وياليتها لم تستمع كانت تفضل لو تظل حمقاء تعتقد انه ربما يوما ما قد يحبها ...لكنها ولغباءها حققت له ولجده ما أراده دائما ...طفل ...طفل سيكون مجرد سلم مثلما هى والدته للوصول الى ما يريده ...مجرد اسهم ستجعل له مكانة وسيطرة أكثر على ما يريد ...
وضعت يديها على بطنها وهى تشعر بذلك الإحساس الذى لا تعلم هل تحزن ام تفرح لشعورها به ستكون أما ...والذى تمنته وحلمت به دائما هو والد لهذا الطفل ...لثوانى ظهرت ابتسامة جعلت عيناها تلمعان بسعادة ...فهزت رأسها بسرعة
حمقاء ...هتفت بها وهى تلوم نفسها على تفكيرها الاهوج هذا به ...ما زالت تحبه ...وما زالت تريده ...لكن ماذا تفعل قلبها يخونها فى الوقت الذى تصبح فيه معه رغم أنها حاولت أن تجعل مشاعرها جامدة لفترة ...ولكنها ما زالت تحن وتشتاق له ...لكن عليها التفكير فى شئ ...شعرت وكان أنفاسها تكاد تقبض على صدرها فتنفست بضيق وقالت بقلة حيلة
- ماذا ستفعلين يا اروى ...

 

وضعت الاوراق التى تحتاج الى توقيع منه ووقفت بجسد متصلب أمامه تراقب لحيته التى نمت مؤخرا...أعين ذابلة فقدت رونقها ووجهه نحيلا لم يعد ينام إلا لدقائق معدودة فى اليوم ...حتى جسده الذى ظهر انه قد فقد بعضا من وزنه... قليلا جدا ما كان يتزكر انه يجب عليه ان يأكل مثل باقى البشر
- ما الذى حدث جعلك هكذا يا حازم ...من امامى الآن ليس حازم المعتد والفخور بنفسه ...من امامى الآن رجل يحارب شيئا فى نفسه ...من امامى الآن رجل قد فقد شيئا غاليا عليه ...رجل يفكر ويفكر فى شىء بعيد عن يده ...حدثت ايملى نفسها بذلك وتنهدت بحزن
- هل هناك اى شى آخر ...قالها حازم بصوت ضعيف لكنه عميق
حركت رأسها نفيا ثم سحبت الأوراق وخرجت بهدوء وهى تراقبه بحزن ...لو تستطيع مساعدته
دفن وجهه بين راحتى يده ...يشعر بتعب جسده منهك للغاية ...لقد بدأ يقتل نفسه بالبطىء وهو بعيد عنها ...أعتقد أنه سينسى خلال فترة من ابتعاده ...لكنها أبت الابتعاد عن رأسه ...حتى أحلامه أصبحت تشاركه بها فى دقاءقه المعدودة التى يغلق عيناه بها ...شعور من الاختناق والحزن المكتوم اصبح يضيق على صدره هل يعود ...ام يبقى اكثر لعله ينسى ...لو كان قابلها مبكرا اكثر ...ولو لم يكن موجود ذلك ال مازن ...ماذا كان سيحدث هل كنت ستستطيع التقرب منها ...او هل حتى كنت ستستطيع ان تبوح بمشاعرك لها ...انك فاشل للغاية فى كل ما يتعلق بالمشاعر والقلب لم يكن يوما على علاقة بفتاة حياته كانت تدور حول الدراسة والعمل فقط لكى يستطيع أن يثبت لنفسه انه يستطيع أن يكون حازم وليس حازم مراد السيوفى ابن أشهر وامهر محامى البلد ...الرجل الذى وصل إلى ماهو عليه بذكائه ودهاءه المعتاد ...حتى هو نفسه ورث من والده ذلك الدهاء ...فكرة انه يشبه والده جعلته يتمنى فقط ان يثبت انه عكس ذلك ...لذلك ابتعد ...أرد ان ينجح من دون ان يقول أحد انه وصل إلى كل هذا بمساعدة والده...لكن ماذا عن نور ...انه يشتاق إليها ...حتى انه احيانا يفكر انه لم يعد يهمه ان يكون هو الرجل الثانى بالنسبة لها فى كل شئ رغم أن هذا يخنقه لكن ماذا سيفعل ...لقد أحبها منذ راءها وسحبت أنفاسه معها ...حتى لم يعد يستطيع التنفس

 

ظل يراقب صمتها لدقائق حتى تكلمت اخيرا وياليتها لم تنطق او حتى تفتح فمها وهى تقول بلامبالاة وكأن الرجل الجالس أمامها حجر لا يشعر بما تقوله ...ولكنها لا تعلم ان كل كلمة تنطقها تقتحم روحه بقسوة وخشونة فتجعله يتاوه بالم ...وهى تتحدث عن رجل آخر أمامه وكأنه لم يعبر عن شعوره نحوها مرات عديدة
- حازم ...ليس بخير ...انه يقتل نفسه ببط. ...أرجوك يا وليد تحدث معه ...ألستم أصدقاء ...قالتها ايملى برجاء وحزن ظاهر على وجهها
كتم شتيمة بذيئة كادت أن تخرج من فمه وهو يزم شفتاه حتى لا يكون شخصا غير مهذب معها ...ويلعنها ويلعن حازم ...ويلعن اليوم الذى عرفها به هى و حازم ...هل كل ما ستتصل به ستتحدث عن حازم هكذا ...وهى بهذا القلق والخوف وكأنه حبيبها الذى على وشك انت تفقده ...هز قدمه بعصبية وضغط على يده يحاول أن يتحدث بهدوء
- لا تقلقى حازم سيكون بخير ...لا تشغلى نفسك انتى بهذا ...قالها بنصف عين
فحدقت به بانوثة وشفتاها تهتز جعله يتمنى لو يفعل كما يفعل الأجانب ويقبلها فى منتصف المكان الذى يجلسون فيه فيتحرك الجالسون مبتعدين عن مقاعدهم ويصفقون لهما بحرارة ...ضغط على شفته السفلى يحاول كتم رغبته الجامحة بها ...انها مثيرة وجميلة ...يتمنى لو يستطيع أن يحصل عليها وحينها ستكون دعوات والدته الدائمة له مستجابة ...لكن وللأسف رغم بقاءها فى بلد اجنبى إلا أنها ما زالت راغبة بعلاقة حقيقة بل أكثر من ذلك تريد عائلة وزوج ...وهو لا يمكن أن يضع نفسه فى هذا المشهد الذى يضم عائلة. ...مجرد تفكيره بأنه سيكون شخصا مسئولا يجعله يشعر بالاشمئزاز وخوف شديدان ...لقد ترك كل شى فى مصر من اجل شى واحد وهو أن يكون حرا بعيدا عن قيود وتحكمات خاله عزيز الطماع الجشع الذى استولى على أموالهم شيئا فشيئا بعد وفاة والده ...لولا ان أخاه خالد بدأ يدير املاكهم بمهارة لكانوا فقدوا كل شى وأصبحوا ملقون فى الشارع ...لكنه أيضا لا يستطيع ان ينكر مساعدة خالهم ياسين لهم ...رحمه الله ...قالها وليد فى نفسه ...لقد كان يعامله هو وخالد وكأنه أبناءه ...وابنته الجميلة تلك ...ما كان اسمها ...نور ...نعم نور ...لقد كان المستشار يخاف عليها من نسمات الهواء التى كانت تداعب خديها ...من أجلها لم يتزوج ومن أجلها أيضا ابتعد حتى يحميها من أخيه الذى طمع حتى فى ما ورثه ياسين من والده مع انه قد حصل مثله على نصيبه لكنه طمع بما يملكه أخوه وأخته ...اخذها وسافر ...لا يتزكر انه رأى نور إلا مرات قليلة للغاية عندما كان خاله المستشار ياتى لزيارتهم ...لكن منذ ان سافر وليد من اجل الدراسة وهو لم يعد يسمع او حتى يسأل عنها ...
عاد بنظره إليها وهو يقول بصوت رقيق وهو يمد يده ليلمس يدها فيشعر ببشرتها الحريرية الناعمة ...
- اتركينا من حازم واجعلينا نتحدث عن أنفسنا
شعرت ايملى بدقات قلبها المتسارعة فحاولت بلع ريقها وقالت بثبات ...
- وهل هناك شئ لنتحدث به
التمعت عيناه وقال بمكر
- الكثير ...ما رأيك ان نتقابل لنجلس ونتحدث قليلا مع بعضنا عنك وعنى مثلا ...
ضحكت ايملى بقوة وهى تقول فى نفسها يالك من ماكر ومخادع فهو ما زال يريد التلاعب بها وهى لن تكون يوما لعبة فى يده ...تحركت مبتعدة عن الطاولة وهى تنظر له بشر واحتقار ...
تافف بغضب وهو يراقب ابتعادها...فيبدو انه ستتعبه حتى يحصل عليها ...لكن لا مشكلة لديه طالما هى ستكون بين يديه فى يوما من اليوم

 

خوف ...قلق...حزن ...كل هذه مشاعر أصبحت ترادوها منذ فترة ...وفوق كل هذا اشتياق له ...حنين غريب يدفعها لتذهب للبحث عنه ...وتخبره انها لم تستطع نسيانه ...ما زالت تذكر كلماته همساته حتى أصوات تنفسه. ..ما زالت تذكر كل شى وكأنه حدث أمس وليس منذ أكثر من خمس وعشرون عاما ...ياسين ...قالتها روز بحرقة وألم ...ياسين ...سبب ألمها وحزنها ...ياسين الرجل الذى ذهب وتركها ...ياسين الذى تمنت أن تعيش معه حاضرها ومستقبلها ...لكن كل شى أتى عكس ما تمنت عندما تحطمت أحلامها بموت طفلتها ...آه لو لم تمت لما تركها ...قالتها ببكاء وحزن يحرق احشاءها... أمسكت القلادة وهى تتذكر صديقتها ...فيروز التى كانت سببا لمعرفتها ب ياسين...فيروز التى لم تتهنى برؤية ابنها فيروز التى ضحت بنفسها من اجل أن تشعر بشعور الأمومة حتى لو كان لعدة ثوانى ...نعم فهى لم تضم ابنها إليها كما تفعل اى امرأة ...بل وضعته وماتت وتركت الباقين متخبطين فى مشاعرهم نحوها ...سليم الذى تدهورت حاله منذ ان علم انها ماتت ولم يلمس ابنه بل عامله وكأنه سبب موتها ...
و مارسيل الذى كان تحت قدمها فقط لتقول انها موافقة عليه وأنها تريده ...مارسيل ...هتفت بها روز بقلق واضح ...فاخاها يبدو وكأنه يخطط لشئ ما ...
ستكتشف كل شى بنفسها ...نعم ...وبعد ذلك ستعود للبحث عنه ...وتقول له كم هى احبته وكم تشتاق له ...وكم انتظرت ليعود لها ...ياسين نبض قلبها ...

 

نظر إلى الملف الذى بين يديه بتركيز وهو يخرج محتواياته ...بعض الأوراق وبعض الصور وللمفاجاة هى لابنة أخته ...نور ...تلك ال علا ...حقا ليست سهلة عندما رات روز وهى بدأت تحاول أن تتزكر أين رأتها ...لم تسكت عن الأمر حتى عادت إلى مصر وبدأت تبحث عن من رأتها وتشبه روز كل هذا الشبه ...وبالفعل استطاعت الوصول إلى كل شى يتعلق بنور ...دراستها سنها من تكون عائلتها وأين تعمل ...كل شئ يخص ابنة أخته يقبع بين يديه الآن ...لكن تلك الافعى علا ...لا تعلم أنه بالفعل كل شى يخص نور ياتى إليه بصورة مستمرة ...ف ياسين عندما قال ان ابنته قد ماتت لم يعتقد ان مارسيل كان يراقب كل شى من بعيد وبصمت ...فهذا أفضل له وللطفلة ...الذى كان يفكر بالفعل فى قتلها. ...لكن عندما اخذها ياسين وذهب بعيدا عن عيناه ...لم يعلم بأنه هو وابنته تحت مراقبته ...وقد وصله بالفعل خبر موت ياسين المنشاوي ...يا الله كيف سيكون وقع الخبر على أخته ان علمت ...لكن من الأفضل له الا تعلم ...حتى يستطيع ان يحقق ويصل إلى ما يريده ...ثم حول عيناه إلى الصورة الأخرى ...سيف السيوفى ...انه الورقة الرابحة بالنسبة له ...جمع الأوراق والصور ووضعها فى درج مكتبه وأغلق عليه بإحكام ...فيجب الا تعلم روز باى شى إلا عندما يحقق ما يريده ...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة